د. رغدة البهي


        
<p><strong>تُطالِب الحكومة الأمريكية مالكي منصة "تيك توك" الصينية ببيعها أو مواجهة خطر حظر التطبيق الذي تدفع الولايات المتحدة بأنه يستخدم بيانات المستخدمين للتجسُّس عليهم لصالح أجهزة الاستخبارات الصينية. ولا شك أن حظر التطبيق سيُعَد أمراً غير مسبوق في الولايات المتحدة، وسيؤدي إلى حالة هائلة من الجدل الداخلي، بالنظر إلى ذيوع استخدامه بين واحد من كل ثلاثة أمريكيين من ناحية، ومعارَضة "الجيل Z" – الذي شهد ما يشبه الثورة الرقمية ذات التأثير في توجهاتهم ومواقفهم، فتَنَامَى تأثيرهم في السياسة الأمريكية – لأي حظر محتمل من ناحية ثانية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">مؤشرات الخلافات</span></strong></p>



<p>يشير "جيل الألفية" ("صدى الطفرة"/الجيل Y) إلى الأشخاص الذين وُلدوا بين عامي 1981 و1996، وقد سبقهم "الجيل X" (X Generation)، وأعقبهم "الجيل Z" (Post–Millennials/iGeneration /Generation Z). ويشير الأخير إلى الذين وُلدوا بين منتصف التسعينيات حتى منتصف عام 2000. ولا شك في تعدد الاختلافات بين تلك الأجيال، لا سيما الجيلين الأول والأخير، وبخاصة على صعيد التطورات التكنولوجية، وهو الأمر الذي ينعكس بدوره على موقفهما من تطبيق "تيك توك" وحظره المحتمل في الداخل الأمريكي؛ وذلك على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– نظرة الجيل </strong><strong>Z</strong><strong> الإيجابية إلى مزايا التطبيق: </strong>لا شك أن جيل الألفية (ممن تتراوح أعمارهم بين 27 و42 سنة) أقل ارتباطاً بتطبيق "تيك توك" وأقل استخداماً له بالمقارنة بناخبي "الجيل Z" (ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و26 سنة) الذين يرون أن تطبيق "تيك توك" لا يعدو كونه مصدراً للترفيه والعائد الاقتصادي؛ فقد أضحى التطبيق ملاذاً ترفيهياً بالنظر إلى جاذبية فيديوهاته، كما أضحى منصة للتحديات المميزة، ووسيلة للشراكة التجارية بين المستخدمين والعلامات التجارية المرموقة، ومصدراً للربح المادي بالاقتران بين قناة المستخدم على "يوتيوب" وحسابه على التطبيق أو بالشراكة مع بعض الشركات التي تَملك عدداً من المنتجات والسلع التي تَرغب في الترويج لها، (مثل: الملابس، والعطور، وغير ذلك)، فتتواصل مع المستخدم للثناء عليها نظير مقابل مادي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– الموقف المتباين من حظر التطبيق: </strong>أظهر استطلاع الرأي الذي أجرته جامعة "هارفارد" (CAPS–Harris) أن 45% من المبحوثين دفعوا بضرورة فرض حظر على تطبيق "تيك توك" لأسباب تتعلق بالخصوصية والمخاوف الأمنية، بينما رأى 34% منهم أنه يجب السماح باستخدام التطبيق في الولايات المتحدة فحسب إذا خضع لمراجعات أمنية منضبطة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد خلص استطلاع آخر أجراه الكاتب "جون ديلا فولبي" لصالح شركة (SocialSphere, Inc) في 22 مارس 2023 على 1607 ناخبين مسجلين تراوحت أعمارهم بين 18 و42 عاماً، بهامش خطأ يزيد أو ينقص عن 2.6 نقطة مئوية؛ إلى أن جيل الألفية يُفضِّل حظر التطبيق بنسبة تتراوح بين 34–49% بالنظر إلى استخدامه في عملية جمع البيانات والترويج للدعاية الصينية ونشر معلومات مضللة، وإن عارض "الجيل Z" ذلك الحظر بنسبة تتراوح بين 34–53%.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وركَّز ذلك الاستطلاع على مواقف الشباب الأمريكيين، وتحديداً الناخبين المسجلين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و42 عاماً. وقد خلص إلى تأييد 46% حظر التطبيق ما لم يتم بيعه لمشغلين أمريكيين، مقابل 38% ممن عارضوا ذلك الحظر، كما خلص إلى أن ناخبي "الجيل Z" وجيل الألفية ينظرون إلى التطبيق بصورة إيجابية (بنسبة 66% و46% على الترتيب). أما الناخبون الذين نظروا إليه نظرة سلبية، فقد بلغت نسبتهم 31% و42% لدى كلا الجيلَين على الترتيب نفسه.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– القلق المشترك من الصين: </strong>في اتجاه مضاد لموقف ناخبي "الجيل Z" المُعارِض لحظر التطبيق، أعرب بعض الأفراد، وخصوصاً المحسوبين على جيل الألفية، عن قلقهم بشأن تنامي نفوذ الصين وتزايد احتمالات إساءة استخدامه من قبل أجهزتها الأمنية في ظل توطد العلاقة بين شركة "بايت دانس" المالكة للتطبيق والحزب الشيوعي الصيني؛ فقد خلص استطلاع شركة (SocialSphere, Inc) السابق الإشارة إليه إلى تنامي قلق "جيل الألفية" من إمكانية استخدام التطبيق بما يحقق مصالح الأجهزة الأمنية الصينية بنسبة تتراوح بين 29–64%، بجانب تنامي قلق ناخبي "الجيل Z" من الأمر نفسه بنسبة تتراوح بين 41–51%؛ ما يعني أن الجيل الأول سجَّل مستوى أعلى من القلق. وبصرف النظر عن تلك التفاوتات، أظهر الاستطلاع أن ثلثَي الشباب الأمريكيين قلقون بشأن التهديدات الصينية للأمن القومي الأمريكي من ناحية، وأن "الجيل Z" أكثر واقعيةً مما اعتقده كثيرون؛ فإن رفضوا التخلي عن تطبيقهم المُفضَّل، فإنهم لم يُنكِروا تداعياته الأمنية المحتملة من ناحية ثانية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– شعبية التطبيق ومدى انتشاره: </strong>لقد أضحى تطبيق "تيك توك" منأكثر منصات التواصل الاجتماعي شعبيةً بين ناخبي "الجيل Z" يليه في ذلك تطبيق "إنستجرام" بنسبة بلغت 23%؛ فقد تجاوز عدد مستخدمي "تيك توك" في الولايات المتحدة فحسب 150 مليون مستخدم. ووفقاً لاستطلاع شركة (SocialSphere, Inc) السابق الإشارة إليه، قال 71% من ناخبي "الجيل Z" إن لديهم حساباً نشطاً على التطبيق (أي تم استخدامه في الشهر الماضي)، وإن قال 43% فقط من "جيل الألفية" الشيء نفسه؛ إذ يعد تطبيقا "فيسبوك" و"إنستجرام" هما التطبيقَين الأكثر شعبيةً لدى هذا الجيل؛ حيث قال 79% و69% من الناخبين إن لديهم حساباً نشطاً على كلا التطبيقين على الترتيب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تداعيات محتملة</span></strong></p>



