عقد "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية"، في 4 سبتمبر 2024، حلقة نقاشية بعنوان "الاستحقاق الرئاسي: الاتجاهات المتوقعة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية"، وهي الحلقة التي استضاف فيها المركز د. فتحي بولعراس الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر؛ حيث سعت الحلقة، والتي عقدت قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية، إلى تحليل واستشراف مشهد الانتخابات.

مستجدات انتخابية

استعرض المتحدث الرئيسي، مستجدات وتفاصيل الانتخابات الرئاسية الجزائرية 2024؛ وذلك على النحو التالي:

1- الانتخابات الرئاسية الأولى بعد التعديلات الدستورية: لفت المتحدث الرئيسي إلى أن الانتخابات الرئاسية الجزائرية – سبتمبر 2024، هي الانتخابات الرئاسية السابعة في الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، منذ بداية التعددية السياسية في البلاد عام 1989، ومنذ أول انتخابات رئاسية جرت فى عهد التعددية السياسية عام 1995، كما أن هذه الانتخابات هي الثانية بعد استقالة الرئيس الراحل "عبد العزيز بوتفليقة" في أبريل 2019 نتيجة تظاهرات رفضت خطته للترشُّح لفترة خامسة، كما أنها أول انتخابات رئاسية تُنظم بعد التعديلات الدستورية لعام 2020.

2- تقدير أعداد المسجلين لدى الهيئة الناخبة بما يزيد على 24 مليون مواطن: أشار المتحدث الرئيسي إلى انعقاد الانتخابات الرئاسية الجزائرية في الداخل، في 7 سبتمبر 2024، ويُقدر عدد من يحق لهم التصويت داخل الجمهورية الجزائرية بنحو 23,486,61 ناخباً، بينما فتحت سفارات الجزائر بالخارج أبواب الاقتراع للجاليات الجزائرية خارج البلاد في 3 سبتمبر؛ حيث يحق لنحو 865,490 ناخباً جزائرياً يقيمون خارج البلاد التصويت. وبذلك، فإن مجموع الجزائريين المُسجلين في الهيئة الناخبة يُقدَّر بـ24,351,551 ناخباً.

وأعلنت السلطة الوطنية للانتخابات بالجزائر، في 8 سبتمبر 2024، مشاركة أكثر بقليل من 5.5 مليون ناخب في العملية الانتخابية، من أصل نحو 24 مليون ناخب. وقال رئيس السلطة الجزائرية المستقلة للانتخابات محمد شرفي، إن السلطة "تشعر بالارتياح إزاء المشاركة الواسعة للمواطنين في هذا الاستحقاق الانتخابي".

3- تقديم موعد الانتخابات إلى شهر سبتمبر لاعتبارات قانونية: لفت "د. فتحي بولعراس" إلى اعتياد الجزائر إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية في شهر أبريل، إلا أن استقالة الرئيس "عبد العزيز بوتفليقة"، في أبريل 2019، نتيجة التظاهرات التي شهدتها البلاد، جعلت من الصعب إجراء الانتخابات في الشهر نفسه. ومن ثم جرت الانتخابات في شهر ديسمبر من العام نفسه.

وفيما كان من المفترض إجراء الانتخابات الرئاسية لعام 2024، في شهر ديسمبر أيضاً، فإن هناك اعتبارات تقنية وقانونية دفعت السلطات الجزائرية إلى اتخاذ قرار بتقديم الانتخابات إلى شهر سبتمبر، وعلى رأسها تمكين الرئيس الجزائري الجديد من التصديق على قانون الموازنة العامة في شهر ديسمبر. ويرى المتحدث أن تقديم موعد انتخابات 2024 إلى شهر سبتمبر بدلاً من شهر ديسمبر، يأتي تمهيداً لإعادة الانتخابات الرئاسية القادمة إلى شهر أبريل، كما هو معتاد في الجزائر.

