نظَّم مركز "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية" حلقة نقاشية بعنوان "الصدام البحري: ماذا بعد تصاعد الخلافات بين الصين والفلبين"، استضاف خلالها د. روزالي أركالا هول أستاذة العلوم السياسية بجامعة الفلبين فيساياس – إيلويو الفلبين ورئيسة الجمعية الفلبينية للعلوم السياسية.

ملامح الصراع

ازدادت التوترات بين الصين والفلبين على مياه بحر الصين الجنوبي على عدة مستويات، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1-تعارض المطالب الإقليمية البحرية للصين والفلبين: أشارت المتحدثة الرئيسية إلى أن الصراع شهد تصعيداً خطيراً، وخاصة في بحر الصين الجنوبي؛ حيث تتنافس الفلبين والصين على مطالبات إقليمية، لافتة إلى أنه تتعارض مطالبة الصين ببحر الصين الجنوبي بالكامل، الذي يمثله "خط النقاط التسع" (الآن عشرة)، مع مطالبة الفلبين بمنطقتها الاقتصادية الخالصة، التي تسميها بحر الفلبين الغربي. وتعكس هذه التسمية – بحسب المتحدثة الرئيسية – إصرار الفلبين على حقوقها الإقليمية؛ ما يسلط الضوء على التوتر الجيوسياسي بين السيادة الوطنية والنزاعات الدولية.

2-تنامي الأهمية الاستراتيجية لبحر الصين بالنسبة إلى الفلبين: رأت المتحدثة الرئيسية أن بحر الصين الجنوبي يعد مورداً بالغ الأهمية بالنسبة إلى الفلبين، وخاصة بالنسبة مجتمعاتها الساحلية وصيد الأسماك؛ حيث يعد بحر الفلبين الغربي، الذي يشكل ثلث الأراضي البحرية للفلبين، غنياً بالتنوع البيولوجي البحري، ويحتوي على موارد كبيرة غير مستغلة، بما في ذلك أكثر من 530 نوعاً من الأسماك وموارد الطاقة المحتملة. ومع ذلك، فإن النزاعات الإقليمية المستمرة والإجراءات العدوانية للصين في المنطقة أعاقت الفلبين – على حد قول المتحدثة الرئيسية – عن استغلال هذه الموارد بالكامل؛ ما أثر على سبل العيش المحلية والمصالح الوطنية.

3- عسكرة بعض الجزر والشعاب في بحر الصين الجنوبي: أوضحت المتحدثة أن جزر سبراتلي وسكاربورو شول وغيرها من المعالم الرئيسية في بحر الصين الجنوبي، تشكل بؤراً ساخنة للصراع؛ فقد استولت الصين على عدة مناطق وعسكرتها، مثل شعاب ميستشيف ريف وسوبي ريف، وشيدت مرافق ومدرجات للطائرات، ونشرت سفن خفر السواحل والميليشيات لفرض سيطرتها. ورداً على ذلك، تحتفظ الفلبين بقاعدة بحرية في جزيرة توماس الثانية (BRP Sierra Madre) ولها سكان مدنيون في جزيرة باجاسا. وقد أدى هذا الصراع – بحسب المتحدثة الرئيسية – إلى مناوشات متكررة، وخاصة أثناء مهام إعادة الإمداد إلى هذه البؤر الاستيطانية؛ ما يوضح الصراع المستمر للسيطرة على هذه المناطق المهمة استراتيجياً.

4- تصاعد توظيف الصين تكتيكات المنطقة الرمادية: قالت المتحدثة الرئيسية إن الصين تستخدم "تكتيكات المنطقة الرمادية" لتأكيد مطالباتها من دون عبور العتبة إلى حرب مفتوحة، وأضافت أن هذه التكتيكات تشمل نشر خفر السواحل وسفن الميليشيات، والانخراط في مناورات خطيرة مثل إطلاق المياه والصدم، وعرقلة الملاحة، ومهاجمة السفن الفلبينية بأعداد كبيرة من القوارب، معتبرة أن هذه الإجراءات تخلف ضغوطاً كبيرة على الفلبين مع تجنب المواجهة العسكرية المباشرة؛ ما يؤدي إلى تعقيد الوضع وتصعيد التوترات.