<p>من شأن حظر الولايات المتحدة المحتمل لتطبيق "تيك توك" – وخاصةً في ظل وجود مؤشرات معارضة من جانب الجيل Z لهذا الإجراء – أن يسفر عن بعض التداعيات السلبية التي يمكن الوقوف على أبرزها من خلال النقاط التالية:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– احتمالية حدوث رد فعل عنيف في حال حظر التطبيق: </strong>تتواتر جهود الإدارة الأمريكية الرامية إلى حظر التطبيق؛ الأمر الذي يتضح جلياً في جهود لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب الأمريكي وما عقدته من جلسات استماع واستجواب مكثفة شارك فيها الحزبان الديمقراطي والجمهوري طوال عدة ساعات من ناحية، والتشريع الذي صادق عليه البيت الأبيض الذي يقيد ظهور التهديدات الأمنية التي تنطوي على مخاطر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذي من شأنه أن يمنح وزارة التجارة سلطة تنظيم أو حظر التكنولوجيا المنتَجة في الخارج من الدول المُعادِية من ناحية ثانية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>بيد أن حظر إدارة الرئيس "جو بايدن" المحتمل للتطبيق قد يؤدي إلى رد فعل عنيف من قاعدة المستخدمين الشباب وجماعات الحقوق المدنية؛ فبينما رفض 53% من ناخبي "الجيل Z" فرض أي حظر على التطبيق، أيد 34% فقط تلك الخطوة المحتملة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– التأثير في الانتخابات الرئاسية المقبلة:</strong> إن الحظر المحتمل على التطبيق، يُثير مخاوف بعض الديمقراطيين قبل انتخابات 2024، بالنظر إلى الدور البارز الذي لعبته الكتلة التصويتية التي يمثلها "الجيل Z" في انتخابات العام الماضي والذي من المتوقع أن تلعبه أيضاً في الانتخابات المقبلة؛ فقد يتسبب حظر التطبيق المحتمل في تراجع معدلات ونسب مشاركتهم السياسية، وبالتبعية اهتزاز إحدى دعائم الحزب الديمقراطي. وفي هذا الإطار، دفعت خبيرة وسائل الإعلام الاجتماعية والاستراتيجية الرقمية "آني وو هنري" بأن خسارة تلك الكتلة التصويتية سيُسفر عن خسارة أداة فعالة جداً ومؤثرة لتعبئة الشباب الذين يستخدمون التطبيق إلى حد كبير للتواصل ومشاركة المعلومات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– تحسين الصورة الدولية الصينية: </strong>يمكن للصين استغلال الأصوات الأمريكية المعارِضة لفرض الحظر المحتمل على التطبيق لتحسين صورتها في الداخل الأمريكي. ومن تلك الأصوات – على سبيل المثال – النائب التقدمي الديمقراطي "ألكساندريا أوكاسيو–كورتيز" الذي استخدم التطبيق لنشر فيديو يعبر فيه عن رفضه الحظر للمحتمل، وهو الفيديو الذي حظي بما يزيد على 3 ملايين مشاهدة وأكثر من 600 ألف إعجاب منذ نشره.