4- إجراء الانتخابات في ظل سياق إقليمي ودولي مضطرب: أشار الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر، إلى السياق المحيط بالانتخابات الرئاسية لعام 2024، معتبراً أن تلك الانتخابات تأتي في ظل سياق إقليمي ودولي مضطرب، مشيراً على سبيل المثال إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واستمرار الحرب الروسية في أوكرانيا؛ وذلك فضلاً عن التحولات والانقلابات العسكرية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وغير ذلك من المستجدات الإقليمية والدولية.

خريطة المرشحين

رصد المتحدث الرئيسي خريطة المرشحين لانتخابات رئاسة الجزائر 2024، واتجاهاتهم السياسية؛ وذلك على النحو التالي:

1- الموافقة على ملفات 3 مرشحين للانتخابات الرئاسية: يتعين على الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية بجمهورية الجزائر جمع 600 توقيع على الأقل من نواب في مجالس محلية أو البرلمان في 29 ولاية من أصل 58 ولاية جزائرية، أو ما لا يقل عن 50 ألف توقيع لمواطنين مُسجلين على القوائم الانتخابية، على أن يكون 1200 من هذه التوقيعات على الأقل من كل ولاية.

ووفق هذه الاشتراطات، وافقت "السلطة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات" – وهي الهيئة المسؤولة عن تنظيم الانتخابات والإشراف عليها – على ملفات 3 مرشحين فقط من أصل 19 مرشحاً أعلنوا عن نيتهم خوض الانتخابات الرئاسية. والمرشحون الثلاثة لرئاسة الجمهورية الجزائرية هم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، بجانب رئيس "حركة مجتمع السلم" عبد العالي حساني شريف، والأمين العام لـ"جبهة القوى الاشتراكية" يوسف أوشيش.

2- "تبون" أكبر المرشحين سناً في الانتخابات الرئاسية: اعتبر الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر، أن الرئيس "عبد المجيد تبون" هو ممثل "التيار الوطني" في الانتخابات، وهو أكبر المرشحين للانتخابات؛ حيث يبلغ من العمر 79 عاماً. ويخوض "تبون" الانتخابات مدفوعاً بتأييد 10 أحزاب، غالبيتها بلا ظهير شعبي؛ حيث أشار المتحدث إلى أنه لا يوجد من بين الأحزاب الداعمة للرئيس الجزائري، أحزاب يمكن القول بأنها تحظى بظهير شعبي أو برلماني في الجزائر، وقد يستثنى من ذلك "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"حركة البناء الوطني" و"جبهة المستقبل".

3- ترويج حملة الرئيس "تبون" لما حققه في الولاية الأولى: لفت المتحدث الرئيسي لحملة الرئيس "عبد المجيد تبون" إلى أن الحملة تعتمد بشكل رئيسي على الترويج لما حققه الرئيس خلال ولايته الأولى، عبر استحضار ما أصدره من قرارات، وما أقره من قوانين، والترويج لتحقيقه إنجازات في بعض المجالات، خاصةً فيما يتعلق بملفات الشباب ومجالي الاقتصاد والسياسة الخارجية.

ومن ذلك الترويج لنجاح الحكومة الجزائرية في خفض معدلات البطالة في البلاد، بالإضافة إلى توظيف الإطاحة بـ."تبون" عام 2017 من منصب الوزير الأول، لتعزيز صورته العامة كشخصية سياسية لها مواقف ضد الفساد في الجزائر. وكذلك التركيز على اعتبار "تبون" أكثر المرشحين خبرة بشؤون الحكم والعلاقات مع المؤسسات الجزائرية، حتى إنه يُوصف بـ"ابن النظام"، بسبب تدرجه في العديد من المناصب الحكومية المهمة.

4- تأكيد الرئيس "تبون" دعم حكومته للفلسطينيين: لفت الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر إلى أن الخطاب الانتخابي للرئيس "عبد المجيد تبون" يركز خلال هذه الفترة على تأكيد دعم حكومته لفلسطين ضد الحرب الإسرائيلية الجارية، وتأكيد أن بلاده ستستمر في نهجها الداعم للفلسطينيين، مع الإشارة إلى ما تمثله القضية الفلسطينية من أهمية في الداخل الجزائري.

