د. يوسف داوود


        
<p>أعاد الحادث الإرهابي المنفذ ضد مجموعة من الأكراد المهاجرين إلى فرنسا في 23 ديسمبر الماضي للأذهان موجة العنف التي شهدتها فرنسا وبعض الدول الأوروبية خلال عامي 2016 و2017، التي تزامنت مع صعود خطر الإرهاب في أوروبا وعمليات الذئاب المنفردة، فضلاً عن تزايد أعداد اللاجئين من سوريا والعراق. هذا وقد نظمت مجموعة من أعضاء الجالية الكردية في فرنسا – إلى جانب مجموعة من النشطاء المناهضين للعنصرية – يوم 24 ديسمبر الفائت وقفة احتجاجية في باريس للتنديد بمقتل ثلاثة أشخاص في مركز ثقافي كردي إثر هجوم رجح الادعاء أنه كان بدوافع عنصرية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>وفي حقيقة الأمر، فإن هذا الحادث لم يؤد فقط إلى حالة استنفار أمني في فرنسا بالتزامن مع الاحتفال بأعياد الميلاد والعام الميلادي الجديد، بل مثَّل فرصة لإعادة تسليط الضوء على جرائم الكراهية التي يتعرض لها الشتات المهاجر في أوروبا؛ وذلك في خضم النفوذ المتنامي لقوى اليمين المتطرف، سواء في فرنسا أو في عدد من دول أوروبا خلال السنوات الأخيرة. من هنا، من الجدير بالاهتمام إلقاء الضوء على أزمات الشتات المهاجر في أوروبا والانتقادات التي يتعرض لها بشكل عام، ثم تفصيل أهم المحددات والمتغيرات التي قد تؤثر مستقبلاً على طريقة تعاطي الدول الأوروبية مع هذه المسألة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">تحديات مركزية</span></strong></p>



<p>يمكن حصر الأزمات والتحديات التي تواجه الشتات المهاجر في أوروبا في ثلاث أزمات رئيسية تتفاوت درجة بزوغها وفقاً للمعطيات الظرفية؛ وذلك على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- اتهامات بتحفيز الهجرة غير الشرعية من بلدانهم الأصلية:</strong> في الوقت الذي لا تكاد تخلو فيه دول أوروبية من المهاجرين غير الشرعيين، فإن أكبر أعداد هذه الفئة من المهاجرين تتركز بالأساس في ألمانيا والمملكة المتحدة (بلغت نحو نصف العدد الموجود في أوروبا في عام 2020)، ثم في إيطاليا وفرنسا بدرجة أقل، لتكون هذه البلدان الأربعة معاً موطناً لأكثر من ثلثي (70%) المهاجرين غير الشرعيين في أوروبا؛ لذلك تعتبر هذه البلاد بالتحديد هي أكثر الدول التي تشهد انتقادات موسعة من الحكومات أو الأحزاب المعارضة تجاه الأدوار التي تقوم بها تكتلات الشتات المهاجر لاجتذاب تيارات الهجرة غير الشرعية إليها. وتجدر الإشارة إلى أن المهاجرين من عرقيات الأكراد والإيجور والهزارة، بالإضافة إلى كتلة المهاجرين الكبيرة من العرب والأفارقة، يتركز معظمهم في هذه الدول الأربع بالتحديد، ويعانون بشكل مستمر من الضغوط المرتبطة بدورهم في تسهيل الهجرة غير الشرعية لجلب ذويهم من بلدانهم الأصلية.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- التعرض المستمر للإرهاب والعنف الشعبوي:</strong> من ضمن التحديات والأزمات المستمرة التي تواجه الشتات المهاجر، تعرضهم لبعض أعمال الإرهاب أو العنف من قبل التيارات الشعبوية والحركات ذات النزعات القومية، خاصة عقب تعرض الدول الأوروبية لأي حادث عنف موجه لمواطني الدولة الأصليين.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>هذا وقد شهد عام 2019 على سبيل المثال هجوماً من قبل منظمات شبابية قومية على مراكز إسلامية في فرنسا وألمانيا. هذا ولا تقتصر المخاطر الأمنية التي يتعرض لها الشتات المهاجر على أعمال العنف التي يقوم بها منتمون للحركات الشعبوية، بل تشمل أيضاً خطر استهداف بعض المقيمين في الدول الأوروبية للأقليات المهمشة في بلدانهم الأصلية، مثلما هو الحال بالنسبة إلى بعض المواطنين الأتراك المهاجرين في الدول الأوروبية الذين يتورطون في أحداث عنف إرهابي ضد الشتات الكردي في هذه الدول (شهدت كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا أحداثاً مشابهة)، وكذلك بعض المواطنين الأفغان السنة في الدول الأوروبية ضد المهاجرين من الهزارة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- الترويج لسردية المساهمة في خلخلة توازن التركيبة السكانية في أوروبا:</strong> في كثير من الأحيان، يُتهم الشتات المهاجر في أوروبا – خاصة القادمين إلى دول أوروبا الشرقية – بأنهم سبب رئيسي في إحداث خلل في التركيبة السكانية لدول أوروبا؛ وذلك انطلاقاً من بحثهم عن مصالحهم الأنانية في تحقيق الرفاهية ورغد العيش دون التقيد بأي اعتبارات هوياتية أو انتمائية تحول دون تنقلهم بشكل متواتر بين أكثر من دولة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>ففي الوقت الراهن، تشهد منطقة جنوب شرق أوروبا واحدة من أشد حالات هجرة السكان حول العالم، وعلى رأسها بلغاريا التي يُتوقع أن ينخفض عدد سكانها بمقدار الربع تقريباً بحلول عام 2050. وإلى جانب هجرة أعداد كبيرة من سكان الدولة الأصليين إلى أوروبا الغربية، فإن الاتهامات تطول الشتات المهاجر بشكل أكثر حدة؛ وذلك على اعتبار أن الهجرة حق مشروع لسكان الدولة الأصليين، في حين أن النازحين واللاجئين يتعين عليهم الوفاء بحق الدولة المستضيفة، والعمل في أسواقها الداخلية لفترة معقولة من الوقت. هذا وتنتشر هذه الانتقادات للشتات المهاجر في كل من ألبانيا والبوسنة والجبل الأسود، وهي دول تعاني من ظاهرة تناقص عدد السكان بصورة مطردة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong><span class="has-inline-color has-vivid-red-color">محددات حاكمة</span></strong></p>



