أدلى الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب – وهو المرشح الجمهوري الأوفر حظاً لخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2024 – بتصريحات مثيرة للقلق معادية للمهاجرين غير الشرعيين؛ وذلك في تجمع حاشد في ولاية نيو هامبشاير، يوم 16 ديسمبر 2023؛ إذ قال "إنهم يُسمِّمون دماء بلادنا"، وهو ما اعتبره العديد من المحللين تشبيهاً بتصريحات الزعيم النازي السابق أدولف هتلر، الذي استخدم في بيانه "كفاحي" الصادر عام 1925، خطاباً مماثلاً حول تسمُّم الدم بأشخاص من غير ذوي العرق الآري.

في المقابل، تشن حملة الرئيس الأمريكي جو بايدن – وهو أيضاً المرشح الديمقراطي الأوفر حظاً لخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2024 – حملة رسائل عامة حول سياسة الهجرة لإدانة مقترحات ترامب، التي تقول إنها غير متوافقة مع الدستور والقيم الأمريكية وحقوق المهاجرين.

وتأتي هذه المبارزة الرئاسية في الوقت الذي يكافح فيه مفاوضو البيت الأبيض ومجلس الشيوخ من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن تعزيز أمن الحدود الأمريكية ضد المهاجرين، مقابل الموافقة على طلب الرئيس بايدن للحصول على مساعدات عسكرية بمليارات الدولارات لأوكرانيا وإسرائيل واحتياجات الأمن القومي الأخرى.

أزمة ممتدة

ثمَّة أبعاد متعددة تُحَاط بقضية الهجرة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ نظراً إلى كونها ذات جذور طويلة المدى في تاريخ البلاد، ويمكن تناول أبرزها على النحو التالي:

1– سياسات بايدن المتساهلة مع الهجرة: كشف الرئيس بايدن، فور توليه منصبه تقريباً، عن توجهات مناهضة لبعض سياسات سلفه دونالد ترامب الأكثر تشدداً؛ فبعد أقل من أسبوعين من توليه منصبه وإيقافه بناء الجدار الحدودي، وإعلانه وقف عملية الترحيل للمهاجرين، ولا سيما تعليقه قاعدة تلزمهم بانتظار مواعيد محاكمتهم في المكسيك؛ أعلن بايدن أن إدارته "ستعمل على استعادة وتعزيز" القوة الأمنية لنظام اللجوء الأمريكي، معلناً رفضه الصريح لسياسات الحدود التي انتهجتها إدارة ترامب، باعتبار أنها متعارضة مع القيم الأمريكية، و"تسببت في معاناة إنسانية لا داعي لها"، على حد وصفه.

وخلال العام الماضي، أنهى بايدن كذلك القيود الصحية التي سبق أن فُرضت في فترة وباء كورونا على الحدود، وقيدت بشدة حركة المهاجرين من دخول الولايات المتحدة، كما ركزت إدارته أيضاً على معالجة الأسباب الجذرية لارتفاع معدلات الهجرة، وتوفير المساعدة الإنسانية للمكسيك ودول أمريكا الوسطى، وهو ما قد ساهم في ارتفاع أعدادهم خلال عامي 2022 و2023.

2– زيادة معدلات الهجرة غير الشرعية: بالتزامن مع مرونة سياسات إدارة بايدن تجاه الهجرة، ارتفع عدد الأشخاص الذين تم القبض عليهم على الحدود – وهو مؤشر على تدفقات الهجرة غير الشرعية – بأكثر من أربعة أضعاف مقارنةً بمتوسط المستوى في العقد الأول من القرن الحالي، مدفوعاً بعوامل معقدة مثل الصعوبات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي وتغير المناخ في الدول المرسلة.

وقد تسببت هذه الزيادة في حدوث فوضى في أجزاء من جنوب تكساس وأريزونا، كما أدت إلى استنزاف الموارد في مناطق بعيدة، مثل شيكاغو ودنفر ونيويورك؛ ما يزيد من المخاوف بشأن أمن الحدود والهوية الوطنية؛ إذ يفسر الجمهوريون هذه الأعداد القياسية من المهاجرين بأنها تشكل تهديداً أمنياً للبلاد؛ لأن السلطات لا تستطيع فحص جميع المهاجرين بشكل كافٍ، ناهيك عن استنزافهم الموارد؛ لذلك فهم يبررون لناخبيهم أنهم لا يستطيعون إرسال مليارات الدولارات إلى دول أخرى، حتى في وقت الحرب، بينما يفشلون في معالجة الحدود في الداخل.

3– التوسع في اعتماد اللجوء المشروط إلى أسباب إنسانية: في عهد بايدن، اعتمدت الولايات المتحدة بدرجة كبيرة على اللجوء المشروط إلى أسباب إنسانية، وهو نوع من اللجوء يسمح للمهاجر بالبقاء في الولايات المتحدة، من خلال إثبات خوفه من الاضطهاد في وطنه بسبب مجموعة محددة من المعايير، تتعلق بالعرق أو الدين أو الجنسية أو العضوية في مجموعة اجتماعية معينة أو الآراء السياسية. وعلى سبيل المثال، قامت الولايات المتحدة بنقل ما يقرب من 80 ألف أفغاني جواً من أفغانستان بعد سيطرة طالبان على الحكم، كما استقبلت عشرات الآلاف من الأوكرانيين الذين فروا بعد اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية.

وفي يناير 2023، أعلنت الإدارة الديمقراطية عن خطة لقبول 30 ألف شخص شهرياً من كوبا وهاييتي ونيكاراجوا وفنزويلا عبر الإفراج المشروط لأسباب إنسانية، بشرط أن يكون لدى هؤلاء المهاجرين كفيل مالي، وأن يسافروا جواً إلى الولايات المتحدة بدلاً من الذهاب إلى الحدود الأمريكية المكسيكية للدخول. وتظهر أحدث أرقام الحكومة الأمريكية أنه تم قبول ما يقرب من 270 ألف شخص في البلاد حتى أكتوبر 2023 بموجب هذا البرنامج.

وعلى جانب آخر، حصل 324 ألف شخص على مواعيد من خلال تطبيق على الهاتف المحمول يسمى"CBP One"، الذي يستخدم لمنح الإفراج المشروط للأشخاص عند المعابر البرية مع المكسيك، بيد أن الجمهوريين قد اعتبروا هذا البرنامج وسيلة للسماح لأعداد كبيرة من الأشخاص بالدخول، وهم الذين لم يكن لديهم سبيل لقبولهم لولا ذلك، وهو ما دفع ولاية تكساس إلى رفع دعوى قضائية ضد الإدارة لوقف عمل البرنامج.

4– الصراع السياسي حول حالات الاعتقال والنزوح: شهدت ولايتا تكساس ونيو مكسيكو أكثر من نصف عدد المهاجرين الذين اعتقلوا في عهد بايدن، والذين بلغوا 5.8 مليون؛ الأمر الذي يشير إلى مدى تأثيرهم في إجهاد موارد هذه الولايات الحدودية، التي أُجبرت على نقل الآلاف منهم بالحافلات إلى المدن التي يسيطر عليها الديمقراطيون في الشمال؛ لتخفيف الضغط على مدنها الحدودية والضغط على الديمقراطيين. وبسبب التوتر الناتج عن تدفق اللاجئين، ألقى رؤساء البلديات وحكام الولايات الديمقراطيون في بعض الحالات اللوم على البيت الأبيض؛ لعدم قيامه بما يكفي لتخفيف العبء.

