نوسموت جباداموسي

ربما تتمثل أبرز أحداث عام 2024 بالنسبة إلى أفريقيا في عدد من الاستحقاقات الانتخابية والمنتظرة في العديد من دول القارة، وهي الأحداث التي يترتب عليها عدد من النتائج المهمة، والتي كانت محور التقرير المنشور من جانب مجلة "فورين بوليسي"، في 3 يناير 2024، للكاتبة "نوسموت جباداموسي" كاتبة الموجز الأفريقي الأسبوعي الذي تنشره المجلة، وحمل عنوان "ما يجب مراقبته في أفريقيا خلال 2024"؛ حيث يشير التقرير إلى أن الانتخابات ستشكل محدداً مهماً للمشهد السياسي والاقتصادي في الدول الأفريقية خلال العام الجديد.استحقاقات مهمةمن المقرر أن تشهد أفريقيا 18 استحقاقاً انتخابياً خلال عام 2024، بما يشمل دولتي الجزائر وجنوب السودان (اللتين لم يتم تحديد موعد لهما بعد)، وإن كان أبرز الاستحقاقات التي سيكون لها عواقب سياسية واقتصادية كبيرة على القارة ستتمثل في الانتخابات العامة في جنوب أفريقيا، والانتخابات الرئاسية في السنغال في 25 فبراير، والانتخابات الوطنية في رواندا يومي 15 و16 يوليو، والانتخابات الرئاسية في تونس في 24 نوفمبر، مع إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في غانا في 7 ديسمبر. وبوجه عام، يمكن تناول ملامح الاستحقاقات السياسية في الدول الأفريقية خلال عام 2024 على النحو التالي:1- تهديد سلطة الحزب الحاكم في جنوب أفريقيا: على الرغم من عدم الإعلان عن موعد محدد، فإن انتخابات جنوب أفريقيا يجب أن تتم في غضون 90 يوماً من نهاية ولاية البرلمان في منتصف مايو، ومن المتوقع أن تكون هذه الانتخابات هي الأشد تنافسيةً منذ نهاية نظام الفصل العنصري في عام 1994، وخاصة مع تآكل قاعدة ناخبي حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" الحاكم، الذي يواجه خطر خسارة الأغلبية في البرلمان.إذ يعاني رئيس الحزب ورئيس الدولة "سيريل رامافوزا" من الاضطرابات خلال معظم فترة ولايته التي تمتد لخمس سنوات، وخاصةً بعد أن خلصت لجنة مستقلة إلى أنه ربما يكون قد انتهك قوانين مكافحة الفساد بسبب سرقة 580 ألف دولار في عام 2020 تم اكتشافها في مزرعة خاصة به، لكن برأته منظمة رقابية، وتمكن من تجنب جلسة استماع لعزله في ديسمبر 2022.ومع ذلك كانت أزمة "المزرعة" أقل مخاوف الحزب؛ حيث سلط الحادث الضوء على المشكلات داخل حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي"، الذي يشوب أداءه الكثير من مظاهر الفساد. وفي الوقت نفسه، تواجه البلاد مستويات بطالة مرتفعة، وفشل البنية التحتية للطاقة، وارتفاع معدلات الجريمة، فضلاً عن أن فجوة الثروة بين السود والبيض تجعل المجتمع هو الأول من حيث عدم المساواة في العالم، وفقاً للبنك الدولي.وفي إطار هذا الوضع، يواجه الحزب الحاكم منافسة انتخابية قوية، مع تنامي فرص "التحالف الديمقراطي الوسطي" (أكبر حزب معارض ويحظى بدعم أقوى بين البيض في جنوب أفريقيا) لأن يحقق تأثيراً أكبر من المعتاد في انتخابات هذا العام؛ حيث يتقدم حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي" بنسبة 7% فقط في استطلاعات الرأي، وفقاً لـ"التحالف الديمقراطي"؛ وذلك فيما حصل حزب "المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية" الشعبوي اليساري المتطرف على الدعم من الناخبين السود لحزب "المؤتمر الوطني الأفريقي"، ليصبح ثالث أكبر حزب في البلاد خلال العقد الماضي، وليزداد احتمال قيادة البلاد من قبل حكومة ائتلافية لأول مرة في حقبة ما بعد الفصل العنصري.