نهلة عبد المنعم 

بات الصومال هدفاً ساخناً لتعزيز معاقل تنظيم داعش في القرن الأفريقي وعلى الساحل الشرقي لأفريقيا؛ وذلك على وقع استغلال الاضطرابات السياسية الداخلية والإقليمية، وما تُفضي إليه من عدم استقرار أمني، بجانب احتدام المنافسة بين التنظيمات التكفيرية على البقاع الحيوية بالمنطقة؛ ما عزَّز طموحات داعش لتعزيز التمدد إلى ولاية بونتلاند بشمال شرق البلاد كمعقل جديد لنشر نفوذه.سياق محفزكشف مجلس الأمن في يوليو 2024 عن رصده تطور قدرات تنظيم داعش للتموضع بقوة في شرق الصومال عن طريق قيادات الفرع الذي يتولى رئاسته عبد القادر مؤمن، بينما يتولى عبد الرحمن عيسى منصب نائب زعيم الولاية، في حين يُشرِف داعشي يُطلق عليه أبو جندل على ملف الهجرة والتجنيد لداعش؛ ما أسهم في تزايد عدد العناصر الموالية للتنظيم بالمنطقة التي تتراوح بين 300 و500 عنصر يتعاونون لتعزيز التواصل بين بؤر التنظيم في الصومال واليمن.ومن ثم، يُمكن رؤية الأسباب التي جعلت الصومال خلال الوقت الحالي هدفاً حيوياً لتنظيم داعش عبر المتغيرات التالية:1– المنافسة الحركية بين التنظيمات الإرهابية: تُشكل المنافسة بين التنظيمات الإرهابية على التمدد الجغرافي وقوة الحشد، بُعداً بالغ الأهمية في متابعة عمليات انتشار الجماعات المسلحة؛ إذ إن تمركزات التكفيريين ترتبط بعوامل أمنية وجيوسياسية تسمح للتطرف بالتنامي بشكل عام، كما أن مساعي الجماعات الإرهابية لتأدية أدوار خاصة بحروب الوكالة المدفوعة دولياً تُعزز اشتعال المنافسات بين المتطرفين.ففي مطلع فبراير 2024، سلط العدد 428 من صحيفة النبأ التابعة لداعش الضوء على تطلعات التنظيم نحو الاستحواذ على مناطق نفوذ حركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة في الصومال، مع دعوة الموالين إلى تكثيف جهودهم لتعزيز الانتشار في شرق البلاد، وسط استخدام خطاب عقائدي لاستقطاب أتباع القاعدة إلى صفوف داعش؛ لكونه الأكثر التزاماً بصحيح الشريعة الدينية، وفقاً لتفسيراته الخاصة التي روَّجت لها صحيفة النبأ، مع تقديم استمالات مادية لذوي الهويات المضطربة من المسلحين عبر مطالبة عناصره بالتركيز على هزيمة القاعدة للاستفادة من ثروات ساحل القرن الأفريقي بوصفها بؤرة استراتيجية عظيمة المنفعة.فيما دعا المتحدث باسم داعش أبو حذيفة الأنصاري في مارس 2024 الشباب غير الراضي عن الأوضاع السياسية والدينية للأمة الإسلامية إلى الهجرة نحو معاقل التنظيم في أفريقيا، لا سيما الصومال، مطالباً مسلحي داعش في البلاد بالثبات واستكمال تحقيق الأهداف الخاصة بانتزاع السيطرة على ساحل القرن الأفريقي؛ وذلك عبر كلمة صوتية بثتها منصة الفرقان تحت عنوان "واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ" بمناسبة مرور 10 سنوات على تأسيس التنظيم.2– التربح من الموارد الحيوية وفرض الإتاوات: يتطلع تنظيم داعش إلى تحصيل أكبر استفادة مُمكنة من الاضطرابات المتوطنة في أفريقيا لجعل معاقله في القارة بؤراً ذات نفعية حركية واقتصادية. ومن ثم يسعى إلى التمدد نحو الصومال للسيطرة على المكتسبات المادية التي تمتع بها تنظيم القاعدة منذ فترة؛ فوفقاً للتقرير الصادر عن مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة في 22 يوليو 2024، أضحى فرع الصومال ذا أهمية اقتصادية كبيرة لداعش، الذي استطاع توظيف موارد البلاد لتحقيق ما يقرب من 360 ألف دولار شهرياً؛ إذ ضاعف عمليات الابتزاز، ونافس حركة الشباب في فرض الإتاوات على شركات الشحن والاستيراد والتصدير بمنطقة بوصاصو في ولاية بونتلاند، بجانب فرض الضرائب على الأنشطة التجارية والزراعية والتعدينية بالولاية.3– استغلال فرص تزايد