عقد إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية حلقة نقاشية بعنوان "الاستقطاب الجديد: مستقبل الاستراتيجيات المتعارضة في الهندوباسيفيك"، استضاف خلالها جيفري باين الأستاذ بمركز الشرق الأوسط وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية، جامعة الدفاع الوطني في الولايات المتحدة، متحدثاً رئيسياً.

خريطة الفاعلين

رأى المشاركون أن التطورات الحالية في الهندوباسيفيك، لا تقتصر على المنافسة على الهيمنة بين الصين والولايات المتحدة؛ حيث توجد العديد من القوى الفاعلة الأخرى؛ وذلك كالتالي:

1– تعدُّد الكيانات الإقليمية والدولية في المنطقة: تعدَّد الكيانات الإقليمية في منطقة الهندوباسيفيك بهدف تنسيق الجهود ومناقشة القضايا التي تهمهم، وتحقيق إجماع حولها، وتصديرها إلى المجتمع الدولي، وأهمها رابطة الآسيان، ومجموعة مبادرة خليج البنغال للتعاون الفني والاقتصادي المتعدد القطاعات (BIMSTEC)، ورابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (SAARC)، ورابطة الدول المطلة على المحيط الهندي (IORA)، وهي مؤسسات إما تُعتبَر تحت قيادة الهند، وإما تتمتع الهند بنفوذ كبير فيها.

وتشمل الكيانات الأخرى منتدى جزر المحيط الهادئ الذي يركز على قضايا جزر الباسيفيك بشكل أكبر؛ فقضية التغير المناخي تمثل له أولوية قصوى؛ لما تحمله من تهديدات وجودية، بالإضافة إلى الهيئات الأممية المختلفة التي تركز على قضايا هامة مثل تهريب المخدرات عن طريق البحار، وقضايا إنسانية أخرى، بجانب قمة شرق آسيا التي هي منتدى اقتصادي وسياسي في المقام الأول، ومن ثم منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (أبيك).

2– تنوُّع المنتديات الناشئة المتعددة الأطراف: تَعرِض المنتديات الناشئة المتعددة الأطراف، مثل مجموعة البريكس، ديناميكيات جديدة في الهيكل الأمني للمنطقة، وتستفيد من الإمكانات الاقتصادية للبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. وعلى الرغم من التوترات الداخلية، خاصةً بسبب هيمنة الصين وروسيا، فإن البريكس تعمل كناقد للنظام الذي تقوده الولايات المتحدة، وتتعاون مع الدول النامية.

بالإضافة إلى ذلك، تمثل مبادرة الحزام والطريق الصينية تطوراً كبيراً؛ لما تقدمه من مشاريع استثمارية عالمية واسعة النطاق، تتحدى هياكل السلطة التقليدية. وقد تطورت منظمة شنجهاي للتعاون، بقيادة روسيا والصين، من آلية أمنية إلى منتدى اقتصادي يشمل وسط وجنوب آسيا؛ هذا علاوةً على المجموعة الرباعية (QUAD) التي تركز على المخاوف البحرية، وشراكة "أوكوس" (AUKUS)، وهي شراكة ثلاثية تركز على الغواصات النووية.

3– صعود دور الهند قوةً فاعلةً في المنطقة: رأى المشاركون أن دور بعض القوى المتوسطة في المنطقة، وعلى رأسها الهند، أصبح أكثر نضجاً، لا سيما بعدما تمكنت قوات البحرية الهندية من إطلاق سراح السفينة التجارية "إم في روين" من قراصنة صوماليين وتحرير أفراد الطاقم لتضع حداً لعملية خطف استمرت ثلاثة أشهر. وعلى الرغم من وجود اختلافات حول حجم الدور الذي تلعبه الهند في المنطقة، فهي ترفض أن تُصنَّف قوةً متوسطةً بسبب كتلتها الاقتصادية وعدد سكانها.

لكن وفقاً للمشاركين فإنها ليست بالضرورة قوة عظمى لها تأثير خارج حدود منطقتها المباشرة، وإن كانت بصمتها تتزايد على الساحة الأمنية. وفي هذا السياق، تُعَد رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) من اللاعبين المؤثرين من فئة القوى المتوسطة في الهندوباسيفيك من حيث إنها تجمع الجهات الفاعلة الإقليمية معاً، وتحاول تحقيق زخم وإجماع حول نقاط حديث رئيسية تتماشى مع أجندات الدول الأعضاء.

