إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        




<p><strong>كشف تقرير جديد نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت" بتاريخ 25 ديسمبر 2022 عن ارتفاع ملحوظ في عدد حالات الانتحار داخل الجيش الإسرائيلي</strong><strong>.</strong><strong> وبحسب الصحيفة فقد أفاد الجيش الإسرائيلي بانتحار 14 </strong><strong>جندياً</strong><strong> في عام 2022، وهو المُعدل الأعلى منذ خمس سنوات، وسط حيرة من جانب الخبراء الإسرائيليين، الذين لم يُقدموا – حتى الآن – تفسيرات لتلك الزيادة الملحوظة في عدد حالات الانتحار</strong><strong>؛</strong><strong> الأمر الذي يفرض المزيد من التحديات على الجيش والحكومة الإسرائيلية الجديدة، بالتوازي مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، تعيين "يوآف ‏جالانت" وزيراً للدفاع، خلفاً لـ"بيني </strong><strong>ج</strong><strong>انتس"‏</strong><strong>‎</strong><strong> وكذا تعيين "تساحي هنجبي" رئيساً لمجلس الأمن القومي.</strong></p>



<p></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مؤشرات مُقلقة</span></strong></p>



<p>على الرغم من محاولة بعض التقارير الإسرائيلية التقليل من حجم الأزمات التي يُعاني منها العنصر البشري داخل الجيش الإسرائيلي، عن طريق الادعاء بأن أعداد الجنود المنتحرين لا تزال منخفضة نسبياً، وأن البيانات حول حالات الانتحار ربما تكون غير كافية لوصف الأمر بالظاهرة؛ فإن العديد من المؤشرات تؤكد استفحال تلك الظاهرة في الجيش الإسرائيلي؛ وذلك على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تزايد مستمر في حالات الانتحار خلال العقد الأخير:</strong> تشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى أن حالات الانتحار داخل الجيش شهدت زيادة واضحة خلال العقد الأخيرة؛ حيث بلغ عدد المنتحرين في عام &nbsp;2012 نحو 14 حالة، بعدما أقدم 6 جنود على الانتحار في عام 2013، كما أقدم 89 جندياً على الانتحار في الفترة من 2014 إلى 2020، بمعدل 12 حالة كل عام تقريباً. وخلال عام 2021، بلغت حالات الانتحار 11 حالة، وفي العام الحالي تم الكشف عن 14 حالة انتحار، وهو المعدل الأعلى في خمس سنوات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتشير تلك الأرقام إلى أن قضية الانتحار أضحت بمنزلة ظاهرة تُعبر عن أزمات مختلفة تواجه العنصر البشري في الجيش الإسرائيلي، لا سيما مع تركز تلك الظاهرة بين الجنود الذكور دون الإناث، ورصد غالبية حالات الانتحار خلال الخدمة العسكرية، كما تُثير تلك الإحصاءات الكثير من القلاقل داخل الجيش الإسرائيلي، خاصة مع إشارة العديد من التقارير إلى أن الكثير من حالات الانتحار لم يتم تسجيلها، ويتم الإبلاغ عنها أو توثيقها على أنها حوادث طرق أو حوادث تدريب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- غموض حول الأسباب الحقيقية لظاهرة