5- دعم القانون الدولي مطالبات الفلبين البحرية: كشفت المتحدثة الرئيسية أن القانون الدولي يدعم مطالبات الفلبين في بحر الصين الجنوبي، وخاصة حكم التحكيم لعام 2016 الصادر عن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، منوهة أن هذا الحكم رفض المطالبات التاريخية الواسعة للصين، وأكد حقوق الفلبين داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة التي تبلغ مساحتها 200 ميل بحري. ومع ذلك، رفضت الصين الاعتراف بهذا الحكم، واستمرت في تأكيد مطالباتها والحفاظ على وجودها في المناطق المتنازع عليها. وتؤكد هذه الخلفية القانونية التحديات الدبلوماسية المستمرة في حل الصراع، حسب ما رأت المتحدثة الرئيسية.

6- تأثر الصيادين بالنزاعات الصينية الفلبينية: كشفت المتحدثة الرئيسية أن النزاعات الإقليمية والإجراءات العدوانية التي تتخذها الصين لها عواقب وخيمة على المجتمعات المحلية، وخاصة الصيادين الذين غالباً ما يُمنعون من الوصول إلى مناطق الصيد التقليدية، مضيفةً أن التأثير البيئي يشكل مصدر قلق؛ حيث تهدد أنشطة العسكرة واستصلاح الأراضي التنوع البيولوجي الغني في بحر الصين الجنوبي. وشددت على أنه لا يؤثر الصراع على سيادة الفلبين فحسب، بل يؤثر أيضاً على رفاهتها البيئية والاقتصادية، ويسلط الضوء على الآثار الأوسع للنزاع.

أدوات الفلبين

تستخدم الفلبين مجموعة من الأدوات العسكرية وأخرى قانونية ودبلوماسية في النزاع مع الصين، يمكن استعراضها كالتالي:

1-توظيف التناوب وإعادة الإمداد في بعض مناطق النزاع: قالت المتحدثة الرئيسية أن الفلبين تحافظ على وجودها العسكري في مواقع استراتيجية مثل "توماس شول 2" (Second Thomas Shoal) من خلال مهام التناوب وإعادة الإمداد المنتظمة. هذه العمليات حيوية للحفاظ على موطئ قدم الجيش الفلبيني في المناطق المتنازع عليها ويتم تنفيذها على الرغم من خطر المواجهة مع القوات الصينية. مهام إعادة الإمداد، التي تنطوي على نقل الإمدادات والأفراد إلى BRP Sierra Madre – وهي سفينة بحرية راسية تعمل كموقع متقدم – ضرورية لتأكيد سيادة الفلبين؛ وذلك بحسب المتحدثة الرئيسية التي ترى أن هذه المهام تؤكد عزم الفلبين على التمسك بموقفها ضد تكتيكات المنطقة الرمادية الصينية، التي تهدف إلى تآكل السيطرة الفلبينية تدريجياً على هذه الأراضي المتنازع عليها.

2-الدوريات الأمنية التي يقوم بها خفر السواحل الفلبيني: بحسب المتحدثة الرئيسية، يقوم خفر السواحل الفلبيني بدوريات منتظمة كل أسبوعين عبر بحر الصين الجنوبي، وخاصة في المناطق المتنازع عليها، مشيرة إلى أن هذه الدوريات تشكل عنصراً أساسياً في استراتيجية الفلبين لمراقبة وتوثيق الأنشطة الصينية، بما في ذلك الصيد غير القانوني، ووجود سفن الميليشيات الصينية، وغير ذلك من عمليات المنطقة الرمادية. البيانات التي يتم جمعها خلال هذه الدوريات – التي غالباً ما تنطوي على استخدام معدات مراقبة متقدمة وتقنيات المراقبة عن بعد – ضرورية لإنتاج تقارير مفصلة عن الوضع في بحر الفلبين الغربي. وتوفر هذه التقارير للحكومة معلومات استخباراتية قابلة للتنفيذ وتعمل كأساس للإجراءات الدبلوماسية والقانونية ضد توغلات الصين؛ وذلك حسب قول المتحدثة الرئيسية.

