د. محمد عباس ناجي

في خضم المفاوضات التي تجري بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول البرنامج النووي الإيراني، والتي بدأت في مسقط في 12 أبريل 2025، ثم استؤنفت في روما بعد ذلك بأسبوع، على أن تعود إلى مسقط في 26 من الشهر نفسه؛ كان لافتاً أن إيران سعت إلى رفع مستوى التنسيق مع القوى الدولية الداعمة لها، لا سيما الصين وروسيا؛ إذ قام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، قبيل الجولة الثانية في روما، وتحديداً في 17 أبريل 2025، بزيارة موسكو؛ حيث التقى الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين ونقل إليه رسالة من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي. وقبيل الجولة الثالثة في مسقط، وتحديداً في 22 أبريل 2025، سيقوم عراقجي بزيارة بكين. وفي الواقع، فإن ذلك لا ينفصل بدوره عن محاولة إيران دعم العلاقات مع الدولتين اللتين تمثلان ظهيراً دولياً لها في مواجهة الدول الغربية التي ما زالت تفرض عقوبات عليها، وتتبنى سياسات متشددة ضدها حتى مع إجراء المفاوضات، وفي الوقت نفسه استغلال تلك العلاقات في تعزيز فرص الوصول إلى صفقة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول البرنامج النووي. وربما يكون ذلك هو السبب الذي دفع الدول الثلاث إلى عقد اجتماع ثلاثي في بكين على مستوى نواب وزراء الخارجية في 14 مارس 2025، من أجل التنسيق قبل إجراء المفاوضات.دوافع عديدةيمكن تفسير حرص إيران على توسيع نطاق التنسيق مع كل من الصين وروسيا حول المفاوضات التي تجري مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن البرنامج النووي في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:1– تزايد احتمالات قيام روسيا بدور مهم في الصفقة: رغم أن المفاوضات ما زالت منحصرة حتى هذه اللحظة في الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وسلطنة عُمان التي تقوم بدور الوسيط، فإن إبرام هذه الصفقة في النهاية قد يفرض أدواراً محتملة لبعض الدول الأخرى، لا سيما روسيا؛ إذ إن الأخيرة قد تكون مرشحة لاستقبال كميات اليورانيوم المخصب التي أنتجتها إيران على مدى الأعوام الماضية منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018، والتي تصل في الفترة الحالية إلى 8294.4 كيلوجرام، حسب تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على نحوٍ يعني أنها تبلغ 41 ضعف ما هو منصوص عليه في الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015 (202.8 كيلوجرام). وهنا، يمكن القول إن الولايات المتحدة الأمريكية قد تصر على نقل اليورانيوم المخصب إلى الخارج، في ظل غياب الثقة بمدى التزام إيران بأي اتفاق نووي محتمل، في حين أن إيران ربما تعرض خياراً آخر هو بقاء اليورانيوم المخصب على أراضيها مع وضعه تحت رقابة صارمة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي كل الأحوال، فإن روسيا تبقى إحدى الدول الرئيسية التي قد يتوافق الطرفان على أنها يمكن أن تستلم هذه الكمية لتعزيز فرص الوصول إلى صفقة، رغم أنها قد لا تكون هي الدولة المرشحة الوحيدة.2– إطلاع القوى الداعمة على تفاصيل المفاوضات: كان لافتاً أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعمد حتى الآن تجاهل حلفائها من الدول الأوروبية، سواء ما يتعلق بالمفاوضات مع إيران حول البرنامج النووي، أو ما يتصل بالتفاهمات مع روسيا حول الحرب في أوكرانيا، على نحوٍ بدأ يدفع تلك الدول إلى التهديد بتبني خطوات إجرائية قد لا تتوافق بالضرورة مع حسابات ومصالح واشنطن، وهو ما يبدو جلياً في تلويحها بتفعيل آلية الزناد التي تعني إعادة تطبيق العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران، وتم تعليقها بموجب الاتفاق النووي، خاصةً مع التحذيرات التي يطلقها مدير الوكالة للطاقة الذرية رفاييل جروسي من عواقب استمرار الأنشطة النووية على هذا المستوى.