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>كما عقد النواب التقدميون الديمقراطيون أمثال "جمال بومان" (من ولاية نيويورك) و"مارك بوكان" (من ولاية ويسكونسن) و"روبرت جارسيا" (من ولاية كاليفورنيا) مؤتمراً صحفياً مع عدد من مُنشِئي المحتوى للتعبير عن موقفهم الرافض لأي حظر محتمل. وهكذا يمكن للصين التعويل على تلك الأصوات لنفي المخاوف الأمنية التي دأبت الإدارة الأمريكية على ترديدها لتُقوِّض مزاعمها من الداخل الأمريكي، دون الحاجة إلى الخطابات الرسمية أو شركات العلاقات العامة الدولية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تحويل الشباب إلى ورقة سياسية صينية:</strong> تدرك الصين أهمية الجيل Z التي تجلَّت خلال انتخابات التجديد النصفي، وتتضح كذلك في اتفاق الديمقراطيين وذلك الجيل على أهمية بعض القضايا الرئيسية في السياسات الأمريكية، وإن أتى في مقدمتها قضايا الإجهاض والحقوق الإنجابية وتدابير منع العنف المسلح والعمل المناخي، وهو ما يعني إمكانية استهداف ذلك الجيل بأدوات ليست بالضرورة ذات صبغة سياسية، وإنما بمزيد من الأدوات الترفيهية والتكنولوجية التي تعزز ريادة الصين التكنولوجية، وتحقق لها مزيداً من المكاسب الاقتصادية؛ فحظر التطبيق المحتمل لن يعني بالضرورة استئصال شأفة التهديدات الصينية، بل يزيد احتمالات ظهور تطبيقات صينية أخرى يذيع انتشارها في الداخل الأمريكي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>5– إمكانية تفاقم الخلافات داخل النخب السياسية:</strong> ربما تفضي قضية حظر تيك توك، والتباينات الجيلية بشأنها، إلى تفاقم الخلافات داخل النخب السياسية الأمريكية. والأمر هنا لن يقتصر على الديمقراطيين، بل سيمتد أيضاً إلى صفوف الجمهوريين. ولعل هذا ما ظهرت مؤشراته مع عرقلة السيناتور الجمهوري "راند بول" تحركات السيناتور الجمهوري "جوش هاولي" لتسريع التشريعات التي قدَّمها إلى مجلس الشيوخ، يوم 29 مارس 2023، لحظر تيك توك في الولايات المتحدة. واعترض بول على مشروع هاولي، وذكر "لأولئك الذين يشعرون بالقلق من أن الحكومة الصينية قد تتمكَّن بطريقة ما من الوصول إلى معلومات الملايين من المراهقين الأمريكيين. عليكم إدراك أن جميع وسائل التواصل الاجتماعي (تحصل على) البيانات الشخصية التي يقدمها الناس طواعيةً". وأضاف: "إذا كنت ستحظر (تيك توك)، فماذا بعد؟". وبوجه عام، اعتبر "بول" أن حظر التطبيق بمنزلة اعتداء على حرية التعبير.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً</strong>، أضحى تطبيق "تيك توك" في قلب التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين بشأن التجارة والتكنولوجيا ووباء كورونا. وفي ظل الحرب الأمريكية المتصاعدة عليه، تجد إدارة "بايدن" نفسها بين خيارَين محتملَين؛ يقضي أولهما بضرورة حماية "الأمن القومي الأمريكي" من تهديداته الأمنية التي تتعلق بجمع وتخزين البيانات الشخصية للمواطنين الأمريكيين لدى خوادم الجيش الصيني والحزب الشيوعي الصيني، وسرقة حقوق الملكية الفكرية الأمريكية، وفشل التطبيق في الالتزام بقوانين خصوصية الأطفال، ناهيك عن استخدام التطبيق لأغراض الرقابة والتجسس. بينما يقضى الخيار الثاني بتقنين التطبيق خوفاً من ردود أفعال الشباب الغاضبة التي قد تنجم عن حظره كلياً، التي ستؤثر بطبيعة الحال في شعبية الحزب الديمقراطي وفي الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما يشبه "الثمن الذي يجب دفعه في صندوق الاقتراع في عام 2024".<strong></strong></p>

      

لماذا يُعارِض "الجيل Z" الحظر الأمريكي المُحتمَل لتطبيق "تيك توك"؟