د. محمود زكريا

اعترفت الحكومة الفيدرالية الصومالية رسمياً بولاية "خاتمة" التابعة لمدينة "لاسعانود" كولاية كاملة العضوية تابعة لها في 14 أبريل 2025، لتصبح بذلك الولاية السادسة في الاتحاد الفيدرالي وهو ما أنهى معه حالة الغموض القائمة حول وضعها الدستوري، ويأتي ذلك في أعقاب زيارة رفيعة المستوى قام بها رئيس الوزراء "حمزة عبدي بري" إلى مدينة "لاسعانود"، حيث استقبلته حشود كبيرة في تأييد واضح لمساعي "مقديشو" لدمج الإدارة في الإطار الفيدرالي للدولة، مما سيستتبعه حصول هذه الإدارة على مقعد في إطار "المجلس الاستشاري الوطني" (NCC). وفي هذا السياق، تعهد الجانبان بمواءمة قوات الأمن التابعة للولاية مع الهيكل العسكري الوطني الصومالي وتسريع مبادرات التنمية في إطارها، كما سلّمت إدارة خاتمة 25 سجيناً إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية، كانوا قد أُسروا خلال المواجهات التي شهدها إقليم سول في عام 2023، وذلك كبادرة لإثبات التزام الإدارة بالمصالحة الوطنية. أبعاد مؤثرة ثمة جملة من الأبعاد المؤثرة المرتبطة بقرار الحكومة الفيدرالية الصومالية الاعتراف بولاية "خاتمة" ضمن الهيكل الفيدرالي لها، وتتمثل هذه الأبعاد فيما يلي: 1- تأثير ولاية خاتمة في صياغة سياسات الحكم والأمن بالصومال: تبلور ذلك من خلال انضمام ولاية خاتمة إلى "المجلس الاستشاري الوطني"، والذي يعد بمثابة جهة سياسية عليا في الدولة، الذي يضم في تكوينه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وقادة الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات، ويختص بالتنسيق بين مختلف الأطراف فيما يتعلق بإدارة وصياغة السياسات الوطنية المؤثرة، وتركز الاجتماعات الخاصة به على مناقشة بعض القضايا من قبيل الأمن والإصلاحات الدستورية وجهود إرساء الديمقراطية وغيرها، وقد عقد المجلس آخر اجتماعاته في مايو 2024، والذي تم خلاله تأكيد تكثيف العمليات الأمنية ضد الجماعات الإرهابية والانتهاء من صياغة الدستور ونقل المسؤوليات الأمنية من بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال "آتميس" إلى القوات الوطنية الصومالية، وقد تم توجيه دعوة إلى إدارة "خاتمة" لحضور اجتماع المجلس القادم في العاصمة "مقديشو" مع مطلع مايو 2025 وذلك استجابةً لدعوة الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" لإجراء حوار تشاوري حول القضايا الوطنية ذات الأولوية، والتي يأتي على رأسها الاستراتيجيات الأمنية لمكافحة وإنجاز الدستور والإصلاحات الانتخابية.2- رفض أرض الصومال اعتراف الحكومة الصومالية بولاية "خاتمة": تجلى ذلك من خلال إشارة المتحدث باسم رئاسة أرض الصومال "حسين داير" إلى أن زيارة رئيس الوزراء الصومالي "حمزة عبدي بري" إلى مدينة "لاسعانود" في أبريل 2025 بمثابة استفزاز وانتهاك واضح لسيادة أرض الصومال وسلامة أراضيها. واعتبر هذا التحرك خطوة نحو إعلان الحرب على سيادة القانون في أرض الصومال ذات الحدود المعترف بها دولياً، كما وصفه بالاستفزاز المدروس من جانب الصومال بهدف تقويض التزام أرض الصومال بالسلام والديمقراطية، وكذلك وجه اتهاماً إلى "مقديشو" بانتهاك سيادتها، محذراً من أن هذه الخطوة قد تُشجع الجماعات المسلحة مثل حركة الشباب المجاهدين وتزعزع الاستقرار في إطار منطقة القرن الأفريقي، كما أشار في السياق ذاته إلى أن هذا التحرك قد يؤدي إلى أزمة إنسانية، ويُعزز من نفوذ الجهات المسلحة غير الحكومية، ودعا إلى بذل جهود دولية عاجلة لمنع المزيد من التصعيد.3- استهداف الحكومة الصومالية تحييد القوات التابعة لولاية "خاتمة": يُعزز من ذلك الإدراك المتنامي للحكومة الصومالية بشأن المخاطر والتهديدات المرتبطة بالقوات الإقليمية، ولا