5– استمرار تأثير قضية المهاجرين على الانتخابات: منذ وقت ليس ببعيد، كانت للديمقراطيين اليد العليا عندما يتعلق الأمر بالهجرة؛ إذ سبق أن سعى الرئيس السابق باراك أوباما إلى إصلاح شامل للهجرة من شأنه أن يوفر طريقاً للحصول على الجنسية لـ11 مليوناً يعيشون في الولايات المتحدة بطريق غير قانوني، لكن الكونجرس ذا الأغلبية الجمهورية آنذاك لم يمرره ليصبح قانوناً، لكن الفكرة اعتبرت قضية سياسية رابحة؛ حيث إن معارضة الجمهوريين الثابتة لإصلاح الهجرة قد كلفتهم أصوات الناخبين، ودفعتهم إلى الخسارة في السباق الرئاسي عام 2012، على حد تفسيرهم للنتائج حينها.

بيد أنه نتيجةً لتفاقم أزمة المهاجرين غير الشرعيين لدى الرأي العام الأمريكي، تردد بايدن في المضي قدماً لاعتماد مشروع قانون كان من شأنه أن يوفر وسيلة للمهاجرين غير الشرعيين ليصبحوا مواطنين أمريكيين، لكنه لم يُناقَش في الكونجرس؛ نتيجةً لتخوفات الرئيس من استهلاك رأس ماله السياسي في تمرير مشروع القانون على حساب الأولويات التشريعية الأخرى لدى الناخبين، مثل تطوير البنية التحتية للبلاد.

6– صعوبة اندماج المهاجرين اجتماعياً وثقافياً: تتقاطع الهجرة مع مناقشات ثقافية واجتماعية أوسع حول التنوع والهوية الوطنية والتركيبة السكانية المتغيرة للبلاد، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تضخيم مشاعر الحرمان والاستياء بين بعض شرائح المهاجرين؛ فوفقاً لاستطلاع المهاجرين، الذي أجرته مؤسسة "KFF" خلال ربيع عام 2023 – وهو الاستطلاع الأكبر والأكثر تمثيلاً للمهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة – أوضح نحو ثلث المهاجرين (34%) أنهم تعرضوا للانتقاد أو الإهانة بسبب التحدث بلغة أخرى غير الإنجليزية منذ انتقالهم إلى الولايات المتحدة، ناهيك عن مواجهتهم العديد من الحواجز اللغوية في مجموعة متنوعة من التفاعلات اليومية؛ ما جعل من الصعب عليهم الحصول على العديد من الخدمات التعليمية والصحية والسكنية، ناهيك عن صعوبة الحصول على وظيفة أو الاحتفاظ بها.

هذا وقد أوضح نحو 70% من المهاجرين غير الشرعيين أنهم يشعرون بالقلق من احتمال احتجازهم أو ترحيلهم، بينما يتجنب 40% منهم أشياء مثل التحدث إلى الشرطة، أو التقدم للحصول على وظيفة، أو السفر لأنهم لا يريدون لفت الانتباه إلى حالة الهجرة الخاصة بهم. ومع ذلك، فإن هذه المخاوف لا تقتصر على الذين من المحتمل أن يكونوا موجودين بصفة غير شرعية؛ فمن بين جميع المهاجرين يقول ما يقرب من النصف (45%) إنهم لا يملكون معلومات كافية لفهم كيفية تأثير قوانين الهجرة الأمريكية عليهم وعلى أسرهم؛ ولذلك لا يندمجون في المجتمع بشكل يسير خوفاً من تعرضهم لأي مساءلة قانونية.

7– الاستفادة الاقتصادية من المهاجرين: بالرغم من الإشكاليات المحيطة بموضوع المهاجرين، تمثل أزمة الحدود فرصة أيضاً لمعالجة الثغرات في سوق العمل الأمريكية، خاصةً في ضوء التغيرات الديموغرافية الحالية في البلاد، ولا سيما تقدُّم أعمار السكان وانخفاض معدلات الخصوبة؛ ما يؤدي بدوره إلى تفاقم أزمة نقص العمالة.

