د. ديانا جاليفا

نجح فلاديمير بوتين، في الانتخابات الأخيرة، بعد توليه ولاية جديدة مدتها ست سنوات، في تعزيز زعامته. وقبل ذلك بأيام قليلة، في 29 فبراير 2024، أكد في خطابه السنوي أمام الجمعية الاتحادية الروسية: "لدى روسيا علاقات جيدة وطويلة الأمد مع الدول العربية [...] ونعتبر أنه من المهم البحث عن نقاط اتصال جديدة مع أصدقائنا العرب، لتعميق نطاق الشراكات بأكمله". ومن أجل النظر وتقييم مجالات التعاون المستقبلية، يُلقي المقال الضوء على النقاط الرئيسة في خطاب الرئيس الروسي أمام الجمعية، والذي حدّد رؤية روسيا حتى عام 2030، مقارنة بالرؤية السعودية 2030، ورؤية أبوظبي الاقتصادية 2030، وأجندة دبي الاقتصادية، ورؤية قطر 2030، ورؤية الكويت 2035 "الكويت الجديدة"، الرؤية الاقتصادية للبحرين 2030، ورؤية عمان 2040.ويستكشف المقال مسار بناء العلاقات الثنائية حتى عام 2030، بناءً على الأهداف المحددة، وينظر في الفرص المتاحة للشركاء للتكامل وفقاً لبرامجهم، باستخدام استراتيجية "القوة الذكية" لتحقيق الأهداف المحلية، ومواصلة تعزيز العلاقات الثنائية. وبالتالي، فإنّ هذه الوثائق الاستراتيجية، التي تُعبّر عن رؤى لتنمية البلدان في كل من روسيا ودول الخليج حتى عام 2030، يمكن أن تصبح أداة مساعدة لبناء حوار وتعاون أوثق.تنمية مشتركةاستدعت الرؤية الاستراتيجية لتنمية روسيا حتى عام 2030 اهتماماً كبيراً من جانب الرئيس الروسي "بوتين" الذي أشار إلى أن "كل خطاب أمام الجمعية الفيدرالية هو في المقام الأول نظرة إلى المستقبل. واليوم سنتحدث ليس فقط عن خططنا الفورية، ولكن أيضاً عن المهام الاستراتيجية، وعن تلك القضايا التي أعتبر حلها مهماً بشكل أساسي للتنمية الواثقة على المدى الطويل للبلاد". تضمّن الخطاب أيضاً موضوعات مهمة حول أهمية القيم العائلية، وتطوير العلوم، والقضايا الاقتصادية، وتنمية المناطق، والتراث الثقافي، والطرق اللوجستية البديلة؛ وهي الملفات التي يُمكن أن تصبح "نقاط اتصال" لتعميق العلاقات الثنائية بين روسيا ودول الخليج.ربما يشكل الاقتصاد والعلوم مدخلين مهمين لتطوير العلاقات بين دول الخليج وروسيا، ففي المستقبل القريب تخطط روسيا لتصبح واحدة من أكبر أربع قوى اقتصادية في العالم. وتم تحديد مهمة تطوير مراكز العلوم والتعليم في جميع أنحاء البلاد، وبناء 25 جامعة بحلول عام 2030. بالإضافة إلى ذلك، تمّ تحديد مهمة إنشاء سلسلة تعاونية داخلية ومنصات تكنولوجية دولية، وتحديد مهمة الاستكشاف الجغرافي للبحث عن الموارد الأرضية النادرة والمواد الأولية الأخرى للاقتصاد الجديد.وأعرب الرئيس "بوتين" عن اهتمام كبير باستخدام الذكاء الاصطناعي. والهدف هو زيادة حجم الاستثمار في الصناعات الرئيسة بنسبة 70% بحلول عام 2030. ويتعين على النظام المصرفي وأسواق الأوراق المالية أن يضمن بشكل كامل تدفق رأس المال إلى القطاعات الحقيقية في الاقتصاد. كما لفت "بوتين" الانتباه إلى تطوير المجمع الصناعي الزراعي؛ حيث إن روسيا تُعتبر دولة رائدة في سوق القمح العالمية. والهدف هنا هو زيادة حجم الصادرات بحلول عام 2030 بنحو 150% مقارنة بعام 2021. وتأمل روسيا أيضاً في إنشاء منصات رقمية بجميع القطاعات الاقتصادية الرئيسة، وكذلك دعم الكيانات المكونة للاتحاد الروسي عبر إطلاق مشاريع في القطاعات الاقتصادية المختلفة والبنية التحتية؛ إذ يتمثل الهدف الرئيس في أن تُصبح جميع المناطق أكثر اكتفاء ذاتياً من الناحية الاقتصادية بحلول عام 2030.