كرم سعيد

أعلنت الإدارة السورية الجديدة، في 1 مايو 2025، عن خطة لتدريب عناصر أمنية سورية جديدة في الخارج، لكي تكون بمنزلة النواة الصلبة للأجهزة والقوات الأمنية السورية التي تتولى عدداً من المهام الحيوية، منها تحييد المقاتلين الأجانب، بعد بروز تهديدات بإمكانية وقوع انقلاب على الرئيس أحمد الشرع، بالإضافة إلى تعزيز القدرة على مكافحة الإرهاب. ويتزامن الإعلان عن تأسيس هذه القوة مع تراجع الصورة الذهنية للسلطة السورية الجديدة بسبب تفاقم أزمة المقاتلين الأجانب، بعد كشف النقاب عن تورطهم في عمليات العنف ذات الطابع الطائفي التي شهدتها مدن الساحل السوري ومناطق الدروز في محيط دمشق.أهداف محددةيمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة دفعت دمشق نحو تأسيس قوة أمنية جديدة في التوقيت الحالي، يتمثل أبرزها فيما يلي:1– مواجهة تهديدات انقلاب محتمل ضد الرئيس: يأتي الدافع الأول من تصاعد المخاوف داخل النظام السوري الجديد من احتمال وقوع انقلاب عسكري، خصوصاً بعد ورود تقارير استخباراتية عن نشاط غير اعتيادي داخل بعض الوحدات المسلحة، وهو ما دفع الإدارة إلى تبني خطة استباقية لتكوين نواة أمنية مدربة ومخلصة للرئيس أحمد الشرع مباشرةً؛ بهدف تأمين مركز السلطة، ومنع أي اختراق من داخل المؤسسات العسكرية نفسها.2– تحييد المقاتلين الأجانب داخل الأراضي السورية: يرتبط ذلك بوجود أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا خلال سنوات الحرب، وقد تحوَّل بعضهم إلى عنصر تهديد حقيقي؛ نتيجةَ ضلوعهم بأعمال عنف طائفية، واستغلالهم حالة السيولة الأمنية؛ ما استدعى تحركاً مباشراً لإنشاء وحدات أمنية محترفة قادرة على تعقُّبهم وتفكيك شبكاتهم في مختلف المحافظات السورية، منعاً لانفجار الوضع مجدداً.ووفقاً لأحدث التقديرات، يُقدَّر عدد المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى صفوف القوات الداعمة للرئيس السوري أحمد الشرع بنحو 10,000 مقاتل، ينحدرون من مناطق مختلفة، تشمل الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا الوسطى. وقد لعب هؤلاء المقاتلون دوراً حاسماً في الإطاحة بنظام الأسد، لكنهم أصبحوا الآن مصدر قلق؛ بسبب توجهاتهم الإسلامية المتشددة، ومشاركتهم في أعمال عنف طائفية.3– تعزيز فرص رفع العقوبات الغربية عن سوريا: وفقاً للعديد من التقديرات، فإن توجه الإدارة السورية نحو تأسيس قوة أمنية تستهدف تحييد المقاتلين الأجانب ودعم مكافحة الإرهاب، يرتبط – في جانب معتبر منه – بتعزيز علاقاتها مع العديد من القوى الدولية المعنية بهذه القضية، ودعم فرص رفع العقوبات المفروضة على سوريا. ويشار في هذا الصدد إلى أن بريطانيا كانت قد أعلنت في 24 أبريل 2025 عن رفع العقوبات المفروضة على وزارتي الدفاع والداخلية في سوريا، فضلاً عن أجهزة المخابرات، بالإضافة إلى تعليق الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات التي تتعلق بالمصرف المركزي والتحويلات المالية، وهو مسار تسعى الإدارة السورية إلى تعزيزه خلال المرحلة القادمة من خلال تلك الخطوة التي أقدمت عليها بتأسيس قوة أمنية جديدة وتدريبها في الخارج.4– دعم ركائز العلاقات مع الولايات المتحدة: تعي الإدارة السورية الجديدة أن تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بات يتطلب معالجة شكوك بعض النخب الأمريكية في التوجهات الأيديولوجية التي يتبناها الرئيس أحمد الشرع؛ ولذلك طرحت واشنطن خلال الآونة الأخيرة قائمة تضم 8 شروط لرفع العقوبات، تتراوح بين وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت المراقبة الدولية، وتحييد المقاتلين الأجانب من المناصب الرئيسية في الجيش. وعلى ضوء ذلك، يمكن تفسير توجه دمشق نحو تأسيس قوة أمنية جديدة في إطار سعيها إلى تحييد ملف المقاتلين الأجانب، بالتوازي مع قرار تجميد منح الرتب العسكرية للمقاتلين الأجانب؛ وذلك في إطار محاولة تقليص حدة الشكوك الأمريكية حيال الإدارة السورية الجديدة.5– تقليص حجم الاستياء في الداخل السوري: لا ينفصل توجه دمشق نحو تشكيل وتدريب قوات أمنية جديدة عن محاولاتها تقييد تحركات المقاتلين الأجانب في الداخل، وسعيها إلى تقليص المخاوف المرتبطة بتفاقم الارتدادات العكسية لهذا الملف الذي يفرض تداعيات سلبية على المشهد السوري؛ حيث تواجه الإدارة السورية الجديدة معضلة في التعامل مع