إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

شهدت العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي، يوم 1 سبتمبر 2024، احتشاد الآلاف من أنصار الرئيس "أندريس لوبيز أوبرادور" من أجل دعم خطته للإصلاح القضائي. واستغل "أوبرادور" هذا الحشد من أجل مواصلة خطابه التصعيدي ضد واشنطن التي أعربت عن رفضها للخطة؛ حيث قال أوبرادور: "دعوا أصدقاءنا وجيراننا في الولايات المتحدة يستوعبون ذلك".لقد جاءت هذه التصريحات على خلفية إعلان الرئيس المكسيكي، في 27 أغسطس 2024، تجميد العلاقات مع سفارتي الولايات المتحدة وكندا، وليس مع دولتيهما، بعد أن انتقد سفيراهما إصلاحات قضائية مقترحة تنص على انتخاب القضاة عن طريق التصويت الشعبي، ولكنه في الوقت ذاته، أكد أن العلاقات الأمريكية–المكسيكية لن تتأثر؛ وذلك في محاولة محتملة لتهدئة المخاوف بشأن التأثير المحتمل على العلاقات التجارية بين المكسيك وجارتها الشمالية.ورغم أنه في حال تمرير إصلاحات القضاء فإنها تؤدي إلى إقصاء أكثر من 5 آلاف قاضٍ من مناصبهم، بدءاً من المحكمة العليا، وصولاً إلى المحاكم المحلية، فإن أوبرادور، اعتبر هذه الإصلاحات ضرورية لمنع الفساد، والأحكام التي تسمح بإطلاق سراح تجار المخدرات، لكن آخرين يرون – مستشهدين بسلسلة هجماته على القضاة الذين حكموا ضد بعض خططه – أن هذه التدابير تشكل ذريعة لتقويض استقلال القضاء، وتعزيز نفوذ الحركة السياسية الوطنية التي يقودها الرئيس المكسيكي.أسباب التوتر يرجع التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والمكسيك إلى جملة من الأسباب يتمثل أبرزها فيما يلي:1- انتقاد أمريكي للإصلاحات القضائية في المكسيك: أحد الأسباب الرئيسية للتوتر الحالي بين الولايات المتحدة والمكسيك هو خطة الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور لإجراء إصلاحات في النظام القضائي في بلاده. ويسعى أوبرادور إلى تعديل الدستور بحيث يتم انتخاب القضاة عبر اقتراع شعبي بدلاً من تعيينهم من قبل الحكومة المكسيكية. وتعتبر الولايات المتحدة هذه الخطوة تهديداً للديمقراطية المكسيكية؛ حيث يمكن أن تؤدي إلى تسييس القضاء، وإضعاف استقلاله، الذي يُعتبر ركيزة أساسية للديمقراطية؛ ما يؤثر سلباً على سيادة القانون.وقد أشارت السفارة الأمريكية في المكسيك إلى مخاوف الولايات المتحدة المتعددة بشأن القضايا التي قد تظهر حال انتخاب القضاة عن طريق التصويت الشعبي. وأكدت مذكرة للسفارة الأمريكية بالمكسيك أن واشنطن تدعم مفهوم الإصلاح القضائي في المكسيك، لكن لديها مخاوف كبيرة من أن انتخاب القضاة عن طريق التصويت الشعبي، لن يعالج الفساد القضائي، ولن يعزز السلطة القضائية للحكومة المكسيكية.2- تزايد الهجرة غير الشرعية من المكسيك إلى الولايات المتحدة: تظل قضايا الهجرة غير الشرعيين عبر الحدود الجنوبية، التي يعتبرها كثير من الأمريكيين مشكلة أمن قومي، مصدر توتر مستمر بين الولايات المتحدة والمكسيك. وقد دفعت الفوارق الاقتصادية والعنف ونقص الفرص لملايين المكسيكيين إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة بحثاً عن حياة أفضل. ووفقاً لمركز بيو للأبحاث، فإنه اعتباراً من عام 2020، كان هناك ما يقرب من 11 مليون شخص مولود في المكسيك يعيشون في الولايات المتحدة، بشكل قانوني وغير قانوني.