ويُعد الحفاظ على التراث الثقافي جانباً آخر يُمكن أن يساعد في استخدام "القوة الذكية" من أجل تعزيز العلاقات بين روسيا الاتحادية ودول الخليج. ففي معرض الإشادة بالمباني والعقارات والمعابد القديمة باعتبارها تجسيداً للهوية الوطنية، اقترح "بوتين" تشكيل برنامج طويل المدى للحفاظ على مواقع التراث الثقافي الروسي (لمدة 20 عاماً). وقد تم تحديد ما لا يقل عن ألف موقع للتراث الثقافي في جميع أنحاء البلاد بحلول عام 2030. إن "نقطة الاتصال" المحددة مباشرة بين روسيا ودول الخليج الواردة في خطاب بوتين هي تطوير ممر النقل بين الشمال والجنوب، والذي سيربط روسيا بدول الشرق الأوسط وآسيا من أجل زيادة قدرة السكك الحديدية في الاتجاه الجنوبي.مقاربات خليجيةتتركز رؤية المملكة العربية السعودية في 2030 على برنامج لتقليل اعتماد المملكة العربية السعودية على النفط وتنويع اقتصادها. ويتضمن البرنامج أكثر من 40 مشروعاً مبتكراً. ويعتبر أحد أبرز مشاريع رؤية 2030 هو مشروع نيوم، وهي منطقة مستقبلية تقع في شمال غرب السعودية مدعومة بالطاقة المتجددة بنسبة 100%. ويجري تنفيذ مشاريع "ذا لاين" و"أوكساجون" و"تروجينا" و"سندالة" في إطار هذا المشروع.تهتمّ المشاريع الثقافية والتراثية مثل مشروع محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية بجمال التراث الإسلامي السعودي وتاريخه الغنيّ. والغرض من المشروع هو ترميم 130 من أهم مساجد المملكة، ومشروع مجمع الفنون الملكي الذي سيتألف من سبعة مواقع ثقافية متميزة، يجسد كل منها رؤية 2030، والمصممة لإلهام المواهب وإثراء القطاع الثقافي. تتمثّل مهمة برنامج الجينوم السعودي في إنشاء قاعدة بيانات مبتكرة لا تعكس المخطط الجيني للمجتمع السعودي فحسب، بل ستُحدث أيضاً ثورة في الرعاية الصحية من خلال تمكين الطب الشخصي، وتقليل تكاليف الرعاية الصحية، وزيادة جودة الحياة بشكل عام. وثمة مشاريع مبتكرة أخرى، مثل: محطة تحلية الخفجي (أكبر مشروع لتحلية المياه بالطاقة الشمسية في العالم)، ومحطة الخلايا الشمسية الكهروضوئية، وتعملان على تطبيق تقنيات الطاقة الشمسية الجديدة، وتطوير معدات تجارية مناسبة للحرارة الشديدة والعواصف الرملية.وتتمثل الأهداف الرئيسة لرؤية أبوظبي الاقتصادية 2030 في إجراء تقييم شامل لفرص النمو الاقتصادي الرئيسة، وتأسيس رؤية اقتصادية شاملة طويلة المدى ذات أهداف واضحة ستوجه تقييم اقتصاد أبوظبي حتى عام 2030. وتُشير أجندة دبي الاقتصادية، والتي تُعرف ببرنامج D33، إلى مجموعة من الأهداف الرئيسة على غرار تحويل دبي إلى مركز اقتصادي ورائد عالمي في مجال الاقتصاد الرقمي، والتأكيد على كونها المدينة الناشئة الأكثر أماناً في العالم وكونها مركزاً دولياً، مما يخلق بيئة أعمال مواتية لتحفيز مناخ الاستثمار المحلي، وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى دبي. ومن ثمّ فمن المخطط تحويل دبي إلى إحدى العواصم المالية الرائدة في العالم بحلول عام 2033.وتستهدف رؤية قطر 2030 الاستغلال المسؤول للنفط والغاز، والاستغلال الأمثل لموارد الكربون، وإرساء التوازن بين الاحتياطيات والإنتاج، وكذلك بين التنويع الاقتصادي ونضوب النفط. وتسعى الرؤية إلى تعزيز قوة وكفاءة قطاع النفط والغاز على النحو الذي يُنتج ابتكارات تكنولوجية متقدمة، ويحفز تنمية الموارد البشرية والإمكانات الاقتصادية في جميع أنحاء قطر.ومن جهةٍ أخرى، تسعى رؤية الكويت 2035 إلى تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري إقليمي ودولي. فيما تُجسد رؤية البحرين الاقتصادية 2030 خطة شاملة تهدف إلى خلق نهج واضح للتنمية الاقتصادية لتحسين المستوى المعيشي لجميع المواطنين البحرينيين. كما أن الهدف من رؤية عمان 2040 هو السعي لبناء اقتصاد منتج ومتنوع يعتمد على الابتكار وتكامل الأدوار وتكافؤ الفرص، والاستفادة من المزايا التنافسية التي تتمتع بها عمان، والاندماج الذي يقوده القطاع الخاص في الاقتصاد العالمي، والمساهمة الفعّالة في التجارة الدولية، وتحقيق التنمية المستدامة على أساس القيادة الاقتصادية الفعالة.