5- ترشُّح رئيس حركة مجتمع السلم للانتخابات: أشار المتحدث الرئيسي إلى أن المرشح الرئاسي "عبد العالي حساني شريف" الذي يترأس "حركة مجتمع السلم" يُعد ممثلاً للتيار الإسلامي في الجزائر، خاصةً أن الحركة محسوبة على تنظيم الإخوان في الجزائر، ولفت إلى أن ترشُّح "حساني" للانتخابات الرئاسية يعني عودة "حركة مجتمع السلم" إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية التي قاطعتها منذ أن شاركت لآخر مرة في انتخابات 1995، كما أن "حساني" حصل على تأييد "حركة النهضة" المحسوبة على التيار الإخواني في البلاد أيضاً.

6- دخول "حساني" الانتخابات لمنع "مقري" من الترشُّح: كشف المتحدث الرئيسي أن قرار عبد العالي حساني شريف رئيس "حركة مجتمع السلم" الترشُّح للانتخابات الرئاسية الجزائرية، لم يأت لتجديد دماء الحركة وتعزيز حضورها في الشارع الجزائري فحسب، بل الأهم من ذلك أن ترشُّح "حساني" جاء بهدف قطع الطريق على رئيس الحركة الأسبق "عبد الرزاق مقري"، الذي كان ينتوي خوض الانتخابات الرئاسية 2024. ولكن تجدر الإشارة إلى وجود انقسام داخل "حركة مجتمع السلم" حول قرار المشاركة في انتخابات 2024 من الأساس.

7- دعوة رئيس "حمس" إلى إجراء إصلاحات سياسية: لعل أهم ما يميز الخطاب الانتخابي لرئيس "حركة مجتمع السلم" في انتخابات رئاسة الجمهورية الجزائرية لعام 2024، وفق ملاحظات المتحدث الرئيسي، دعوة "عبد العالي حساني شريف" إلى إجراء إصلاحات سياسية ومؤسسية: حيث يركز الخطاب السياسي لرئيس "حمس" على الدعوة إلى تجريم الاعتداء على الحريات، وتوسيع الرقابة البرلمانية.

8- اعتبار "أوشيش" ممثلاً للتيار "العلماني" في الجزائر : أشار المتحدث الرئيسي إلى أن الأمين العام لجبهة القوى الاشتراكية "يوسف أوشيش" يُعد ممثلاً لما يُعرف بـ"التيار العلماني" أو "الديمقراطي" في الانتخابات الجزائرية، لافتاً إلى أن "أوشيش" هو أصغر المرشحين في الانتخابات الرئاسية؛ حيث يبلغ من العمر 41 عاماً فقط، وهو من مواليد منطقة القبائل. ويُلاحظ أن "جبهة القوى الاشتراكية" التي يتزعمها "أوشيش" يتركز حضورها في الأساس بمحافظات منطقة القبائل، مع الحضور في المدن الكبرى أيضاً.

9- خلافات داخل "القوى الاشتراكية" بسبب خوض الانتخابات: لفت "د. فتحي بولعراس" إلى أن خوض "يوسف أوشيش" انتخابات الرئاسة الجزائرية 2024، يُنهي أيضاً سنوات من مقاطعة "القوى الاشتراكية" للانتخابات الرئاسية، منذ مشاركتها الأخيرة في انتخابات عام 1999، مقابل تركيز اهتمامها خلال السنوات الماضية على الانتخابات المحلية، بحجة أن انتخابات الرئاسة في الجزائر كانت "محسومة" طوال تلك السنوات.