وتوجد شكاوى من الجانب المكسيكي حول معاملة المهاجرين وظروف احتجازهم، بما في ذلك الحوادث التي تشمل التخلص من ممتلكات المهاجرين الشخصية من قبل دوريات الحدود الأمريكية. وكثيراً ما صور الخطاب السياسي في الولايات المتحدة المهاجرين المكسيكيين بصورة سلبية؛ ما أسهم في كراهية الأجانب والقوالب النمطية ضد المكسيكيين. وقد أدى نهج إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بما في ذلك اقتراح بناء جدار على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك ومطالبة الأخيرة بدفع ثمنه، إلى تصعيد التوترات؛ ما أدى إلى مشاحنات دبلوماسية واحتجاج من الحكومة المكسيكية.3- تصاعد الانتقادات الرسمية المتبادلة: تصاعدت التوترات بين البلدين بسبب تبادل التصريحات بين المسؤولين الأمريكيين والمكسيكيين؛ فقد انتقد السفير الأمريكي في المكسيك كين سالازار، علانية جهود الإصلاح القضائي للرئيس أوبرادور، واصفاً إياها بأنها خطر كبير على الديمقراطية في المكسيك، وأنها تهدد العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والمكسيك عن طريق تقويض الثقة بالنظام القانوني المكسيكي، وتشجيع عصابات المخدرات على استغلال القضاة المسيسين وغير المتمرسين. وقد رد الرئيس المكسيكي أوبرادور بغضب على هذه الانتقادات، معتبراً أنها تدخل في الشؤون الداخلية للمكسيك، وأعلن عن توقف في العلاقات مع السفارة الأمريكية في المكسيك.4- الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة: تشكل مسألة الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة مصدراً آخر للتوتر بين المكسيك والولايات المتحدة. وقد أدى الطلب الأمريكي على المخدرات غير المشروعة إلى تغذية صناعة المخدرات بمليارات الدولارات في المكسيك، التي تسيطر عليها عصابات المخدرات. وتلك الكارتلات مسؤولة عن العنف والفساد وعدم الاستقرار داخل المكسيك؛ ما يشكل تهديداً لأمن القومي الأمريكي.وقد دعمت الحكومة الأمريكية جهود المكسيك لمكافحة الاتجار بالمخدرات من خلال مبادرات مثل مبادرة ميريدا، وتوفير التمويل والتدريب والمعدات لقوات الأمن المكسيكية. ومع ذلك، غالباً ما تعرض النهج العسكري لانتقادات بسبب تصاعد العنف وانتهاكات حقوق الإنسان. ويشكل تدفق الأسلحة النارية من الولايات المتحدة إلى المكسيك، الذي يسهم في عنف العصابات، نقطة خلافية أخرى؛ فقد اتهمت السلطات المكسيكية الولايات المتحدة بعدم القيام بما يكفي للحد من تجارة الأسلحة غير المشروعة.5- الاختلافات في السياسة التجارية والاقتصادية: على الرغم من العلاقات الاقتصادية الوثيقة والمستدامة بين الولايات المتحدة والمكسيك، فإن هناك العديد من النزاعات التجارية والاقتصادية بين البلدين. وتتعدد أسباب هذه النزاعات وتشمل مجموعة واسعة من القضايا، مثل الرسوم الجمركية، والسياسات التجارية، واللوائح، والشروط الاقتصادية؛ فقد أثارت الولايات المتحدة مخاوف بشأن ممارسات العمل المكسيكية واللوائح البيئية؛ ما أدى إلى تهديدات بالتعريفات الجمركية. من ناحية أخرى، أعربت المكسيك عن قلقها إزاء السياسات الحمائية في الولايات المتحدة، التي تهدد صادراتها. وقد طالبت الولايات المتحدة بقواعد منشأ أكثر صرامة، وحماية أكثر قوة للعمال، وهو الأمر الذي اعتبرته المكسيك محاولة للحد من ميزتها التنافسية.