محمد فوزي


        
<p><strong>شهدت الساحة السياسية الألمانية، في السادس عشر من الشهر الجاري، تطوراً لافتاً ارتبط بإعلان وزيرة الدفاع "كريستين لامبرشيت" عن استقالتها؛ وذلك بعد جدل كبير في أعقاب تصاعد الانتقادات الموجهة إليها، وهي الانتقادات التي ارتبطت من جانب بالسياسات التي تبنتها الوزيرة تجاه الحرب الأوكرانية، ومن جانب آخر ببعض الممارسات الشخصية للوزيرة. وقد طرحت خطوة استقالة الوزيرة العديد من التساؤلات التي تحاول الوقوف على ارتداداتها المحتملة على المشهد السياسي الألماني، وعلى توجهات الوزارة في الفترات المقبلة.</strong><strong></strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحديات قائمة</span></strong></p>



<p><strong>تطرح استقالة وزيرة الدفاع الألمانية السابقة كريستين لامبرشيت، عدداً من التحديات بالنسبة للمشهد الألماني؛ وذلك على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– اختيار بديل مناسب لقيادة الوزارة:</strong> كان التساؤل الرئيسي الذي طُرح في أعقاب استقالة وزيرة الدفاع الألمانية السابقة، مرتبطاً بالشخصية التي ستقود الوزارة خلفاً لها. وفي هذا السياق، وعقب تصديقه على قرار استقالة "لامبرشيت"، أعلن المستشار أولاف شولتز عن تسمية وزير الداخلية المحلي لولاية سكسونيا السفلى وعضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي بوريس بيستوريوس، وزيراً جديداً للدفاع، وقد صدق الرئيس الألماني فرانك–فالتر شتاينماير على اختيار الوزير الجديد بشكل رسمي يوم 19 يناير الجاري. وقال "شولتز" إن "بيستوريوس سياسي ذو خبرة كبيرة.. هو بالضبط الشخص المناسب لقيادة الجيش الألماني خلال نقطة التحول هذه" وفق تعبيره.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ووفقاً للمعلومات المتوافرة عنه فإن "بوريس بيستوريوس" سياسي ألماني ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو محامٍ وينحدر من ولاية سكسونيا السفلى، وخلال توليه منصب وزير الداخلية في سكسونيا السفلى، تخصَّص "بيستوريوس" في قضايا الأمن السيبراني والأمن الداخلي وسياسة الهجرة. كذلك شغل منصب رئيس بلدية أوسنابروك (مسقط رأس شولتز) بين عامَي 2006 و2013.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– خلافات حول الوزير الجديد:</strong> عقب إعلان المستشار الألماني "أولاف شولتز" عن التوجه نحو تنصيب بوريس بيستوريوس وزيراً جديداً للدفاع خلفاً لكريتسين لامبرشيت، تصاعدت الخلافات في الداخل الألماني حول الوزير المحتمل. وركزت الانتقادات التي وُجهت إلى "بيستوريوس" على كونه رجلاً غير معروف على المستويين الداخلي والخارجي، فضلاً عن انتقادات للقرار بسبب مستوى الخبرة التي يتمتع بها "بيستوريوس"؛ إذ إن كافة المناصب التي تقلدها كانت في ولايات إقليمية، واقتصرت علاقته بالجيش على الخدمة العسكرية الإلزامية. وبناءً على ذلك ذكرت بعض الدوائر الألمانية أن "بيستوريوس" لا يتمتع بالمؤهلات التي تجعله قادراً على قيادة وزارة الدفاع الألمانية. وفي إطار التحديات المرتبطة بتولي "بيستوريوس" قيادة الوزارة، فإن تولي الرجل قيادة الوزارة بعد تولية هذا المنصب لثلاث نساء منذ عام 2013، تُثير تساؤلات حول مدى التزام "شولتز" بالحفاظ على عدد متساوٍ من النساء والرجال في الحكومة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تنامي التهديدات الأمنية التي تواجه ألمانيا:</strong><strong> </strong>يتولى "بيستوريوس" قيادة وزارة الدفاع الألمانية في وقت شديد الصعوبة، تواجه فيه الدولة الألمانية تحديات أمنية ذات طابع مركب؛ فمن جانب توجد تحديات مرتبطة بالأزمات البنيوية التي تعيشها المؤسسة العسكرية الألمانية، وهي الأزمات التي تصاعدت معها الحاجة إلى تحديث الجيش الألماني، ومن جانب آخر يوجد تحديات مرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية وما صاحبها من تداعيات، وانخراط ألمانيا فيها بشكل غير مباشر؛ هذا فضلاً عن التحديات التي تواجه المهام العسكرية الألمانية في الخارج في أكثر من منطقة، وهي اعتبارات تزيد حجم التحديات التي يواجهها الوزير الجديد.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– الموقف من الحرب في أوكرانيا:</strong><strong> </strong>أحد التحديات الرئيسية القائمة التي ستواجه القائد الجديد لوزارة الدفاع الألمانية، تتمثل في الكيفية التي سيتعامل بها "بيستوريوس" مع الحرب في أوكرانيا؛ إذ تواجه برلين ضغوطاً كبيرة بسبب سياساتها في أوكرانيا؛ فمن جانب توجد إشكالات كبيرة تُثار بخصوص الانخراط المتنامي الألماني في الحرب إلى الحد الذي دفع بعض الدوائر الأمنية الألمانية إلى التحذير من أن هذا الانخراط سوف يؤدي إلى استهداف الأراضي الألمانية. ومن جانب آخر، يوجد ضغوط كبيرة من قبل أوكرانيا وحلفائها الغربيين على ألمانيا لإمداد كييف بالمزيد من الأسلحة، خصوصاً الدبابات القتالية "ليوبارد"؛ وذلك بالتزامن مع تصاعد الانتقادات الداخلية لنهج الدعم العسكري لأوكرانيا، وتداعيات هذا الدعم السلبية على تسليح الجيش الألماني ومخزون الأسلحة المتاح.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">توجهات محتملة</span></strong></p>



