كرم سعيد

أفادت مصادر مطلعة لوكالة "رويترز"، في 21 مايو 2025، بأن الولايات المتحدة تخطط لتعيين سفيرها لدى تركيا "توماس باراك" مبعوثاً خاصاً إلى سوريا، في خطوة تعكس تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري. ويتزامن هذا التعيين المحتمل مع وصول العلاقات الأمريكية–السورية إلى مرحلة غير مسبوقة من التقارب، عقب قرار الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات عن سوريا، ولقائه نظيره السوري أحمد الشرع في الرياض في 14 مايو 2025 خلال جولته الخليجية؛ ما مثَّل تحولاً جذرياً في مقاربة الإدارة الأمريكية حيال دمشق.وفي هذا السياق، برز دور باراك، بحكم موقعه في أنقرة وعلاقاته الإقليمية، كحلقة وصل محورية في الانفتاح الأمريكي الجديد على سوريا. ويأتي تعيينه المحتمل أيضاً في إطار إعادة ترتيب أولويات الانخراط الأمريكي في الساحة السورية، ويُعد مؤشراً على إدراك واشنطن لصعود تركيا كقوة إقليمية مؤثرة، بعد أن نجحت أنقرة في تعزيز نفوذها الميداني والسياسي في سوريا بشكل غير مسبوق منذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024.دوافع متعددةأظهرت إدارة ترامب مؤشرات مبكرة على أنها ستضع سوريا في صدارة أولوياتها خلال المرحلة المقبلة. ومن ثم، تأتي خطوة التعيين المحتمل لتوماس باراك مبعوثاً أمريكياً إلى دمشق لتؤكد السعي الحثيث من جانب واشنطن نحو انخراط محسوب ومدروس في الساحة السورية. وعلى ضوء ذلك، فإن تعيين باراك المحتمل يرتبط بجملة من الدوافع، يتمثل أبرزها فيما يلي:1– الاتساق مع مساعي إعادة هيكلة ملف العلاقات الخارجية: يأتي التعيين المحتمل لتوماس باراك، سفير واشنطن لدى تركيا، مبعوثاً خاصاً إلى سوريا ليعكس سعي الرئيس ترامب إلى المضي قدماً في إعادة هيكلة ملف العلاقات الخارجية، من خلال تعميق النفوذ الأمريكي في الدوائر الاستراتيجية للسياسة الخارجية، التي تمثل أولوية لمصالح واشنطن. وما يؤكد ذلك، قرار الرئيس ترامب برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وتقليص الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرق البلاد، بجانب تأكيده الالتزام بدعم التسوية السياسية للأزمة السورية، من خلال مساندة الإدارة الجديدة، والدفع نحو بناء مؤسسات الدولة وهيكلة الأجهزة الأمنية، والعمل على صياغة دستور دائم، والتركيز على مكافحة الجماعات الإرهابية.2– موازنة النفوذ التركي المتصاعد في الداخل السوري: لا ينفصل التعيين المحتمل لتوماس باراك مبعوثاً أمريكياً لدى سوريا عن رغبة واشنطن في موازنة النفوذ التركي في الداخل السوري، خاصةً أن أنقرة تمكنت خلال الأشهر الماضية من تعميق حضورها العسكري والاقتصادي في مفاصل الدولة السورية الجديدة، وهو ما يثير قلق واشنطن. وفي هذا السياق، يمكن تفسير سماح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، لموظفي سفارة بلاده في تركيا، ومنهم توماس باراك، بالعمل مع المسؤولين المحليين في سوريا لفهم نوع المساعدات التي يحتاجون إليها، ودعم التواصل مع الجماعات المحلية الفاعلة.