كرم سعيد

تُجرى الانتخابات الرئاسية الجزائرية في 7 سبتمبر 2024، وتشهد تنافساً بين ثلاثة مرشحين ينتمون إلى توجهات سياسية مختلفة؛ فبجانب الرئيس تبون، يخوض عبد العالي حساني رئيس حركة "مجتمع السلم" (حمس) المعركة الانتخابية ممثلاً للتيار الإسلامي، الذي يعتمد على مقاربة سياسية برجماتية، مكَّنته من تجاوز التشويه الذي طال صورة الإسلام السياسي عقب ما تسمى "العشرية السوداء"، بالإضافة إلى يوسف أوشيش ممثل "جبهة القوى الاشتراكية"، التي تسعى دوماً إلى المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، بغرض الوجود في المشهد السياسي في البلاد، وفي محاولة للوصول إلى السلطة في مرحلة تالية. ويركز المرشحون الثلاثة على جملة من الملفات والقضايا الضاغطة، التي تشكل أولويات ملحة للمجتمع الجزائري، وتتطلب معالجة حاسمة ومغايرة من أجل تسكين أوجاع الأزمات التي تؤرق البلاد وتزيدها انغماساً في همها الداخلي.الملفات الرئيسيةبالنظر إلى سياقات وطبيعة الحملات الانتخابية في الجزائر، ركز المرشحون الثلاثة على عدد من الملفات الانتخابية الرئيسية، وهي البيانات التي يمكن بيانها على النحو التالي:1– مواجهة التحديات الاقتصادية: تصدرت الوعود الاقتصادية الخطاب الانتخابي لمرشحي الرئاسة في البلاد؛ حيث برز الاقتصاد بصفته إحدى القضايا الرئيسية التي تشغل حملات المرشحين الثلاثة، خاصةً أن الاقتصاد الجزائري يعاني من أوضاع متردية، كشف عنها استمرار تباطؤ معدل النمو الاقتصادي؛ وذلك على خلفية ارتفاع معدلات التضخم التي وصلت بنهاية الربع الأول للعام 2024 إلى نحو 5%. وتشير توقعات البنك الدولي إلى استمرار تباطؤ النمو بنهاية عام 2024 ليصل إلى 2.9%، في ظل انخفاض الإنتاج النفطي والزراعي.كما حذر صندوق النقد الدولي في مارس 2024 من المخاطر التي تحيط بالتوقعات الاقتصادية للجزائر في المدى المتوسط. في المقابل، وبحسب تقرير الاستثمار العالمي 2024 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "الأونكتاد"، انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الجزائر خلال السنوات الخمس الماضية، لتصل إلى نحو 84 مليون دولار فقط بنهاية عام 2023. وعلى ضوء ذلك، يمكن تفسير تركيز المرشحين الثلاثة على الوعود الاقتصادية. 2– التركيز على القضايا الاجتماعية: هيمنت الأوضاع الاجتماعية على برامج المرشحين الثلاثة؛ حيث شكلت الوعود المرتبطة برفع الأجور، وتوفير فرص العمل، وتوفير السكن وتحسين المنظومة العلاجية، ومكافحة التسرب من التعليم، وتطوير القطاع الزراعي، ودعم تنمية المناطق النائية؛ حيزاً معتبراً في خطابات المرشحين وممثليهم في التجمعات الانتخابية.3– التعاطي مع التهديدات الأمنية المركبة: سعى المرشحون الثلاثة إلى توظيف القضايا والتحديات الأمنية، وبخاصة التوترات الإقليمية بصفتها إحدى أدوات الدعاية الانتخابية، من خلال تأكيد أن الجزائر باتت تقع في قوس أزمات. وهنا، يمكن تفسير اهتمام خطابات المرشحين بالخطط والاستراتيجيات المنوطة بها مواجهة التحديات في الجوار؛ وذلك في إشارة إلى الاضطرابات في مالي والنيجر وليبيا، التي يُجمع المرشحون على أنها "مصدر تهديد للأمن القومي الجزائري".وعلى ضوء ذلك طالت حملات المرشحين حالة الاضطراب السياسي والأمني التي تشهدها ليبيا ومنطقة غرب أفريقيا على مدار السنوات السابقة، باعتبار أنها تؤثر سلباً على استقرار الجزائر، بالنظر إلى عودة نفوذ الجماعات المسلحة، والتنظيمات الإرهابية.4– إعادة النظر في التقسيم الإداري للبلاد: اهتمت حملات مرشحي الانتخابات الرئاسية، في جانب معتبر منها، بالدعوة إلى إعادة النظر في التقسيم الإداري للبلاد المعمول به منذ عام 1984، الذي حددها بـ1541 بلدية؛ وذلك بهدف إنعاش عملية التنمية المحلية، وخطط تطوير البلاد، لا سيما أن التنظيم المحلي الراهن لا يتلاءم مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد.ويتفق المرشحون الثلاثة على ضرورة إحداث تقسيم إداري جديد بغرض إيجاد موازنة بين البلديات الريفية والحضرية، فضلاً عن إعادة عملية التخطيط الاستراتيجي للتنمية من النظام المركزي إلى القواعد المحلية. ووفقاً للعديد من التقديرات، فإن خطاب تقسيم البلديات يلقى رواجاً شعبياً، خاصةً في الأوساط القبلية التي تتطلع إلى أن تكون تجمعاتها السكانية الضيقة ولايات مستقلة.5– تبني مطالب الإصلاح السياسي: يتوافق المرشحون الثلاثة تبني مطالب الإصلاح السياسي في البلاد، مثل إطلاق حرية الإعلام والصحافة، ورفع القيود عن العمل السياسي، ومكافحة الفساد، كما كان ملف الإصلاح السياسي في البلاد حاضراً بشكل لافت في برامج المرشحين؛ فبينما واصل تبون تأكيده المضي قدماً في رفع شعار "جزائر جديدة"، أكد "يوسف أوشيش" مرشح "جبهة القوى الاشتراكية" ضرورة "فرض نظرة جديدة وإصلاح الوضع العام، سواء كان سياسياً أو مؤسساتياً".وأضاف في تصريحات له في يوليو 2024 أن مشاركته تستهدف العمل على "تغيير طبيعة النظام في الجزائر لكن بطريقة سلمية وسلسة، وعبر إجماع الجزائريين كلهم حول القضايا الحساسة، وفي مقدمتها الأمن الوطني"، كما أكد حرصه على أهمية بناء "نظام شبه رئاسي ذي توجه برلماني". أما مرشح "حمس"، فمن بين تعهداته الانتخابية "إصلاح دستوري وقانوني لبيئة الحكم، يمر عبر دسترة تجريم الاعتداء على الحريات المنصوص عليها قانونياً"، وأشار إلى أهمية "توسيع الدور الرقابي للبرلمان، إضافة إلى إصلاح مؤسساتي يعمق دولة الحق والقانون".6– تعزيز الثقة الشعبية بالنخب السياسية: في ظل المخاوف من تراجع نسبة التصويت في العملية الانتخابية المقرر لها سبتمبر 2024، بسبب غياب الثقة والتواصل السياسي بين الفواعل المجتمعية في الداخل الجزائري، وإحباط قطاعات معتبرة من حدود تأثير حراك 2019، وما تلاه من انتخابات، وتراجع إمكانية إحداث تغيير حقيقي في المجتمع الجزائري؛ سعى المرشحون الثلاثة إلى أن يؤكدوا في حملاتهم الانتخابية أهمية المشاركة المجتمعية، وضرورة المشاركة السياسية والتصويت بالاستحقاق الرئاسي، باعتبار أن ذلك يمثل المصدر الرئيسي لاستعادة الثقة الشعبية بالنخب السياسية. وعلى ضوء ذلك ركزت حملات المرشحين على المشاركة السياسية بصورة لافتة، خاصةً في ظل تنامي دعوات مقاطعة الانتخابات لإحراج القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية، وإخراج الانتخابات في صورة غير مقبولة دولياً.7– الاهتمام بالحصول على دعم الشباب: يلاحظ أن "الشباب" محور الاستهداف في البرامج الانتخابية للمرشحين الثلاثة، باعتبار أن كتلة الشباب تمثل نحو 40% من الكتلة التصويتية في البلاد، بالإضافة إلى أن الشباب هم من دعوا إلى حراك 2019 وقاموا به، وعلى ضوء ذلك، يمكن تفسير مساعي المرشحين للرئاسة إلى استرضاء هذه الفئة، وهو ما تجلى في تعهدهم بإعطاء الفرصة للشباب لتحسين مشاريعهم، وبينما أعلن الرئيس تبون في خطاباته الانتخابية عن أهمية تعزيز قدرات طلاب الجامعات، دعا مرشح جبهة القوى الاشتراكية إلى إشراك الشباب في إدارة شؤون الجزائر "لصنع التغيير الحقيقي"، بينما أكد عبد العالي حساني مرشح "حمس" أهمية تمكين الشباب.8– توظيف أزمة غزة: أولت الحملات الانتخابية لانتخابات الرئاسة الملفات الخارجية الساخنة اهتماماً لافتاً، بالنظر إلى دورها في حشد الناخبين، ودغدغة مشاعر الكتل التصويتية، وفي الصدارة منها الحرب الإسرائيلية في غزة، وهو ما تجلى في دعوة الرئيس تبون في أغسطس 2024 إلى فتح الحدود بين مصر وغزة؛ وذلك لإنشاء ثلاثة مستشفيات ميدانية في غزة.