يشهد قطاع تصنيع الطائرات بدون طيار اهتماماً متزايداً في دول العالم المختلفة. وفي ظل الاحتياجات غير الضخمة اللازمة لدخول هذا القطاع، فإنه تبرز فيه عدد من الدول التي لا تُصنف ضمن الدول الكبرى في مجال الصناعات الدفاعية؛ فقد وجدت عدد من الدول المتوسطة، وربما الصغيرة أيضاً، في الطائرات المسيرة سلاحاً مناسباً لإمكانياتها، وقدرة على تحقيق مكانة صناعية وتصديرية متقدمة في مجال الصناعات الدفاعية من خلالها. وعلى سبيل المثال، تعمل تركيا وإيران على الاستفادة بشكل كبير من قدراتهما في هذا القطاع، وتعملان على التوسع في تصدير الطائرات المسيرة وتحقيق عدد من الأهداف السياسية والعسكرية بجانب العوائد الاقتصادية، كما يمكن ملاحظة اتجاه بعض الدول إلى اتخاذ خطوات أولى في هذا المجال لبدء عمليات تطوير وصناعة طائرات بدون طيار محلية الصنع.

تجارب صاعدة

يمكن استعراض أبرز تجارب صناعة الطائرات بدون طيار، من غير الدول الصناعية العسكرية الكبرى؛ وذلك على النحو التالي:

1- إنتاج تركيا مسيرات من الجيل الخامس أواخر عام 2023: تعتبر تركيا من الدول الصاعدة بقوة في مجال إنتاج وتصدير الطائرات العسكرية المسيرة، وأضحت رقماً مهماً في هذا المجال، عبر انخراط مسيَّراتها في العديد من الحروب. ولا تزال أنقرة تعمل على تطوير مسيَّراتها العسكرية وزيادة إنتاجها. وقد أعلنت شركة الصناعات الدفاعية التركية "بايكار"، في أغسطس 2022، أنها قادرة على إنتاج 20 طائرة بدون طيار شهرياً، وأنها حصلت على طلبات لثلاث سنوات مقبلة، وتعمل على زيادة طاقتها الإنتاجية. وأوضح الرئيس التنفيذي للشركة أن "بايكار" وقَّعت عقوداً لتصدير "بيرقدار TB2" لـ 22 دولة.

وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في نوفمبر 2022، أن بلاده ستبدأ الإنتاج الضخم للطائرة ‏المقاتلة دون طيار "بيرقدار قيزيل إلما"، أواخر عام 2023، التي بدأت اختباراتها في الشهر ذاته. وتعمل الطائرة المسيرة بمحرك مروحي، وتتميز بقدرة إقلاع وهبوط قصيرة، بحيث تستطيع الانطلاق والعمل من حاملات الطائرات ذات السطح الصغير، مثل السفينة الهجومية البرمائية "الأناضول". وهي الطائرة التي أشارت الشركة المنتجة لها إلى أنها ستكون من طائرات الجيل الخامس، وستتفوق – وفق بعض المؤشرات – على الطائرات الكلاسيكية المقاتلة من الجيل الخامس مثل المقاتلة الأمريكية "إف-35".

2- الكشف عن طرازات متعددة من المسيرات الإيرانية: ترجع بداية البرنامج الإيراني لصناعة الطائرات من دون طيار، إلى ثمانينيات القرن الماضي، وبالتحديد خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية. ونجحت طهران في تطوير برنامج صناعة الطائرات المسيرة، التي تمكنت من تصديرها لعدد من دول العالم، اعتماداً على مزايا القدرة التدميرية، ومنها الطائرات المستخدمة بطابع انتحاري، وكذلك القلة النسبية لتكلفتها. ونجحت إيران في إنتاج مسيرات متعددة مصنفة في عدد من الطرازات؛ منها "مهاجر" و"كرار" و"أبابيل" و"كمان" و"شاهد.

وفيما تعتبر بعض التقديرات أن بدء برنامج المسيرات الإيرانية كان محاولة من طهران للتغلب على الحظر المفروض عليها على المعدات العسكرية والمعدات الثنائية الاستخدام، فإن التقارير الحديثة حول مكونات المسيرات الإيرانية المُسقطة في الحرب الأوكرانية، يشير إلى استمرار اعتماد طهران في تصنيع مسيَّراتها على مكونات غربية. ".