تداعيات واسعةتستدعي التوترات بين المكسيك والولايات المتحدة عدداً من التداعيات البعيدة المدى، التي يتمثل أبرزها فيما يلي:1- التأثيرات الاقتصادية للنزاعات التجارية: أدت التوترات في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والمكسيك إلى تنامي حالة من عدم اليقين في العلاقات الاقتصادية بين الدولتين؛ ما أثر على تدفقات التجارة والاستثمار بينهما. ويمكن أن تؤدي النزاعات حول التعريفات الجمركية والممارسات التجارية إلى تعطيل سلاسل التوريد والتأثير على الشركات التي تعتمد على التجارة عبر الحدود. وقد أدت التوترات الاقتصادية والتجارية إلى فرض تعريفات جمركية متبادلة؛ ما أسفر عن زيادة تكلفة بعض السلع، وهو ما أثر سلباً على المستهلكين والشركات الأمريكية والمكسيكية. وقد تسبب ذلك في ضغوط اقتصادية وزيادة في التكاليف التشغيلية.2- الإضرار بصورة الولايات المتحدة عالمياً: أثر تركيز إدارتي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن على أمن الحدود والمواجهة الصارمة للهجرة غير الشرعية، على صورة الولايات المتحدة عالمياً، ولا سيما مع انتهاكاتها حقوق الإنسان؛ إذ تضمنت فصل العائلات واحتجاز المهاجرين في ظروف قاسية. وقد انتُقدت هذه السياسات من قبل منظمات حقوق الإنسان. وقد ساهم الخطاب الأمريكي حول قضية الهجرة في زيادة المشاعر المعادية للمهاجرين وكراهية الأجانب في الولايات المتحدة؛ ما أدى إلى تزايد الاستقطاب الاجتماعي، وحوادث جرائم الكراهية ضد المجتمعات المكسيكية وغيرها من مجتمعات أمريكا اللاتينية داخل الولايات المتحدة.3- التأثير على الأمن القومي المكسيكي: أدى النهج العسكري لمكافحة الاتجار بالمخدرات إلى زيادة العنف في المكسيك؛ حيث يفقد الآلاف من الأرواح سنويًّا بسبب العنف المرتبط بمنظمات الجريمة المنظمة داخل المكسيك. ويؤدي تدفق الأسلحة من الولايات المتحدة إلى المكسيك إلى تفاقم هذا العنف؛ ما يخلق حلقة مفرغة من انعدام الأمن. وقد أدت هذه القضايا الأمنية إلى توتر العلاقات الدبلوماسية وتطلبت تعاوناً مستمراً بين الحكومتين الأمريكية والمكسيكية.4- تفاقم الأزمات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة والمكسيك: أدت التوترات حول قضايا مثل الهجرة والتجارة والأمن، والإصلاحات القضائية المقترحة إلى توترات دبلوماسية؛ ما قد يؤثر على التعاون الثنائي على جبهات مختلفة. ومن الممكن أن تؤدي المشاحنات الدبلوماسية، مثل تلك المتعلقة بتمويل الجدار الحدودي الأمريكي والتعريفات الجمركية، إلى إعاقة الحوار البناء والتعاون بشأن القضايا الحرجة مثل التنمية الاقتصادية، وتغير المناخ، والاستقرار الإقليمي.توازن دقيقخلاصة القول: تعكس التوترات الحالية بين المكسيك والولايات المتحدة وكندا، وإعلان الرئيس المكسيكي أندريس لوبيز أوبرادور تجميد العلاقات مع سفارتي الولايات المتحدة وكندا – بعد أن انتقد سفيراهما إصلاحات قضائية مقترحة تنص على انتخاب القضاة عن طريق التصويت الشعبي – تعقيدات العلاقات الدولية الراهنة؛ حيث تلعب السيادة الوطنية والحساسيات الداخلية دوراً كبيراً. ويتطلب التغلب على هذه التحديات توازناً دقيقاً بين الاستجابة للتحديات الداخلية والحفاظ على علاقات إيجابية مع الشركاء الدوليين.

كيف تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة والمكسيك؟