كما يعكس التعيين المحتمل لتوماس باراك، من جانب آخر، مساعي واشنطن إلى التنسيق مع أنقرة بشأن المرحلة القادمة في سوريا، وهو ما ظهر في مشاركة باراك في اجتماعات رفيعة المستوى لبحث الشأن السوري، كان آخرها مجموعة العمل الأمريكية–التركية حول سوريا، التي استضافتها أنقرة في 20 مايو 2025.3– تعزيز شرعية الإدارة السورية الجديدة وكسر عزلتها: بالنسبة إلى حكومة دمشق، التي تعاني من أزمة شرعية وضغوط دولية مكثفة، ولا يزال قادتها يخضعون لعقوبات أممية، فإن تعيين مبعوث أمريكي يُعتبر فرصة مهمة في سعي إدارة أحمد الشرع نحو اكتساب مزيد من القبول والاعتراف الدولي، وهو ما يُمكن أن يسهم في تخفيف العزلة السياسية والاقتصادية المفروضة عليها، وهو هدف يبدو أن إدارة ترامب تدعم تحققه.4– إجهاض محاولات طهران لاستعادة نفوذها في سوريا: من وجهة نظر أمريكية، يوفر تعيين مبعوث خاص إلى سوريا فرصة استراتيجية لتعميق الحضور الأمريكي في البلاد، في مواجهة محاولات الخصوم الإقليميين، وعلى رأسهم إيران، لاستعادة نفوذهم في المشهد السوري؛ إذ تعتبر واشنطن أن إعادة التموضع في سوريا الجديدة يشكل أداة فعالة للضغط على طهران والحد من قدرتها على استخدام الساحة السورية كورقة تفاوضية في ملفات إقليمية أوسع.5– زيادة التعاون الأمني لمواجهة تمدد الجماعات الإرهابية: وفقاً للعديد من التقديرات، فإن التعيين المحتمل لتوماس باراك يستهدف، في جانب واسع منه، ضمان تأمين مصالح الولايات المتحدة في المنطقة من خلال مواصلة تعزيز التعاون الثنائي في مجالَي الأمن ومكافحة الإرهاب مع دمشق. ويحمل ملف مواجهة العنف أولوية كبيرة، خاصةً مع مساعي التنظيمات الإرهابية لاستغلال حالة السيولة الأمنية التي تعانيها سوريا، بجانب الاحتقان الطائفي، لإعادة تموضعها في الإقليم، وهو ما قد ينعكس سلباً على المصالح الأمريكية. وعلى ضوء ذلك، يمكن فهم تأكيد توماس باراك أهمية تنسيق الجهود في مكافحة الإرهاب وتخفيف العقوبات عن السوريين، باعتبار أن بديل ذلك هو الفوضى الشاملة.كما يبدو أن الولايات المتحدة تراهن على إعادة إدماج سوريا في محيطها الدولي والإقليمي، كأسلوب ناجع للتخلص من التطرف العنيف. ومن هذا المنطلق، من المحتمل أن يُشكل تعيين مبعوث أمريكي خاص إلى سوريا قوة دفع للمجتمع الدولي نحو تطوير علاقاته مع دمشق، ودعم جهود الإدارة السورية الجديدة، سواء في مواجهة التنظيمات المسلحة أو في تحييد دور المقاتلين الأجانب.6– دعم المصالح الاقتصادية الأمريكية في مرحلة إعادة الإعمار: في رؤية إدارة ترامب، يُعد توماس باراك أحد المهندسين الرئيسيين لدعم ترسيخ المصالح الاقتصادية الأمريكية في سوريا خلال المرحلة المقبلة، لا سيما بعد دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع، في 14 مايو 2025 خلال لقائه مع ترامب، الشركات الأمريكية إلى الاستثمار في قطاعَي النفط والغاز في سوريا، فضلاً عن إعلان دمشق فتح المجال أمام المؤسسات الأمريكية للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار. ومن وجهة نظر واشنطن، تمثل قطاعات الطاقة والبناء فرصاً استثمارية واعدة. ويمكن للسفير توماس باراك تعظيم الاستفادة الأمريكية منها، بالنظر إلى خبرته الطويلة في إدارة الأعمال والاستثمارات على المستوى العالمي.&nbsp;حسابات "ترامب"يعكس الاختيار المحتمل لتوماس باراك، الدبلوماسي المخضرم الذي تتماشى خبراته وسلوكه المهني مع الرؤية السياسية لإدارة ترامب في المرحلة الراهنة، جملة من الدلالات المهمة، يمكن توضيحها على النحو التالي:1– ترسيخ سياسة "أهل الثقة" في التعيينات الاستراتيجية: ينتمي توماس باراك إلى الدائرة المقربة من الرئيس ترامب، وهو ما يعكس أحد ملامح سياسة "أهل الثقة" التي يعتمدها ترامب في تعييناته للمناصب الحساسة المرتبطة بالمصالح الخارجية الأمريكية. وقد عُرف باراك بكونه صديقاً شخصياً للرئيس ومستشاراً سياسياً له؛ إذ اضطلع بدور بارز في حملة ترامب الرئاسية