لا يعني ذلك بالضرورة إنهاء سلطة حزب "المؤتمر الوطني الأفريقي"، ولكن قد تضعف قبضته على مؤسسات البلاد؛ ما يجبره على التوصل إلى تسوية مع شركاء في ائتلاف حاكم؛ وذلك ما يسمح لمواطني جنوب أفريقيا المعتادين على حكم الحزب الواحد، بخوض التجربة الديمقراطية البرلمانية على النمط الأوروبي.2- احتدام الصراع السياسي في السنغال قبيل الانتخابات: لم تشهد السنغال انقلاباً قط منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960، وهي تُعَد واحة الديمقراطية في غرب أفريقيا، غير أن الحملات القمعية الأخيرة على المعارضة زادت من قلق المحللين بشأن الانتخابات المقرر إجراؤها في فبراير. وحتى إن استُبعد الرئيس السنغالي "ماكي سال" في يوليو الماضي من الترشح لولاية ثالثة، منهياً بذلك أشهراً من التكهنات بأنه سيتجاوز حدود ولايته القانونية، فإن الدعاوى القضائية المتعددة ضد زعيم المعارضة "عثمان سونكو" أثارت احتجاجات دموية في الشارع السنغالي مع إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي.فقد تنامت شعبية "سونكو" مفتش الضرائب السابق، بين الناخبين السنغاليين الشباب بعد أن كشف تهرب شركة كندية من الضرائب بقيمة 9 ملايين دولار في السنغال في عام 2018، وانتقد السياسيين السنغاليين وعلاقتهم بفرنسا، لكن الحكومة السنغالية تتهمه بالتحريض على عدم الاستقرار، والآن تمنعه ​​إدانة جنائية من الترشح للانتخابات؛ حيث تم شطب "سونكو" من القائمة الانتخابية وحُكم عليه في يونيو الماضي بالسجن لمدة عامين بتهمة "إفساد الشباب"، وهي جريمة أقل خطورة من تهمة الاغتصاب التي واجهها في أول الأمر.ومع ذلك أمرت محكمة سنغالية في ديسمبر الماضي بإعادة "سونكو" إلى السجل الانتخابي؛ ما يمهد الطريق أمامه لخوض الانتخابات المقررة في فبراير، غير أن هذه المرة هي الثانية التي يحكم فيها القاضي لصالح إعادته إلى منصبه. وحتى إذا ترشح "سونكو"، فإن ائتلاف "بينو بوك ياكار" الحاكم الذي يتزعمه "سال" لا يزال لديه فرصة قوية للفوز تحت قيادة مرشحه رئيس الوزراء الحالي "أمادو با".3- الانعكاسات المستمرة لتمسك رئيس رواندا بالسلطة: بجانب تمسكه بالسلطة لأكثر من عقدين من الزمن منذ أن ساعدت "قوات الجبهة الوطنية" الرواندية التابعة له في إنهاء الإبادة الجماعية عام 1994، قام الرئيس الرواندي "بول كاجامي" بتعديل الدستور في عام 2015 بما يتيح له خوض الانتخابات حتى عام 2034؛ إذ ينوي الترشح لولاية رابعة خلال انتخابات يوليو المقبل، التي ستكون نتيجتها محسومة لصالحه إلى حد كبير.ولكن من ناحية أخرى، يتهم منتقدون "كاجامي" بإصدار أوامر باغتيالات سياسية ضد زعماء المعارضة ومنافسيهم، فيما تم تجاهل قمع الدولة إلى حد كبير من قِبل المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين الذين يمولون الحكومة الرواندية. والأمر الأكثر إثارة للقلق، هو أن التوترات بين "كيجالي" وجمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة بلغت مستويات جديدة، في وقت تواجه فيه الكونغو مرة أخرى نتائج الانتخابات المتنازع عليها، التي أعلن فيها فوز الرئيس الحالي "فيليكس تشيسيكيدي" بأغلبية ساحقة.4- إجراء انتخابات غانا في ظل تفاقم مشكلات الاقتصاد: شهدت غانا في العام الماضي احتجاجات عدة على ارتفاع تكاليف المعيشة؛ حيث تسببت خطة الإنقاذ البالغة 3 مليارات دولار، التي تم التوقيع عليها مع صندوق النقد الدولي، في معاناة مالية للعديد من المواطنين العاديين. وتمثل خطة الإنقاذ برنامج صندوق النقد الدولي السابع عشر لغانا منذ حصولها على الاستقلال في عام 1957.ورغم إحراز الرئيس الغاني "نانا أكوفو أدو" تقدماً نحو إنهاء خطة الإنقاذ السابقة لغانا في عام 2019 – حتى مع بعض قرارات الإنفاق السيئة على البنية التحتية – حيث قامت الحكومة باستثمارات جيدة في الصحة والتعليم، ولكن مع ذلك فإن الركود في غانا كان ناجماً جزئياً عن جائحة "كوفيد-19"، واعتماد البلاد المفرط على الدولار الأمريكي، وارتفاع سعر الصرف في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وتم تنفيذ ضريبية مثيرة للجدل على المدفوعات الرقمية بشكل سيئ، وقد حققت أقل من إيرادات الدولة المتوقعة بأكثر من 90%.