د. محمد سلامي


        
<p>زار الرئيس الأمريكي "جو بايدن" فيتنام في 10 سبتمبر 2023، ليفتح فصلاً جديداً في العلاقة الاستراتيجية بين البلدين؛ حيث إن "بايدن" الرئيس الأمريكي الخامس الذي يزور فيتنام حريص على تحسين العلاقات مع هانوي، وقد تمكن من توقيع شراكة استراتيجية شاملة مع البلاد رغم تردد القادة الفيتناميين. ومن وجهة نظر هانوي، وضعت هذه الرحلة واشنطن على قدم المساواة مع الصين وروسيا. ومن خلال الشراكة مع فيتنام، تهدف الولايات المتحدة إلى الضغط على الصين من خلال جارتها الجنوبية، خاصة أن هانوي وبكين منخرطتان في نزاعات إقليمية وبحرية في بحر الصين الجنوبي. ومع ذلك فإن فيتنام، التي لا تتردد في الشراكة مع الولايات المتحدة من حيث المبدأ، توافق على هذه العلاقات بحسابات دقيقة وقدر معين من التحوط. ومن المهم بالنسبة إلى فيتنام ألا تنفِّر أياً من القوتين، بل أن تعمل على تحسين العلاقات مع كل منهما من دون إغضاب الجانب الآخر.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><span class="has-inline-color has-vivid-red-color"><strong>علاقات معقدة</strong></span></p>