لكن في مقابل ذلك، بدا لافتاً أن إيران حريصة على إطلاع القوى الداعمة لها، خاصة الصين وروسيا، على تفاصيل المفاوضات، خاصة أن الدولتين كانتا من ضمن مجموعة "5+1" التي توصلت مع إيران إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015، وعارضتا الانسحاب الأمريكي من الاتفاق في 8 مايو 2018، ثم إعادة فرض العقوبات الأمريكية في 6 أغسطس من العام نفسه. ومن دون شك، فإن ذلك لا ينفصل عن محاولة إيران الحفاظ على دعم الدولتين في مجلس الأمن الدولي، استعداداً لاستحقاقات صعبة قد تواجهها في المرحلة القادمة، في ظل التوتر الذي ما زالت تتسم به العلاقات مع الدول الغربية، رغم إقدامها على الانخراط في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية للوصول إلى صفقة جديدة حول البرنامج النووي.3– توجيه رسائل طمأنة إلى الصين: تبدي الصين قلقاً ملحوظاً إزاء السياسة الجديدة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية تجاهها؛ ليس فقط بسبب فرض رسوم جمركية عالية على التجارة مع الصين، بل أيضاً لسعيها، حسب رؤية بكين، إلى إبرام صفقات مع القوى الإقليمية والدولية الحليفة لها، لا سيما إيران وروسيا؛ من أجل التفرغ لإدارة ما تسمى "الحرب الاقتصادية" معها.وقد انعكس ذلك في تأكيد وزارة الخارجية الصينية، في 21 أبريل 2025، أن "الصين تحترم جميع الأطراف التي تسعى إلى حل خلافاتها الاقتصادية والتجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التشاور على قدم المساواة، إلا أنها سوف تعارض بشدة أي طرف يعقد صفقة على حساب الصين". وفي هذا السياق، يبدو أن إيران تدرك هذه المخاوف، ومن ثم فإنها تسعى بدورها إلى توجيه رسائل طمأنة إلى بكين مفادها أنها لن تتماهى بالضرورة مع السياسات التي سوف تتبعها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه بكين خلال المرحلة القادمة. 4– الاستعداد لتفعيل اتفاقيات الشراكة: وقعت إيران اتفاقية شراكة استراتيجية مع كل من الصين وروسيا في 27 مارس 2021 و17 يناير 2025 على التوالي. وتعول إيران على الاتفاقيتين من أجل تعزيز العلاقات مع الدولتين على المستوى الاقتصادي، إلا أن ثمة عقبات عديدة قد تحول دون ذلك، منها استمرار العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، مثل منعها من استخدام نظام التحويل البنكي "سويفت"، وتصفير صادراتها النفطية وغير ذلك. ومن هنا، ربما يؤدي توقيع إيران والولايات المتحدة الأمريكية على صفقة حول البرنامج النووي إلى رفع القسم الأكبر من تلك العقوبات، ومن ثم تهيئة المجال أمام تفعيل تلك الاتفاقيات التي تسعى حكومة الرئيس مسعود بزشكيان إلى استثمارها من أجل احتواء التداعيات العديدة التي فرضتها الأزمة الاقتصادية التي تتعرض لها إيران في الفترة الحالية. متغير رئيسيعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن المسارات المحتملة للمفاوضات التي تجري بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول البرنامج النووي سوف تتحول إلى متغير رئيسي ربما يكون لها تأثير مباشر على تحديد اتجاهات العلاقات بين إيران وكل من روسيا والصين خلال المرحلة القادمة، خاصة أن الدولتين لديهما بدورهما خلافات وتفاهمات في آن واحد مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سواء حول الرسوم التجارية التي تتزايد تدريجياً أو تجاه الحرب في أوكرانيا، وهو يبدو أن إيران سوف تحاول استغلاله بهدف توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة المتاحة أمامها على الساحة الدولية.

لماذا تنسق إيران مع روسيا والصين حول مفاوضات الملف النووي؟