<p><strong>في ضوء المعطيات السابقة يمكن القول إن وزير الدفاع الألماني الجديد سوف يتبنى مقاربة متزنة تُحاول من جانب التعامل بالشكل الأمثل مع التحديات الراهنة، ومن جانب آخر تلاشي الأخطاء التي وقعت فيها الوزيرة السابقة كريستين لامبرشيت؛ وذلك على النحو التالي:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– أولوية تحديث الجيش الألماني:</strong> فور الإعلان عن اسمه خليفةً لوزيرة الدفاع المستقيلة كريستين لامبرشيت، أعلن بوريس بيستوريوس أنه يعتزم التركيز على تحديث الجيش الألماني خلال توليه مهام منصبه الجديد، وقال إنه "سيقدم نفسه للجنود"، وإنه سعيد للغاية بتولي هذا المنصب، ويعرف مدى أهميته في هذه الأوقات الصعبة، مضيفاً أن "مهام القوات المسلحة هائلة"، وأنه "يعتزم جعل الجيش الألماني قوياً". ويُعتبر إيلاء "بيستوريوس" أهمية كبيرة لهذا الملف أمراً منطقياً في ضوء كم التحديات البنيوية التي تواجه الجيش الألماني في الفترة الراهنة؛ إذ يعاني الجيش من إشكالات كبيرة تعاظمت معها الحاجة إلى تحديثه وإعادة بناء قدراته.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد أولت حكومة المستشار "أولاف شولتز" ملف تحديث الجيش اهتماماً بالغاً، وهو ما تجسد في تخصيص ميزانية قدرها 100 مليار يورو لهذه المهمة، وزيادة الإنفاق السنوي على الوزارة ليشكل أكثر من 2% من إجمالي الناتج الداخلي. وكانت مفوضة الدفاع الألمانية "إيفا هوجل"، قد أعلنت في أكثر من مناسبة أن "وضع الجيش الألماني مقلق، وأنه لا يملك القدرة على القيام حتى بوظيفته الأساسية المتمثلة في الدفاع عن ألمانيا في حال تعرضها لهجوم"، فضلاً عن إشكالات أخرى مرتبطة بنقص مخزون الأسلحة والذخائر، وحاجة العديد من الأسلحة الثقيلة لعمليات تصليح بما يضمن إدخالها في الخدمة مرة أخرى.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– انخراط متوازن في الحرب الأوكرانية:</strong> في تصريحاته الأولى عقب الإعلان عن اسمه وزيراً جديداً للدفاع الألماني، أشار بوريس بيستوريوس، إلى أن "ألمانيا منخرطة بشكل غير مباشر في الحرب الأوكرانية"، وهو تصريح يحمل دلالات عديدة؛ فمن جانب يؤكد هذا التصريح أن "بيستوريوس" سيحافظ على الثوابت التي رسختها ألمانيا لانخراطها في الحرب منذ اندلاعها، خصوصاً على مستوى دعم كييف، وتجنب الانخراط المباشر في هذه الحرب، لا سيما عبر إرسال أسلحة ثقيلة إلى كييف قد تُدخل الدولة الألمانية وحلف شمال الأطلسي في مواجهة مباشرة مع روسيا، فضلاً