وبفضل كونها لا تزال أكبر اقتصاد في العالم، وتعتزم على الحفاظ على مكانتها الاقتصادية، تحتاج الولايات المتحدة إلى العمال لضمان استمرار تحقيقها معدلات نمو إيجابية وقوية، ومن ثم قد يلجأ الجمهوريون إلى الترويج لتأشيرات العمل المؤقتة بديلاً للعديد من الأفراد القادمين من أمريكا اللاتينية، الذين يفرون من الصعوبات الاقتصادية، وليس لديهم طلبات لجوء قوية بما فيه الكفاية؛ إذ كانت هذه الوسيلة فعالة في تقليل الهجرة غير الشرعية من المكسيك خلال السنوات الأخيرة.

استغلال سياسي

كانت الهجرة منذ فترة طويلة قضية مثيرة للانقسام في السياسة الأمريكية، لكن الخلافات الحزبية ازدادت حدةً في السنوات الأخيرة؛ حيث استغل العديد من السياسيين الأمريكيين هذه القضية في الدعاية الانتخابية من خلال مظاهر متنوعة، منها:

1– التجاذب الحاد بين ترامب وبايدن: مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، من المتوقع أن يستخدم كل من جو بايدن ودونالد ترامب الهجرة قضيةً رئيسية في الحملة الانتخابية؛ لاستغلالها بطرق مختلفة لجذب قواعدهم والناخبين المتأرجحين؛ فمن ناحية حملة جو بايدن، يجد الرئيس نفسه عالقاً بين اليمين واليسار، ويبحث عن إجابات بشأن الهجرة قبل انتخابات عام 2024، وقال مساعدوه وحلفاؤه إن الرئيس مستعد لقبول قيود جديدة على اللجوء، وربما تغييرات أخرى في سياسة الهجرة بقيادة الجمهوريين، خاصةً مع استمرار الأعداد على الحدود في الارتفاع؛ ما أثار الاستياء بين الحكام ورؤساء البلديات الديمقراطيين الذين هم جزء من ائتلافه الحاكم، بالإضافة إلى تنفير الناخبين من أصل إسباني الذين يشكلون جزءاً من القاعدة السياسية لبايدن.

وبينما لا يزال أمام بايدن ما يقرب من عام كامل قبل الانتخابات؛ إما لتحييد القضية أو ترجيحها لصالحه، فإن خطط ترامب لحماية الحدود تشكل هدفاً جاهزاً لحملة معارضة جيدة التمويل؛ حيث يخطط المرشح ذو الميول اليمينية المتطرفة لإعادة وتوسيع سياسات الهجرة التي اتبعها في ولايته الرئاسية الأولى، بما في ذلك إنهاء الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك، وإحياء سياسة "البقاء في المكسيك"، كما وعد بتنفيذ "أكبر عملية ترحيل محلي في التاريخ الأمريكي"، فضلاً عن التوقيع على أمر تنفيذي لإنهاء حق المواطنة بالولادة "للأجانب غير الشرعيين"؛ وذلك على الرغم من العقبات القانونية الكبيرة المحتمل أن يواجهها، باعتبار حق المواطنة بالولادة منصوصاً عليه في التعديل الرابع عشر من الدستور.

2– تزايد الصعوبات السياسية أمام إدارة بايدن: تواجه إدارة بايدن وضعاً سياسياً متزايد الصعوبة وسط ارتفاع معدلات الهجرة ارتفاعاً تاريخياً؛ إذ يفر العديد من المهاجرين من الاضطهاد أو يغادرون البلدان التي مزَّقتها الحرب إلى الولايات المتحدة؛ من أجل الاستفادة من الوضع القانوني لهم هناك؛ لذلك يتعرض الرئيس بوتيرة شبه يومية للتوبيخ من قبل الجمهوريين بقيادة ترامب.