<p>إلى جانب التحديات الحالية السالفة الذكر، فإن هناك مجموعة من العوامل الجاري تبلورها بشكل أوضح التي يمكن أن تؤثر على نمط التعامل الأوروبي مع الشتات المهاجر خلال الفترة المقبلة؛ وذلك على النحو التالي:</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>1- المراجعات الحديثة بشأن الأدوار البديلة للشتات المهاجر: </strong>بخلاف الانتقادات التلقائية التي توجه للشتات المهاجر من تيارات وأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، فإن اتجاهاً معرفياً مغايراً بدأ يكتسب أرضية أكبر في الأوساط التحليلية الأوروبية، وهو اتجاه ينطلق من قناعة مفادها أن العلاقة بين اللاجئين والشتات المهاجرين في أوروبا – خاصة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط – غير مفهومة جيداً.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>لذلك، فإنه في مقابل الفرضيات التي تركز على دور المغتربين أو جاليات الشتات في أوروبا في جذب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فإن هذا الاتجاه المتنامي يتعامل مع أعضاء الشتات كمصادر رئيسية لتوفير المعلومات وأنواع الدعم الأخرى للاجئين والمهاجرين من بلدانهم الرئيسية؛ ما يسهم بشكل أكثر فاعليةً في عملية إدماجهم وتوجيههم للقطاعات الاقتصادية الأكثر احتياجاً. هذا وقد بدأت هذه الدراسات تتنامى استناداً إلى نتائج الدراسات الإمبريقية الأخيرة التي أثبتت أن مجتمعات الشتات لا يرتبطون مع المهاجرين باتصالات مكثفة كما كان يتصور، فضلاً عن أن 80% من مهاجري الشتات في أوروبا قد أبدوا انطباعاً سلبياً عن الهجرة غير الشرعية، وإحجاماً عن تشجيع ذويهم على خوض التجربة.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>2- تأثير الأزمة الأوكرانية على التعامل مع الشتات المهاجر: </strong>شكَّل النزوح الهائل الذي تسببت فيه الحرب في أوكرانيا تحديات كبيرة على دول خط المواجهة في الاتحاد الأوروبي والدول المستقبلة الرئيسية. وفي حين مثلت تيارات النزوح الكبيرة صدمة على جميع المستويات الحكومية، أبدى المجتمع المدني في هذه الدول – ومنها منظمات وتجمعات الشتات المهاجر –&nbsp; نوعاً من التضامن الإيجابي والمبادرة بتلبية الاحتياجات العاجلة للنازحين بنجاح.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p>فقد ساهم قيام مجتمعات الشتات الهندي والعربي في بولندا وألمانيا ورومانيا في تقديم الدعم الطارئ للنازحين الأوكرانيين، بما في ذلك أثناء عمليات الاستقبال والإقامة، وهو ما جعل حكومات هذه الدول تتنبه بصورة أكبر إلى الدور الإيجابي الذي تلعبه هذه المجموعات في مساندة الخدمات الحكومية، وهو ما يتوقع معه أن يزيد الاهتمام المستقبلي بهذه المجموعات والنظر في مطالبهم بصورة أكثر ديناميكية. مع هذا لا يزال التحدي الرئيسي أمام الاستعداد لاستقبال أعداد أكبر من الوافدين هو محدودية الموارد البشرية المتاحة، خاصة في دول الاتحاد الأوروبي الأصغر؛ وذلك نتيجة الخروج المؤقت لعدد كبير من مواطني الاتحاد من دولهم أثناء فصل الشتاء نتيجة ارتفاع تكاليف الطاقة والاضطرابات الاقتصادية الناتجة عن الحرب.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>3- مستقبل الآلية الأوروبية التضامنية لإعادة توطين المهاجرين:</strong> سبق للاتحاد الأوروبي أن أنشأ آلية تضامنية لإعادة توطين المهاجرين بين أكثر الدول المستقبلة للمهاجرين، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا وألمانيا؛ لمنع تكدسهم في بلد واحد؛ حيث عملت هذه الآلية بشكل فعال منذ 2012 حتى العام الجاري. إلا أن الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين فرنسا وإيطاليا في شهر نوفمبر الماضي بسبب رفض الأخيرة استقبال اللاجئين القادمين إليها على متن السفينة Ocean Viking قد أثارت التساؤلات حول مستقبل هذه الآلية، وأثر تآكلها على الشتات المهاجر إلى أوروبا من دول البحر المتوسط؛ إذ إن انهيار هذا النظام من شأنه فرض عراقيل معتبرة على حركة اللاجئين داخل أوروبا، ومن ثم على قدرة مجتمعات الشتات على اجتذاب مزيد من الأفراد المنتمين إليها؛ ما يضعفها عبر الزمن. وإذا كانت هذه الآلية معنية بالتيارات الجديدة الوافدة ولا تؤثر على المهاجرين الموجودين بالفعل، فإن ارتفاع معدلات الشيخوخة في الدول الأوروبية والمشكلات المزمنة التي تعاني منها التركيبة السكانية تدل على وجود احتياج مستمر للوافدين الجدد على المديين المنظور وغير المنظور.</p>