عن أن هذا الخيار مستبعد حالياً؛ إذ تصر كييف على ضرورة حصولها على دبابات "ليوبارد"، لكن شركة "رينميتال" للصناعات الدفاعية الألمانية أكدت أنه من غير الممكن تصدير دبابات "ليوبارد" لأوكرانيا قبل عام 2024، وأشار رئيس الشركة، في تصريحات صحفية إلى أنه "يوجد حالياً 22 دبابة من طراز ليوبارد 2، و88 دبابة من طراز ليوبارد 1 في مخزون الدولة الألمانية، لكن إصلاح وإعداد الدبابات التي خرجت من الخدمة سيحتاج إلى عام على الأقل".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومن جانب آخر، تُعبر تصريحات الوزير الجديد عن أنه سيراعي تنامي التحفظات الداخلية على الانخراط الألماني الكبير في الحرب الأوكرانية، وهي التحفظات التي عبَّر عنها عدد من الساسة الألمان، وعبَّرت عنها كذلك التظاهرات التي تخرج بين الحين والآخر في عدد من المدن الألمانية، وتُعبر عن رفض النهج الألماني تجاه الحرب، وتُطالب بوقف الدعم العسكري غير المسبوق لأوكرانيا؛ لتأثيره على الجيش الألماني وتسليحه، وكذا الرؤية القائمة على أن هذا الدعم يُساهم في إطالة أمد الحرب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– السعي لمواجهة التهديدات الداخلية:</strong><strong> </strong>على الرغم من أن التصريحات الأولية لوزير الدفاع الجديد في ألمانيا ركزت على أولوية تحديث وتقوية الجيش الألماني، والنهج المحتمل للحرب الأوكرانية، فإن أحد الملفات الرئيسية للوزير الجديد سوف تتمثل في السعي لمواجهة التحديات البنيوية الداخلية التي تواجه ألمانيا، لا سيما ما يتعلق بتنامي معدلات المتطرفين في صفوف الجيش الألماني، وهو توجه مُحتمل في ضوء تصاعد التقديرات التي تُحذر من تغلغل هؤلاء في صفوف الجيش الألماني. وكانت وزارة الدفاع الألمانية قد أعلنت في مطلع 2022 عن خطة لطرد المشتبه بأنهم متطرفون من الجيش دون اللجوء إلى إجراءات تأديبية مطولة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>في الختام، يمكن القول إن استقالة الوزيرة كريستين لامبرشيت، عبَّرت في دلالتها الرئيسية عن حجم التأزم الذي تعيشه وزارة الدفاع الألمانية في الفترة الراهنة؛ إذ إن الأمر يتجاوز في حدوده مسألة فشل أحد المسؤولين السياسيين. وتُحدث هذه الاستقالة – بلا شك – هزة بالنسبة للائتلاف الحاكم في ألمانيا، وتطرح في المقابل العديد من التحديات التي تواجه القائد الجديد للوزارة، خصوصاً في ظل حجم التحديات الراهنة.</strong></p>

      

التحديات التي تواجه وزير الدفاع الألماني الجديد