3- توقعات بتأخُّر تشغيل "النسر الأسود" في إندونيسيا: كشفت شركة الطيران الإندونيسية (PT Dirgantara Indonesia) في 30 ديسمبر 2020، عن نموذج أولي لطائرة بدون طيار تم تطويرها محلياً على ارتفاع متوسط، أطلق عليها اسم Elang Hitam (النسر الأسود)؛ وذلك نتاج تعاون بين شركة الإلكترونيات المملوكة للدولة PT Len ، والقوات الجوية الإندونيسية، والمعهد الوطني للملاحة الجوية والفضاء. ورغم أن الطائرة الجديدة كان من المقرر تشغيلها عام 2024، فإن بعض التوقعات تشير إلى احتمالية تأخُّر هذا الموعد.

ويقوم نموذج المسيرات الإندونيسية على دمج العديد من جوانب التصميم لطائرة CH-4 بدون طيار الصينية التي اشترتها جاكرتا. وبينما تسلمت القوات الجوية الإندونيسية صواريخ جو–أرض صينية الصنع من طراز AR-2 دقيقة التوجيه، – وهي الصواريخ التي صممتها شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية (CASC) لسلسلة CH من المسيرات – تتعاون جاكرتا مع أنقرة لتطوير نوع جديد من صواريخ جو-أرض يمكن نشره على المسيرات، عبر تعاون مشترك يضم مهندسين من الوكالة الإندونيسية لتقييم وتطبيق التكنولوجيا (BPPT) ومجلس البحث العلمي والتكنولوجي التابع لمعهد أبحاث وتطوير الصناعات الدفاعية التركي.

4- توجه اليونان تحو تصنيع مسيرات مدنية وعسكرية: أعلنت هيئة صناعة الطيران اليونانية، في سبتمبر 2022، بالتعاون مع جامعات أرسطو في ثيسالونيكي وثيساليا وديموقريطس في تراقيا، عن بدء إنتاج أول طائرة دون طيار محلياً في البلاد، تحت مسمى "أركيتاس"؛ وذلك في إطلاق للصناعات الخاصة بتقنيات الطائرات دون طيار في اليونان، وستكون مخصصة بشكل أكبر لإجراء عمليات الاستطلاع والمراقبة فوق الجزر اليونانية.

وفي القطاع العسكري، أعلنت اليونان، في يناير 2023، عزمها إنتاج أول طائرة قتالية دون طيار يتم تصنيعها محلياً، وهي الطائرة التي من المقرر أن تحمل اسم "جريباس"، وأن يتم إنتاج نسخة مصغرة منها تعبر عن انتهاء المرحلة الأولى من المشروع بحلول عام 2025، وستعمل "جريباس" كنظام متعدد الأغراض مجهز للمهام القتالية؛ حيث سيتم تصنيع "جريباس" بالاعتماد على نمط مشابه لـ"أركيتاس"، لكن سيعتمد تصميمها على مفهوم مختلف للعمليات للاستجابة لمتطلبات المهمات المتنوعة؛ بحيث تكون مؤهلة للقيام بمهام قتالية.

5- مساعٍ هندية لتطوير مسيرات متقدمة: عملت الهند على تطوير طائرة مسيرة محلية الصنع، وقد أجرت الهند، عام 2010، تجربة ميدانية على أول طائرة بدون طيار يجري تصنيعها محلياً، وهي طائرة "رستم" التي أنتجتها مؤسسة التنمية الجوية التابعة لهيئة الأبحاث والتطوير الدفاعية، وتتميز بفترة طيران طويلة، وتزيد سرعتها على 180 كيلومتراً في الساعة، وتعتبر نموذجاً مبدئياً تعتزم الهند تطويره إلى طرز متقدمة. وقد أكدت السلطات الدينية حينها أن الطائرة "رستم" تمكنت من الطيران 30 دقيقة، وأنجزت كافة أهداف المهمة.