سيما في ضوء ما تعرضت له القوات الموالية لها من هزيمة من قبل القوات الإقليمية التابعة لولاية "جوبالاند" إثر اندلاع قتال في منطقة "راس كامبوني" بين الجانبين في ديسمبر 2024، والذي أسفر عن تمكن الأخيرة من السيطرة على بلدة "رأس كمبوني" والمطار القريب منها واستسلام العديد من قوات الحكومة الاتحادية، وقد حدثت هذه المواجهات نتيجة لتوتر العلاقات بين الطرفين وذلك في أعقاب إجراء انتخابات إقليمية في الولاية في أواخر نوفمبر 2024، والتي أسفرت نتائجها عن إعادة انتخاب الرئيس الإقليمي "أحمد محمد إسلام مادوبي" لولاية ثالثة، وقد وصفت الحكومة الصومالية هذه الانتخابات بأنها "غير قانونية"، مما أدى إلى تعليق ولاية "جوبالاند" علاقاتها مع الحكومة الصومالية.4- رغبة مقديشو في تفادي رد فعل أرض الصومال جراء الاعتراف: تبلور ذلك من خلال إشارة الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" إلى أن زيارة رئيس الوزراء "حمزة عبدي بري" إلى مدينة "لاسعانود" في أبريل 2025 كانت تهدف إلى تخفيف التوترات القائمة بين أرض الصومال والسلطات المحلية التابعة لولاية "خاتمة" وليس تأجيج المزيد من الصراعات بين الطرفين، ولعل ذلك يتسق مع ما أوضحه في حديثه في إطار فعاليات "منتدى أنطاليا الدبلوماسي" المنعقد في وقت سابق من الشهر ذاته، حيث ذكر أن مهمة رئيس الوزراء تتمثل في تهيئة الظروف للحوار وتبادل محتمل للأسرى بين الجانبين، بيد أن تصريحاته قوبلت بإدانة شديدة من شيوخ عشيرة "دولبهانت"، التي طرد مقاتلوها قوات أرض الصومال من معظم منطقة "سول" في عام 2023. 5- استهداف الحكومة الصومالية دعم واقع التنمية في ولاية "خاتمة": تجلى ذلك في إطار تصريحات رئيس الوزراء "حمزة عبدي بري" أثناء زيارته إلى مدينة "لاسعانود" في أبريل 2025، حيث قام بوضع حجر الأساس للعديد من مشروعات التنمية الرئيسية، وأطلق رسمياً مشروعات أخرى شملت تشييد مبانٍ إدارية ومقر للشرطة ومركز وطني للهوية ومرافق تعليمية ورعاية صحية جديدة. كما أكد التزام الحكومة الفيدرالية الصومالية بالنمو الشامل وتمكين المجتمعات المحلية في الولاية ليصبح لها دور مؤثر في شؤون الولاية، وكذلك تعهد بدمج المدينة في خطط التنمية الوطنية وحصولها على حصتها من التمويل الفيدرالي. تداعيات محتملة ثمة جملة من التداعيات المحتملة جراء قرار الحكومة الفيدرالية الصومالية الاعتراف بولاية "خاتمة" كولاية كاملة العضوية تابعة لها، وتتمثل هذه التداعيات فيما يلي: 1- تزايد التوترات القائمة بين مقديشو وهرجيسا: يدعم ذلك تفاقم الاضطرابات بين الجانبين ولا سيما في ضوء تقديم السفارة الأمريكية في الصومال التهنئة بشكل علني لنجاح أرض الصومال في إتمام العملية الانتخابية التي جرت في نوفمبر 2024، وكذلك قيام وفد أمريكي رفيع المستوى بزيارة رسمية إلى "هرجيسا" في ديسمبر من العام ذاته، والتي تم في إطارها عقد لقاء مع الرئيس المنتخب لأرض الصومال "عبد الرحمن محمد عبد الله"، ويضاف إلى ذلك تزايد الدعم للاعتراف بأرض الصومال في الأوساط الأمريكية وخاصة بين حلفاء الرئيس "دونالد ترامب"، حيث صرّح نائب وزير الخارجية الأمريكي "كريستوفر لاندو" على حسابه على موقع "إكس" في مطلع أبريل 2025 بأنه يدرس إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية مباشرة مع أرض الصومال، كما درست لجان برلمانية أمريكية بالفعل العديد من مشروعات القوانين المتعلقة بالاعتراف بأرض الصومال، مما أثار تكهنات بأن "واشنطن" قد تكون على وشك تغيير مسارها التاريخي في علاقتها مع الحكومة الصومالية. 