د. ياسمين كالميت

في سياق من الضبابية بشأن إمكانية إجراء انتخابات في فنزويلا، حاول الرئيس نيكولاس مادورو، الذي يتولى السلطة منذ عام 2013، إثبات أن البلاد تحافظ على نظام ديمقراطي. ومع ذلك، أثارت تصريحاته الأخيرة جدلاً وانزعاجاً في النظام لقيت صداها في النظام السياسي الدولي. إذ صرّح في أحد خطاباته الأخيرة بأنه إذا فازت المعارضة في الانتخابات، ستواجه البلاد "حمام دم"، وحرباً أهلية". أثارت هذه التصريحات، التي تناقلتها الصحافة الدولية على نطاق واسع، الشك في نزاهة العملية الانتخابية، وأثارت التوترات مع أحد حلفائه السياسيين الرئيسيين، وهو الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.جاءت كلمات مادورو بعد تباين في نتائج استطلاعات الرأي حول التصويت، على الرغم من أن مرشح المعارضة، إدموند جونزاليس، يتقدم على نظيره في معظم الاستطلاعات بفارق كبير. بينما يُصر مادورو على أن هذه النتائج كاذبة ولا تعدو كونها مناورة سياسية من جانب المعارضة لتحويل فنزويلا إلى "أرجنتين ميلي". ويقودنا هذا التباين في نتائج استطلاعات الرأي الانتخابية إلى التفكير في جودة ونزاهة معاهد البحث والرأي العام في فنزويلا، التي بالغت في تقدير أصوات المعارضة في الانتخابات السابقة. وتنتج هذه التباينات انعدام الثقة في إجراء استطلاعات الرأي، وتعقد توقعات النتيجة الانتخابية، وتظهر تصوراً بأنها تُستخدم كأدوات انتخابية متحيزة ومستغلة لتمكين التزوير الانتخابي.من الضروري أن نتذكر أهمية الحفاظ على الأنظمة الديمقراطية من خلال انتخابات منظمة ومتاحة وشفافة باعتبارها أساسية للاستقرار السياسي والعلاقات الطيبة بين الدول الإقليمية. وعلى الرغم من أن بعض الزعماء الإقليميين لديهم تحالفات سياسية وأيديولوجية محددة، إلا أن دعم الخطابات والأفعال المناهضة للديمقراطية يمكن أن يقوض ثقة الحكومة ويزيد من خطر فرض عقوبات سياسية واقتصادية من المجتمع الدولي.وفي ضوء هذا السيناريو وإطلاق الدعوات إلى اتخاذ موقف بشأن تصريحات مادورو، أعرب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا عن قلقه، مؤكداً أنه يجب احترام النتيجة الانتخابية دائماً في النظام الديمقراطي. وبالإضافة إلى ذلك، أعلنت البرازيل عن إرسال مراقبين لضمان شفافية العملية الانتخابية في 28 يوليو في فنزويلا، وعينت المستشارة الخاصة للسياسة الخارجية، سيلسو أموريم، لمراقبة شفافية الانتخابات، فضلاً عن التوسط في الحوارات بين الحكومة والمعارضة.وكان لتصريحات لولا تأثير فوري، إذ رد مادورو عليها بأن: "على دا سيلفا تناول شاي البابونج لتهدئة اضطرابه"، متبوعاً بالتشكيك في شفافية النظام الانتخابي البرازيلي، زاعماً أن آلات التصويت الإلكترونية غير قابلة للتدقيق، وقد سبب ذلك المزيد من التوترات بين الزعيمين. وبالإضافة إلى ذلك، دفعت تصريحات الرئيس الفنزويلي إلى استجابة فورية من رئيسة المحكمة الانتخابية العليا في البرازيل، الوزيرة كارمن لوسيا، التي قررت عدم إرسال فنيين لمراقبة الانتخابات الرئاسية في فنزويلا، وهو قرار قد يضر بشفافية العملية الانتخابية، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى إشراف دولي أكثر تميزاً لضمان شرعية النتيجة الانتخابية واحترام الحقوق الديمقراطية.ومن الجدير بالذكر أن البرازيل كانت الوسيط الدولي الرئيسي لإعادة دمج فنزويلا سياسياً واقتصادياً في النظام العالمي، والسعي إلى حلول سلمية وقابلة للتطبيق للأزمة السياسية الفنزويلية. إن حل هذه الأزمة السياسية من شأنه أن يؤثر بشكل إيجابي على الاستقرار السياسي والاقتصادي في أمريكا اللاتينية.إن دعم التحول الديمقراطي في فنزويلا له آثار مباشرة على البرازيل والمنطقة. لأن عدم الاستقرار السياسي في فنزويلا من شأنه أن يزيد من تدفق الهجرة إلى البرازيل وغيرها من البلدان المجاورة، مما يزيد من الضغط على مواردها الاجتماعية والاقتصادية، ويؤدي إلى إعادة تقييم الاستراتيجيات السياسية في سياق الأمن الإقليمي.وأخيراً، ما الذي يُمكننا تسليط الضوء عليه من هذا السيناريو السياسي؟. أولاً، هناك ضغوط سياسية من دول أمريكا الجنوبية على مادورو للالتزام باتباع المبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمساهمة في عودة المهاجرين الفنزويليين إلى البلاد. كما أن التغلب على الأزمة الاقتصادية في فنزويلا أمر أساسي للاستقرار الإقليمي. وهذا من شأنه أن يخفف من أزمة الهجرة الناجمة عن النزوح الفنزويلي الكبير في السنوات الأخيرة، حيث لا تتمتع العديد من البلدان في المنطقة ببنية سياسية واقتصادية واجتماعية كافية لاستقبال تدفق هجرة مرتفع، والذي يتجاوز حالياً ستة ملايين شخص.ثانياً، استمرار نظام مادورو أو صعود حكومة معارضة جديدة من شأنه أن يؤدي إلى مسارات مختلفة. إن الحكومة الجديدة قد تعني استئناف العلاقات الدولية الأوسع، مع ميل البلاد إلى إعادة تنظيم مفاوضاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. من ناحية أخرى، قد يؤدي بقاء مادورو في السلطة إلى الحفاظ على حالة العزلة ومواصلة العقوبات. ومن الضروري أن نسلط الضوء على أن الانتخابات غير الشفافة تزيد من انعدام الثقة في النتائج، وتُضعف النظام الديمقراطي، وخاصة عندما ينعدم تبادل السلطة. لذلك، فتداول السلطة في البلاد قد يسهل التوازن المؤسسي، ويحسن مصداقية الديمقراطية، ويعزز استقلالية الفروع التشريعية والتنفيذية والقضائية.وأخيراً، فإن التوترات بين البرازيل وفنزويلا ليست جديدة. فعلى الرغم من أن البرازيل تدرك أهمية إعادة دمج فنزويلا في النظام الإقليمي والدولي، فإن التساؤلات حول تصرفات مادورو السياسية، وخاصة استبعاد اثنين من مرشحي المعارضة من السباق الانتخابي، والتدخل في الصراع مع دولة جويانا، والإصرار على الوفاء باتفاقية بربادوس؛ كانت تعكس إصرار مادورو على مواصلة مساره حتى لو أدى ذلك إلى إشكاليات دبلوماسية. وتعكس هذه التوترات تعقيد الوضع السياسي في فنزويلا وتداعياته على المنطقة، كما تؤدي إلى تفاقم الخلافات بين فنزويلا والبرازيل، وتقويض إمكانيات الحوار لصالح أي اعتراف دولي.

كيف يمكن فهم تزايد التوترات بين فنزويلا والبرازيل؟