عمليات القرصنة: شهدت سواحل الصومال، خلال الشهور القليلة الماضية، عودة تزايد معدلات عمليات القرصنة البحرية نتيجة عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي. ومع تصاعد القدرات القتالية والعسكرية لداعش وفقاً لما رصدته هيئة الأمم المتحدة، بالتوازي مع إعلان التنظيم نيته السيطرة على ممر العبور البحري على القرن الأفريقي طبقاً لصحيفة النبأ؛ فإن تطور تهديدات داعش بالمنطقة من دون تقويض قد يُمثل مُتغيراً مُعززاً للاضطراب قد يسمح بتربح التنظيم.4– توظيف نقاط الهجرة غير الشرعية: إن بروز ميناء بوصاصو في بونتلاند بصفته واحدة من البؤر الساخنة على طريق الهجرة غير الشرعية من القرن الأفريقي إلى مناطق الجوار عبر اليمن، يبدو كحافز إضافي للجماعات الإرهابية على التناحر من أجل التموضع بالمنطقة؛ فبحسب التقرير الصادر عن منظمة الهجرة الدولية "IOM" في يناير 2024، يمر مئات الآلاف من المهاجرين عبر هذا الطريق، وارتفعت نسب الهجرة من خلال الصومال بمقدار 7% عما تم تسجيله في نوفمبر 2023؛ وذلك مع رصد ما يقارب 3131 مهاجراً مروا نحو اليمن عبر ميناء بوصاصو في بونتلاند.ومن ثم فإن تزايد أعداد المهاجرين بالقرب من نقاط تمركز داعش بولاية بونتلاند، يُعزز فرص تمسكه بالموارد المالية التي قد يتحصل عليها من فرض الإتاوات على عمليات الهجرة أو إدارتها؛ وذلك بجانب احتمالات استغلال هذه الطرق في تهريب العناصر البشرية، وهو ما قد يُفسر جزءاً من الأسباب المتعلقة بتصاعد الحشد للتنظيم في المنطقة، كما أن تدهور الأمن قد يمنح التنظيم فرصاً أكبر لتهريب السلاح والتعاون مع عصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات. وبحسب تقرير لهيئة الأمم المتحدة في يوليو 2024 عزز داعش من روابطه بالشبكات اللوجستية لتهريب العناصر البشرية من أجل نقل الموالين له إلى بونتلاند.5– تمديد التواصل بين فروع داعش في شرق أفريقيا: يجتهد تنظيم داعش لتعزيز التواصل بين فروعه على امتداد الساحل الشرقي لأفريقيا؛ إذ إن سيطرته على بونتلاند ستُطوِّر قدرات البؤر العاملة لصالحه في موزمبيق وتنزانيا التي يسعى إلى تنمية قدراتها من أجل تعزيز تهديداته للملاحة الدولية بالمنطقة، وتعطيل الاستثمارات التجارية والتعدينية بالدول الإقليمية، وفقاً لطموحاته.6– استغلال الطبيعة الجغرافية المواتية في الصومال: استطاع تنظيم داعش تأسيس معسكرات تدريب لعناصره في منطقة جبال عل مسكاد في شمال شرق الصومال، وفقاً لتقارير مجلس الأمن التي أشارت إلى أن الطبيعة الجغرافية الخاصة للمنطقة مع تعزيز داعش الروابط القبلية مع قادة العشائر بالمنطقة، أسهما في تسهيل عملية تموضعه بالبلاد.أزمات إقليمية تمثل الأزمات الداخلية في الصومال، وكذلك الأزمات الإقليمية، عوامل محفزة على تصاعد نشاط داعش في الصومال، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:1– الاستفادة من الصراعات الإقليمية المتزايدة: تواجه منطقة القرن الأفريقي اضطرابات إقليمية تطورت حدتها خلال الفترة الأخيرة على خلفية توقيع إثيوبيا، في يناير 2024، مذكرة تفاهم مع حكومة إقليم أرض الصومال من أجل الوصول إلى ميناء بربرة منفذاً بحرياً مقابل الاعتراف بالإقليم دولةً مستقلةً، وهو ما اعتبرته مقديشو تعدياً سافراً على سيادة البلاد، وتفتيتاً لوحدة أراضيها. وتؤدي هذه النوعية من الصراعات إلى تدهور التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول الحدودية، بجانب تشتت أجهزة الدولة في القتال على أصعدة مختلفة؛ ما يمنح الجماعات المسلحة بيئة خصبة للتنامي.