4– تراجع دور روسيا في المنطقة عقب حرب أوكرانيا: لاحظ المشاركون تراجع الدور الروسي في الهندوباسيفيك بسبب الحرب في أوكرانيا، لكنها ما زالت تحاول أن تحافظ على درجة من النفوذ من خلال إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع دول مثل الصين وإيران، وهو ما يجعلها في فئة القوى المتوسطة ضمن اللاعبين في الهندوباسيفيك، بجانب أستراليا التي تصور نفسها تاريخياً كدولة غربية، لكن تعتبر نفسها أيضاً دولة آسيوية أو محيطية لديها ساحلان؛ أحدهما هو المحيط الهندي، والآخر هو المحيط الهادي؛ لذلك لديها – باستثناء إندونيسيا – وجهات نظر مختلفة حول ارتباطها بالهندوباسيفيك جغرافياً.

وعلى الرغم من براعة روسيا البحرية التاريخية، تضاءل نفوذها اليوم، وخاصةً بالمقارنة مع صعود الصين. وتواجه روسيا والصين المتحالفتان توترات فيما يتعلق بديناميكيات القوة؛ حيث تتردد روسيا في الاضطلاع بدور خاضع لبكين. ورغم أن روسيا تظل قوة متوسطة تتمتع بقدرات عسكرية، فإن نفوذها الاقتصادي يتضاءل، على النقيض من صعود الصين.

5– تنامي دور اليابان في الهندوباسيفيك: بجانب الأدوار التي تلعبها الصين والولايات المتحدة، يتضح كذلك دور اليابان التي أعادت تعريف سياستها الخارجية في العقد الماضي لتلعب دوراً أكبر، بصفتها فاعلاً دولياً، وتعيد صياغة تفاعلاتها الاقتصادية الدبلوماسية، بالإضافة إلى جهودها الأمنية مع الحلفاء التي بدأت تتبلور في السنوات الأخيرة، ولا يجب إغفال الدور الذي تلعبه في الهندوباسيفيك، وإن كان على مستوى أقل من الصين والولايات المتحدة.

6– مخاوف من تأثيرات سلبية لكوريا الشمالية وميانمار: تجدر الإشارة إلى وجود بعض الدول التي يمكن أن تغير بشكل كامل ديناميكيات المنطقة؛ ليس بسبب نفوذها بل بسبب قدرتها على التخريب، مثل كوريا الشمالية، وما يمكن أن تُسبِّبه من أزمة إقليمية أو عالمية ضخمة بسبب أنشطتها العسكرية. وينطبق الشيء نفسه على ميانمار والصراع الداخلي المستمر، والحملات الأمنية على الروهينجا التي تسبَّبت في أزمة هجرة في بنجلاديش والهند ودول إقليمية أخرى بجانب الحرب الأهلية في مقاطعات بأكملها.

7– تحركات لإندونيسيا والفلبين وسنغافورة: توجد بعض القوى المتوسطة الصاعدة التي تحاول تحقيق تأثير بعيد المدى، مثل إندونيسيا التي تتمتع بإمكانات هائلة في كل المجالات، ولديها عدد سكان متزايد من الحضر، ويوفر موقعها الجغرافي الكثير من الإمكانات للتنمية الاقتصادية والتأثير العالمي، والفلبين التي تغيَّرت سياستها وأصبحت أكثر تصادماً منذ أن تولى الرئيس الجديد ماركوس مقاليد السلطة، والفلبين دولة غالباً ما يتم التغاضي عن دورها، رغم كونها مؤثرة في الهندوباسيفيك، وتوجد بعض الأراضي الخاضعة لسيادتها هناك.

وكذلك تبرز في هذا الإطار سنغافورة الدولة الصغيرة ذات التأثير الكبير والاقتصاد الأكثر تطوراً في جنوب شرق آسيا، وهي الدولة الداعية إلى تطوير سياسة إقليمية موحدة، والتي تنظم حوار شانجريلا سنوياً الذي يجمع العديد من القوى الفاعلة لمناقشة قضايا إقليمية محورية، وأخيراً فيتنام التي تنخرط حالياً في الكثير من التوترات مع الصين.