كما تسعى الهند حالياً لتطوير طائرات مسيرة يمكن إطلاقها من الغواصات؛ حيث أعلنت شركتا (NRT) و (L&T)الهنديتان خلال معرض Bharat Drone Mahotsav 2022 الذي عقد في نيودلهي، في مايو الماضي، عن توقيع اتفاقية للتعاون المشترك لتطوير طائرات من دون طيار يمكن إطلاقها من الغواصات، وتطور الشركتان بموجبها مجمعاً خاصاً لهذا الغرض يتضمن طائرات مسيرة ومنظومات لإطلاق تلك الطائرات، وهو المشروع الذي يعتبر الأول من نوعه بالنسبة إلى الشركات الخاصة في الهند.

6- توجيهات رئاسية لتطوير صناعة الدرونز بكوريا الجنوبية: تعمل كوريا الجنوبية على تطوير طائرات بدون طيار محلية الصنع، وبالتعاون مع دول أخرى؛ فعلى سبيل المثال، وقعت المؤسسة الكورية لصناعة الطيران والفضاء، في مارس 2021، مذكرة تفاهم للتعاون مع مؤسسة "إلبيت" الإسرائيلية، في مشروع تصنيع طائرات مسيرة للجيل القادم؛ بحيث يعمل الجانبان بموجب الاتفاق الموقع بينهما على تطوير نظام الطائرات المسيرة للجيل القادم، وتسويقها في الأسواق المحلية والخارجية.

كما عملت كوريا الجنوبية على تطوير ونشر طائرات بدون طيار مثل "سونج جول ميه" و "KUS-VH 500MD" اللتين يمكن أن تبقيا في الهواء لمدة ست ساعات. وستعمل وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، وفق توجيهات رئاسية، على تطوير طائرات مسيرة قاتلة، وإنشاء وحدة مشتركة للطائرات المسيرة، مع التخطيط لإنتاج طائرات شبح مسيرة وصغيرة الحجم، تأمل سيول أن تنجح في إنتاجها خلال العام الجاري.

7- خطة تايوانية لإنشاء أسطول من الطائرات بدون طيار: تعمل تايوان على إنشاء أسطول من الطائرات المسيرة يبلغ عدد طائراته نحو 3000 طائرة. وبخلاف الاعتماد على الطائرات الأجنبية، فإن تايبيه تسعى إلى امتلاك أسطول من المسيرات المحلية الصنع. وقد أعلنت الحكومة التايوانية، في يناير الماضي، عن مراجعة تسع شركات دفاعية للمشاركة في برنامج التصنيع، وأنها ستختار الشركة المصنعة الرئيسية؛ بحيث يتم إنشاء الأسطول في النصف الأخير من هذا العام، ويبدأ العمل بحلول نهاية العام، مع الإشارة إلى أن المسيرات المصنعة ستوفر الدعم اللازم أثناء العمليات الميدانية، رغم أنها قد لا تمتلك مواصفات عسكرية كاملة. ومن المتوقع أن يجري تقديم النماذج الأولية للمسيرات الجديدة بحلول شهر يوليو القادم، على أن تختار وزارة الدفاع النماذج الأولية في أغسطس 2023.

وفيما أعلنت وزارة الدفاع التايوانية عن خطط لبدء تصنيع طائرات هجومية بدون طيار، سبق أن قدم معهد تشونج شان الوطني للعلوم والتكنولوجيا التابع للجيش التايواني للبرلمان تقريراً، العام الماضي، يتضمن خططاً للصواريخ والطائرات بدون طيار قيد التطوير. ويعمل المعهد، بالتعاون مع شركات مدنية، على دفع عمليات تطوير طائرات مسيرة لصالح الجيش لأغراض متنوعة، ويؤكد المعهد وصول المسيرات التايوانية إلى المعايير الدولية فيما يتعلق بالقدرات والتكنولوجيا.

