د. يوسف داوود

عبَّر جيرمي فارار كبير علماء منظمة الصحة العالمية عن الانتشار الأخير لإنفلونزا الطيور بين الأبقار في الولايات المتحدة بوصفه "مصدر قلق هائل". وفي حين تم الإعلان في الولايات المتحدة عن إصابة شخص بسلالة H5N1 من إنفلونزا الطيور، فإن انتشار المرض على نطاق أوسع يمكن أن يكون كارثياً؛ نظراً إلى أنه في حالات تفشي المرض في السابق، كان يتوفى شخص من كل مُصابَين، بما قد ينذر بجائحة أكثر فتكاً من كورونا؛ فمنذ اكتشاف المرض لأول مرة منذ ما يقرب من ثلاثة عقود في الصين، أصيب نحو 860 شخصاً بالعدوى بسبب الطيور في 23 دولة، بما في ذلك الصين ومصر وفيتنام وتركيا، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ومن بين هؤلاء، توفي 463 شخصاً بسبب الفيروس؛ ما يمثل معدل وفيات ضخماً يصل إلى 52% تقريباً.ملامح رئيسيةيمكن رصد أهم خصائص وملامح الموجة الجديدة من إنفلونزا الطيور المنتشرة في الولايات المتحدة، بالصورة التي تسمح باستشراف سيناريوهات تحوُّلها إلى جائحة عالمية؛ وذلك على النحو التالي:1– مخاوف من اتساع الانتشار الجغرافي للفيروس في الولايات المتحدة: حالياً، انتشر فيروس إنفلونزا الطيور (الذي كان تقليدياً ينتقل بين الطيور فقط) إلى الأبقار، كما تم الإبلاغ عن إصابة شخص في أول حالات إصابة بإنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة خلال عام 2024. ومنذ أواخر مارس 2024، تم الإبلاغ عن فيروس H5N1 في نحو 200 رأس ماشية في 36 قطيعاً من الأبقار الحلوب في ولايات كولورادو وجنوب داكوتا وكانساس وميشيجان ونورث كارولينا وأيداهو وتكساس وأوهايو ونيو مكسيكو.2– سرعة انتشار الفيروس بين الطيور والماشية: في معظم أنحاء العالم، ونتيجةً لسرعة انتشاره الجنونية لدى الدواجن، يقوم المزارعون بإعدام الحيوانات التي تعرضت لتفشي فيروس قاتل مثل إنفلونزا الطيور؛ ففي أوائل أبريل 2024، على سبيل المثال، قامت مزرعة دواجن في تكساس بإتلاف 1.5 مليون دجاجة للحد من انتشار الفيروس. على النقيض، لم ترد حتى الآن أي تقارير عن إعدام الماشية؛ وذلك لأن إنفلونزا الطيور لا تعتبر حتى الآن مميتة في الأبقار كما هي في الدجاج والديوك الرومية.3– احتمالات انتشار الفيروس خارج الحدود الأمريكية: في أبريل 2024، أصيب عامل مزرعة في تكساس بالفيروس فيما يُعتقد أنه أول انتقال للفيروس على الإطلاق من حيوان ثديي – أي الأبقار في هذه الحالة – إلى الإنسان. وبصورة عامة، لم يكن يعاني إلا من التهاب الملتحمة الخفيف – وهو عدوى في العين – وقد تعافى تماماً بعد أسبوع. وعلى الرغم من عدم وجود حالات مؤكدة لإنفلونزا الطيور في الأبقار خارج حدود الولايات المتحدة حتى الآن، فإن منظمة الصحة العالمية حذرت من وجود خطر انتشار المرض على المستوى الدولي من خلال حركة الطيور المهاجرة.4– استمرار محاولات استكشاف طرق انتقال العدوى إلى البشر: يراقب مسؤولو الصحة العامة في الولايات المتحدة قطعان الأبقار؛ لاستشراف احتمالات نطاق وسرعة الانتشار. وبصورة مبدئية، يفترض المسؤولون أن ألبان الأبقار ومنتجاتها قد تكون وسائل انتقال العدوى الأكثر ترجيحاً من الناحية الطبية. أما على صعيد مستوى خطورة العدوى لدى البشر، فمنذ أبريل 2024، اختبرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية نحو297 منتجاً من منتجات الألبان، بما في ذلك الحليب والجبن والقشدة الحامضة؛ حيث تم العثور على آثار الفيروس في 20% من 96 عينة أولية، لكن الاختبارات الإضافية أكدت أن البسترة – وهي عملية تسخين يستخدمها المزارعون لفحص مسببات الأمراض والبكتيريا الضارة من المنتجات الزراعية – تقتل الفيروس، وتزيل الخطر على المستهلكين.في السياق ذاته، ينصح الخبراء وسلطات الصحة العامة، بما في ذلك مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، الأفراد بألا يستهلكوا إلا منتجات الألبان المبسترة؛ ليس بسبب إنفلونزا الطيور فقط، بل أيضاً لتجنب الالتهابات البكتيرية، مثل السالمونيلا والبروسيلا، كما أظهرت عينات لحوم البقر التي اختبرتها وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) حتى الآن نتائج سلبية لإنفلونزا الطيور، لكن النصيحة الرسمية من إدارة الغذاء والدواء تظل ضد استهلاك لحوم البقر النيئة.