3- نشر الفلبين معلومات مفصلة عن المنازعات مع الصين: لفتت المتحدثة الرئيسية إلى أن الحكومة الفلبينية غيرت نهجها بشكل كبير في عهد الرئيس بونج بونج ماركوس الابن من خلال تبني مبادرة شفافية تتناقض بشكل حاد مع موقف الإدارة السابقة الأكثر تحفظاً، وأوضحت أن هذه المبادرة تتضمن الإفراج الاستباقي عن معلومات مفصلة بشأن الحوادث في بحر الفلبين الغربي، بما في ذلك الصور العالية الدقة ومقاطع الفيديو والبيانات الرسمية، وأكملت أن الهدف هو مواجهة التضليل الصيني وضمان أن يكون كل من المجتمعين المحلي والدولي على دراية كاملة بتجارب الفلبين وتحدياتها في المياه المتنازع عليها، معتبرةً أنه من خلال نشر هذه الحوادث بانتظام، تسعى الحكومة إلى بناء رواية من الشفافية والمساءلة، وتعزيز ادعاءاتها وتسليط الضوء على الإجراءات العدوانية للصين.

4-تقديم الفلبين الاحتجاجات الدبلوماسية ضد بكين: تقدم الفلبين باستمرار احتجاجات دبلوماسية رداً على كل حادثة تتضمن تصرفات صينية في المناطق المتنازع عليها؛ وذلك حسبما كشفت المتحدثة الرئيسية، التي اعتبرت هذه الاحتجاجات بمنزلة إعلانات رسمية لاعتراض الفلبين على أنشطة الصين، التي يُنظر إليها على أنها انتهاكات للقانون الدولي وحقوق الفلبين السيادية. ورأت أركالا هول أن الاحتجاجات ليست مجرد وسيلة لدعم الموقف القانوني للبلاد، بل هي أيضاً أداة استراتيجية لحشد الدعم الدولي والضغط على الصين دبلوماسياً، مؤكدة أن الحكومة الفلبينية تضمن نشر هذه الاحتجاجات على نطاق واسع، واستخدامها كفرص لتأكيد التزامها بالدفاع عن سلامة أراضيها وتحدي شرعية مطالبات الصين التوسعية.

5- دعم الوجود البحري المدني في المناطق المتنازع عليها: إدراكاً لأهمية الوجود المدني في بحر الفلبين الغربي، نفذت الحكومة الفلبينية برامج لدعم وتشجيع الصيادين المحليين وغيرهم من المدنيين على العمل في المياه المتنازع عليها؛ وذلك وفق قول المتحدثة الرئيسية التي أوضحت أن هذا الدعم يشمل توفير القوارب ومعدات الصيد وإعانات الوقود والموارد الأخرى اللازمة لإجراء أنشطة الصيد، كما تنظم الحكومة وتمول أساطيل الصيد؛ حيث يتم مرافقة مجموعات من قوارب الصيد من قبل خفر السواحل الفلبيني؛ ما يضمن سلامتهم وتعزيز وجود الفلبين في المنطقة. وأوضحت هول كاشفة أن هذه المبادرة تهدف إلى تمكين المجتمعات المحلية من المشاركة بنشاط في جهود الأمة لتأكيد مطالباتها الإقليمية، مع معالجة الاحتياجات الاقتصادية لهذه المجتمعات أيضاً.