دوافع متعددة

ثمة عدد من الدوافع والأهداف التي تفسر لجوء عدد من الدول، غير المحسوبة على الدول الكبرى في سوق السلاح العالمية، للتوسع في برامج تصنيع محلي للطائرات المسيرة، وكيفية الاستفادة من ذلك القطاع على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية، وهو ما يمكن تناوله فيما يلي:

1- التوسُّع التركي في سياسات تصدير الأسلحة: تخدم خطط تصنيع المسيرات الأهداف الاقتصادية للدول؛ لأنها تسمح لها بتوسيع مشاركتها في سوق السلاح العالمية؛ فعلى سبيل المثال، اكتسبت الطائرات المسيرة التركية خبرة وسمعة عسكرية جيدة في الحروب الدولية، ولعبت سابقاً دوراً مهماً في الحرب الأرمينية الأذربيجانية، كما تلعب دوراً حالياً في الحرب الأوكرانية، وهو الأمر الذي يعطي الجانب التركي مزايا سياسية واقتصادية ودبلوماسية وعسكرية. ومن الملاحظ أن أنقرة تعمل على توسيع استثماراتها الخارجية لزيادة صادراتها من الدرونز؛ الأمر الذي يعزز مكانة أنقرة في سوق السلاح الدولية، ويعزز نفوذها السياسي لدى الدول التي تعتمد على تلك المسيرات.

وقد وافقت الحكومة الأوكرانية، في يوليو 2022، على مشروع قانون اتفاقية مع الحكومة التركية بشأن التعاون في مجال التقنيات العالية والطيران وصناعات الفضاء، وإنتاج وصيانة طائرات "بيرقدار" المسيَّرة في أوكرانيا. وبموجب الاتفاقية يتم بناء مصنع في أوكرانيا لإنتاج وصيانة طائرات "بيرقدار" المسيرة، التي تصنعها شركة "بايكار" التركية. وأعلن هالوك بيرقدار المدير العام لشركة "بايكار ماكينا" التركية، في أغسطس 2022، عن بدء تشييد مصنع الشركة في أوكرانيا كجزء من خطة استثمارية تستهدف إنتاج جميع الأنظمة، بما يتضمن الإلكترونيات والبرمجيات، وليس فقط جسم الطائرة، كما سيتضمن المصنع مركز أبحاث ومركز إنتاج متقدماً. ومن المفترض أن يستغرق بناء المصنع عدة أشهر، ومن المرجح ألا يبدأ الإنتاج قبل نهاية عام 2023.

كما تسبب رواج المسيرات التركية في الحرب الأرمينية–الأذربيجانية، والحرب الأوكرانية، في بدء اعتماد بعض الدول الأفريقية على تلك المسيرات؛ فبخلاف استخدام تلك المسيرات في ليبيا وتوجو والنيجر، عرضت دولة مالي، في فبراير 2023، دفعة من طائرات "بيرقدار" التركية المسيَّرة، معتبرة أنها ستكون نقلة جديدة في قدرات جيشها الذي يخوض حرباً شرسة ضد الجماعات الإرهابية في شمال ووسط البلاد؛ وذلك استغلالاً لبحث الجيش المالي عن شركاء عسكريين جدد بدلاً من الاعتماد على فرنسا.

2- توظيف المسيرات الإيرانية كسلاح ضد الغرب: فضلاً عن العوائد الاقتصادية المهمة لتجارة الدرونز في ظل العقوبات الغربية المفروضة على طهران، تستخدم إيران قدراتها التصنيعية في مجال الطائرات بدون طيار لتحقيق عدد من الأهداف السياسية، منها ما تسميه بعض التقارير "حرباً بالوكالة" أو دعم طرف لتحقيق مصلحة مشتركة وإلحاق خسائر بعدو مشترك بشكل غير مباشر، وهو ما ينطبق على صادرات المسيرات الإيرانية لروسيا، التي تستخدمها موسكو في الهجمات على أوكرانيا؛ حيث تعتمد روسيا في الحرب الأوكرانية على الطائرتين الإيرانيتين: "شاهد-136″ الانتحارية البعيدة المدى، و"مهاجر 6" الهجومية القصيرة المدى. كما توفر الحرب الأوكرانية فرصة لطهران للترويج لقدرتها على استخدام المسيرات وقدراتها العسكرية ضد الولايات المتحدة والدول الغربية.