وفي حالة تفكير إدارة بايدن في إحياء سياسات شبيهة بسياسات ترامب، استرضاءً للجمهوريين وناخبيهم، فإنه يثير بهذه الطريقة غضب الديمقراطيين والمدافعين عن المهاجرين، الذين يقولون إن مثل هذه الأفكار ستدمر نظام اللجوء الأمريكي، وستثير مخاوف من ترحيل المهاجرين الذين يعيشون بالفعل في الولايات المتحدة. وقد أدى فشل البيت الأبيض في إشراك المشرعين اللاتينيين بالكامل في المحادثات حتى وقت قريب، أو ضمان الحصول على مقعد على طاولة المفاوضات، إلى ما يشبه التمرد من جانب زعماء الكتلة ذوي الأصول الإسبانية في الكونجرس.

3– رهن الجمهوريين المساعدات العسكرية بتشديد الهجرة: أوضح النواب الجمهوريون بالكونجرس الأمريكي أنهم لن يوافقوا على حزمة المساعدات الخارجية التي طلبتها إدارة بايدن بقيمة 100 مليار دولار، وتتضمن تمويلاً عسكرياً لأوكرانيا وإسرائيل، ما لم تتضمن أحكاماً صارمة جديدة تتعلق بأمن الحدود الأمريكية؛ ما يترك الولايات المتحدة في مأزق خارجي من جراء توقفها عن مساعدة أقرب حلفائها في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط؛ حيث يطالب الجمهوريون بإحداث تغييرات كبيرة في الطريقة التي يتم بها التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.

هذا وقد أخبر مسؤولو الإدارة الأمريكية الجمهوريين في مجلس الشيوخ سراً أنهم منفتحون على سياسات أكثر صرامةً بشأن اللجوء، وهو الموقف الذي شجَّع المفاوضين الجمهوريين، بينما أحبط المشرعين الديمقراطيين المشاركين، بيد أنه إذا تمكن أعضاء مجلس الشيوخ من التوصل إلى اتفاق يرضي بايدن، فقد يُمكِّنه ذلك من إظهار التقدم في تضييق الخناق على تدفق المهاجرين، الذي استنزف موارد مدن مثل نيويورك وشيكاغو، بيد أن المشرعين لم يصلوا إلى أي نتيجة إيجابية حتى الآن؛ إذ أوضحت السيناتور ليندسي جراهام الجمهورية عن ولاية كارولينا الجنوبية، للصحفيين: "نحن عالقون". ويقول الجمهوريون، الذين يسيطرون على مجلس النواب ويمكنهم منع التشريع في مجلس الشيوخ، إن الاتفاق المتبادل غير ممكن دون موافقة كبيرة من البيت الأبيض على شروطهم.

4– تشديد القيود على الحدود المكسيكية: وقَّع حاكم ولاية تكساس الجمهوري جريج أبوت، يوم 18 ديسمبر 2023، على أحد أقسى قوانين الهجرة في تاريخ الولايات المتحدة، وهو القانون الذي يعرف باسم "SB4"؛ إذ يمنح من خلاله مسؤولي الولاية حق القبض على المهاجرين المشتبه في عبورهم الحدود مع المكسيك بشكل غير قانوني والسعي إلى ترحيلهم. وبموجب القانون المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في مارس 2024، سيتم التعامل مع العبور إلى تكساس بشكل غير قانوني من المكسيك على أنه جنحة، يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 180 يوماً وغرامة تصل إلى 2000 دولار. وستكون العودة غير القانونية إلى تكساس جريمة جنائية، يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى سنتين أو 10 أو 20 سنة، اعتماداً على إذا ما كان المهاجر المعني قد تم ترحيله سابقاً أو أدين بجرائم معينة.