القوة الذكيةلا تزال نظريات جوزيف ناي عن القوة الصلبة والناعمة والذكية لديها قدرة تفسيرية للتفاعلات الدولية، وتظل شائعة في الخطاب الأكاديمي والسياسي. وتتكون القوة الصلبة من استخدام الموارد والقدرات المادية والقوة لممارسة السلطة، في حين أن القوة الناعمة هي القدرة على الاختيار بدلاً من الإكراه. ومع ذلك فإن الاستراتيجية الناجحة تعتمد على المزج بين استخدام القوة الناعمة والقوة الصلبة، وهو ما يسميه ناي القوة "الذكية".وفي هذا الصدد، ثمّة فرص للابتكار والتطوير المشترك بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي من خلال إنشاء منتديات مشتركة لمناقشة برامج رؤية 2030، ومن ذلك -على سبيل المثال- منتدى "رؤية روسيا الاتحادية ورؤية المملكة العربية السعودية" بمشاركة جميع الخبراء والمتخصصين لمناقشة التكامل والمشاركة في البرامج والمشاريع، مع الأخذ في الاعتبار مصالح وقدرات كل دولة. ويمكن لروسيا والسعودية مناقشة إمكانية مشاركة المتخصصين الروس في تطوير مشروع نيوم، ومن الممكن أيضاً التعاون في المجالات الطبية والرعاية الصحية وبعض المشاريع الرائدة في هذا الشأن، على غرار برنامج الجينوم السعودي. كما يمكن توجيه الشراكة بين الدولتين نحو تنفيذ المشاريع المبتكرة في محطة تحلية الخفجي، ومحطة الخلايا الشمسية الكهروضوئية.ويمكن أيضاً تعزيز خطط روسيا للمشاريع الثقافية والإقليمية من خلال العمل والتعاون مع الشركاء العرب. على سبيل المثال، يمكن للشركاء الروس التنسيق مع المشاريع الثقافية والتراثية في دول مجلس التعاون الخليجي، مثل مشروع محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية، ومجمع الفنون الملكي.ويمكن لهذه الجهود أيضاً الاستفادة من تراث المسلمين الروس ومساجدهم ومعالمهم الثقافية. ويبزغ في هذا الصدد نموذج "بيت زي جي جالييف" (house of Z.G. Galeev)، وهو تاجر مشهور دعمت مساهماته المالية بناء مسجد الكاتدرائية في تشيليابينسك. واليوم، أصبح هذا الموقع حانة. ومع ذلك، نظراً للتعاون المشترك، وتكريماً لهذا المنزل، سيكون من الممكن إنشاء متحف للتراث الإسلامي في تشيليابينسك أو مكتبة إسلامية في جنوب الأورال.ونظراً لاهتمام الكويت بالتحول إلى مركز مالي وتجاري على المستويين الإقليمي والدولي، وتقديراً لخبراتها في هذا الاتجاه، يمكن لروسيا التعاون معها عبر مجموعة من المشاريع؛ إذ يمكن تدشين مشروعات جديدة في النظامين المصرفي والمالي في ظل التحولات الجديدة. وفي ضوء أن هدف رؤية البحرين 2030 هو تحسين مستوى معيشة جميع المواطنين البحرينيين؛ تبدو البرامج المشتركة ممكنة لتحسين نوعية الحياة الأسرية.ويمكن أيضاً تطبيق الأساليب المبتكرة التي تتبعها عُمان على المنصات التكنولوجية الدولية الروسية المرتبطة بمجالات الاستكشاف الجغرافي، والبحث عن المواد الأرضية النادرة، والمواد الخام الأخرى للاقتصاد الجديد. وستكون مشاريع الغاز والنفط المشتركة بين روسيا وقطر وسيلة أخرى للتعاون المحتمل. علاوة على ذلك، يمكن دمج برامج رؤية أبوظبي وأجندة دبي مع المشاريع الروسية في مجال العلوم والاقتصاد والتمويل، وكذلك في تنفيذ ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب.

مجالات التعاون بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي