د. حمدي بشير

جاءت زيارة المبعوث الصيني الخاص لمنطقة القرن الأفريقي السفير شيويه بينج، إلى الصومال، في 25 مارس 2024، في خضم مناخ مضطرب؛ حيث تشهد منطقة القرن الأفريقي حالة من عدم الاستقرار على المستوى الأمني بسبب الاضطرابات التي تتصاعد حدتها في منطقة البحر الأحمر بعد اتساع نطاق التهديدات الحوثية لحركة الملاحة البحرية، وهو ما أدى إلى اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، وتوجيه ضربات عسكرية للبنية العسكرية لمليشيا الحوثيين في اليمن.كما تأتي زيارة المبعوث الصيني في سياق تصاعد التوتر الصومالي–الإثيوبي بعد توقيع إثيوبيا وأرض الصومال، في أول يناير الماضي، على صفقة تسمح للأولى بالوصول إلى البحر الأحمر، والحصول على تسهيلات بحرية في ميناء بربرة، مقابل اعترافها بأرض الصومال دولةً مستقلةً؛ الأمر الذي يزيد من احتمال توسيع نطاق المواجهات بين إثيوبيا والصومال، ويهدد أمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي، وهي منطقة مصالح حيوية واستراتيجية بالنسبة إلى الصين.دوافع عديدةتعكس الزيارات المكثفة من جانب المسؤولين الصينيين إلى الصومال، الاهتمام الصيني المتنامي بتعزيز العلاقات معها، وهو ما يعود إلى جملة من الدوافع الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، ويتمثل أبرزها في:1– التصعيد العسكري الدولي في البحر الأحمر: دفعت التهديدات الحوثية لحركة التجارة في المنطقة بدايةً من 19 نوفمبر الماضي، الدول الغربية إلى اتخاذ خطوات تصعيدية مقابلة؛ حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في 19 ديسمبر الماضي، عن إنشاء تحالف "حارس الازدهار"، ثم أعلن الاتحاد الأوروبي لاحقاً، وتحديداً في 19 فبراير الماضي، عن مهمة "أسبيدس" في البحر الأحمر؛ الأمر الذي دفع الصين إلى التدخل لحماية مصالحها من خلال الإعلان في 24 فبراير الماضي عن إرسال الأسطول السادس والأربعين إلى منطقة البحر الأحمر؛ حيث يُبحِر الأسطول العسكري الصيني من ميناء مدينة تشانج–جينج الساحلية في مقاطعة جوانجدونج جنوب الصين، لمرافقة الأسطول البحري الصيني في منطقة خليج عدن في اليمن وقبالة سواحل الصومال؛ حيث تعمل فرق عمل تابعة للبحرية الصينية في البحر الأحمر وخليج عدن، وكذلك مكافحة القرصنة في منطقة القرن الأفريقي.وفي هذا السياق، حذر القائم بأعمال السفير الصيني لدى اليمن تشاو تشنج، من تأثير التصعيد في منطقة البحر الأحمر على حركة الملاحة البحرية الصينية عبر البحر الأحمر، وطالب رسمياً بضرورة وقف الحرب على غزة من أجل وقف هذه الهجمات ضد السفن التجارية، كما أشارت الخارجية الصينية إلى تداعيات التصعيد على تكاليف الشحن؛ حيث ارتفعت أسعار التأمين على النقل البحري والسفن، مع اضطرار بعض السفن الصينية إلى المرور عبر جنوب أفريقيا؛ ما يرفع التكاليف ويُطيل المسافة والوقت اللازمَين لوصولها.ولذلك وجهت الصين دعوة إلى ضرورة تجنيب المنطقة والعالم تصعيد التوتر في البحر الأحمر، واحتواء تداعياته على الصين والمنطقة، وحذَّرت من أن استمرار الصراع في البحر الأحمر قد يخرج عن نطاق السيطرة، مع مطالبة كافة الأطراف المعنية بالحفاظ على الأمن المشترك للبحر الأحمر، واحترام سيادة الدول المطلة عليه، ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها.2– موازنة التحركات الأمريكية في الصومال: بالتوازي مع اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعزيز حضورها في منطقة البحر الأحمر، سعت أيضاً، منذ 15 فبراير 2024، إلى دعم نفوذها العسكري في الصومال، من خلال التوقيع على اتفاق أمني لتدريب الجيش الصومالي على القتال ضد حركة "شباب المجاهدين".كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم مع الصومال لبناء خمس قواعد عسكرية للجيش الوطني الصومالي؛ من أجل مكافحة التنظيمات الإرهابية، ولا سيما حركة "شباب المجاهدين". ومن شأن هذا الاتفاق أن يُعزز الحضور العسكري الأمريكي في الصومال، فضلاً عن تصاعد التنافس العسكري الدولي في دولة الصومال التي اكتسبت اهتماماً خاصاً من جانب العديد من القوى الدولية والإقليمية. ومن دون شك، فإن هذه الأهمية تزايدت عقب التطورات التي وقعت في منطقة البحر الأحمر التي أنتجت تداعيات مباشرة على المستوى الدولي.3– تأكيد مبدأ "الصين واحدة" واحتواء تمدد تايوان: يمكن قراءة هذا الاهتمام الصيني المتنامي بتعزيز العلاقات مع الصومال في سياق التنافس بين الصين وتايوان في المنطقة؛ حيث اتجهت تايوان وأرض الصومال إلى تعزيز علاقاتهما، وفتح مكاتب تمثيلية متبادلة في 17 أغسطس و9 سبتمبر 2020.لذلك أعربت بكين عن دعمها وحدةَ الصومال بعد أن اتجهت أرض الصومال إلى توقيع اتفاق أمني مع إثيوبيا بدون موافقة الصومال، في مقابل تأكيد الصومال لوحدة الصين. ونشرت السفارة الصينية في الصومال رسالة على منصة "إكس" نقلت فيها عن المتحدثة باسم الخارجية الصينية ماو نينج، قولها إن "أرض الصومال جزء من الصومال. والصين تدعم الحكومة الفيدرالية الصومالية في حماية الوحدة الوطنية وسيادة ووحدة أراضيها".ويأتي هذا في الوقت الذي تكثف فيه الصين جهودها الدبلوماسية من أجل عزل تايوان، من خلال العمل على تعزيز العلاقات مع الصومال، التي كانت فاترة منذ أن انضمت الأخيرة إلى الدول الغربية في توجيه انتقادات إلى السياسة الصينية حول وضع حقوق الإنسان في شينجيانج.4– حماية المصالح الاقتصادية الصينية بالمنطقة: تؤسس الصين وجوداً اقتصادياً متنامياً في المنطقة؛ حيث تمتلك استثمارات كبيرة في قطاع البنية التحتية والنفط في الصومال. ويمكن أن يفرض التوتر بين الصومال وإثيوبيا، بالإضافة إلى التصعيد في البحر الأحمر، تهديداً لهذه المصالح.إذ تُبدِي الشركات الصينية في شرق أفريقيا المتاخمة للممر المائي للبحر الأحمر، مخاوف متزايدة إزاء هذا التوتر؛ حيث تتحمل هذه الشركات الصينية – كما سبقت الإشارة – تكاليف متزايدة، ولا يمكنها تحمل تكلفة استخدام الطرق الجوية والبرية والبحرية البديلة، أو إنتاج كميات أقل حتى تتوقف هجمات الحوثيين.تداعيات محتملةيُتوقع أن تستمر الصين في تعزيز دورها في الصومال وحماية مصالحها الاقتصادية وحضورها العسكري في المنطقة، وهو الأمر الذي سوف يفرض تداعيات على العلاقات الصينية مع دول المنطقة والقوى الدولية المعنية بها؛ وذلك على النحو التالي:1– تبني الصين موقفاً محايداً تجاه التوتر الصومالي–الإثيوبي: رغم أن الصين أكدت دعم وحدة الصومال بعد توقيع إثيوبيا على اتفاق أمني مع أرض الصومال، فإنها لم توجه انتقادات للسياسة الإثيوبية؛ حيث أعربت الصين عن أملها أن تتمكن دول المنطقة من إدارة الخلافات من خلال "الحوار الدبلوماسي".