ومن اللافت للنظر أن القانون يعتبر محاولة غير عادية من قبل الولاية لإقحام نفسها في قضيتي الهجرة وتأمين الحدود، وكلتاهما كانت منذ فترة طويلة من اختصاص الحكومة الفيدرالية، لا من اختصاص الولايات، ومن ثم فإن من شبه المؤكد أن يؤدي ذلك إلى صراع قانوني وسياسي عالي المخاطر مع جماعات الحقوق المدنية، وربما إدارة بايدن نفسها؛ حيث تخطط جماعات حقوق الهجرة والديمقراطيون في الولاية لرفع دعوى، بحجة أن القانون يتجاوز سلطة الولاية، ويؤدي إلى التنميط العنصري بحكم الأمر الواقع، ويجعل جميع الملونين أهدافاً للشرطة بغض النظر عن وضعهم بصفتهم مهاجرين.

5– استكمال بناء الجدار الحدودي: أعلنت إدارة بايدن، في أكتوبر الماضي، أنها ستبني ما يصل إلى 20 ميلاً من الحواجز الحدودية التي تم السماح بها خلال إدارة ترامب في مقاطعة ريو جراندي بولاية تكساس، وهو ما جعل العديد من الناخبين ذوي الأصول اللاتينية يشعرون بخيبة أمل إزاء القرار الذي كان حافزاً رئيسياً لتنفيرهم من ترامب والتصويت لصالح بايدن عندما كان مرشحاً لانتخابات عام 2020؛ إذ تعهد الأخير بأنه لن يبني الجدار الحدودي.

ولكن في دفاعه عن نفسه في هذه الخطوة، أوضح البيت الأبيض أن الكونجرس كان قد وافق على أموال بناء الجدار عندما كان ترامب في منصبه؛ لذلك لا يمكن استخدام الأموال لأغراض أخرى، كما أنه من المتوقع أيضاً توقيع الحاكم جريج أبوت على مشروع قانون يخصص 1.5 مليار دولار لبناء الجدار الحدودي وغيره من العمليات، وهو تمويل يأتي بالإضافة إلى 5 مليارات دولار من أموال الدولة تم تخصيصها بالفعل لحماية الحدود.

6– مراهنة الحزبين على آراء الناخبين: إن تأثير الهجرة على آراء الناخبين في الانتخابات الرئاسية سيعتمد بدرجة كبيرة على كيفية تأطيرها من قبل المرشحين؛ حيث قد يكون تأثير الهجرة كبيراً بوجه خاص في الولايات التي بها أعداد كبيرة من المهاجرين، أو تلك التي يكون فيها أمن الحدود له صدى لدى فئات سكانية محددة. على سبيل المثال، في الولايات المتأرجحة مثل أريزونا وجورجيا، من المرجح أن يقوم كلا المرشحين بتخصيص رسائلهما لجذب الناخبين اللاتينيين والمستقلين المهتمين بأمن الحدود.

وبحسب استطلاعات الرأي، أشار استطلاع أجرته صحيفة وول ستريت جورنال مؤخراً إلى أن 64% من الأمريكيين لا يوافقون على تعامل بايدن مع أمن الحدود، وأوضح 54% من المشاركين أن دونالد ترامب هو الأفضل في التعامل مع هذه القضية في الانتخابات المقبلة، كما أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة NBC News في نوفمبر الماضي أن أمن الحدود والهجرة احتلا المرتبة الثالثة بين القضايا التي يشعر الناخبون بقوة تجاهها، لدرجة أنهم قد يصوتون لصالح مرشح ما أو ضده بناءً عليها.

ختاماً، من المتوقع أن يلعب الجدل الدائر حول الهجرة في الأوساط السياسية الأمريكية دوراً معقداً ومتعدد الأوجه في الانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ حيث من المرجح أن يستغلها مرشحا الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتحقيق مكاسب سياسية، من خلال استراتيجيات حملاتهما الانتخابية، بهدف التأثير على قرارات الناخبين. ومن ثم، ستكون مراقبة كيفية تعامل الجانبين مع هذه القضية وكيفية ظهورها في وسائل الإعلام، أمراً بالغ الأهمية لفهم تأثيرها النهائي على السباق الانتخابي ونتائجه.

كيف تُستخدَم قضية الهجرة في المشهد السياسي الأمريكي؟