آلاف المقاتلين الأجانب ضمن صفوفها، خاصةً بعد اتهامهم بالتورط في عمليات العنف الطائفي التي شهدتها البلاد خلال الآونة الأخيرة، وخاصةً الهجمات التي استهدفت العلويين في مدن الساحل السوري.6– تحييد المخاطر الأمنية المحتملة في البلاد: تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى تحييد المخاطر الأمنية المحتملة، خصوصاً بعد إعلان رامي مخلوف المحسوب على نظام الرئيس السوري السابق بشارد الأسد، حسب تقارير عديدة، في أواخر أبريل 2025، عن تشكيل 15 فرقة عسكرية تحت لواء "قوات النخبة"، بتعداد يناهز 150 ألف مقاتل، مدعومة بلجان شعبية تضم نحو مليون شخص؛ وذلك لحماية السوريين في مدن الساحل من عمليات القمع التي تورط فيها عدد واسع من المقاتلين الأجانب.ولا يستهدف قرار تأسيس قوة أمنية احترافية مدربة في الخارج، بالتعاون مع عدد من الدول، منها بريطانيا وتركيا، تحييد وجود المقاتلين الأجانب فحسب، بل يكشف أيضاً عن مساعي إدارة الشرع إلى دعم موقع المؤسسة العسكرية الوطنية، وتطوير صورتها الذهنية في الوعي الجمعي السوري، خصوصاً بعد الإشكاليات التي أظهرتها عمليات استدعاء مجندين جدد بعد إسقاط نظام الأسد؛ إذ رفضت بعض العناصر الالتحاق بالجيش الجديد بسبب الدور المحوري للمقاتلين الأجانب في الكيان العسكري السوري الجديد، فضلاً عن اعتراض آخرين على الانضمام إليه بعد تورط هؤلاء المقاتلين في عمليات عنف ضد أبناء طوائفهم.تداعيات محتملةيفرض توجه دمشق نحو تأسيس قوة أمنية جديدة تداعيات محتملة يمكن تناولها على النحو التالي:1– تصعيد التوتر مع المقاتلين الأجانب في سوريا: لا شك أن توجه دمشق نحو تأسيس قوة أمنية مدربة في الخارج، بجانب تعزيز التعاون مع قوى غربية على رأسها بريطانيا لتحييد المقاتلين الأجانب، قد يدفعهم إلى تبني مقاربة متشددة ضد إدارة أحمد الشرع. وقد ظهرت بوادر هذا التشدد بالفعل في الفترة الأخيرة عبر تهديدات أطلقها العديد من المقاتلين الأجانب ضد السلطات في دمشق، بعد وصول الأخيرة إلى تفاهمات مع واشنطن بشأن إنهاء ملف المقاتلين الأجانب.2– عدم استبعاد حدوث انشقاقات مسلحة: يعد تصاعد احتمالات الانشقاق المسلح داخل معسكر الشرع من أخطر التداعيات المحتملة؛ حيث إن بعض المقاتلين الأجانب لا يدينون بالولاء الكامل للرئيس الجديد، بل يحملون أجندات عقائدية أو فكرية خاصة؛ ما يجعلهم عرضةً للتمرد إذا تعارضت قرارات القيادة مع رؤاهم، كما أن افتقارهم إلى الارتباط المجتمعي أو السياسي بالدولة السورية، قد يدفعهم نحو تشكيل كيانات مستقلة أو التحالف مع جماعات معارضة؛ ما يُنذر بظهور صراعات داخل المعسكر نفسه ويُقوِّض الاستقرار الأمني والسياسي في مرحلة إعادة بناء السلطة.3– فتح آفاق أوسع للعلاقات السورية مع الغرب: نظراً إلى اعتماد الغرب على سياسات صارمة في مواجهة المقاتلين الأجانب في الداخل السوري، فإن بدء التعاون مع بريطانيا ودول أخرى لتدريب قوات أمنية منوط بها ملاحقة المقاتلين الأجانب ومكافحة الإرهاب، قد يُفسِح المجال أمام تطوير العلاقات السورية–الغربية، بالإضافة إلى دفع المجتمع الدولي نحو دعم رفع العقوبات المفروضة على دمشق، بجانب دعم الإجراءات والسياسات التي تضمن وحدة وسلامة أراضي سوريا وسيادتها واستقلالها وكذلك الاستقرار في البلاد.4– تعزيز فرص حل إشكاليات الداخل السوري: يساهم تأسيس قوة أمنية جديدة قادرة على تحييد المقاتلين الأجانب ومكافحة الإرهاب في تعزيز فرص الحل السياسي للإشكاليات التي يواجهها الداخل السوري، خصوصاً بعد تورط المقاتلين الأجانب في عمليات العنف الطائفي، وهو ما ساعد بدوره على زيادة الانقسامات بين الأطراف المحلية المتصارعة. ومع الحصول على دعم أمني خارجي لتعزيز الاستقرار في الداخل السوري، فإن تأسيس قوة أمنية بمعايير مغايرة تعتمد على التدريب التقني الحديث، قد يؤدي إلى تفعيل الحلول السياسية لملفات الداخل المعقدة.ختاماً، يمكن القول إنه على الرغم من تباين التقديرات بشأن قدرة الإدارة السورية الجديدة على تفكيك ملف المقاتلين الأجانب، وتحييد معضلة التنظيمات الإرهابية، فإن المراقب للمشهد السوري، يدرك أن تأسيس قوة أمنية جديدة حديثة ومدربة في الخارج يمكن أن يسفر عن تحقيق اختراقات نوعية في الملفات الشائكة التي تواجه دمشق، وتحسين الصورة الذهنية للسلطة الجديدة داخلياً وخارجياً.

أبعاد تدريب قوة أمنية سورية جديدة في الخارج