الانتحار:</strong> على الرغم من اتساع وخطورة ظاهرة الانتحار داخل الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، باعتبارها السبب الأبرز لحالات الموت داخل الجيش في الأوقات العادية التي لا تشهد حروباً، وتجاوز عدد ضحايا الانتحار أعداد القتلى في الحوادث والتدريبات العسكرية، فإن هناك ضبابية وغموضاً واضحاً حول الأسباب الحقيقية لتلك الظاهرة. وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" فإن أبحاث الجيش الإسرائيلي لم تتوصل حتى الآن إلى تفسير واضح لتلك الظاهرة، لا سيما أن المعطيات أظهرت أن معظم الجنود المنتحرين لا يتركون وراءهم رسائل أو خطابات تشرح الدوافع وراء الإقدام على الانتحار.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- تصاعُد الانتقادات لقيادات الجيش بالتقاعس والإهمال:</strong> بالتزامُن مع تزايُد حالات الانتحار بشكل لافت داخل الجيش، عبرَّ العديد من ذوي الجنود الإسرائيليين عن "ألمهم الشديد" من هذه الظاهرة، موجهين اتهامات لقيادات الجيش بالإخفاق عن إنقاذ أرواح أبنائهم، والتقاعس في توفير العلاج النفسي اللازم في الوقت المناسب. وعليه، أشار الناطق باسم الجيش الإسرائيلي إلى أن "كل وفاة لجندي يتم التحقيق فيها بصورة معمقة، بهدف التوصل إلى الحقيقة والحصول على الاستنتاجات المطلوبة"، مضيفاً أنه "بعد انتهاء التحقيقات، يتم إرسال الاستنتاجات إلى النيابة العسكرية لفحصها، لنتشارك مع العائلات الثكلى حزنها".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- محاولة الجيش الإسرائيلي وضع خطط عمل لمعالجة الظاهرة:</strong> استشعاراً من قيادة الجيش الإسرائيلي لحجم الأزمة التي تواجه العنصر البشري في الجيش، عقد "يانيف عاشور" رئيس شعبة القوى العاملة في الجيش الإسرائيلي جلسة طارئة مع مسؤولي الصحة النفسية في يونيو 2022 لدراسة دوافع تلك الظاهرة. وبحسب تقرير لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية "كان" فإنه لم يصدر عن الجلسة تفسيرات واضحة للظاهرة، مع تأكيد قادة الجيش مضاعفة الانتباه حول هذا الأمر وفتح خط ساخن بشأنه في الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى التوصية بفتح مصحة عقلية لعلاج الجنود الذين يُعانون من أزمات نفسية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>جدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي سبق أن أسس في عام 2005 وحدة الصحة النفسية، التي أطلقت برنامجاً يهدف إلى الحد من ظاهرة الانتحار داخل الجيش، بالإضافة إلى زيادة الوعي بالمشاكل والاضطرابات النفسية ونشر المزيد من ضباط الصحة النفسية في الوحدات الميدانية، بالإضافة إلى مراقبة كتابات الجنود على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة؛ للتعرف على المعرضين لخطر الانتحار، وتقديم الدعم النفسي اللازم لهم.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">أزمة بنيوية</span></strong></p>