محددات الأمن

حدَّد المشاركون بعض العوامل التي تؤثر في أمن الهندوباسيفيك، ويمكن تلخيصها فيما يلي:

1– أولوية أمن الممرات المائية المضطربة: إن أهم عامل يؤثر على طبيعة الأمن في الهندوباسيفيك والصراعات بين الدول هناك، هو أمن الممرات المائية؛ فهي النسيج الذي يشكل تفاعلات المنطقة؛ بدءاً من غرب المحيط الهادي، وبحر الصين الشرقي، وبحر الصين الجنوبي، وبحر اليابان إلى المحيط الهادي نفسه، وخليج البنغال، وبحر العرب، وأوقيانوسيا، ومياه المحيط الهندي، فضلاً عن كيفية تدفق التجارة والعلاقات بين البلدان والجهات الفاعلة في هذه المنطقة.

2– تصاعد النزاعات الحدودية بين دول المنطقة: تتصاعد النزاعات الحدودية في بحر الصين الجنوبي، وتتداخل مع مطالبات المنطقة الاقتصادية الحصرية لكل من سلطنة بروناي وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام. وعندما يتعلق الأمر ببحر الصين الجنوبي في مياه غرب المحيط الهادي، تكون الصين دائماً طرفاً في هذا الأمر، ودائماً تتهمها واشنطن بزعزعة الاستقرار في هذه المنطقة، وأنها تحاول أن تستولي على هذه المياه.

لكن المشاركين اعتبروا أن الصين ليست الطرف المذنب الوحيد؛ إذ تُقدِّم دول أخرى مثل فيتنام وماليزيا وإندونيسيا والفلبين مطالبات بحرية في المنطقة تتجاوز ما تسمح به اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. وتوجد معايير معينة لتصنيف الأرض على سبيل المثال بأنها تكون فوق مستوى الماء حتى في أوقات المد العالي، وأن تكون بها حياة مستدامة، لكن تقوم عدة دول ببناء جزر صناعية كوسيلة لتأكيد سيطرتها الإقليمية والمطالبة بأحقيتها في المناطق الاقتصادية الخالصة والسيطرة على موارد المنطقة.

3– توظيف الصين المتنامي للمليشيات البحرية: هناك تحديات مع تحركات الصين الرمادية في المنطقة، التي تتمثل في استخدام السفن البحرية المدنية التي تدربها تدريباً شبه عسكري وتُعِدُّها لمواجهات محتملة، كأداة غير متماثلة لبسط نفوذها على المياه. وقد تم استخدام تلك المليشيات في محاصرة خفر السواحل الأجانب عند مشاركتهم في دوريات روتينية في المناطق الاقتصادية المشتبه بها. ونظراً إلى وضعهم المدني، فإن مواجهتهم تُشكِّل تحديات؛ حيث يمكنهم الاحتشاد بأعداد كبيرة. وأي مشاجرة يمكن تأطيرها من قبل الصين على أنها عدوان على السفن المدنية.

4– تزايد حدة التوترات في مضيق تايوان: تمثل التطورات في مضيق تايوان نقطة اشتعال هائلة، ومصدراً رئيسياً للقلق، وربما تكون المنطقة الأكثر توتراً في الإقليم؛ حيث يمكن أن تؤدي إلى صراع واسع النطاق في ممر ملاحي رئيسي بين الصين واليابان وأوروبا وأمريكا؛ حيث تمر عبر هذه المياه 88% من أكبر السفن في العالم. وتُسبِّب الأنشطة العسكرية الصينية هناك مصدر قلق كبير؛ لاحتمال وقوع حوادث أو حسابات خاطئة؛ ما قد يؤدي إلى عواقب غير مقصودة أو كارثية.

الرؤية الأمريكية

تميل أغلب وجهات النظر إلى تبسيط التنافس بين الصين والولايات المتحدة في الهندوباسيفيك بأن كلا البلدين يسيران في مسار تصادمي، لكن تختلف وجهات النظر في واشنطن حول تحرُّكات الصين وتأثيراتها على المنطقة، ويمكن تلخيصها في الآتي:

1– اعتبار واشنطن الصينَ قوةً تعديليةً: ترى واشنطن الصين نموذجاً للقوة التعديلية؛ أي تريد إعادة صياغة قواعد النظام الدولي لصالحها على حساب الجميع، على الرغم من أن الصين حققت الكثير من المكاسب من النظام الحالي، وهي رؤية تميل إلى الواقعية السياسية، وهو ما يضعها حتماً في مسار تصادمي مع الولايات المتحدة. وأضاف المشاركون أن مجتمع السياسة في واشنطن يصف سياسات الصين بأنها مبهمة؛ لأنها ليست مجتمعاً مفتوحاً، ويتحكم الحزب الشيوعي في أغلب شؤون الدولة، وهو ما يُصعِّب التنبؤ بخطواتها القادمة. ويتضح ذلك عندما تريد أي دول إبرام عقد مع الصين؛ فهي لن تستطيع فهم ما هو قابل للتنفيذ وما هو غير قابل للتنفيذ، خاصةً في إطار مبادرة الحزام والطريق؛ لأن العقود السياسية غامضة للغاية.