وتعكس مشاركة "جبهة القوى الاشتراكية" في انتخابات 2024، محاولات مرنة للتكيُّف مع التحولات الجزائرية، خاصة أن "القوى الاشتراكية" في الجزائر تُعرف بأنها تيار معارض للنظام كله بما في ذلك الجيش. أما على الجانب الآخر، فترفض بعض الأطراف داخل الجبهة قرار خوض الانتخابات، ويعتبر بعض كوادر "القوى الاشتراكية" أن مشاركة زعيم الجبهة في الانتخابات الرئاسية تُعد بمنزلة "خيانة" للخط السياسي للحزب.

تفاعلات داخلية

توقع المتحدث الرئيسي عدداً من الاتجاهات الرئيسية فيما يتعلق بسياسات الحكومة الجديدة في الداخل الجزائري عقب الانتخابات، وأبرزها ما يلي:

1- استمرار "تبون" رئيساً للجزائر لولاية ثانية: في توقعاته لنتائج الانتخابات الرئاسية الجزائرية 2024، رجَّح الأستاذ بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية بالجزائر، أن يتمكن الرئيس "عبد المجيد تبون" من الفوز في الانتخابات بأغلبية مُريحة، في ظل شعبيته الداخلية والرضا عن سياسته الخارجية، خاصةً ما يتعلق بالحضور الجزائري بمجلس الأمن الدولي، ومواقف حكومته تجاه تطورات القضية الفلسطينية.

وقد أثبتت نتائج الانتخابات التي أعلنتها السلطة الوطنية للانتخابات، دقة تلك التوقعات؛ حيث حسم الرئيس "عبد المجيد تبون" الانتخابات الرئاسية بفارق كبير جداً، بعد حصوله على نسبة 94.65% من إجمالي أصوات المشاركين، فيما حصل "عبد العالي حساني شريف" على 3.17% من الأصوات، في حين حصل "أوشيش" على 2.16%.

2- استكمال مساعي تقليل الاعتماد على النفط: من المتوقع أن يستمر الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" خلال ولايته الثانية، في سياسته الاقتصادية الراهنة، التي تستهدف بشكل رئيسي إعادة بناء القاعدة الاقتصادية للجزائر، كما أن تنويع مصادر الدخل، وتقليل اعتماد الاقتصاد الجزائري على النفط يُعد من أهم أولويات الحكومة الجزائرية المقبلة. ووفق المتحدث الرئيسي، فإن الحكومة الجزائرية تُدرك أن نموذج "الدولة الريعية" لا يتوافق مع تطلعاتها السياسية.

3- تصدُّر "مكافحة الإرهاب" الأولويات الأمنية الجزائرية: في تصنيفه للأولويات الأمنية التي من المرجح أن تضطلع بها الحكومة الجزائرية الجديدة، أشار المتحدث الرئيسي إلى أن الحرب على الإرهاب باتت من ثوابت السياسات الأمنية في الجزائر؛ حيث يعلن الجيش الجزائري دورياً عن القبض على عناصر داعمة للجماعات الإرهابية، أو إحباط محاولات لتهريب أسلحة وذخيرة إلى داخل البلاد، وكذلك الكشف عن مخططات لضرب استقرار البلاد.

وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى تصريحات قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا الفريق الأول مايكل لانجلي، التي قال فيها: "إن الجزائر تتقاسم بعض المخاوف مع الولايات المتحدة بشأن توسُّع التنظيمات المتطرفة العنيفة في جميع أنحاء أفريقيا وجنوب الصحراء وتحديداً منطقة الساحل".

4- التعامل مع تهديدات تهريب المخدرات المتزايدة: أكد المتحدث الرئيسي أن مكافحة المخدرات باتت أيضاً من أهم الأولويات الأمنية للحكومات الجزائرية، في ضوء تدفق كميات كبيرة من المخدرات والمؤثرات العقلية إلى الداخل الجزائري، وإحباط عمليات تهريب كميات كبيرة منها، خاصةً عبر الحدود المغربية، وفق البيانات الجزائرية الرسمية، بما يعني أن الحكومة الجزائرية الجديدة ستركز على التعامل مع تهريب المخدرات باعتباره أحد التهديدات الأمنية التي تواجه الجزائر بشكل متصاعد وملحوظ.