<p>تتمتع فيتنام والصين بتاريخ طويل من عدم الثقة والعداء؛ حيث استعمرت الصين فيتنام الشمالية من عام 111 قبل الميلاد حتى عام 939م. ولا تزال كل من الدولتين على خلاف مع الأخرى بشأن جزر باراسيل وسبراتلي في منطقة بحر الصين الجنوبي، التي سيطرت عليها الصين خلال صراعين عنيفين في عامي 1974 و1988. في العقود الأخيرة، على الرغم من إدارة التوترات بين البلدين في منطقة بحر الصين الجنوبي، كانت هناك احتجاجات عديدة ضد التنقيب عن النفط وصيد الأسماك في الصين وبناء جزر صناعية لإقامة قواعد عسكرية والسيطرة على المجال البحري.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبما أن الصين تعتبر أكبر تهديد أمني للولايات المتحدة، فإن التعاون الاستراتيجي مع واشنطن سيكون فرصة لفيتنام للتحكم في جارتها الشمالية وقلب ميزان القوى الذي يميل لصالح الصين. ومع ذلك، ولعدة أسباب، لا ترغب فيتنام في الانخراط بشكل كامل مع أي من القوتين، مفضلة تحقيق التوازن بينهما. إن العقبات وأدوات الضغط القائمة جعلت هانوي حذرة إلى حد ما بشأن استمرار العلاقات مع الصين والولايات المتحدة. وتراقب الصين وتقيم العلاقات الأمريكية الفيتنامية عن كثب والزيارات العديدة التي يقوم بها مسؤولون أمريكيون إلى فيتنام. ونظراً إلى الأيديولوجيات "الشيوعية" المشتركة في كلا البلدين، فإن لدى بكين الفرصة لتحقيق توازن دقيق في العلاقات بين الولايات المتحدة وتايوان، كما أن لديها نفوذاً أقوى للضغط على هانوي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وعلى الرغم من هذه التوترات، شهدت فيتنام نمواً اقتصادياً كبيراً في العقود الأخيرة. وفي عام 2020، تفوقت فيتنام على سنغافورة وماليزيا في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لتصبح رابع أكبر اقتصاد في المجموعة بعد إندونيسيا وتايلاند والفلبين. إن النمو الاقتصادي يشكل أهمية بالغة بالنسبة إلى هانوي، وفي ظل سياستها الخارجية، يشكل التكامل الاقتصادي الدولي الاستباقي والنشط، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة، والتصنيع الوطني والتحديث، من بين الركائز الأساسية لخطة فيتنام الاستراتيجية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومن جانبها، تستطيع الصين استخدام هذا العامل للضغط على فيتنام. وفي عام 2021، قدرت التجارة البينية بين البلدين بنحو 186 مليار دولار أمريكي. وتعد الصين ثاني أكبر سوق لصادرات فيتنام، في حين أن هانوي هي سادس أكبر سوق لصادرات بكين. وتظهر البيانات الصادرة عن وكالة الاستثمار الأجنبي التابعة لوزارة التخطيط والاستثمار الفيتنامية أنه في الفترة بين يناير ويوليو 2023، ضخ المستثمرون الصينيون أكثر من 2.33 مليار دولار أمريكي في فيتنام، متجاوزين اليابان لتصبح ثالث أكبر مستثمر في فيتنام. وعلاوة على ذلك، فإن الصين لديها أكبر عدد من المشاريع الجديدة قيد النظر في فيتنام، بواقع 325 مشروعاً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>بلغت استثمارات الصين في فيتنام 2.46 مليار دولار أمريكي في عام 2020، و2.92 مليار دولار أمريكي في عام 2021، و2.5 مليار دولار أمريكي في عام 2022. وقد يؤدي تقارب هانوي مع واشنطن إلى الإخلال بهذه الاستثمارات وقد يشكل خطراً كبيراً على الفيتناميين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>علاوة على ذلك، فإن بحر الصين الجنوبي مهم للاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي والاستثمار في فيتنام. ويمر نحو ثلث الشحن البحري في العالم عبر بحر الصين الجنوبي كل عام. وتشير تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى أن ما قيمته 3.37 تريليون دولار أمريكي من البضائع – وهو ما يمثل 21% من إجمالي التجارة العالمية – مرت عبر بحر الصين الجنوبي في عام 2016. ووفقاً لإيوان جراهام، الزميل &nbsp;في برنامج حوار شانجريلا لأمن آسيا والمحيط الهادئ لدى جامعة هارفارد مع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: "تحتل فيتنام أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر من الخط الساحلي على بحر الصين الجنوبي، وتحتل أكبر عدد من المعالم في جزر سبراتلي".</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ويمكن أن يؤدي عدم الاستقرار في المنطقة ومنطقة جنوب شرق آسيا إلى تقليل الثقة العامة للأسواق الدولية بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى فيتنام، ومن الممكن أن تقوم الصين بالمزيد من عسكرة منطقة بحر الصين الجنوبي بحجة الوجود الأمريكي في المنطقة وعلاقتها الوثيقة المزعومة مع فيتنام، وهو ما يزيد في حد ذاته من احتمالات المواجهة العسكرية. وفي هذا الصدد، قامت الصين بعسكرة ثلاث جزر على الأقل في بحر الصين الجنوبي بالكامل ولديها ما يقرب من 20 موقعاً استيطانياً هناك. فضلاً عن ذلك، فإنه باعتبار فيتنام عضواً فعالاً في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، فإن بكين قادرة على تأجيل المفاوضات بشأن محادثات مدونة قواعد السلوك مع رابطة آسيان من خلال الزعم بأن الوجود الأمريكي في المنطقة يشكل تهديداً لأمن الصين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وعلى الرغم من أن الصين لها اليد العليا على فيتنام عسكرياً واقتصادياً في المنطقة، فإن هانوي يمكنها اتخاذ إجراءات مضادة ضد الصين من خلال تبني سياسات معينة. وستكون الخطوة الأكثر فائدة لفيتنام هي تدويل قضية بحر الصين الجنوبي، كما حدث في عام 2016، عندما رفعت الفلبين شكواها ضد الصين إلى محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي للمرة الأولى؛ ما أدى إلى قرار لصالح مانيلا. في الوقت الحالي، وفقاً لجريجوري بي. بولينج مدير مبادرة الشفافية البحرية الآسيوية، فإن "الضغوط الدولية والتهديد بالإدانة" تعمل على الحد من تصرفات بكين في منطقة بحر الصين الجنوبي؛ حيث "تريد الصين أن يُنظر إليها كزعيم عالمي، لا بصفتها دولة إقليمية خارجة عن القانون". وفي مؤتمر عقد في هانوي في ديسمبر 2019، صرح نائب وزير الخارجية الفيتنامي لو هواي ترونج بأن فيتنام لديها إمكانية استخدام الخيارات القانونية ضد الصين. "نحن نعلم أن هذه الإجراءات تشمل تقصي الحقائق والوساطة والتوفيق والتفاوض والتحكيم وإجراءات التقاضي".</p>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">التقارب الأمريكي</span></strong></p>