عام 2016، وتولى رئاسة لجنة تنصيبه رئيساً في ولايته الأولى، كما أن باراك من أبرز وجوه "رجال المال والأعمال" المتوافقين أيديولوجياً مع نهج ترامب؛ لكونه المؤسس والرئيس التنفيذي السابق لشركة "كولوني كابيتال"، التي تُعد من كبار المستثمرين في البنية التحتية الرقمية عالمياً، وتُدير أصولاً تُقدّر بنحو 80 مليار دولار في 19 دولة.2– رهان "ترامب" على خبرة "باراك" الإقليمية وصلاته بأنقرة: يتميز توماس باراك بخبرة طويلة ومعرفة معمقة بالشؤون الإقليمية، تعود إلى بدايات سبعينيات القرن الماضي؛ حين أُوفد إلى السعودية عام 1972 للعمل هناك؛ ما مكَّنه من بناء شبكة علاقات واسعة مع مستثمرين من الشرق الأوسط، واكتساب فهم مبكر لتفاعلات المنطقة، كما أن انحداره من أصول لبنانية يضيف بُعداً ثقافياً ومعرفياً إضافياً. وتُعد علاقته القوية بأنقرة – وهي أحد أبرز الفواعل في الساحة السورية – عاملاً مهماً في هذا السياق؛ حيث عبَّر مراراً عن أهمية دعم الشراكة مع تركيا، واصفاً إياها بأنها "شريك قيِّم في حلف الناتو"، ومتعهداً بالعمل على تعزيز التعاون رغم الخلافات القائمة بين واشنطن وأنقرة.3– إبراز جدية واشنطن في تحسين العلاقات مع دمشق: يعكس التعيين المحتمل لتوماس باراك مبعوثاً أمريكياً خاصاً إلى سوريا، تحولاً واضحاً في نهج واشنطن تجاه الملف السوري، ويؤشر على مستوى جديد من الجدية في تغيير سياستها التقليدية حيال دمشق؛ إذ يتجلى هذا التحول في مجمل الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية مؤخراً، وعلى رأسها تأكيد التمسك بوحدة الأراضي السورية، والعمل على تحقيق الاستقرار، وتهيئة البيئة المناسبة لعودة اللاجئين، بالتوازي مع تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب.في هذا الإطار، كان باراك قد صرَّح في وقت سابق بأن الولايات المتحدة ظلت تفتقر إلى استراتيجية واضحة وفعَّالة في سوريا لسنوات، وهو ما دفعه مؤخراً إلى الإعلان عن "إطلاق نقاشات" تهدف إلى صياغة مقاربة أمريكية جديدة أكثر فاعليةً وواقعيةً في التعامل مع الأزمة، كما عبَّر، خلال الأيام القليلة الماضية، عن أهمية تطوير العلاقات الثنائية بين واشنطن ودمشق، من خلال تعزيز الحوار مع الإدارة السورية الجديدة، بما يفتح الطريق أمام إعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي.ويُمكن فهم تعيينه المحتمل كمبعوث خاص أيضاً بوصفه رسالة سياسية مزدوجة: من جهة، تعكس التزاماً أمريكياً بدعم استقرار سوريا، ومن جهة أخرى، تؤكد تمسك واشنطن بالمسار الدبلوماسي كخيار رئيسي لمعالجة الملفات العالقة مع حكومة الشرع.تعزيز النفوذوختاماً، يمكن القول إن توجه واشنطن نحو تعيين مبعوث خاص إلى سوريا يعكس مسعى واضحاً لتعزيز مستوى النفوذ الأمريكي في البلاد، في سياق تأكيد مركزية المصالح الأمريكية في المنطقة، كما يعكس هذا التوجه إدراكاً متزايداً في واشنطن لخطورة استمرار سوريا كساحة مفتوحة للفوضى والنفوذ المعادي. ويبدو أن الإدارة الأمريكية باتت أكثر حرصاً على بناء علاقات متميزة مع دمشق، بما يضمن لها دوراً فاعلاً في رسم ملامح المرحلة المقبلة في سوريا. ويتضح ذلك من خلال مساعي تعيين مبعوث خاص، والقرار المفصلي الذي اتخذه الرئيس ترامب برفع العقوبات عن سوريا، في محاولة لتحييد التداعيات السلبية التي قد يفرضها استمرار نظام العقوبات أو استمرار التهميش السياسي الأمريكي على الداخل السوري ومسار استقراره.

ما دلالات اعتزام إدارة "ترامب" تعيين مبعوث خاص جديد إلى سوريا؟