إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية


        
<p><strong>عقب محاولة إحدى الشركات الصينية البارزة بناء مصنع جديد لها بالقرب من القاعدة الجوية الأمريكية في جراند فوركس بولاية شمال داكوتا، اقترحت الإدارة الأمريكية – بموجب قانون وزارة الخزانة – تعديلاً جديداً يستلزم موافقة حكومة الولايات المتحدة قبل قيام الشركات أو الأفراد الأجانب بشراء أراضٍ قريبة من القواعد العسكرية الأمريكية. وعليه سيحتاج المواطنون والشركات الأجنبية إلى موافقة الحكومة الأمريكية على عمليات شراء العقارات في نطاق 100 ميل من ثماني قواعد عسكرية؛ يأتي في مقدمتها Grand Forks وEllsworth، وثلاث قواعد مرتبطة بقاذفة الشبح المعروفة باسم (B–21 Raider) التي تبرز أهميتها لقدرتها على حمل أسلحة نووية، بجانب القيام بمهام مأهولة وغير مأهولة. وفي ضوء تلك الأهمية، بذل البنتاجون جهوداً كبيرةً لحمايتها من محاولات التجسس المتقدمة، لا سيما المحاولات الصينية.</strong></p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">الأسباب المباشرة</span></strong></p>



