إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

تشهد نيجيريا الواقعة في إقليم غرب أفريقيا تصاعداً في وتيرة الاحتجاجات الشعبية خلال الآونة الأخيرة، وهي التظاهرات التي حدثت في العاصمة "أبوجا" وعدة مدن أخرى في مطلع أغسطس 2024، والتي بدأت عبر حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت شعار "ضعوا حداً للحكم السيئ في نيجيريا"، والتي أعلن من خلالها مجموعة من الشباب عن القيام باحتجاجات لمدة (10) أيام في جميع أنحاء البلاد، للتعبير عن استيائهم من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وسوء الحكم والإدارة واستشراء الفساد، وقد أدت الاحتجاجات إلى سقوط نحو (13) شخصاً على الأقل وفقاً لما أعلنته منظمة العفو الدولية، كما تم فرض حظر التجوال في خمس ولايات شمالية. وتُعيد هذه الاحتجاجات إلى الأذهان تلك التي اندلعت في عهد الرئيس السابق "محمد بخاري" ضد وحدة مكافحة السرقة الخاصة المعروفة باسم "سارس" في أكتوبر 2020. أبعاد مؤثرةثمة جملة من الأبعاد المؤثرة المصاحبة لتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في نيجيريا مع مطلع أغسطس 2024، والمتمثلة فيما يلي: 1- المطالبة بتجاوز الأوضاع الاقتصادية المتردية: والتي شكلت العامل الرئيسي المحرك لحدوث الاحتجاجات التي تشهدها نيجيريا خلال الآونة الأخيرة، حيث يعيش نحو (40%) من سكانها البالغ عددهم أكثر من نحو (223) مليون نسمة تحت خط الفقر، وذلك وفقاً لبيانات البنك الدولي في عام 2024، كما شهد معدل التضخم ارتفاعاً كبيراً، حيث بلغ نحو (34.1%) في منتصف عام 2024، وهو ما يُعد أعلى مستوى له على الإطلاق منذ نحو ثلاثة عقود تقريباً، ويرجع ذلك إلى السياسات التي أعلن عنها الرئيس النيجيري "بولا تينوبو" في مايو 2023، والمتعلقة بإلغاء الدعم على الوقود بهدف خفض الإنفاق الحكومي، وهو ما نتج عنه العديد من التحديات الاقتصادية، لعل من بينها الارتفاع الملحوظ في أسعار المواد الغذائية، حيث تجاوز معدل التضخم نحو (40%)، وارتفاع سعر البنزين الذي تضاعف لأكثر من ثلاث مرات ليصل سعره إلى نحو ألف نيرا لكل لتر، وانخفاض قيمة العملة الوطنية "نيرا" في مقابل العملات الأجنبية.2- الدعوة للقضاء على سوء الإدارة واستشراء الفساد: وهو ما جاء على رأس المطالب الرئيسية التي رفعها المتظاهرون في الاحتجاجات في نيجيريا، وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال الشعار الرئيسي لهذه المظاهرات والمتمثل في "ضعوا حداً للحكم السيئ في نيجيريا" End bad Governance in Nigeria، ويرتبط ذلك بتنامي معدلات الفساد في العديد من القطاعات الاقتصادية في الدولة، حيث تحتل نيجيريا الترتيب (145) عالمياً من أصل (180) دولة في عام 2023 وفقاً لمؤشر مدركات الفساد الصادر في عام 2024، وهو ما أثر بشكل كبير على الأداء الوظيفي للدولة وذلك على الرغم مما تمتلكه من ثروات طبيعية هائلة، على رأسها النفط الذي تحتل الدولة الترتيب الأول في إنتاجه قارياً، حيث تنتج نحو (1.6) مليون برميل يومياً في عام 2023، وتستهدف الوصول به إلى نحو (2.6) مليون برميل يومياً في عام 2026. 