إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p>وجَّهت أجهزة الأمن التركية ضربة قوية لعناصر تنظيم "داعش" في التوقيت الحالي؛ حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 30 أبريل 2023، مقتل الإرهابي أبو الحسين القرشي "الزعيم المفترض" لتنظيم "داعش" في سوريا خلال عملية نفذتها الاستخبارات التركية. وأضاف أردوغان، خلال مقابلة متلفزة أن "هناك تطوراً يظهر معركتنا الصارمة ضد التنظيمات الإرهابية.. الاستخبارات التركية كانت تتعقب منذ زمن طويل من يسمى زعيم داعش المعروف بأبو الحسين القرشي". وتابع: "سنواصل عملنا في محاربة المنظمات الإرهابية دون استثناء".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كذلك فرضت تركيا خطة عمل في إطار تحرك أمني لتوقيف عناصر "داعش" في الداخل التركي؛ الأمر الذي يعكس التحركات التركية المغايرة تجاه التنظيم، وظهر ذلك نهاية مارس الماضي. وبالتوازي، سعت تركيا إلى استهداف قيادات "داعش" في سوريا؛ فبالإضافة إلى تحييد زعيم تنظيم داعش في سوريا "أبو الحسين القرشي" في نهاية أبريل الماضي، ألقت الاستخبارات التركية، في نهاية ديسمبر الماضي، القبض على 5 عناصر في تنظيم داعش بمنطقة "نبع السلام" داخل الأراضي السورية، كما أعلن الرئيس التركي في سبتمبر 2022 أن القوات التركية ألقت القبض على "قيادي كبير" في تنظيم داعش ملقب بـ"أبو زيد"، واسمه الحقيقي بشار خطاب غزال الصميدعي. وقد جاءت هذه العمليات النوعية لأجهزة الاستخبارات التركية بالتعاون مع الأذرع والجماعات المسلحة الموالية لها في الداخل السوري.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أهداف متنوعة</span></strong></p>