<p>تعددت التساؤلات عن الأسباب الحقيقية الدافعة لتغيير موقف إدارة "بايدن" من عملية شراء العقارات بالقرب من القواعد العسكرية الأمريكية، وإذا ما كانت ترجع في الأساس إلى "الذعر الأحمر" أم إلى "التهديد الأمني". ويمكن الوقوف على أبرز تلك الأسباب من خلال النقاط التالية:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– تحول الاستثمارات الصينية إلى تهديد أمني:</strong> خططت مجموعة "فوفينج" Fufeng (المتخصصة بصناعة المنتجات اللازمة لتغذية الحيوانات، بجانب صناعة الأغذية والمشروبات، والأدوية، والنفط والغاز، وصمغ الزانثان، وغير ذلك من صناعات) لبناء مصنع لطحن الذرة الرطبة بقيمة 700 مليون دولار على بُعد 12 ميلاً (19 كيلومتراً) من قاعدة جراند فوركس الجوية التي تضم العمليات الجوية والفضائية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وقد تسبَّب ذلك في جدل واسع بين فريقين؛ يرى أولهما أن ذلك المصنع لا يعدو كونه نعمة اقتصادية للمنطقة، لا سيما مع عظم مساحته التي تبلغ 370 فداناً (150 هكتاراً) من ناحية، وعدد الوظائف التي قد يوفرها، والتي تزيد عن 200 وظيفة، بجانب الطلب المتزايد على الخدمات اللوجستية والشاحنات وغير ذلك من خدمات من ناحية ثانية، ويرى ثانيهما أن ذلك المصنع لا يعدو كونه خطراً يهدد الأمن القومي الأمريكي على نحو يحتم رفضه كليةً، وعدم إعطائه تصريح بناء. ومن بين أنصار الاتجاه الثاني يبرز "أندرو هانتر" (مساعد وزير الدفاع الجوي) الذي أشار صراحةً إلى رفض الجيش ذلك المشروع؛ لكونه خطراً أمنياً، لا سيما أن قاعدة جراند فوركس هي موطن لجناح القاعدة الجوية رقم 319 التي تُشرف على الأقمار الصناعية في شبكة اتصالات الجيش الأمريكي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– تعالي الأصوات المعارضة لتمليك أراضٍ للصين:</strong> اعترض عدد من المشرعين الأمريكيين على محاولة بناء المصنع السابقة الإشارة له حتى رفضه المسؤولون المحليون كليةً. وقد برز في هذا الإطار رأي سلاح الجو وأعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، وأعضاء المجتمع المحلي، بجانب مجلس مدينة "جراند فوركس" الذي صوَّت في فبراير الماضي على منع بناء المصنع، بجانب رأي كلٍّ من حاكم ولاية نورث داكوتا "دوج بورجوم" والسيناتور الأمريكي "جون هوفين"، والجمهوري "كيفين كرامر"، بعد أن تشككوا في طبيعة المخاطر الأمنية الناجمة عن ذلك المصنع، وطالبوا الحكومة الفيدرالية في شهر يوليو 2022 بمراجعة عاجلة له ولما على شاكلته من مشروعات استثمارية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وبالفعل نظرت (CFIUS) في مشروع المصنع، بيد أنها خلصت في شهر سبتمبر الماضي إلى نتيجة مفادها أنها لا تملك الاختصاص لوقفه. والجدير بالذكر أن (CFIUS) هي لجنة يتشكل أعضاؤها من وزارات العدل والطاقة والتجارة من بين وزارات أخرى، ويحق لها رفض عمليات بيع العقارات في نطاق 100 ميل من القواعد العسكرية الأمريكية بموجب قانون 2018.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– حماية القواعد والقاذفات الأمريكية: </strong>تهدف الإدارة الأمريكية إلى حمايةثماني قواعد عسكرية؛ تأتي في مقدمتها جراند فوركس وسبع قواعد أخرى، بما في ذلك ثلاث قواعد مرتبطة بالقاذفة (B–21 Raider) التي تمر بأطوار إنتاجية مختلفة في Air Force Plant 42 في Palmdale بولاية كاليفورنيا، بجانب قاعدة Ellsworth الجوية في ساوث داكوتا و Dyess Air Force في ولاية تكساس، كما تضم القائمة قاعدتي تدريب؛ هما: قاعدة لاكلاند الجوية في سان أنطونيو وقاعدة لافلين الجوية في ديل ريو بولاية تكساس. أما القواعد العسكرية الأخرى فتشمل قيادة القوات المشتركة للحرس الوطني في ولاية أيوا في دي موين، وقاعدة لوك الجوية في جليندال بولاية أريزونا.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– استدعاء خبرة المنطاد الصيني: </strong>تتخوف الإدارة الأمريكية من تكرار سيناريو منطاد التجسس الصيني بطرق وآليات أخرى محتملة من ناحية، وتضع تلك التجربة نصب أعينها عند تعاملها مع المصنع الصيني من ناحية ثانية، بيد أنه في اتجاه مضاد لذلك، نفى "إريك تشوتوراش" (كبير مسؤولي العمليات في شركة Fufeng USA التابعة لمجموعة "فوفينج") إمكانية استخدام المصنع لأغراض رقابة قاعدة القوات الجوية. والجدير بالذكر في هذا الإطار أن الصين دأبت على نفي شبهة التجسس عنها من خلال تصريحات رسمية وغير رسمية رداً على الاتهامات التي دأبت الحكومة الأمريكية بدورها على توجيهها إليها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">خيارات أمريكية</span></strong></p>