3- تأثير عدوى الاحتجاجات الواقعة في كينيا: شكلت الاحتجاجات في كينيا التي وقعت في كينيا خلال شهر يونيو 2024 عاملاً محفزاً لتحريك الاحتجاجات في نيجيريا، وهي الاحتجاجات التي بدأت كمعارضة لمشروع قانون المالية للعام 2024 والذي يتضمن فرض زيادات ضريبية، والذي أقره البرلمان في يونيو 2024، مما أدى إلى تصاعد وتيرة الاحتجاجات التي تضمنت مطالب واسعة بالإصلاح والمساءلة وصولاً إلى المطالبة باستقالة النظام الحاكم بالكامل، وقد دفعت هذه الاحتجاجات الرئيس الكيني إلى إعلان سحب قانون المالية الجديد في أواخر يونيو 2024 وتشكيل حكومة جديدة في يوليو 2024، بيد أن ثمة مخاوف لا تزل قائمة بشأن إمكانية تجدد هذه الاحتجاجات.4- محاولة الحكومة احتواء التظاهرات قبل اندلاعها: تبلور ذلك من خلال محاولة دفع الحكومة النيجيرية الناشطين الشباب نحو عدم الاشتراك في المسيرات والاحتجاجات الشعبية، وإفساح المجال أمام تطبيق الإصلاحات المعنية بتحسين الاقتصاد، حيث أعلنت الحكومة عن مساعدات للتخفيف من حدة الصعوبات الاقتصادية في 31 يوليو 2024، والتي تشمل زيادة الحد الأدنى للأجور وتقديم حبوب للولايات المختلفة ومساعدات للمحتاجين في أنحاء البلاد، وقد سبق ذلك اتخاذ الحكومة قراراً برفع الحد الأدنى للأجور الشهري إلى نحو (70) ألف نيرا في 18 يوليو 2024، ويأتي ذلك بعد ممارسة النقابات العمالية ضغوطاً مستمرة في هذا الشأن، حيث كانت تطالب بزيادة هذا الحد من نحو (30) ألف نيرا إلى ما يقرب من (500) ألف نيرا.5- إعلان النظام الحاكم الدعوة إلى الحوار لوقف التظاهرات: تجلى ذلك من خلال ما أعلنه الرئيس النيجيري "بولا تينوبو" في خطاب متلفز في 4 أغسطس 2024، والذي أعلن من خلاله الدعوة إلى وقف الاحتجاجات المعيشية ووضع حد لإراقة الدماء والدعوة إلى فتح قنوات اتصال للحوار المجتمعي، كما أكد على تفهم الحكومة للضغوط المحركة لقيام المتظاهرين بالاحتجاجات وحرصها على الاستماع لمخاوف المواطنين والعمل على معالجتها، مع التحذير من تصاعد وتيرة العنف المصاحب لهذه التظاهرات انطلاقاً من تأثيراته السلبية على الاستقرار والأمن، وكذلك تناول أبرز الخطوات التي اتخذتها وستتخذها الحكومة لصالح الشباب ودعم عجلة الاقتصاد في الدولة.6- اتهام الشرطة المتظاهرين بمحاولة زعزعة الاستقرار: فقد أعلن المفتش العام للشرطة النيجيرية "كايود إيجبيتوكون" في خطابه إلى الأمة من مقر الشرطة في 1 أغسطس 2024، أنّ التظاهرات التي تم التحريض عليها تُعد انتفاضة جماعية ونهباً وليست احتجاجاً. كما أشار إلى أنه قد تم إطلاق سراح المجرمين ضد النيجيريين الأبرياء. ولذا سعت الشرطة النيجيرية منذ الوهلة الأولى إلى التعامل بحسم مع التظاهرات الاحتجاجية من أجل عدم إفساح المجال أمام خروج المحتجين عن نطاق ضواحي المدن الكبرى لتجنب تعطيل عمل الشركات وحركة المرور.