وتجدر الإشارة إلى تأكيد وزارة الداخلية والجماعات المحلية الجزائرية ضرورة تكثيف الجهود لإحباط كل محاولات ترويج المخدرات، وكذلك تأكيد الجيش الوطني الشعبي الجزائري أنه سيبقى بالمرصاد لكل من يقف وراء ظاهرة تهريب المخدرات إلى الجزائر، بما يؤكد أن مكافحة المخدرات أولوية أمنية جزائرية.

5- تشديد الإجراءات الأمنية لمنع الهجرة غير الشرعية: يتوقع "د. فتحي بولعراس" تشديد الجيش الجزائري والمؤسسات الأمنية في البلاد الإجراءات الرقابية على السواحل والحدود الجزائرية، في ظل استمرار نشاط عصابات الاتجار بالبشر، وتحرُّك العديد من القوارب من سواحل الجزائر، حاملةً مهاجرين غير شرعيين، مُتجهين إلى الدول الأوروبية.

فيما يُعلن خفر السواحل الجزائري بشكل متكرر عن توقيف مهاجرين غير شرعيين من جنسيات مختلفة داخل الجزائر، أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط نحو إسبانيا وإيطاليا بشكل خاص، فضلاً عن الهجرة العكسية الوافدة إلى الجزائر بشكل سري من دول الساحل الأفريقي، وبدرجة أكبر من حدود النيجر.

6- اهتمام مُتزايد بمكافحة الفساد في الجزائر : في الوقت الذي يروج فيه الرئيس "عبد المجيد تبون" وحملته لكونه من الشخصيات السياسية والحكومية التي تتخذ موقفاً مناهضاً للفساد في الجزائر؛ يؤكد المتحدث الرئيسي أن ملف مكافحة الفساد بات أيضاً من ثوابت السياسة الجزائرية، ويتوقع أن يظل هذا الملف من أولويات الحكومة الجزائرية الجديدة.

وقد عملت الجزائر خلال السنوات الأخيرة على سن المزيد من القوانين والآليات لمكافحة الفساد بشتى أشكاله، وتفعيل المعايير الدولية والوطنية لمحاربته على مستوى المؤسسات والإدارات العمومية والقطاع الاقتصادي، وإطلاق استراتيجية وطنية جديدة للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، بالإضافة إلى محاكمة مسؤولين حكوميين بتهم الفساد.

مستقبل السياسة الخارجية

طرح المتحدث الرئيسي بعض الاتجاهات الرئيسية حول توقعاته لمستقبل السياسة الخارجية الجزائرية بعد انتخابات 2024، وأبرزها ما يلي:

1- الندية في إدارة العلاقات الدولية تأثُّراً بـ "الحرب الباردة": لفت المتحدث الرئيسي إلى أن الرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" يتبع ما وصفه بمبدأ "الندية" في إدارة العلاقات الدولية، لافتاً إلى تأثُّر السياسة الخارجية الجزائرية في عهد الرئيس "تبون" بسياسات حقبة الحرب الباردة. وفي ضوء استمرار "تبون" رئيساً للجزائر لولاية ثانية، فإن ذلك يعني استمرار تأثُّر السياسة الخارجية الجزائرية بتلك التوجهات والمعتقدات الرئاسية.

2- تأثُّر سياسات "تبون" بإرث الرئيس "بومدين": كشف "د. فتحي بولعراس" عن تأثُّر النسق العقيدي للرئيس الجزائري "عبد المجيد تبون" بالرئيس الجزائري الراحل "هواري بومدين"، وهو ما يساعد على فهم توجهات الرئيس "تبون"، وإدراك خلفياتها ومنطلقاتها العقائدية، كما يساعد ذلك الربط بين الشخصيتين أيضاً على توقُّع سياسات الرئيس "تبون" في الحُكم على المستويين الداخلي والخارجي، خلال الولاية الثانية التي فاز بها.