6- تعزيز قدرات البحث والتطوير في الشؤون البحرية: في محاولة لتعزيز قدراتها العلمية والاستراتيجية في بحر الصين الجنوبي، وسَّعت الحكومة الفلبينية دعمها للبحوث البحرية؛ وذلك وفقاً للمتحدثة الرئيسية، التي قالت إنه تم تزويد مؤسسات مثل جامعة الفلبين بسفن بحثية إضافية؛ ما أدى إلى زيادة أسطولها من سفينتين إلى ثماني سفن، كاشفة أن هذه السفن جزء من أسطول البحوث البحرية، الذي يجري أبحاثاً بحرية مكثفة ومراقبة بيئية في المناطق المتنازع عليها. واعتبرت المتحدثة الرئيسية أن هذا البحث الذي تجريه هذه السفن لا يساهم في فهم الفلبين للتنوع البيولوجي البحري في المنطقة فحسب، بل يعمل أيضاً باعتباره شكلاً من أشكال القوة الناعمة؛ ما يدل على التزام البلاد بالإدارة المستدامة لمواردها البحرية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وجود سفن الأبحاث في المياه المتنازع عليها يعمل كتأكيد غير عسكري لمطالبات الفلبين.

7-تدعيم المكانة القانونية في بحر الصين الجنوبي: تعمل الفلبين – بحسب المتحدثة الرئيسية – بنشاط على تعزيز مكانتها القانونية في بحر الصين الجنوبي من خلال تطوير إطار قانوني قوي. ويشمل ذلك تمرير التشريعات الرئيسية، مثل القوانين التي تحدد الخطوط الأساسية الإقليمية للبلاد وإنشاء المناطق البحرية. وتهدف هذه التدابير القانونية إلى تدوين المطالبات الإقليمية للفلبين رسمياً، ومواءمتها مع حكم التحكيم لعام 2016 الذي رفض المطالبات التاريخية للصين بشأن بحر الصين الجنوبي. ومن خلال تحديد حدود قانونية واضحة وتأكيد الولاية القضائية على منطقتها الاقتصادية الخالصة، تعزز الفلبين قدرتها على فرض حقوقها بموجب القانون الدولي وتحدي تصرفات الصين في المحافل الدولية.

8- تعزيز التنسيق بين الوكالات المحلية الفلبينية: حسنت الحكومة الفلبينية تنسيقها بين الوكالات من خلال إنشاء هيئات مثل فريق العمل الوطني المعني ببحر الفلبين الغربي والمجلس البحري الوطني؛ وذلك حسب المتحدثة الرئيسية التي قالت إن هذه الكيانات تجمع بين مختلف الوكالات الحكومية المعنية بالشؤون البحرية، بما في ذلك خفر السواحل، والبحرية، ومكتب مصايد الأسماك والموارد المائية، والحكومات المحلية. والهدف هو إنشاء استراتيجية موحدة ومتماسكة لإدارة المصالح البحرية للبلاد، بما في ذلك تنسيق الدوريات، ومهام إعادة الإمداد، والاستجابات للحوادث في بحر الصين الجنوبي. ومن خلال التحدث بصوت واحد، تعمل هذه الوكالات على تعزيز فاعلية إجراءات الفلبين وتقديم جبهة منسقة في الساحتين المحلية والدولية.

9- إجراء الفلبين مفاوضات دبلوماسية مع الصين: على الرغم من التوترات المستمرة، سعت الفلبين – بحسب المتحدثة الرئيسية – إلى إجراء مفاوضات دبلوماسية مع الصين؛ ما أدى إلى اتفاقيات تهدف إلى إدارة الصراع في مناطق محددة مثل جزيرة توماس شول الثانية. وتم تصميم هذه الاتفاقيات، التي تشمل إنشاء خط ساخن للطوارئ، ونموذج إدارة لمهام إعادة الإمداد، للحد من خطر التصعيد وتسهيل التفاعلات السلمية بين البلدين في المناطق المتنازع عليها. ورغم أن نطاق هذه الاتفاقيات محدود، ولا تنطبق إلا على نقاط اشتعال معينة، فإنها تمثل نهجاً عملياً لإدارة الصراعات؛ ما يسمح لكلا الطرفين بالحفاظ على الحوار وتجنب المواجهة المفتوحة. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى اتفاقات أوسع نطاقاً تغطي مجالات خلافية أخرى يؤكد التحديات المستمرة في حل النزاع بشكل كامل.

