إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

يستمر الوضع الأمني في إقليم "كابو ديلجادو" شمال موزمبيق في التدهور، في ضوء استئناف تنظيم "داعش" نشاطه الإرهابي الذي يتصاعد منذ مطلع عام 2024، وذلك في إطار موجة إرهابية متجددة تشهدها المنطقة عقب فترة من الانخفاض الملحوظ لحجم الهجمات التي تورط فيها التنظيم، بفضل تدخل القوات الرواندية وبعثة سادك "صميم" (SAMIM) خلال الفترة الماضية. حتى إن هناك تقديرات قد أشارت إلى أن الجيش الموزمبيقي قد تمكن من استعادة السيطرة على 90% من الأراضي التي تسيطر عليها جماعة أهل السنة والجماعة، كما انخفضت أعمال العنف ضد المدنيين بنسبة 80% في المنطقة.وقد تورط عناصر التنظيم في هجمات إرهابية متفرقة منذ بداية عام 2024 في مقاطعات ماكوميا وتشاي أوركري وميكوفي شمال البلاد، في حين تشير تقديرات مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية – ومقره واشنطن – إلى أن إجمالي عدد الهجمات الإرهابية هناك خلال الشهور الماضية قد بلغ نحو 127 هجوماً، وهي الهجمات التي أسفرت عن مقتل أكثر من 260 شخصاً، ونزوح الآلاف من المدنيين، واستيلاء عناصر داعش على المزيد من الأسلحة والذخائر من القوات الموزمبيقية، إضافة إلى التورط في أعمال تخريبية قد طالت الممتلكات العامة، بما في ذلك الكنائس والمساجد والمدارس والمستشفيات؛ ما جعلها الهجمات الأكثر عنفاً في البلاد منذ شهور مضت؛ الأمر الذي قد يدفع نحو إجراء تحويلات جوهرية في سياسة المواجهة لدى موزمبيق وشركائها ضد داعش في شمال البلاد، الذي يمثل تهديداً إقليميّاً متنامياً لأمن واستقرار دول الجوار الإقليمي.دلالات مقلقة يكشف تصعيد تنظيم داعش نشاطه الإرهابي في شمال موزمبيق العديد من الدلالات الكاشفة لحجم التعقيد في السياق الأمني بالمنطقة. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الدلالات على النحو التالي:1– إطلاق داعش حملة إرهابية عالمية جديدة: تَبرز مساعي تنظيم داعش إلى إقامة إمارة في إقليم كابو ديلجادو الغني بالنفط والغاز شمال موزمبيق. ويتزامن ذلك مع دعوة المتحدث باسم داعش "أبو حذيفة الأنصاري" في 4 يناير 2024 إلى توسيع قتال داعش في المناطق التي ينشط فيها تحت شعار "اقتلهم أينما وجدتهم". وتمثل منطقة شمال موزمبيق بؤرة مهمة لعناصر داعش لتوسيع دائرة نفوذه في الجنوب الأفريقي، وهو ما قد يبرر تجدد نشاطه في المنطقة خلال الفترة الأخيرة.2– تطور تكتيكات تنظيم داعش: تعكس التحركات الأخيرة لداعش في شمال البلاد وجود مرونة لدى التنظيم، وقدرته على التكيف والتنقل بين مناطق الإقليم؛ لتفادي العمليات العسكرية التي تشنها القوات الموزمبيقية وشركاؤها الإقليميون، إضافة إلى إعادة ترتيب صفوفه وقوته العسكرية ومقاتليه، وتغيير تكتيكاته فيما يتعلق بالهجمات التي ينفذها في شمال البلاد؛ بحيث أضحى أكثر قدرة على الحركة من ذي قبل، ومن ثم يصعب القضاء عليه أو احتواء مخاطره في المدى المنظور على الأقل؛ وذلك بالرغم من إشارة تقرير نشره فريق مراقبي الأمم المتحدة في 29 يناير 2024 إلى أن عدد أفراد داعش قد انخفض بعد قتال لمدة عامين بحيث يتراوح بين 160–200 مقاتل، وهو ما يكشف مدى كفاءة وقدرات مقاتلي داعش في شمال موزمبيق، بما يهدد أمن واستقرار المنطقة هناك.كما أشارت تقارير إلى استخدام عناصر داعش عبوات ناسفة محلية الصنع في ست هجمات نفذها التنظيم في بعض المواقع العسكرية، وتحديداً منطقتي ماكوميا وموسيمبوا دا برايا شمال البلاد خلال الشهور الماضية، وهو يمثل تحولاً نوعيّاً في التكتيك القتالي لداعش الذي اعتاد استخدام الأسلحة الصغيرة في هجماته على الأهداف العسكرية والمدنية خلال السنوات الماضية، قبل أن يشرع في استخدام العبوات الناسفة على جانبي الطرق منذ عام 2021.3– تصعيد هجمات داعش في المنطقة: تشير الهجمات التي ينفذها داعش إلى أن الصراع في شمال موزمبيق لم ينته بعد؛ فقد شهدت الفترة بين سبتمبر 2023 وفبراير 2024 تكثيف تنظيم داعش هجماته في مقاطعة "كابو ديلجادو" التي بلغت 19 هجوماً إرهابيّاً في موسيمبوا دي برايا وماكوميا ومويدومبي؛ ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات؛ ففي 12 فبراير شهد مركز موكوجو الإداري بمنطقة ماكوميا هجوماً إرهابياً أسفر عن مقتل 25 جندياً موزمبيقياً.