2– ضمان بكين عدم سيطرة قوى خارجية على المنطقة: تشمل وجهات النظر السائدة في واشنطن حول الصين أنها تحاول تأمين الدول المجاورة لها، وبالأخص ضمان عدم تمكن أي قوى أخرى من فرض سيطرتها على هذه الدول، بحيث تكون إما مؤيدة للصين وإما محايدة. واعتبر المشاركون أن هذا الرأي لا يتماشى مع حقيقة العلاقات بين الصين والدول المجاورة لها؛ حيث تقتصر الروابط بينها وبين دول المنطقة على روابط اقتصادية بحتة، ولا توجد روابط سياسية كافية بينها وبين تلك الدول، ويُعتبَر أغلبها حلفاء أقوياء للولايات المتحدة، مثل كوريا الجنوبية واليابان والفلبين وأستراليا، كما أن علاقاتها متوترة مع روسيا ومع الهند ومع مجموعة دول الآسيان. ولا يوجد لبكين حلفاء رسميون في المنطقة غير كوريا الشمالية.

3– النظر إلى الصين كمنافس تكنولوجي وعسكري: تشتد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة في المجال التكنولوجي حسبما يرى العاملون في وادي السليكون في كاليفورنيا، خاصةً في مجال الحوسبة الكمية. وتحاول كل دولة الوصول بنموذج الابتكار التكنولوجي الخاص بها إلى أكبر عدد من دول العالم، وفي أسرع وقت ممكن، وأن يكون نموذجها الخاص هو المعيار الذي تتبنَّاه جميع الشركات والدول حول العالم.

ومن وجهة نظر عسكرية، يرى الكثير من الأشخاص في الجيش والمجتمع الاستراتيجي الأمريكي أن الصين هي المنافس الحقيقي الأول للولايات المتحدة، على الصعيدَين السياسي والعسكري، وعلى الأخص من الناحية الاقتصادية. هذا هو أول منافس حقيقي تواجهه الولايات المتحدة منذ الاتحاد السوفييتي، إلا أن بكين تتجنب طوال الوقت أن تلعب دور "صاحب المصلحة" أو تتحمل أعباءه، ولا يوجد لديها إسهامات ملموسة في تعزيز الأمن الإقليمي.

4– عدم استعداد الصين للعب دور القائد العالمي: يرى البعض في واشنطن أن الصين تتظاهر بكونها قائداً عالمياً، لكنها غير مستعدة لهذه المسؤولية، ولن تتحمل ما يجب على القوى الكبرى أن تفعله في المجال العام؛ لذا فهي تنتهج سياسة خارجية يكتنفها المغامرة؛ لأنها تحاول أن تصبح قوة سياسية كبرى بالقدر والوتيرة التي أصبحت بها قوة اقتصادية كبرى، واتضح ذلك من خلال تدخلها في أستراليا؛ حيث حاولت التأثير على مسار إحدى العمليات الانتخابية هناك من خلال حملات تضليل معلوماتي.

مستقبل الهندوباسيفيك

حدد المشاركون فرصاً واعدةً تنتظر الدول والكيانات المختلفة في الهندوباسيفيك، وهي كالتالي:

1– توظيف نهج الشراكة التجريبية في الهندوباسيفيك: رغم أن الأطر التقليدية المتعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، ورابطة آسيان، وغيرهما، تظل ذات أهمية، فإن هناك أيضاً استكشافاً للتعاون البديل، وربما المؤقت، الذي يهدف إلى معالجة تحديات محددة عبر الشراكة التجريبية. ويشمل ذلك جهات فاعلة، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة، وجهات فاعلة أصغر حجماً. وهناك زخم كبير في الوقت الحالي في الهندوباسيفيك حول التكنولوجيا والتنمية الاقتصادية ومعايير التجارة والبيانات. وتشمل تلك التفاعلات الصين واليابان وكوريا والولايات المتحدة ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) وأستراليا ودول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي.