وقد تم اتخاذ بعض الإجراءات في هذا الشأن، ومنها فرض حظر التجول في خمس ولايات هي (كانو، يوبي، بورنو، كاتسينا، جيغاوا)، ولا سيما في ضوء ما تعرضت له الممتلكات الحكومية والعامة من عمليات نهب وسرقة. وعلى الرغم من ذلك استمر المتظاهرون في الاحتجاجات على نحو يُشكل خرقاً لحظر التجول المفروض، مما أدى إلى وقوع اشتباكات مع الشرطة، والتي أسفرت عن مقتل عدد من الأشخاص، واعتقال ما لا يقل عن (700) فرد وفقاً لما أعلنته الشرطة في 3 أغسطس 2024.تداعيات محتملة ثمة مجموعة من التداعيات المحتملة جراء تصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في نيجيريا مع مطلع أغسطس 2024، والمتمثلة فيما يلي:1- اتساع نطاق العنف المسلح المتبادل: يدعم ذلك تمسك المتظاهرين بالعمل على مزيد من التعبئة الشعبية، والاستمرار في اتّباع آلية الاحتجاجات لممارسة مزيد من الضغوط على كاهل النظام الحاكم لدفعه نحو الاستجابة للمطالب المطروحة، وهو ما قد يُسفر عن تصاعد وتيرة المواجهات بين الحكومة والمتظاهرين، والتي أسفرت عن سقوط نحو ستة أشخاص في بلدة "سوليجا" الواقعة قرب العاصمة "أبوجا"، ومقتل أربعة أشخاص في مدينة "مايدوغوري" الواقعة شمال شرق البلاد، ومقتل ثلاثة في ولاية "كادونا" الواقعة شمال غرب الدولة، وذلك وفقاً لمنظمة العفو الدولية في 1 أغسطس 2024، والتي أعلنت كذلك عن استخدام الشرطة أساليبَ القتل في التعامل مع التظاهرات بشكل عمدي، وهو ما نفته الشرطة بشكل قاطع وأعلنت عن إصابة (9) من أفرادها في 3 أغسطس 2024، ويعزز من الاتجاه التصاعدي للعنف المحتمل تأخر الحكومة في بلورة حلول جذرية وناجعة للمشكلات والتحديات القائمة على مختلف الأصعدة خلال الفترات الماضية.2- تزايد نطاق وكثافة التهديدات الإرهابية: من المرجَّح أن تدفع الاحتجاجات التي تشهدها نيجيريا خلال الآونة الأخيرة نحو تزايد حجم الأنشطة والعمليات للجماعات الإرهابية، مستغلة في ذلك أوضاع الاضطرابات الأمنية وعلى رأسها جماعة "بوكو حرام" التي رصدت بعض المعلومات الاستخباراتية أنها تخطط لشن هجمات إرهابية جديدة خلال الآونة المقبلة، ولعل هذا ما دفع قيادة الشرطة في ولاية "يوبي" الواقعة شمال شرق نيجيريا إلى الإعراب عن قلقها حيال إمكانية تسلل عناصر من جماعة "بوكو حرام" إلى الاحتجاجات، واتخاذ قرار برفع حالة التأهب في الولاية، والتي تُصنَّف ضمن الولايات الأكثر تضرراً من الهجمات الإرهابية في نيجيريا خلال السنوات الأخيرة.3- تنامي مخاطر تجارة الأسلحة والاتجار بالبشر: يرتبط استشراء تجارة الأسلحة غير المشروعة بظروف انتشار العنف المسلح والصراع مع الجماعات المتطرفة العنيفة، ويعزز من مخاطر هذه الظاهرة كون أن نيجيريا تُعد بمثابة بلد عبور ومقصد للأسلحة غير المشروعة التي يتم تهريبها عبر الحدود البرية والجوية والسواحل الشاسعة. ووفقاً لمؤشر الجريمة المنظمة العالمي فإن هناك أدلة على تدفق الأسلحة النارية المنهوبة من المخزونات الليبية إلى الجماعات المسلحة النيجيرية، وكذلك على بيع الأسلحة التي تستوردها المنظمات المتطرفة إلى جماعات الجريمة المنظمة في نيجيريا.