<div style="height:18px" aria-hidden="true" class="wp-block-spacer"></div>



<p><strong>الخلاصة</strong><strong>:</strong><strong> لا يمكن حصر أزمات الشتات المهاجر في أوروبا في طريقة تعامل اليمين المتطرف أو الحكومات الشعبوية معهم</strong><strong>؛</strong><strong> حيث تمتد هذه الإشكاليات أيضاً </strong><strong>إلى </strong><strong>نمط تعامل المهاجرين الآخرين معهم، فضلاً عن ضلوع بعضهم في تمويل وتسهيل عمليات الهجرة غير الشرعية لأوروبا</strong><strong>؛</strong><strong> ما يرسخ الصورة التي </strong><strong>تسعى</strong><strong> التيارات الشعبوية </strong><strong>إلى </strong><strong>تكريسها عنهم. مع ذلك، يبدو أن مجموعة من المتغيرات قد ساهمت خلال الفترة الأخيرة في تحسين صورة مجتمعات الشتات المهاجر – خاصة أزمة النازحين الأوكرانيين – وساهمت في تحريك نقاش مجتمعي وأكاديمي حول دور هذا الشتات والطرق المثلى للاستفادة من </strong><strong>وجوده</strong><strong> في أوروبا.</strong></p>

      

كيف تفاقمت مشكلات المهاجرين في أوروبا؟