وبخلاف اعتبار شراء المسيرات الإيرانية مدخلاً لتوسيع التعاون العسكري وترويج أسلحة أخرى مثل ما يتردد حول تفكير روسيا في شراء صواريخ باليستية من إيران، فإن الأخيرة تستفيد من تعزيز علاقاتها بموسكو ودعمها بالمسيرات في الحصول على دعم عسكري تسليحي؛ إذ أشار مسؤولون أمريكيون إلى تزويد روسيا إيران بمستوى غير مسبوق من المعدات العسكرية المتطورة التي يُحتمل أن تشمل الجيل الخامس من مقاتلات "سوخوي-35" المتعددة المهام.

كما تستغل إيران سلاح المسيَّرات في سياستها الخارجية ومحاولة كسر عزلتها الدولية التي يحاول الغرب فرضها عليها، خاصة مع الدول المُوقَّع عليها عقوبات أو المتهمة بارتكاب انتهاكات، مثلما فعلت بتسليم طائرات مسيرة لإثيوبيا ضد متمردي "تيجراي"، وللسودان ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان والمتمردين في دارفور، وتوريد طائرات مسيرة لفنزويلا، فضلاً عن توطيد علاقات نوعية مع دول إقليمية مثلما هو الحال بالنسبة إلى طاجيكستان، التي تعتبر طهران افتتاح مصنع لإنتاج المسيرات الإيرانية فيها، نقطة تحول في العلاقات بين البلدين.

3- سعي إندونيسيا إلى تقليل الاعتماد على المسيرات الأجنبية: يرتبط التوجه الإندونيسي نحو تصنيع طائرات بدون طيار بدوافع مدنية وعسكرية؛ ففي ظل تزايد الاعتماد على الطائرات المسيرة في القطاعات الصناعية والخدمية والاقتصادية في إندونيسيا، فإن هذا دفع الحكومة الإندونيسية نحو العمل على توطين صناعة المسيرات اللازمة لتوسع ورقمنة الصناعة الإندونيسية، وباعتبار أن استخدام تكنولوجيا الطائرات المسيرة أضحى مهماً لدعم قدرات الإنتاج؛ ولذلك تعمل وزارة الصناعة الإندونيسية على دعم تطوير صناعة الطائرات بدون طيار المحلية لتكون أكثر ابتكاراً وتنافسية، مع دعم مشاركة مصنعي الدرونز الإندونيسيين في المعارض الدولية.

وتنظر إندونيسيا إلى توطين صناعة المسيرات باعتباره أمراً هاماً لتحقيق الاستقلال في توفير المكونات الداعمة للقطاعين الصناعي والاقتصادي، وتقليل الاعتماد على المسيرات الأجنبية، في ضوء تزايد اعتماد المؤسسات الاقتصادية الإندونيسية على الطائرات المسيرة لأداء عدد من المهام؛ فمع نمو السوق والطلب المتزايد، ترى جاكرتا أن من الضروري عليها أن تكون قادرة على دعم صناعة الطائرات بدون طيار المحلية لتلبية احتياجاتها العسكرية والمدنية والصناعية.

وقد حددت لائحة قانون صناعة الدفاع في إندونيسيا، ثلاثة برامج ذات أولوية، من بينها الطائرات المسيرة، ومع شراء طائرات مسيرة أجنبية لبناء القدرات الدفاعية الإندونيسية، تعمل البلاد على تطوير طائرات عسكرية بدون طيار، ستستفيد منها – بخلاف الحروب – في عمليات الاستطلاع ومراقبة الأنشطة غير القانونية، بما في ذلك الأنشطة العابرة للحدود.