تداعيات محتملة

حددت المتحدثة الرئيسية بعض التداعيات المحتملة للنزاع بين الصين والفلبين؛ وذلك كالتالي:

1-دعم أمريكي للفلبين في إطار معاهدة الدفاع المتبادل: ذهبت المتحدثة الرئيسية إلى أن التصعيد المستمر للتوترات بين الفلبين والصين في بحر الصين الجنوبي له آثار كبيرة على أمن الفلبين، وخاصة فيما يتعلق بمعاهدة الدفاع المتبادل مع الولايات المتحدة. إن احتمال اندلاع صراع كامل قد يؤدي إلى تفعيل معاهدة الدفاع المتبادل؛ ما يضطر الولايات المتحدة إلى الدفاع عن الفلبين. ومع ذلك، هناك جدال كبير داخل الفلبين حول إذا ما كانت الولايات المتحدة ستتدخل فعلياً إذا تصاعد الموقف إلى حد الصراع المسلح. ويضيف هذا الغموض طبقة من القلق بين الفلبينيين ويؤثر على القرارات الاستراتيجية للحكومة الفلبينية؛ حيث يجب عليها أن تزن مخاطر استفزاز الصين مقابل فوائد الدعم العسكري الأمريكي.

2- تراجع تحقيق الاستقرار الإقليمي من خلال الآسيان: رأت المتحدثة الرئيسية أن الصراع يشكل تحدياً للاستقرار الإقليمي، وخاصة من خلال عدسة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان). وعلى الرغم من أكثر من عشرين عاماً من المفاوضات، فإن الجهود الرامية إلى وضع مدونة سلوك لبحر الصين الجنوبي تحت قيادة رابطة دول جنوب شرق آسيا قد تعثرت؛ ما أدى إلى التشكك في قدرة رابطة دول جنوب شرق آسيا على حل النزاع. وقد أدى الجمود المطول إلى تحويل مدونة السلوك إلى "أسطورة"، مع القليل من الأمل في التوصل إلى حل متعدد الأطراف في أي وقت قريب. ويؤدي هذا الفشل إلى جعل المنطقة عرضة لزيادة الثنائية؛ حيث قد تلجأ البلدان إلى المفاوضات الفردية مع الصين؛ ما قد يقوض المصالح الإقليمية الجماعية ويؤدي إلى المزيد من التفتت في نهج رابطة دول جنوب شرق آسيا تجاه بحر الصين الجنوبي.

3- صعوبة التوصل إلى تفاهمات متعددة الأطراف: لفتت المتحدثة الرئيسية إلى أنه مع تعثر النهج المتعدد الأطراف، تتجه البلدان المشاركة في نزاع بحر الصين الجنوبي بشكل متزايد إلى المفاوضات الثنائية. ومع ذلك، غالباً ما تتعثر هذه المحادثات الثنائية بسبب مأزق السيادة؛ حيث تظل كل من الصين والفلبين (بجانب المطالبين الآخرين) ملتزمتين بقوة بمطالباتهما الإقليمية. هذا الموقف الصارم بشأن السيادة يجعل من الصعب التوصل إلى أي اتفاقيات ذات مغزى يمكن أن تخفف من حدة التوترات، أو تدير النزاع بشكل أكثر فاعلية. يشير استمرار هذا المأزق إلى أن الصراع سيستمر في الغليان، مع وجود مجال ضئيل للتسوية، ومن المرجح أن يظل مصدراً لعدم الاستقرار في المنطقة.