2– إعادة صياغة الدور الأمريكي في المنطقة: شدد المشاركون على أهمية منطقة الهندوباسيفيك بالنسبة إلى السياسة الأمريكية في الفترة الحالية ومستقبلاً؛ وذلك بالمقارنة بعقد مضى؛ حين انصب تركيز واشنطن على مكافحة الإرهاب. واليوم تعتبر مياه الهندوباسيفيك ذات أهمية كبرى، وتريد الولايات المتحدة أن تظل هذه المياه مفتوحة وحرة، وسوف تضمن القيام بذلك؛ لذلك هناك إعادة صياغة وليس تراجعاً للدور الأمريكي في المنطقة، وهناك فرص كبيرة للتعاون بين رابطة الآسيان ومجلس التعاون الخليجي.

3– مساعي القوى الأوروبية لتعزيز نفوذها بالمنطقة: لم تقم أوروبا بتطوير استراتيجيتها في منطقة الهندوباسيفيك بالكامل حتى الآن. ومع ذلك، فإن من الواضح أنه لا يمكن لأيٍّ من حلفاء الولايات المتحدة أو شركائها القيام بالدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في المنطقة.

ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اعتبرت الولايات المتحدة نفسها القوة الأساسية، إن لم تكن القوة المهيمنة، في منطقة المحيط الهادي؛ ولذلك فإن ما تسعى إليه الولايات المتحدة في المقام الأول من أوروبا هو المساعدة في مجالات خارج نطاق وصولها المباشر أو قدرتها المباشرة. ويشمل ذلك العديد من المشاريع الاقتصادية، وتوفير المنافع العامة، وتسهيل المحادثات الإقليمية، مع الاعتراف بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون حاضرة في كل مكان.

وتعكس هذه العقلية علاقة تكاملية بين الولايات المتحدة وحلفائها، وتشكيل شبكة تساهم في الديناميكيات الأمنية، وكذلك المساعي الاقتصادية. ويمثل هذا فرصاً كبيرة لأوروبا، خاصةً بالنظر إلى أن معظم الدول الأوروبية تفتقر إلى القدرة على التأثير بشكل مباشر على الشؤون الأمنية في منطقة الهندوباسيفيك؛ بسبب القيود الجغرافية.

4– فرص لدول الخليج من التنافس الأمريكي الصيني: عندما تشهد أكبر وأقوى دولتين في العالم توترات كبيرة، فإن ذلك يستحق الاهتمام، سواء من دول الشرق الأوسط والخليج، أو أي مكان آخر في العالم. فإن المنافسة بينهما – مثل الجهود التي تبذلها الصين لإنشاء بديل للنظام الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة – فتحت في بعض الحالات فرصاً جديدة لدول المنطقة لاستكشاف أشكال مختلفة من الاستثمار والشراكات الدولية. ومع ذلك، أدى ذلك أيضاً إلى ردود فعل من الولايات المتحدة وحلفائها؛ ما أفضى إلى تحولات محتملة في أنماط الاستثمار في العلاقات الدولية. وفي حين أن هذا التنافس ينطوي على مخاطر، فإنه يقدم أيضاً فرصاً.

في الختام، حدد المشاركون بعض المسارات المستقبلية التي قد تؤثر على الهندوباسيفيك بالسلب أو ربما بالإيجاب؛ حيث توجد حالة من عدم اليقين حول كيفية تطورها. وقد تؤثر الاضطرابات المحتملة في إنتاج النفط وصادراته في الشرق الأوسط بشكل كبير على الأسعار العالمية، خاصةً أن المستهلكين الرئيسيين، مثل الصين واليابان والهند، يعتمدون بشكل كبير على الواردات. ومع ذلك، من غير المرجح أن تتطور التوترات في الهندوباسيفيك إلى مواجهة كبيرة.

إن التحديات الداخلية التي تواجهها الصين – مثل الشيخوخة السكانية وقضايا البنية التحتية – قد تَحُدُّ من قدرتها على التأثير على الأسواق كما فعلت في الماضي. ورغم إمكانية حدوث تقلبات قصيرة المدى في الطلب، فإنها يمكن اعتبارها اضطرابات مؤقتة وليست طويلة الأمد.

مستقبل الاستراتيجيات المتعارضة في الهندوباسيفيك (حلقة نقاشية)