تهديد قائموفقاً، للملامح الرئيسية التي تم عرضها، يمكن رصد المحددات التالية لاحتمالات تحول هذه الموجة إلى وباء عالمي جديد:1– طبيعة رد فعل الحكومة الأمريكية: تتوقف احتمالات انتشار هذا الفيروس عالمياً على رد فعل الحكومة الأمريكية باعتبارها حائط الصد الأول. وقد صرح بعض الخبراء وسلطات الصحة العامة في الولايات المتحدة، بأنهم يدرسون إنفلونزا الطيور منذ عقود، وأن جائحة كوفيد–19 أدت إلى تحولات إيجابية فيما يتعلق بالاستعداد لتفشي المرض. في أواخر أبريل 2024، بدأت وزارة الزراعة الأمريكية في إلزام أصحاب جميع أبقار الحليب التي تنتقل بين الولايات بإجراء اختبار إنفلونزا الطيور قبل عملية النقل. ومع ذلك، لا يزال الاختبار في المزارع داخل حدود الولاية يتم على أساس طوعي فقط، وهو ما قد لا يكون كافياً للحد من انتشار المرض بالقدر الذي تطمح إليه السلطات الأمريكية.2– طريقة استجابة الدول الأخرى لتهديد الفيروس: في أواخر أبريل 2024، أصبحت كولومبيا الدولة الأولى التي تحد من التجارة مع الولايات المتحدة بسبب إنفلونزا الطيور التي أصابت الأبقار، وقيَّدت واردات لحوم البقر ومنتجاتها من الولايات التي ثبتت إصابة الأبقار فيها بالفيروس، كما صرحت وزارة الزراعة في المكسيك – وهي سوق رئيسية للحوم البقر ومنتجات الألبان الأمريكية – بأنها كثفت إجراءات مراقبة الماشية التي تدخل البلاد بحثاً عن أي علامة على وجود الفيروس. وفي مايو 2024، شددت وكالة تفتيش الأغذية الكندية أيضاً ضوابط الاستيراد المتعلقة بالماشية الأمريكية؛ حيث فرضت على المصدرين تقديم نتائج سلبية لاختبار إنفلونزا الطيور للماشية المُرضِعة، بالإضافة إلى اختبار إلزامي للحليب بالتجزئة للتحقُّق من وجود آثار للفيروس. ومن ثم قد يؤدي توسع هذه الإجراءات عالمياً إلى تقييد فرص انتشار الفيروس خارج حدود الولايات المتحدة.3– حدود قدرة الأسواق على توفير مواد الوقاية: بسبب الخبرة المكتسبة من جائحة كورونا، أصبح الوصول إلى معدات الحماية الشخصية، مثل الأقنعة والنظارات الواقية، من خلال الأسواق التجارية أسهل بكثير اليوم مما كان عليه قبل ظهور فيروس كورونا. ولكن حتى لو كانت سلاسل التوريد هذه أكثر تشعباً في الوقت الحالي، فإن المخزون الوطني الاستراتيجي في الولايات المتحدة سيكون لديه الكثير ليوفره للمُزارِع وأنظمة الرعاية الصحية والكيانات المتضررة الأخرى، خاصةً في المناطق الريفية البعيدة عن مراكز الحضر.4– مدى الجاهزية لإنتاج اللقاحات المضادة المطلوبة: يُعَد من التدابير الوقائية الرئيسية الأخرى للحيلولة دون تحول الموجة الحالية إلى جائحة واسعة النطاق هو مدى القدرة على إنتاج اللقاحات الكافية لأي متحور من H5N1. وأوضح المركز الوطني الأمريكي للقاحات أن الحكومة الفيدرالية تتعاقد مع ثلاث شركات مصنعة يمكنها صنع لقاحات إنفلونزا الطيور بسرعة وبالأعداد المطلوبة، ويستخدم كل منها المنصات الثلاث المعتمدة من إدارة الغذاء والدواء لتطوير اللقاحات القائمة على البيض (egg-based flu vaccine)، واللقاحات القائمة على الخلايا، واللقاحات الهجينة. وهذا يعني أنه إذا لم تعمل منصة واحدة، أو إذا واجهت إحدى الشركات مشكلات في الإنتاج، فهناك خيارات أخرى.الخلاصة: إذا كان انتقال الموجة الجديدة من فيروس إنفلونزا الطيور إلى الثدييات – وبالتحديد الأبقار – قد أثار المخاوف بشأن احتمالية انتشاره وتحوله إلى جائحة عالمية تصيب المواشي والدواجن وقد تنتقل إلى البشر، فإن خصائص هذه الموجة ومدى استجابة المحيط الخارجي لها تشيران إلى تضاؤل احتمالية تحوُّلها إلى جائحة عالمية وفقاً للمعطيات الراهنة. ومع عدم وجود دليل على إمكانية انتقال العدوى من إنسان إلى آخر، قدَّرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن الخطر على البشر منخفض؛ لذلك لا يُتوقَّع أن يصل العالم قريباً إلى النقطة التي يصبح فيها من الضروري تكثيف إنتاج اللقاح. ولكن إذا تم ذلك، فمن المُرجَّح أن تكون الدول والحكومات في وضعية أفضل للاستجابة مقارنةً ببداية جائحة كوفيد–19.

هل يمكن أن تتحول الموجة الجديدة لإنفلونزا الطيور إلى وباء عالمي؟