كما تورطت عناصر داعش في أعمال عنف خطيرة، مثل قطع رأس أحد الجنود بعد استجوابه، وعمليات حرق الكنائس في منطقة تشيوري، واستهداف بعض القرى التي تسكنها الطائفة المسيحية؛ ما أسفر عن مقتل 10 أشخاص في سلسلة من الهجمات شنها داعش في سبتمبر 2023.4– إقامة علاقات ارتباطية لداعش مع المجتمعات المحلية: يحاول تنظيم داعش كسب قلوب وعقول الرأي العام المحلي في شمال البلاد؛ وذلك بإقامة علاقات ودية مع السكان في منطقة ماكوميا؛ ما يسمح له بإنشاء سلاسل توريد لإمداد عناصره بالسلع الأساسية عن طريق البحر؛ ما يعزز حضوره في المنطقة واستمرار عملياته الإرهابية هناك؛ وذلك في مواجهة الملاحقات والتضييق الذي تمارسه القوات الموزمبيقية وشركاؤها الإقليميون عليه خلال الفترة الماضية.5– مواجهة الجيش الموزمبيقي تحديات لوجستية: وهي التحديات التي تسهم بدورها في عرقلة جهود القوات الحكومية في تنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب بكفاءة وفاعلية دون الاستناد إلى الدعم الأجنبي، وعلى رأسها غياب الأسلوب التكتيكي والخطط الاستراتيجية، وعدم انضباط القوات، والاعتماد على الأسلحة التقليدية القديمة؛ ما يعزز قدرة عناصر داعش على الصمود وتهديد أمن واستقرار البلاد، بما في ذلك الشمال المضطرب، كما تعاني القوات الحكومية من نقص المواد الغذائية، ولم يحصل الكثير من الجنود على رواتبهم منذ أشهر، وهو ما يعني عجزه عن الوفاء بمسؤولياته تجاه مكافحة الإرهاب، إضافة إلى حالة التوتر بين القوات المنتشرة في الإقليم في ضوء تنافس بعضها مع بعض تارةً، وتبادل الاتهامات بالإخفاق في تبادل المعلومات تارةً أخرى، وتعرض تلك القوات لحوادث النيران الصديقة تارةً ثالثة.6– قرب موعد انسحاب قوات بعثة "صميم": من المتوقع أن يكتمل الانسحاب التدريجي لقوات بعثة سادك "صميم" التي نُشرت في كابو ديلجادو في 18 يوليو 2021، ومن المرجح أن يكتمل الانسحاب في يوليو 2024 بعد تمديد تكتل سادك عمل القوات لمدة عام في يوليو 2023؛ ما قد يعني إحداث فراغ أمني سوف يؤثر سلباً على الجيش الموزمبيقي، في ظل ضعف قدرته على تحمل المسؤولية الأمنية ومواجهة الإرهاب بمفرده، وهو ما يمثل فرصة لداعش للانقضاض في شمال البلاد.7– مساعي داعش لتأمين الوصول إلى المياه الدافئة: ففي إطار مساعي تنظيم داعش للإفلات من الضغوط التي تمارسها القوات الموزمبيقية وشركاؤها الإقليميون في عدد من المناطق بشمال البلاد، سيطر تنظيم داعش على منطقة موكوجو الاستراتيجية بعد تخلي القوات الموزمبيقية عنها، بما يعني وصول داعش إلى ساحل ماكوميا، ومن ثم الحصول على الإمدادات والتمويل عن طريق البحر للاستمرار في عملياتها بالمنطقة واحتمال إقامة ولاية داعشية هناك.مخاوف متعددة هناك العديد من التداعيات المحتملة لتصاعد نشاط تنظيم داعش في شمال موزمبيق خلال الفترة الأخيرة، يتمثل أبرزها فيما يلي:1– بحث الحكومة عن تكتيكات مغايرة في الحرب على الإرهاب: ربما تبحث الحكومة الموزمبيقية عن تكتيك جديد يعزز تفوق قواتها العسكري في ساحة القتال ضد عناصر داعش، مثل الاتفاق على صفقة طائرات بدون طيار "المسيرات" لتدعيم قوتها الجوية التي قد تمنحها التفوق النوعي والقدرة على ملاحقة العناصر الإرهابية، لا سيما أن هناك عدداً من الأطراف الدولية تبرز في هذا المجال، مثل الصين وإيران وتركيا وغيرها.2– توسيع نفوذ ميليشيات الدفاع عن النفس: ربما يدفع تصعيد الإرهاب في شمال موزمبيق حكومة البلاد إلى دعم وإطلاق يد بعض الميليشيات والمتطوعين من أجل الدفاع عن الوطن في مواجهة الإرهاب في الشمال الموزمبيقي؛ وذلك في إطار المساعي إلى قطع الصلات التي تربط بعض