لذلك من غير المرجح أن تنحاز الصين إلى أحد الجانبين؛ حيث إنها تؤسس علاقات وثيقة مع إثيوبيا. وقد قامت الصين بتمويل وبناء مشروع سكة حديد أديس أبابا–جيبوتي؛ حيث يُعَد أحد محاور مبادرة "الحزام والطريق". ولا يُستبعَد أن تعمل الصين على تكثيف جهودها الدبلوماسية لاحتواء التوتر في منطقة القرن الأفريقي، وربما تستضيف أو تتوسَّط في مباحثات بين الصومال وإثيوبيا من أجل وقف التصعيد، عبر طرح مبادرات أو عرض صفقات لحل الأزمة بين الدولتين.2– خفض بكين التصعيد مع الدول الغربية في المنطقة: لا يبدو أن بكين سوف تتجه إلى مزيد من التصعيد في المنطقة في هذا التوقيت، بل من المتوقع أن تعمل على تقليص حدة التوتر واحتوائه؛ حتى لا تتعرض مصالحها الاقتصادية لمزيد من الخسائر والتكاليف الباهظة. ويبدو أن من مصلحة الصين دعم القوات الأمريكية والأوروبية، ولو ضمنياً، للحيلولة دون نشوب صراع أكبر بين إسرائيل وإيران، أو صراع إقليمي يمكن أن يمتد من الحرب في غزة؛ ما يعرقل حركة الملاحة الصينية في البحر الأحمر.3– تعزيز التعاون الأمني والعسكري مع الصومال: ربما هدفت المباحثات التي أُجرِيت بين وزير الدفاع الصومالي حسن حسين حاجي، والسفير الصيني لدى الصومال "في شنجشاو"، في 29 مارس 2024، إلى تعزيز التعاون الأمني والدفاعي بين الدولتين؛ إذ تعهَّد السفير الصيني بـمواصلة بلاده دعمها المستمر للصومال على كافة الأصعدة.لذلك من المتوقع أن تعمل الصين على تعزيز حضورها الأمني في المياه الصومالية، في إطار جهودها لمكافحة عمليات القرصنة قبالة السواحل الصومالية، وخاصةً أن بكين كانت في طليعة القوى التي شاركت في مكافحة القرصنة. وقد تَعرِض الصين مساعدات عسكرية أو برامج تدريب للقوات الصومالية بما يعزز حضورها العسكري في الصومال.4– تكثيف تحركات خصوم بكين في الصومال: من المُرجَّح أن هذا الاهتمام الصيني بالوجود في الصومال، سيدفع نحو تزايُد حدة التنافس في الصومال؛ بحيث يعمل خصوم بكين على توسيع حضورهم في الصومال، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي تدعم مقديشو في مجالات متعددة قد يكون أهمها في اللحظة الراهنة المساندة في مواجهة حركة الشباب.مصالح بكينختاماً، يمكن القول إن التحركات الدبلوماسية والعسكرية الصينية المتنامية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، تشير إلى اهتمام صيني خاص بالانخراط بشكل نشط في المنطقة، مع الحفاظ على نهج برجماتي حيال التوترات والصراعات بين دول المنطقة بشكل يحافظ على مصالحها مع كل الأطراف؛ لذلك سوف تعمل الصين على تمييز سياستها عن السياسة الأمريكية في المنطقة، مع تجنب سيناريوهات التصادم. وقد اتضحت معالم هذه السياسة منذ رفض الصين الانضمامَ إلى "تحالف الازدهار".وفيما يبدو، فإن ثمة تفاهمات صينية–إيرانية حيال التطورات في منطقة البحر الأحمر، وكان لافتاً أن السفن الصينية لم تتعرض لأي هجمات من جانب الحوثيين، ولم تدعم بكين بوضوح الضربات الأمريكية والبريطانية للمواقع والقواعد العسكرية واللوجستية للمليشيا الحوثية في اليمن؛ حيث تتبنى الصين وجهة نظر مختلفة عن المنظور الأمريكي والبريطاني في التعامل مع التهديدات الحوثية؛ إذ تؤكد بكين ضرورة حل القضية الفلسطينية ووقف الحرب في غزة.وعلى أية حال، ورغم هذا الخلاف والتنافس الأمريكي–الصيني، فإن بكين سوف تحافظ على خيار التهدئة، وتجنُّب السياسات التصادمية مع الولايات المتحدة الأمريكية، بالتوازي مع بذل المزيد من الجهود لخفض التصعيد في البحر الأحمر، من خلال العمل على الوصول إلى تفاهمات مع إيران، وخفض التوتر في القرن الأفريقي عبر محاولة فتح قنوات للحوار بين إثيوبيا والصومال.

لماذا تهتم الصين بتعزيز العلاقات مع الصومال؟