<p>من الممكن لفيتنام استخدام التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة، وشراء الأسلحة، والتدريبات، والتدريب العسكري والاستخباراتي من واشنطن باعتبار ذلك رادعاً آخر للصين؛ ففي 25 يونيو 2023، بدأت حاملة الطائرات يو إس إس رونالد ريجان وطرادات الصواريخ الموجهة زيارة ميناء فيتنام لمدة ستة أيام؛ "ما يمثل علامة فارقة أخرى في تقدم العلاقات بين العدوين السابقين في زمن الحرب". وكانت حاملة الطائرات هي السفينة الأمريكية الثالثة التي تزور فيتنام منذ عامي 2018 و2020.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وتتعاون فيتنام أيضاً مع الولايات المتحدة في شراء الأسلحة. وقد نشرت رويترز حصرياً الأخبار التي تفيد بأن إدارة "بايدن" تتفاوض مع فيتنام بشأن "اتفاق لأكبر عملية نقل أسلحة في التاريخ بين خصمي الحرب الباردة السابقين". وقد تشمل الحزمة العسكرية بيع أسطول من الطائرات المقاتلة من طراز إف-16 إلى هانوي. وتنفق فيتنام ما يقدر بنحو ملياري دولار سنوياً على واردات الأسلحة؛ حيث تزودها روسيا بنحو 80% من ترسانة البلاد. وتريد الولايات المتحدة تعزيز مبيعاتها السابقة من الأسلحة إلى فيتنام البالغة 400 مليون دولار من خلال برامج حوافز للتنافس مع روسيا والصين، ومن ثم استخدام مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى فيتنام كسياسة لإقناع الصين بالتفاوض مع هانوي لمنع المزيد من مثل هذه المشتريات.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ومع ذلك، فإن فيتنام حذرة بشأن العمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة. ويخشى مسؤولو الحزب الشيوعي في فيتنام من أن يؤدي المزيد من العلاقات إلى تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية والمزيد من عدم الاستقرار. فعلى سبيل المثال، أدان المسؤولون الأمريكيون فيتنام في أكثر من مناسبة بسبب قمع المعارضة وسجن الصحفيين. وفي يونيو، ألقت الحكومة الفيتنامية القبض على مهاجمي مكتبين حكوميين في مقاطعة داك لاك خلال 12 يوماً من الهجمات. وأرجعت وزارة الأمن العام الاضطرابات إلى الاستفزاز الأمريكي؛ ما يدل على اعتقاد الحزب الشيوعي بأن الولايات المتحدة والغرب يتآمران للإطاحة بالنظام الاشتراكي في فيتنام.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>خلاصة القول</strong><strong> أ</strong><strong>نه مع انخراط القوتين الرئيسيتين في منطقة بحر الصين الجنوبي، تبحث </strong><strong>كل من </strong><strong>الولايات المتحدة والصين عن فرص لردع وعزل ال</strong><strong>أخرى</strong><strong>. وترى الولايات المتحدة فرصة في فيتنام، ولكن هانوي، نظراً </strong><strong>إلى </strong><strong>قربها من الصين والتفاعلات الحتمية مع بكين، قررت السير على حبل مشدود، ومحاولة التوازن</strong><strong>؛</strong><strong> من أجل الاستفادة من السخاء الاقتصادي والسياسي من الجانبين.</strong><strong></strong></p>

      

كيف تُوائم فيتنام علاقاتها مع الصين والولايات المتحدة؟