السكان والعناصر الإرهابية من أجل الحصول على المال والغذاء.3– التفاوض على تمديد ولاية بعثة سادك "صميم": قد تدخل الحكومة الموزمبيقية في مشاورات مع تكتل سادك من أجل استمرار بعثة "صميم" في شمال البلاد، في ضوء تصاعد النشاط الإرهابي من تنظيم داعش، مع إمكانية زيادة عدد عناصرها لإحكام السيطرة على مخاطر التنظيم وتهديداته الأمنية في شمال البلاد، وتحجيم توسيع نفوذه في المناطق الساحلية هناك.4– دور متنامٍ للقوات الرواندية في البلاد: ربما تلعب القوات الرواندية التي يبلغ عددها 2800 جندي – بعدما بدأت بنحو 1000 جندي فقط – دوراً موسعاً بطلب من الحكومة الموزمبيقية في سبيل احتواء مخاطر تنظيم داعش وتصاعد نشاطه مجدداً، لا سيما بعد أن حققت القوات الرواندية نجاحات نوعية في مواجهة الإرهاب بشمال البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية.5– تعزيز دعم المجتمع الدولي للجيش الموزمبيقي: وذلك في إطار المخاوف التي تتزايد لدى القوى الفاعلة من تنامي نفوذ داعش في المنطقة، بما قد يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تمديد فترة عمله في موزمبيق إلى ما بعد سبتمبر 2024 وتكثيف عمليات التدريب للقوات الخاصة الموزمبيقية بهدف تطوير كفاءتها وقدراتها القتالية من أجل مكافحة الإرهاب.6– السعي لتجفيف منابع تمويل داعش: وذلك من خلال تكثيف العمليات العسكرية لاستعادة السيطرة على ساحل ماكوميا من داعش، الذي كان يقع ضمن مسؤولية قوات صميم، وهو ما يجعل من الصعب انسحاب قوات صميم من البلاد بحلول يوليو 2024 وفق الموعد المتفق عليه، تفادياً لتنامي التهديدات الأمنية واتساع نطاق نفوذ داعش الجغرافي في شمال موزمبيق.7– تعطل المشروعات الاستثمارية في المنطقة: من المرجح أن يسهم تصاعد نشاط داعش في تهديد الاستثمارات الهائلة في مجالي النفط والغاز في شمال البلاد؛ ما يعني استمرار الانسحاب المؤقت للشركات الدولية وتعطيل نشاطها في المنطقة، خاصة بعدما توقفت مشروعات إنتاج الغاز المسال والنفط في كابو ديلجادو منذ أبريل 2021، وهو ما قد يترتب عليه المزيد من الخسائر الاقتصادية التي تستنزف الاقتصاد الموزمبيقي.8– تفاقم الأوضاع الإنسانية في شمال موزمبيق: فقد أجبر اندلاع اضطرابات جديدة في شمال موزمبيق الآلاف من المدنيين على الفرار من مناطقهم؛ حيث أشارت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة في تقرير لها نشر في فبراير 2024 إلى أن هجمات داعش الأخيرة في مناطق ماكوميا وتشيوري وميكوفي قد أدت إلى نزوح أكثر من 13 ألف شخص بسبب سلسلة الهجمات الإرهابية المتفرقة والخوف من عمليات التنظيم الإرهابية في المنطقة، وهو ما ينذر بتزايد حالات النزوح وسوء الأوضاع الإنسانية في المنطقة، خاصة بعد وصول عدد النازحين إلى ما يقرب من مليون شخص وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.إجمالاً، يبدو أن استئناف النشاط الإرهابي لتنظيم داعش في كابو ديلجادو بمنزلة رسالة إلى الحكومة الموزمبيقية وشركائها الإقليميين أن التنظيم قادر على التكيف وإعادة ترتيب صفوفه وأوضاعه، بما يعزز نفوذه واستمراره في المنطقة واحتمال تمدده إلى بعض دول الجوار الإقليمي مثل تنزانيا، وقد يصل إلى جنوب أفريقيا؛ الأمر الذي يعني توسيع دائرة العنف والدمار والتخريب في شمال موزمبيق، واحتمال سيطرة داعش على الساحل الشمالي الشرقي الموزمبيقي، بما قد يهدد الملاحة البحرية، بما في ذلك قناة موزمبيق ذات الأهمية الاستراتيجية؛ وذلك على غرار التوترات الأمنية عند مضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر من جماعة الحوثي اليمنية، وهو ما قد يدفع بعض القوى الدولية الفاعلة إلى الاكتفاء بدعم الجيش الموزمبيقي والقوات الإقليمية من أجل مواجهة نشاط داعش في شمال البلاد دون الانخراط العسكري هناك، ما لم تضغط بعض الشركات الدولية على حكوماتها للتدخل خوفاً على استثماراتها الحيوية الضخمة هناك.

أبعاد تزايد نشاط تنظيم داعش في موزمبيق