ومع إعلان حكومة إقليم أرض الصومال في سبتمبر 2024 قرب الإفصاح عن اتفاق قانوني رسمي مع إثيوبيا، بجانب تأجيل الجولة الثالثة من المحادثات بشأن مذكرة التفاهم بين مقديشو وأديس أبابا التي كانت مقرراً عقدُها في 17 سبتمبر 2024؛ فإن الاضطرابات مُرشحة للتصاعد. وبدوره دعا تنظيم داعش أنصاره إلى استغلال التناحر الإقليمي بالمنطقة للتوغل في الصومال، موجهاً خطاباً لحث المواطنين على الاصطفاف تحت رايته؛ لمنع إثيوبيا والحكومة الصومالية أيضاً من إهدار ثروات البلاد.2– تأثير الخلافات الداخلية وعدم الاستقرار في الصومال: يعاني الصومال من عدم الاستقرار الداخلي نتيجة الخلافات المتزايدة وعدم التوافق حول التعديلات الدستورية التي وافق عليها البرلمان في مارس 2024، والتي أقرت تحويل نظام الحكم من البرلماني إلى الرئاسي؛ ما أدى إلى إعلان حكومة ولاية بونتلاند التي تتمتع بحكم ذاتي، عدم الاعتراف بالنظام الاتحادي بالصومال، وتوجهها نحو تمتين العلاقات مع إثيوبيا في ظل الخلافات القائمة مع الحكومة المركزية، وهو ما استفز مقديشو، وهي متغيرات تؤثر على الاستقرار ووحدة الصف الصومالي.3– الاضطرابات المناخية والتناحر الاقتصادي: إن التحولات المناخية العنيفة التي شهدتها البلاد مؤخراً بين الجفاف والفيضانات وانتشار الجراد الصحراوي، تؤثر على مستوى التناحر حول الموارد المالية التي تُعاني فعلياً من التراجع وتتنافس عليها الجماعات المسلحة في ظل تعدد المتغيرات الدافعة نحو عدم الاستقرار؛ فبحسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة لهيئة الأمم المتحدة "FAO"، الصادر في مايو 2024، فإن 70% من الناتج المحلي للصومال، الذي يعد من أبرز البلدان الفقيرة على مستوى أفريقيا، يعتمد على الزراعة والإنتاج الحيواني. ومع التقلبات المناخية المتكررة، أضحت البلاد مهددة باستنزاف الموارد الطبيعية؛ ما قد يُفاقم الأزمة الإنسانية.4– ضعف الهيكل القانوني والقضائي في الصومال: لا يزال الصومال غير قادر على تحديث نظام قضائي وفق آليات قانونية راسخة وفعَّالة تسمح بتقويض تنامي الإرهاب وتتعقَّب التعاون بين الجماعات التكفيرية وعصابات الجريمة المنظمة؛ إذ أشار مكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الجريمة والمخدرات في مارس 2024 إلى أن الصومال يُعاني من تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية والعصابات الخارجة على القانون، ويحتاج إلى دعم جاد لتطوير منظومة سيادة القانون لمساعدته على تعزيز الأمن، وإزاء انعدام رسوخ المنظومة القانونية تتراجع القدرة على تقويض الفساد وتتبع النشاط المالي للجماعات الإرهابية؛ ما جعل الصومال من أهم البؤر ذات النفعية الاقتصادية لداعش والقاعدة.5– ضعف القدرات الأمنية للأجهزة المحلية الصومالية: وافق مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، في أغسطس 2024، على مقترح لتشكيل بعثة جديدة بالصومال "AUSSOM" ستحل محل بعثة أتميس "ATMIS" المقرر أن ينتهي عملها في البلاد بحلول ديسمبر 2024، تخوفاً من عدم قدرة الجيش والأجهزة المحلية على فرض الاستقرار الأمني؛ ما يعني الاستمرار في استقدام بعثات خارجية للبلاد.تهديدات متصاعدةيُمكن القول إن تنظيم داعش يُحاول تطويع العوامل المحلية والإقليمية لتوسيع نفوذه في الصومال باعتباره بؤرةً جديدةً نحو التمدد على ساحل القرن الأفريقي، بما يحتاج إلى جهود دولية لتقويض تلك المحاولات لتفادي التداعيات السلبية المُرجح أن تنتُج عن تمدد داعش بالمنطقة، وأهمها تهديد حركة الملاحة، واستغلال القدرات المالية للتنظيم في دعم عمليات القرصنة وتهريب الأسلحة واستغلال طريق الهجرة غير الشرعية من الصومال إلى مناطق الجوار؛ ما قد يفاقم الأزمات الأمنية.&nbsp;

هل ينجح تنظيم داعش في توسيع نفوذه في الصومال؟