<p>يجد موقف الإدارة الأمريكية من شراء الأراضي القريبة من قواعدها العسكرية جذوره في النقاط التالية:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1– وضع ضوابط لتمليك الأجانب أراضيَ قريبة من القواعد العسكرية:</strong> بموجب اقتراح إدارة "بايدن"، سيتعين على الرعايا الأجانب أو الشركات الأجنبية الحصول على الضوء الأخضر من الحكومة الأمريكية قبل شراء أي أرض بالقرب من ثماني قواعد عسكرية أمريكية، على أن تتولى لجنة الاستثمار الأجنبي النظر في كل حالة على حدة، بل مراجعة الصفقات التجارية بين الشركات الأمريكية والمستثمرين الأجانب للنظر في الآثار المحتملة على الأمن القومي، بجانب فحص مبيعات الأراضي بالقرب من المنشآت العسكرية الثمانية. وفي هذا الإطار، يحق لها منع المبيعات أو إجبار الأطراف على تغيير بعض شروط التعاقد لحماية الأمن القومي الأمريكي.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2– التشدد في تلبية المتطلبات الأمنية الأمريكية: </strong>تهدف الولايات المتحدة إلى حماية عدد من قواعدها العسكرية تبعاً لجملة من الاعتبارات؛ يأتي في مقدمتها حساسية المهام الحالية أو المستقبلية في كل قاعدة على حدة، ومدى قرب أو بعد كل منها من المجال الجوي الأمريكي، وطبيعة العمليات العسكرية المرتقبة، ومواقعها على طرق التدريب العسكري. وتتطلب تلبية تلك الاعتبارات النظر في طبيعة الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، لا سيما بالقرب من قاعدة جراند فوركس الجوية التي تُعَد من الدعائم الرئيسية للأمن القومي؛ لدورها في عمليات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بجانب العمليات الفضائية الأمريكية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3– توسعة جهود التدقيق في الاستثمارات الأجنبية: </strong>لا تتوقف جهود الإدارة الأمريكية عند حد مراقبة الاستثمارات الصينية وتقويض تلك الاستثمارات التي قد تمس أمنها القومي، بل طال الأمر دعوات لمراجعة الاستثمارات الأجنبية في الأراضي الزراعية الأمريكية أيضاً؛ ففي وقت سابق من هذا العام، قدم السيناتور الديمقراطي "جون تيستر" (من ولاية مونتانا) والجمهوري "مايك راوندز" (من ولاية ساوث داكوتا) مقترحات تشريعية تهدف إلى منع الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية من الحصول على الأراضي الزراعية الأمريكية، وتتأسس آراؤهما على رغبة الصين في تقويض مكانة الولايات المتحدة بصفتها قوة اقتصادية عظمى رائدة في العالم؛ لذا لا يمكن السماح لها بامتلاك أي أراضٍ أمريكية بصرف النظر عن طبيعتها.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>4– تعديل عتبة ملكية </strong><strong>الأجانب للأراضي في بعض الولايات: </strong>تعالت بعض الأصوات الأمريكية التي تطالب وزارة الزراعة الأمريكية والوكالات الأخرى باتخاذ إجراءات فعالة تتصدى لبعض الصفقات التجارية التي تستهدف بعض الأصول الأمريكية الحساسة. وفي هذا الإطار، اتخذ مجلس الشيوخ في ولاية ميسوري خطوات في هذا الصدد حين أيَّد خطة لتعديل عتبة ملكية الأراضي للأجانب في الولاية من 1% إلى 0.5%، مع النص صراحةً على الحد من ملكية الدول الأجنبية للأراضي الزراعية الأمريكية في ميسوري بحلول الأول من سبتمبر 2023، بما في ذلك الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>ختاماً، </strong>هيمنت المخاوف من التجسس الصيني على أجندة الإدارة الأمريكية، وانعكست على تشكيك البنتاجون والكونجرس في الاستثمارات الصينية في الداخل الأمريكي، بعد أن باتت مصدراً للتهديد لا فرصة اقتصادية. وقد امتد هذا التشكيك إلى كل من كوريا الشمالية وروسيا في مجالات غير مسيسة بطبيعتها، كالمجال الزراعي، وهو ما يعني في مجمله أن الصراع مع تلك الدول لا يحتم مراقبة تحركاتها الخارجية وموازين قواها وتحالفاتها الإقليمية فحسب، بل النظر في تحركاتها في الداخل الأمريكي أيضاً؛ فتلك التحركات قد تأخذ صوراً متعددة قد تمس السيادة الأمريكية تبعاً لبعض التحليلات، كأن تستثمر في موارد نادرة، أو تستهدف بعض المواقع الاستراتيجية، أو تكثف استثماراتها في بعض الأصول الحيوية.<strong></strong></p>

      

لماذا يثير امتلاك الصين بعض الأراضي داخل الولايات المتحدة جدلاً واسعاً؟