4- انعكاس التوترات التركية–اليونانية على اهتمام أثينا بالدرونز: يرتبط التوجه اليوناني نحو تصنيع طائرات بدون طيار، بشكل رئيسي، بامتلاك تركيا قدرات متطورة في هذا المجال، خاصةً في ظل التوترات المتصاعدة والمستمرة بين البلدين، حول الأراضي والجزر في بحر إيجه، ورفض أنقرة نشر قوات وأسلحة يونانية على جزر في بحر إيجه واتهامها باحتلالها، وكذلك الخلافات حول حقوق اكتشافات الغاز في منطقة شرق المتوسط، فضلاً عن عدد من القضايا الخلافية الأخرى. وفي ظل التهديدات التركية باتخاذ "تحرك" ضد اليونان، فإن الأخيرة تتجه نحو تعزيز قدراتها الدفاعية في مجال الطائرات المسيرة الذي تتفوق فيه أنقرة، كمحاولة لبناء ردع وتوازن في هذا المجال، ولمواجهة التهديدات التركية المحتملة.

5- رغبة الهند في تقليل الاعتماد العسكري على الاستيراد: يرتبط توجه الهند نحو تصنيع طائرات بدون طيار محلية، برغبتها في تقليل اعتماد البلاد على استيراد مستلزماتها العسكرية، واستبدال الطائرات المسيرة الأجنبية التي تستخدمها القوات المسلحة الهندية، مع تزايد التحديات الأمنية في المنطقة، وتوجه الحكومة الهندية نحو تعظيم قدراتها الدفاعية بوجه عام.

6- التصدي لاختراقات مسيَّرات كوريا الشمالية لأجواء جارتها الجنوبية: في الوقت الذي تعتبر فيه كوريا الجنوبية أن صناعة الطائرات المسيرة مجال واعد للنمو، وتعمل على إيجاد أسواق مدنية وعسكرية للاستفادة من العوائد الاقتصادية لصادرات الطائرات المسيرة، فإن العامل الأهم وراء سعي سيول نحو تطوير صناعة الطائرات المسيرة، خاصة في شقها العسكري، يرتبط بالمخاوف من التهديدات الكورية الشمالية، واختراق مسيرات كورية شمالية للأجواء الكورية الجنوبية.

7- استفادة تايبيه من دروس الحرب الأوكرانية لمواجهة بكين: يرتبط العامل الرئيسي لتوجه تايبيه نحو امتلاك أسطول من الطائرات بدون طيار، والاهتمام بصناعة المسيرات، بالحرب الأوكرانية والتهديد الصيني؛ ففي ظل التوترات المستمرة حول قضية تايوان، والتوقعات باحتمالية أن تمثل ساحة حرب جديدة عقب الحرب الأوكرانية، وتكرار بكين التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا ضد تايوان؛ فإن تايبيه تولي اهتماماً بتعزيز قدرتها الدفاعية ضد أي عمليات عسكرية محتملة.

وربما يكون الدور المتعاظم للمسيرات في الحرب الأوكرانية دفع تايبيه نحو الإسراع في تطوير وإنتاج طائرات بدون طيار للاستخدام العسكري، فضلاً عن الرغبة في التعامل مع تهديدات الطائرات المسيرة الصينية التي تحلق فوق الجزر التي تسيطر عليها تايوان قبالة الساحل الصيني.

وباعتبار الصين هي الهدف الرئيسي من وراء عمليات تطوير المسيرات التايوانية، اتخذت تايبيه خطوات لضمان عدم استخدام التقنيات الصينية في أي من الطائرات بدون طيار التي تخطط للحصول عليها، وطلبت من جميع الأطراف إثبات أنها لم يتم تمويلها من قبل الشركات التي تتخذ الصين مقراً لها، وتوقيع تعهد بعدم استخدام المنتجات أو المكونات المصنعة في الصين أو من قبل الشركات الصينية.

ختاماً، يرتبط التوجه نحو التوسع في برامج التصنيع المحلي للطائرات بدون طيار بعدد من الأهداف، سواء تحقيق أرباح تجارية اقتصادية من عوائد بيع تلك الطائرات، أو تقليل الاعتماد على المسيرات الأجنبية في القطاعين المدني والعسكري، أو التوظيف السياسي للمسيرات في مهاجمة الخصوم المشتركين، فضلاً عن تعزيز القدرات الدفاعية للدول في ظل تزايد إدراك أهمية المسيرات في الحروب الحديثة، خاصة مع تأكيد الحرب الأوكرانية هذا الدور.

ما أهداف الدول الصاعدة في إنتاج الدرونز؟