وفي ظل هذا الوضع، ستشهد غانا انتخابات تنافسية إلى حد كبير في ديسمبر المقبل؛ إذ تتمتع الدولة بثقافة قوية من النشاط الشبابي، كما أن الفوز في السباق لخلافة "أكوفو أدو" – الذي وصل إلى الحد الأقصى لفترتيه – ليس مضموناً لـ"الحزب الوطني الجديد" الحاكم، الذي يقوده الآن نائب الرئيس "محمودو بوميا".5- تحرك النظام الحاكم في مالي لتثبيت سلطته: من المقرر أن تجرى في مالي انتخابات هذا العام، يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير، وخاصة أن المشهد العام والمستمر في منطقة الساحل وأماكن أخرى في أفريقيا، هو اتجاه الزعماء الذين يسعون إلى تغيير دساتير دولهم لتعزيز سلطتهم أو الترشح مدى الحياة، وهي ممارسة تؤدي إلى عدم الاستقرار وانقلابات جديدة.وقد صوت الماليون في استفتاء أجري في يونيو لصالح دستور جديد يمنح رئيس الدولة سلطات واسعة بما في ذلك القدرة على تعيين الوزراء وإقالتهم. ويرجح المراقبون السياسيون أن القائد العسكري في مالي والرئيس المؤقت العقيد "عاصمي جويتا" وغيره من قادة الانقلاب سيقدمون أنفسهم مرشحين رئاسيين محتملين في الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في فبراير 2023 ولكن تم تأجيلها على الأغلب حتى أكتوبر 2024.6- احتمالية حدوث انقلاب جديد في تشاد قبيل الانتخابات: لقد استولى القائد العسكري لتشاد الجنرال "محمد إدريس ديبي"، على السلطة في عام 2021 عندما قُتل والده الرئيس آنذاك "إدريس ديبي" في ساحة القتال، وقام بتأجيل الانتخابات لمدة عامين حتى وضع دستور جديد تم إقراره من خلال استفتاء أجري في ديسمبر الماضي، وإنشاء مجالس محلية مستقلة تسمح للممثلين المنتخبين محلياً بتحصيل الضرائب. وقد رفض بعض أعضاء المعارضة الدستور الجديد؛ لخطره على الفيدرالية، وتركيزه السلطة في يد الرئيس؛ ولذلك فإن احتمال حدوث انقلاب داخلي من قبل أعضاء الدائرة الداخلية لـ"ديبي" يضع تشاد في وضع محفوف بالمخاطر مع اقتراب موعد الانتخابات.7- إمكانية وقوع اضطرابات مصاحبة لانتخابات غينيا بيساو: فقد قام الرئيس "عمرو سيسوكو إمبالو" بحل البرلمان للمرة الثانية في أقل من عامين بعد ما وصفه بمحاولة الانقلاب الفاشلة في 30 نوفمبر، وسبق أن قام بحل البرلمان في مايو 2022 بعد محاولة واضحة للإطاحة به في فبراير من ذلك العام؛ وذلك مع الإشارة إلى أن "إمبالو" الذي تولى منصبه في عام 2020، قام بتأجيل خططه للمضي قدماً في تغيير دستوري كان من شأنه تفكيك النظام شبه الرئاسي في البلاد، وعمل على تعزيز سلطته بعد فوز المعارضة بالأغلبية في الانتخابات التشريعية في يونيو الماضي، لتشير الأحداث الجارية إلى انتخابات مضطربة في الدولة من المقرر أيضاً إجراؤها في وقت ما في عام 2024.ومن ثم يمكن القول في الختام، إن الانتخابات في جنوب أفريقيا والسنغال وغانا يمكن أن تعمل على إعادة تشكيل العديد من الديمقراطيات القائمة في القارة، في حين أنه من المرجح، بحسب المقال، أن تؤدي بعض الانتخابات إلى ترسيخ الحكم الفردي، مع إمكانية تأجيل الاستحقاقات الديمقراطية في منطقة الساحل، وخاصةً إذا حدثت تغيرات سياسية في المنطقة، سواء عبر حدوث انقلابات جديدة محتملة أو حدوث اضطرابات واسعة النطاق تؤثر على سيطرة الأنظمة الحاكمة في الوقت الراهن.&nbsp;المصدر:Nosmot Gbadamosi, "What to Watch in Africa in 2024", Foreign Policy, January 3, 2024.&nbsp;

ما الذي يكشف عنه مشهد الانتخابات في أفريقيا خلال عام 2024؟