3- ترجيح استمرار التوترات الفرنسية–الجزائرية: لفت المتحدث الرئيسي إلى بعض الانتقادات الجزائرية التي تُوجه للرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، وتصريحاته تجاه الجمهورية الجزائرية، التي يرى البعض أنها تُقلل من الجزائر، أو تحمل إرثاً "استعمارياً". وعلى رأس تلك التصريحات التي أشار إليها المتحدث، هي التصريحات التي صدرت عن "ماكرون" خلال لقاء له مع مجموعة من الطلبة الجزائريين، والمزدوجي الجنسية في باريس، عام 2021، والتي شكك من خلالها في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي للبلاد، متسائلاً: "هل كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟".

وبالنظر إلى الشخصيتين المتقابلتين للرئيسين "تبون" و"ماكرون"، وما ذُكر عن تأثُّر "تبون" بشخصية "بومدين" وبالتيار القومي وبحقبة الحرب الباردة، مقابل تصريحات "ماكرون" التي تستفز الجزائريين وتؤجج ذكريات الاستعمار، فإن المتحدث الرئيسي توقع استمرار توتر العلاقات الفرنسية–الجزائرية، ما دام حُكم "ماكرون" لفرنسا و"تبون" للجزائر مستمراً.

4- ثبات الموقف الجزائري تجاه قضية "الصحراء": أكد المتحدث الرئيسي أن الاهتمام الجزائري بقضية "الصحراء"، يُعد اهتماماً راسخاً في السياسة الخارجية الجزائرية، وله أصداء داخلية واسعة، متوقعاً أن يستمر التركيز على تلك القضية، في مرحلة ما بعد انتخابات 2024، مع الإشارة إلى ثبات الموقف الجزائري تجاه تلك القضية، وهو ما يترك العديد من التداعيات على العلاقات الجزائرية مع الدول الأخرى، خاصةً في ضوء اتخاذ العديد من الدول مواقف داعمة للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وهو ما ترفضه الجزائر، ويُثير خلافات بينها وبين تلك الدول.

5- استمرار التفاعل مع التطورات الفلسطينية: لفت "د. فتحي بولعراس" إلى أن القضية الفلسطينية ستستمر بوصفها واحدة من أهم القضايا محل الاهتمام بالنسبة إلى السياسة الخارجية الجزائرية، وأن هناك تركيزاً جزائرياً مستمراً على متابعة تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؛ ولذلك توقع المتحدث الرئيسي استمرار الاهتمام الجزائري في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، بالقضية الفلسطينية والحرب الجارية، والتفاعل مع ما تشهده من مستجدات.

6- العمل على استعادة النفوذ الجزائري في أفريقيا: أكد المتحدث الرئيسي إيلاء السياسة الخارجية الجزائرية اهتماماً خاصاً بالدول الأفريقية، كاتجاه مُرجح استمراره بعد الانتخابات، والتفاعل مع مختلف التطورات بالدول الأفريقية، ومحاولة تعزيز العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية في مختلف المجالات، وهو ما يرجع إلى اهتمام القيادة الجزائرية الكبير باستعادة النفوذ والحضور الجزائري في القارة الأفريقية.

عودة المُقاطعين

وختاماً، قال المتحدث الرئيسي إن من أهم ما يُميز انتخابات الرئاسة الجزائرية لعام 2024، هو مشاركة تيارات اعتادت مقاطعة الانتخابات الرئاسية، مثل التيارين الإسلامي والديمقراطي/العلماني، في إشارة إلى مرشحي "حركة مجتمع السلم" و"جبهة القوى الاشتراكية"، وأوضح أن تلك الانتخابات تُعد فرصة للتعبئة وحشد القوى المجتمعية من قِبل مختلف الأطراف المتنافسة، كما لفت المتحدث إلى أن المرشحين الثلاثة لديهم مواقف متقاربة فيما يتعلق بقضايا الاقتصاد والسياسة الخارجية، رغم التباينات الأخرى.

اتجاهات الانتخابات الرئاسية الجزائرية (حلقة نقاشية)