كما يرتبط انتشار الاتجار بالبشر بتزايد ظروف الفقر المدقع، وانعدام الفرص الاقتصادية، والفساد، وانعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد. ويعزز من ذلك كون أن نيجيريا تُعد أيضاً بلد منشأ وعبور ومقصد لضحايا الاتجار بالبشر، حيث تم التركيز على تجنيد الضحايا من المناطق الريفية بالأساس، ويشمل ذلك النازحين داخلياً، والمهاجرين غير النظاميين، والعاملين في الاقتصاد غير الرسمي، وذوي الإعاقة، وذلك من أجل استغلالهم في الاتجار بالجنس والعمل القسري في العمل المنزلي، والسخرة في البيع في الشوارع والتعدين الحرفي.4- تفاقم إشكاليّة الأمن الغذائي في الولايات الشمالية: يعزز من ذلك تأثر مساهمة الولايات الواقعة في شمال شرق وغرب الدولة في إنتاج الحبوب، إذ إنها مسؤولة عن إنتاج نحو (80 %) من الحبوب على مستوى الدولة ككل، بيد أن العنف المستشري وانعدام الأمن المصاحب لانتشار العصابات الإجرامية والمواجهات التي تنشب بين المزراعين والرعاة ولا سيما في إطار المنطقة الشمالية الوسطى أو منطقة الحزام الأوسط، أدى إلى زيادة الضغط على قاعدة الإمدادات الغذائية للسكان، وهو ما قد يؤدي إلى تزايد إشكاليات الأمن الغذائي، ليس على مستوى المناطق الشمالية فحسب بل على مستوى الدولة ككل، والتي تنامت تأثيراتها السلبية بشكل مضطرد منذ بداية جائحة كورونا في عام 2020 والفيضانات المدمرة التي شهدتها الدولة في عام 2021، وذلك وفقاً لما أعلنه وزير الزراعة "أبو بكر كياري" أمام البرلمان في فبراير 2024، علماً بأن أزمة انعدام الأمن الغذائي قد تسببت في حدوث مظاهرات احتجاجية خلال في مطلع عام 2024.5- تكثيف انخراط المؤسسة العسكرية في تأمين البلاد: يدعم ذلك ما أكده قائد الدفاع النيجيري الجنرال "كريستوفر موسى"، والذي أشار إلى أن الجيش سيتدخل إذا استمرت أعمال النهب وتدمير الممتلكات العامة جراء بدء أعمال المظاهرات منذ 1 أغسطس 2024، مع التأكيد بعدم السماح بأي أعمال تخريبية من شأنها أن تؤدي إلى تدمير الدولة، وقد جاء ذلك في ظل تعهد منظمي التظاهرات، وهم تحالف من منظمات المجتمع المدني، بمواصلة تحركاتهم الاحتجاجية رغم تحذيرات السلطات الرسمية في الدولة، ولعل هذا ما دفع المفتش العام للشرطة "كايود إيغبيتوكون" إلى التأكيد على وضع جميع الوحدات في حالة تأهب للتعامل مع التهديدات التي يتعرض لها الأمن والنظام العام.وختاماً، يُمكن القول إن التظاهرات التي شهدتها نيجيريا في أغسطس 2024 تأتي في إطار تصاعد حالة السخط الشعبي ضد الأداء الوظيفي للنظام الحاكم بقيادة الرئيس "بولا تينوبو"، ولا سيما على المستوى الاقتصادي، ويفرض ذلك معه تفاقم واقع الإشكاليات الأمنية التي تعاني منها الدولة بشدة خلال الآونة الأخيرة وعلى رأسها الإرهاب، وهو ما من شأنه أن يؤثر بشكل سلبي على قاعدة الشرعية السياسية التي يتمتع بها هذا النظام. وتطرح الرؤية المستقبلية ضرورة اتّباع الحكومة نهجاً قائماً على المعالجة الجذرية للتحديات القائمة، وعلى رأسها استشراء الفساد، وسوء الإدارة، وارتفاع المستويات المعيشية والفقر في الدولة، وهو الأمر الذي يتطلب فتح قنوات اتصال مع منظمات المجتمع المدني والقيادات المحلية البارزة ورجال الدين وغيرهم من أجل صياغة أرضية توافقية قائمة على تجاوز التحديات القائمة بشكل فعّال.

ما مآلات تصاعد الاحتجاجات الشعبية في نيجيريا؟