<p>على الرغم من عدم وجود تفسيرات مُعلنة بشأن دوافع تفشي ظاهرة الانتحار في الجيش الإسرائيلي، ووجود غموض حول الأسباب الحقيقية لتلك الظاهرة، على الرغم من خطورتها، فإنه يُمكن تناول بعض العوامل التي قد تُساعد في تفسير تلك الظاهرة؛ وذلك على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- تفاقُم ظاهرة الانتحار في إسرائيل بشكل عام:</strong> لا يُمكن بحال من الأحوال عزل ظاهرة الانتحار في الجيش الإسرائيلي عن تفشي تلك الظاهرة في المجتمع الإسرائيلي بشكل عام؛ حيث تُظهر الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية، انتحار أكثر من 500 شخص في إسرائيل سنوياً، وقيام أكثر من 6000 شخص بمحاولة الانتحار، فضلاً عن وجود نقص تبليغ بنسبة تصل إلى 23% في الأعداد المذكورة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ولعل هذا ما دفع الحكومة الإسرائيلية في ديسمبر 2013 إلى اعتبار منع حالات الانتحار مصلحة وطنية يجب مواجهتها بواسطة تحرك مشترك من قبل الوزارات الحكومية والسلطات المحلية بريادة وزارة الصحة، بالإضافة إلى تفعيل برنامج وطني يُسمى "البرنامج الوطني لمنع حالات الانتحار" للعمل على الحد من حالات الانتحار، ومساعدة العائلات التي انتحر أبناؤها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تفشي الاضطرابات النفسية والعقلية داخل الجيش:</strong> تشير الكثير من المعطيات إلى أن تزايُد الضغوط النفسية والاجتماعية تُعد من أبرز أسباب ظاهرة الانتحار في الجيش الإسرائيلي؛ حيث سبق أن لفتت وحدة الصحة النفسية بالجيش إلى أن الدافع الرئيسي لانتحار الجنود هو تنامي الاضطرابات النفسية لديهم. ولعل هذا ما يُفسر تسجيل 1710 طلبات من قبل الجنود الإسرائيليين في عام 2020 للحصول على خدمات صحة نفسية وعقلية، تم تصنيف 26 منهم بأنهم في دائرة الخطر الشديد، وأنهم على وشك إنهاء حياتهم. ولعل هذا ما دفع الكثير من أهالي الجنود المنتحرين إلى اتهام الجيش بالتقاعس عن توفير العلاج النفسي اللازم لذويهم، خاصة بعدما ظهرت عليهم الكثير من أعراض الاضطراب النفسي والإحباط المستمر.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- استمرارية الحروب وتآكل "الردع الإسرائيلي":</strong> قد يكون لحالة "الاستنفار الدائم" و"القلق المتواصل" دورٌ في تفشي ظاهرة الانتحار بين الجنود الإسرائيليين، لا سيما أن تلك الحالة لا تقتصر على الجيش والمعسكرات التدريبية فقط، بل تنسحب كذلك على الحياة العادية للمواطن الإسرائيلي الذي يشعر بالكثير من القلق طوال الوقت، وتُعذي العمليات الفلسطينية في القدس والضفة الغربية ومناطق 48 – بلا شك – حالة القلق واللا يقين لدى الجنود، لا سيما مع انتشار حالات الطعن والدهس وعمليات إطلاق النار الفردية ضد المستوطنين والجنود الإسرائيليين في تلك المناطق؛ الأمر الذي يدفع هؤلاء للمزيد من الإحباط والقلق بشأن المستقبل، وكلها عوامل تُساهم في الإقدام على الانتحار، خاصة مع تنامي القدرات العسكرية للخصوم، سواء الفصائل الفلسطينية المسلحة أو "حزب الله" اللبناني، والتآكل التدريجي لقدرات الردع لدى الجيش الإسرائيلي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4- التفرقة العنصرية وسوء مُعاملة بعض الطوائف:</strong> تشير وحدة القوى العاملة في الجيش الإسرائيلي إلى أن 95% من حالات الانتحار في الجيش تعود للذكور، كما تشير بيانات الانتحار إلى تفشي حالات الانتحار بين الشبان القادمين حديثاً من إثيوبيا "يهود الفلاشا". وبحسب بعض الإحصاءات الإسرائيلية فإن 3 من أصل 11 حالة انتحار وقعت في الجيش خلال عام 2021 كانت لجنود من أصل إثيوبي، كما أشار تقرير لصحيفة "هاآرتس الإسرائيلية" إلى أن الانتحار في صفوف "اليهود الفلاشا" أكثر أربعة أضعاف من حالات الانتحار بين مختلف اليهود، وربما يعود ذلك إلى حالة "تراجُع الثقة" بالمؤسسة العسكرية وصعوبة الاندماج في المجتمع والجيش الإسرائيليين مع تفاقم معدلات البطالة والفقر والعنصرية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية لدى هذه الفئة، بالتزامن مع إلزامية الخدمة العسكرية وحالة القلق والاستنفار الدائمين في المجتمع الإسرائيلي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">جهود مستمرة</span></strong></p>



<p><strong>ختاماً</strong><strong>..</strong> على الرغم من الجهود الإسرائيلية المستمرة للحد من تفشي ظاهرة الانتحار داخل الجيش – وهو ما يتجلى في تفعيل أدوار وحدة الصحة النفسية، والعمل على زيادة وعي الجنود بظاهرة الانتحار ومواجهة الاضطرابات والمشاكل النفسية، بالإضافة إلى العمل على زيادة عدد ضباط الصحة النفسية في الوحدات الميدانية – فإنه من غير المتوقع أن تُسهم تلك الإجراءات في منع تلك الظاهرة بالكامل، نظراً إلى ارتباط تلك الظاهرة بعوامل بنيوية ترتبط بتركيبة المجتمع الإسرائيلي وحالة الحرب شبه الدائمة التي يعيشها، والقيود الصعبة التي يفرضها الجيش لمنع الإعفاءات والتهرب من الخدمة العسكرية الإجبارية، وهو ما يُسبب اضطرابات للشباب الذين لطالما اعتادوا حياة تتسم بدرجة عالية من الرفاهية.</p>

      

لماذا تتفاقم أزمات العنصر البشري في الجيش الإسرائيلي؟