<p><strong>تسعى تركيا، من خلال الإعلان عن تصفية قيادات "داعش</strong><strong>"</strong><strong>، ومحاصرة تحركاته في الداخل التركي خلال الفترة الأخيرة، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، يمكن تناولها على النحو التالي</strong><strong>:</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– مساعي الرئيس التركي لتحقيق مكاسب انتخابية:</strong> تتسق التحركات التركية الأخيرة نحو استهداف قيادات وعناصر "داعش" مع مساعي الرئيس أردوغان، وحزب العدالة والتنمية الحاكم، لحشد القواعد الانتخابية قبل اقتراع 14 مايو الجاري، كما تراهن على توظيف المواجهة مع داعش من أجل احتواء الاستياء الشعبي الذي تصاعدت حدته بعد زلزال 6 فبراير الماضي، الذي أسفر عن خسائر عير مسبوقة في الأرواح والممتلكات، وهو ما سعت المعارضة السياسية إلى استثماره لتشويه الصورة الذهنية للرئيس أردوغان وحكومته؛ حيث اتهمته بالتباطؤ في التعامل مع هول الكارثة. ومن هنا، يمكن القول إن القيادات الأمنية التركية تسعى إلى إثبات قدرة السلطة الحاكمة على تكريس الأمن ليس فقط في داخل تركيا، وإنما في بؤر الصراعات المحيطة بتركيا، والتي تمثل ملاذات آمنة لــ "داعش"، من خلال تقليص قدرة التنظيم، وتحييد رؤوسه المدبرة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– استباق المخاوف الأمنية في المحافظات الحدودية: </strong>تحاول السلطات التركية، عبر استهداف الزعيم المفترض للتنظيم "أبو الحسين القرشي"، إظهار الحرص على متابعة ومطاردة خلايا التنظيم التي يمكن أن تشهد نمواً في المحافظات التركية الحدودية مع سوريا، في التوقيت الحالي؛ بسبب حالة السيولة الأمنية التي تعانيها منذ أحداث الزلزال الأخير. وبعبارة أخرى، فإن الهدف الأساسي للعملية الأمنية ضد "داعش" لا يكمن في الحشد الانتخابي فقط، بل يمتد أيضاً إلى توجيه ضربات استباقية للتنظيم تمنعه من محاولة التفكير في استثمار الرخاوة الأمنية التي تشهدها المحافظات التركية على الحدود السورية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وثمة تقديرات تشير إلى أن التنظيم ربما يسعى إلى استغلال التبعات الأمنية لكارثة الزلزال في عمليات التجنيد والتعبئة لصالحه؛ وذلك باستخدام الحوافز الاقتصادية لتمويل المواطنين الذين فقدوا مصادر رزقهم. ويشار إلى أن التنظيم يقدم نفسه بديلاً للدول في أوقات الكوارث الطبيعية التي تسهم في إضعاف مناعة الدول وتراجع سلطاتها، نتيجةً لزيادة التحديات؛ ما يدفع التنظيمات الإرهابية إلى محاولة ملء الفراغ الناجم عن الانهيار الأمني؛ وذلك بتوفير الخدمات الأساسية لاكتساب الشرعية والثقة بين السكان.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تحييد الضغوط الغربية ضد النظام التركي:</strong> لا يمكن فصل تلك التحركات عن الجهود التي تبذلها تركيا من أجل مواجهة الضغوط الغربية عليها؛ بسبب تدخلاتها ضد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تصنفها تركيا "إرهابية"، بينما تعدها واشنطن نقطة استناد صلبة في مواجهة التنظيمات الإرهابية في سوريا، وبخاصة "داعش". ويشار إلى أن إصرار أنقرة على عسكرة الأزمة ضد قوات "قسد" أدى إلى اهتزاز صورة أنقرة لدى الحلفاء والأصدقاء في الغرب، على أساس أن هذا التوجه التركي حيال "قسد"، يوفر بيئة خصبة لاستمرار نمو "داعش".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>لذلك ربما تسعى تركيا من خلال هذه العملية تأكيد أنها رغم خلافاتها مع القوى الغربية بشأن "قسد"، فإنها تحرص على تثبيت دورها في محاربة التنظيمات الإرهابية، ومنع تحول سوريا إلى ملاذ آمن للإرهابيين؛ لذا فإن إعلان الرئيس التركي بنفسه عن مقتل القرشي، يطرح دلالة مهمة تتعلق بسعي أنقرة إلى التماهي مع المقاربة الغربية بشأن مكافحة التنظيمات الإرهابية، وأيضاً باعتبار أن ذلك يمثل آلية مهمة يمكن من خلالها إقناع واشنطن بأهمية التحركات التركية ضد الجماعات التي تهدد الأمن القومي التركي، وبخاصة قوات "قسد". وكانت العلاقة بين واشنطن وأنقرة قد دخلت مناخ الشحن مؤخراً بعد اتهام تركيا – على لسان وزير داخليتها سليمان صويلو، في 22 أبريل الماضي – واشنطن بالسعي إلى إقامة دولة إرهابية على حدود تركيا الجنوبية، في إشارة إلى "أكراد سوريا"، كما وجهت الإدارة الأمريكية انتقادات حادة للممارسات التركية ضد عناصر "قسد"، واعتبر التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في مارس الماضي، العمليات العسكرية التركية على مناطق الشمال السوري، نوعاً من الإرهاب الممنهج.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تحسين الصورة الذهنية عن تركيا في الخارج:</strong> ترتبط عملية تحييد أبو الحسين القرشي، بسعي أنقرة لتحسين وتطوير صورتها الذهنية، خاصةً أنها تعرضت في الآونة الأخيرة، لضربة بعد إصدار عدة دول غربية في نهاية يناير 2023 – منها فرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة – تحذيرات لمواطنيها من زيادة خطر الهجمات الإرهابية في تركيا، كما أغلقت في مطلع فبراير الماضي، 9 دول غربية، من بينها ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وسويسرا وبريطانيا، بعثاتها الدبلوماسية مؤقتاً في تركيا؛ خشية تعرُّضها لهجمات تنظيم "داعش"؛ لذلك فإن ترويج الرئيس التركي لعملية مقتل القرشي، وتلميع صورة تركيا في محاربة "داعش"، يستهدف في جانب منه إظهار حالة الاستقرار في تركيا، وهو ما قد ينعكس ليس فقط على المشهد الانتخابي المقبل، بل ربما يحمل ارتدادات إيجابية على قطاع السياحة الذي يمثل عصب الاقتصاد التركي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– إثبات قدرة أنقرة على تنفيذ عمليات نوعية: </strong>تمت عملية تحييد أبو الحسين القرشي في منطقة جنديرس في منطقة عفرين شمال غرب سوريا من قِبل وكالة الاستخبارات التركية، والشرطة العسكرية المحلية المدعومة من تركيا، باستخدام قدرات تسليحية خفيفة وذات تأثير واسع؛ حيث تتميز بالقدرة على إصابة هدفها من دون حدوث إصابات بين المدنيين أو تدمير كلي في موقع المواجهة. وسبقت عملية مقتل أبو الحسين القرشي، رصد ومتابعة قامت بهما أجهزة الاستخبارات التركية لتحديد هوية المكان الذي يقطنه القرشي؛ حيث قال الرئيس التركي في تصريحات له عشية تحييد الرئيس المفترض للتنظيم: "الاستخبارات التركية كانت تتعقب منذ زمن طويل من يسمى زعيم داعش المعروف بأبو الحسين القرشي". وهنا ربما أرادت أنقرة إيصال رسالة مفادها أنها تملك القدرة والأدوات للتأثير على الساحة السورية، من خلال القيام بعمليات نوعية، وكذلك تأكيد أن أنقرة قادرة على تحييد ومواجهة كافة الجماعات الإرهابية بشكل دراماتيكي ومباغت.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً، يمكن القول إن عملية مقتل أبو الحسين القرشي – التي يرشح أن تسفر عن تداعيات سلبية على تنظيم "داعش" وتحركاته خلال المرحلة المقبلة في المنطقة – تحمل قيمة رمزية عالية، من حيث تأكيد تركيا حرصها على مواجهة التنظيمات الإرهابية؛ هذا بالإضافة إلى سعي السلطة الحاكمة في الداخل لتوظيف هذه العملية انتخابياً من جهة، وتخفيف حدة التوترات مع القوى الغربية، التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق خلال المرحلة الحالية من جهة أخرى، كما أنها ربما تكون مؤشراً على إثبات قدرة أنقرة على الوصول إلى مصادر التهديد ومواجهتها ما دامت تتعارض مع مصالح الأمن القومي لتركيا.</strong></p>

      

لماذا ضاعفت تركيا ضغوطها على تنظيم "داعش"؟