4-تعزيز التحالفات الإقليمية المرتبطة بالشؤون الدفاعية: لقد أثر النزاع – بحسب المتحدثة الرئيسية – على علاقات الفلبين مع حلفاء رئيسيين آخرين أيضاً، وخاصة الولايات المتحدة. وفي عهد الرئيس بونج بونج ماركوس الابن، كان هناك إحياء للتحالف بين الولايات المتحدة والفلبين، الذي تميز بزيادة التعاون العسكري، وفتح مواقع عسكرية جديدة، وتوسيع التدريبات البحرية. ولكن هذا التقارب الوثيق مع الولايات المتحدة أثار مخاوف في الصين، بل لا تزال لديه القدرة على تصعيد التوترات بشكل أكبر. بالإضافة إلى ذلك، وقعت الفلبين اتفاقيات دفاع جديدة مع اليابان وعززت علاقاتها الأمنية مع أستراليا؛ ما يشير إلى تحول أوسع نحو تعزيز التحالفات الإقليمية. وفي حين تهدف هذه التحركات إلى تعزيز موقف الدفاع في الفلبين، فإنها تعقد أيضاً المشهد الأمني الإقليمي وقد تثير ردود فعل أقوى من الصين.

5-أمننة الأنشطة المدنية البحرية في مناطق النزاع: كشفت المتحدثة الرئيسية أن الصراع شمل المدنيين بشكل متزايد، وخاصة الصيادين والباحثين الفلبينيين، الذين تشجعهم الحكومة على العمل في المناطق المتنازع عليها. ويضيف هذا الطمس للخطوط الفاصلة بين الأدوار المدنية والعسكرية طبقة أخرى من التعقيد إلى الصراع؛ حيث تختبر المبادرات المدنية – مثل الأساطيل التي تبحر إلى المناطق المتنازع عليها مثل سكاربورو شول – عزم الصين دون إشراك الجيش الفلبيني بشكل مباشر. وفي حين يمكن لهذه الإجراءات المدنية أن تتجنب التصعيد نحو صراع عسكري كامل، فإنها تثير أيضاً تساؤلات حول مدى قدرة المدنيين على تأكيد المطالبات الوطنية، وإذا ما كانت مثل هذه الإجراءات قد تثير رد فعل قاسياً من الصين.

وقد أدى النزاع المستمر إلى أمننة جميع الأنشطة المتعلقة ببحر الفلبين الغربي تقريباً، بما في ذلك تلك التي يُنظر إليها تقليدياً على أنها مدنية أو اقتصادية، مثل صيد الأسماك والبحث؛ وذلك بحسب المشاركين، الذين نوهوا بأن الحكومة الفلبينية تنظر إلى هذه الأنشطة من خلال عدسة أمنية، وتربطها بمطالبات أوسع بالسيادة والدفاع الوطني. هذه الأمننة تجعل من الصعب الانخراط في مبادرات غير مواجهة مثل الحفاظ على البيئة أو إدارة الموارد المشتركة؛ حيث يتم تأطير جميع الإجراءات في سياق الأمن الوطني. ويحد هذا النهج من إمكانات التعاون ويؤدي إلى تفاقم الصراع؛ حيث يُنظر إلى كل عمل من قِبل أيٍّ من الجانبين على أنه تحدٍّ للسيادة.

وختاماً، وبحسب المتحدثة الرئيسية، فإنه من خلال تقليل الاعتماد على الاستثمارات الخارجية، قد تصبح الدول الأعضاء أكثر ميلاً إلى إعطاء الأولوية للمصالح الإقليمية والتعاون في القضايا الحساسة مثل بحر الصين الجنوبي؛ ما يؤدي إلى موقف أكثر توحداً وفاعليةً في رابطة دول جنوب شرق آسيا.

ماذا بعد تصاعد الخلافات بين الصين والفلبين؟ (حلقة نقاشية)