كما سبق هذه الخطوةَ تقديمُ حكومة تبون مشروع قرار لدى مجلس الأمن في فبراير 2024 لوقف إطلاق النار في غزة. ومن جهتها سعت حركة "حمس" إلى استثمار ملف الأزمة في غزة انتخابياً، وهو ما تجلى في المشاركة في التظاهرات الشعبية التي رخَّصتها وزارة الداخلية، فضلاً عن مشاركة "حمس" في تكتل حزبي تأسس في نوفمبر 2023 لدعم "القضية الفلسطينية وإدانة العدوان الإسرائيلي". وفي سياق متصل، وجه مرشح الكتلة الاشتراكية انتقادات واسعة للممارسات الإسرائيلية ضد المدنيين في قطاع غزة.9– مواصلة التصعيد السياسي مع المغرب: شغل ملف العلاقة مع المغرب حيزاً واضحاً في حملات مرشحي الرئاسة الثلاثة. وحمل المغرب في رؤية المرشحين للرئاسة الجزائرية، صورة سلبية؛ إذ كان العداء تُجاه المغرب القاسم المشترك بينهم. وفي الوقت الذي اتهم فيه تبون في أغسطس 2024 المغرب بالعمل على تفجير الجزائر من الداخل، وتورط المغرب في حرائق الغابات التي شهدتها البلاد في مايو ويوليو 2024، اتهم مرشح "حمس" عبد العالي حساني الرباط بالتآمر ضد الجزائر، عن طريق التحالف مع إسرائيل، كما أشار في خطاباته الانتخابية إلى أن النظام المغربي كان "دائماً متآمراً على الجزائر تاريخياً".أما يوسف أوشيش المرشح المحسوب على تيار اليسار، فيرى بالمثل وجود تهديدات تحيط بالبلاد، ولا يستبعد تورط الرباط. وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر أعلنت في مطلع سبتمبر 2024 عن توقيف عدة أشخاص، بينهم أربعة مغاربة بتهمة الانتماء إلى "شبكة تجسس". وجاء هذا الإعلان قبل أيام من الانتخابات الرئاسية المقرر لها 7 سبتمبر؛ ما يوحي بزيادة الرغبة في توظيف الخلاف مع المغرب انتخابياً.10– اتخاذ مواقف متشددة من قضية الصحراء المغربية: على صعيد متصل، تم التركيز في حملات المرشحين الثلاثة على القضية الصحراوية، وهو ما تجلى في مواقف المرشحين المتشددة تجاه المغرب، والدول الداعمة للسيادة المغربية على منطقة الصحراء؛ فعلى سبيل المثال، وجَّه المرشحون الثلاثة انتقادات حادة لقرار فرنسا الصادر في 30 يوليو 2024، الذي يقضي باعتراف باريس بمغربية الصحراء، ودعم خطة الحكم الذاتي التي طرحها المغرب سنة 2007 كأساس وحيد لحل النزاع في الصحراء. وعلى خلفية هذا القرار، أعلن تبون سحب سفير بلاده لدى فرنسا "بأثر فوري". ومن جهتها، نددت جبهة القوى الاشتراكية بالموقف الفرنسي، ووصفته في بيان لها نهاية يوليو 2024 بــ"المَشين وغير المسؤول".ختاماً، يمكن القول إن القضايا التي تضمنتها البرامج الانتخابية للمرشحين الثلاثة في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها 7 سبتمبر 2024، كشفت عن بعض الإشكاليات في هذه البرامج؛ لكونها أولت اهتماماً للقضايا الساخنة والمعقدة، لكن من دون أن تبدي حلولاً جذرية، كما حرصت على التركيز على القضايا الساخنة التي تلهب مشاعر الكتل الانتخابية. وفي العموم جاءت قضايا المرشحين وملفاتهم الانتخابية في المجمل فضفاضة وتقليدية، وهو ما يفسر زخم دعوات المقاطعة وحالة اللامبالاة في الشارع الجزائري تجاه العملية الانتخابية.

ما القضايا الرئيسية المطروحة في برامج مرشحي الانتخابات الجزائرية؟