2- إمكانية إضعاف خطاب الانفصال السائد في الصومال: حيث إن قرار الحكومة الاعتراف بولاية "خاتمة" من شأنه أن يقطع الطريق أمام تصاعد التنازع بشأن تبعية هذه الولاية جراء تفاقم الاشتباكات والمواجهات المسلحة بين قوات أرض الصومال وقوات الولاية المدعومة من قبل "بونتلاند" في عام 2023، وهو ما من شأنه تعزيز السيطرة المركزية للحكومة الصومالية على الأرض، حيث ارتفع عدد الوحدات الفيدرالية في البلاد إلى ست وحدات بانضمام هذه الولاية، ومن المزمع أن تستكمل الولاية هذا المسار من خلال عقد مؤتمر عام وعقد اجتماعي (دستور)، علماً بأن ثمة اعترافاً مؤقتاً سابقاً بهذه الولاية من قبل الحكومة الفيدرالية الصومالية في أكتوبر 2023. 3- ترسيخ قنوات تواصل بين الحكومة الصومالية وولاية خاتمة: يدعم ذلك تسليم إدارة خاتمة 25 سجيناً إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية، كانوا قد أُسروا خلال المواجهات التي شهدها إقليم سول في عام 2023، وقد تم تسليم هؤلاء الأسرى إلى الحكومة الفيدرالية في العاصمة "مقديشو"، واستقبلهم وزير العدل والشؤون الدستورية الفيدرالي "حسن مكالين محمود"، كما صرح وزير الداخلية الصومالي "كالي يوسف حوش" بأن سلطات الولاية تعد بمثابة كيان شرعي وغير متنازع عليه في الاتحاد الصومالي، مؤكداً تغير النظرة السابقة كمنطقة متنازع عليها بين ولايتي أرض الصومال و"بونتلاند" على مدار عقدين تقريباً.4- تسريع مساعي الحكومة الصومالية حيال احتواء القوات الإقليمية: تستشعر الحكومة الصومالية خطورة الموقف جراء الهزيمة العسكرية التي تعرضت لها في "جوبالاند" في أواخر عام 2024، حيث أدى ذلك إلى تصدير صورة مفادها عجز الحكومة بشأن فرض الأمن العام وتطوير مفهوم فعال للعمليات لهزيمة خصومها في الدولة، وهو ما يدعم إدراكها أهمية دعم القوات المحلية، التي كانت مفتاحاً للمكاسب الأمنية في أجزاء كثيرة من البلاد، ويعزز من ذلك أن ثمة تغيرات متوقعة سوف تطرأ على بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال مع بداية عام 2025، وعلى رأسها تقليص عدد العناصر في إطارها، وهو ما سيجعل من الأهمية بمكان بالنسبة للحكومة الاتحادية والقوات الإقليمية تجنب المنافسة العنيفة وإيجاد طرق أكثر فاعلية للعمل معاً.5- تصاعد حدة الخلافات بين الحكومة الصومالية وبونتلاند: يعزز من ذلك معارضة النائب الثاني لرئيس مجلس الشيوخ بالبرلمان الفيدرالي الصومالي&nbsp;"عبد الله حرسي" في أكتوبر 2024 لقرار أصدرته سلطات ولاية "بونتلاند" بشأن توجيه تعليمات لمنظمة "يونيسيف" وبرنامج الأغذية العالمي والوكالات الأخرى بوقف المشروعات الحالية والمستقبلية التي تقودها منظمة "ألايت" التي تعمل في مشروعات إنسانية وتنموية داخل أراضيها، حيث أشار إلى أن إدارة ولاية "خاتمة" وحدها هي التي لها الحق في تعليق عمل هذه المنظمة. ويضاف لذلك سحب "بونتلاند" الاعتراف بـمؤسسات الدولة الفيدرالية الصومالية حتى يتم التوصل إلى عملية دستورية حقيقية ومقبولة من الطرفين، وهو ما يعني معارضتها لاعتماد البرلمان الصومالي قراراً بالانتقال إلى النظام الرئاسي في مارس 2024.وختاماً، يمكن القول إن قرار الحكومة الفيدرالية الصومالية بشأن إقرار الاعتراف بولاية "خاتمة" كولاية سادسة في إطار منظومة الاتحاد الصومالي بمثابة خطوة نوعية مؤثرة حيال توسيع نطاق الفيدرالية في الدولة، وذلك على نحو يدعم السيطرة المركزية للحكومة على مختلف أرجاء القطر الصومالي من جانب، ويقلص من المساعي الانفصالية لبعض الأقاليم التي تتمتع بحكم ذاتي وعلى رأسها "جوبالاند" و"بونتلاند"، وتطرح الرؤية المستقبلية تنامي المساعي الحكومية للتوسع في احتواء القوات الإقليمية في مناطق عدة لمحاولة تحييد دورها في معادلة الصراع الداخلي، وكسب تأييدها في مواجهة المخاطر والتهديدات الأمنية وعلى رأسها مواجهة حركة الشباب المجاهدين.

ما تداعيات اعتراف الحكومة الصومالية بولاية "خاتمة"؟