ميرال حسين

في خطوة مفاجئة، وقبل يومين فقط من الانتخابات التمهيدية في ولاية "نيو هامبشاير"، أعلن حاكم ولاية فلوريدا "رون ديسانتيس"، الذي كان من أبرز المنافسين الجمهوريين على الانتخابات الرئاسية، انسحابه من السباق الرئاسي، معلناً تعليق حملته الانتخابية وسط نتائج استطلاعات قاتمة في "نيو هامبشاير" و"كارولينا الجنوبية"؛ ما يمثل تحولاً كبيراً في المجال الأساسي؛ حيث إنه لم يكتفِ بهذا الأمر، بل أعلن تأييده الرئيس السابق "دونالد ترامب"؛ فرغم إشارته إلى الخلافات، أكد تفوق "ترامب" على الرئيس الحالي "جو بايدن". وبهذا القرار يترك "ديسانتيس" الساحة لـ"نيكي هيلي" لتكون المنافسة الجمهورية الوحيدة لترامب في السباق الرئاسي.أسباب محتملةقد يُعزى قرار "ديسانتيس" بالانسحاب من السباق الرئاسي إلى مجموعة من النتائج المبكرة المخيبة للآمال، وغيرها من الأسباب المحتملة التي يمكن تسليط الضوء على أبرزها على النحو التالي:1– أداء مخيب للآمال في ولاية "أيوا": على الرغم من قيام حاكم ولاية فلوريدا "ديسانتيس" بنقل حملته الانتخابية إلى ولاية "أيوا" في أواخر العام الماضي، وإنفاق منظمة Never Back Down – وهي لجنة العمل السياسي المتحالفة معه – عشرات الملايين من الدولارات على طرق أبواب الولاية، جاء في المركز الثاني في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية "أيوا"؛ حيث حصل على 21.2% من الأصوات، بينما تقدم "ترامب" بنسبة 51.0%، واحتلت "نيكي هيلي" المركز الثالث بنسبة 19.1%.ومن ثم، ساهم حصول "ديسانتيس" على المركز الثاني المخيب للآمال في المؤتمرات الحزبية للحزب الجمهوري في ولاية "أيوا" وحصوله على ما يقرب من 30 نقطة خلف "ترامب" في قرار تعليق حملته. وقد يكون هذا عاملاً مهماً؛ حيث إن النتائج الضعيفة في الانتخابات التمهيدية المبكرة يمكن أن تؤثر على جدوى المرشح وزخمه.2– إدراك "ديسانتيس" صعوبة تحقيق الفوز: ذكر "ديسانتيس"، في بيانه، أنه لا يستطيع أن يطلب من المؤيدين التطوع بالوقت والموارد دون طريق واضح لتحقيق للفوز؛ إذ ربما كان "ديسانتيس" يأمل بوجه خاص أن تلحق بترامب المشاكل القانونية، إلا أنه لم ينتقد ترامب أبداً، وبدلاً من ذلك ردد في كثير من الأحيان ادعاءات منافسه بأنه تم استهدافه بشكل غير عادل.كما أنه في أحيان أخرى، كان يهدف إلى منع "هيلي" من الفوز في نيو هامبشاير، والتغلب عليها في ولاية ساوث كارولينا، ووضع نفسه بديلاً واضحاً لترامب في انتخابات الرئاسة، إذا منعَه حظرُه القانوني أو سنه من الوصول إلى المرحلة الأخيرة من الانتخابات.3– هيمنة ترامب على الحزب الجمهوري: ربما يكون استمرار شعبية ترامب وهيمنته داخل الحزب الجمهوري، كما يتضح من أدائه القوي في ولاية أيوا، قد أثر على قرار "ديسانتيس". وقد يكون من الصعب على أي مرشح التنافس مع "ترامب" على ترشيح الحزب.4– صعوبة استقطاب دعم الجمهوريين: كافح "ديسانتيس" لإقناع المرشحين الجمهوريين الآخرين للرئاسة بأنه هو و"ترامب" يقفان بمفردهما على قمة الحزب الجمهوري. وقد يشير هذا إلى صعوبة تعزيز الدعم داخل الحزب ووضع نفسه كبديل واضح لـ"ترامب". ودلل على هذه الإشكالية استطلاعات الرأي التي كشفت عن تراجع حظوظ "ديسانتيس" مقارنةً بترامب وكذلك هيلي في بعض الولايات.5– مواجهة الحملة الانتخابية تحديات عديدة: أدار حاكم فلوريدا – الذي بدا ذات يوم كأنه المنافس الأكثر صعوبةً لدونالد ترامب – حملة مكلفة ومضطربة فشلت في جذب الناخبين الجمهوريين؛ حيث واجهت حملة "ديسانتيس" مشاكل داخلية، بما في ذلك تجاوز التكاليف والتغييرات (فخلال الشهرين الأولين، تم طرد 40% من الموظفين الأوائل للحفاظ على الموارد)، مع اشتباكات بين المانحين؛ حيث أدت الضائقة المالية إلى رفع دور Never Back Down، الذي وعد بإنفاق 200 مليون دولار لتعزيز دوره، لكن انتهى به الأمر إلى الغرق في الاقتتال الداخلي الذي غالباً ما أدى إلى ظهور عناوين سلبية تلقي بظلالها على الحملة نفسها.ومن ثم، جاء رحيل "ديسانتيس" بعد مناقشات مع الجهات المانحة؛ حيث قرر العديد من أكبر المانحين من الحزب الجمهوري المناهض لترامب الذين دعموه في الأصل، التبرع لمرشحين آخرين أو الانسحاب من انتخابات 2024، بالإضافة إلى الاعتراف بعدم وجود الأساس المنطقي والدعم المالي للاستمرار، كما أثبت مسار حملته أنه يمثل تحدياً بالنسبة إلى "ديسانتيس"؛ حيث انتُقدت تعاملاته مع الناخبين، وواجه صعوبات في توضيح الأساس المنطقي المتماسك لترشيحه. يشير هذا إلى أن أداءه وتواصله خلال الحملة الانتخابية ربما كانا من العوامل التي ساعدت في اتخاذ القرار .تداعيات جمةلا شك أنه من المرجح أن يكون لمثل هذه التطورات تأثيرات متتالية على مسار الانتخابات؛ لذلك يمكن تناول أبرز تداعيات قرار ديسانتيس بالانسحاب من السباق الانتخابي على النحو التالي:1– تعزيز موقف ترامب في الانتخابات: مع انسحاب "ديسانتيس" وإعلان تأييده لـ"ترامب"، فإن ذلك يعزز مكانة "ترامب" داخل الحزب الجمهوري، الذي بدوره سيؤدي إلى تعزيز نفوذ "ترامب" في صفوف ناخبي الحزب الجمهوري، وربما يثبط عزيمة المنافسين الآخرين؛ إذ رحب "ترامب"، الذي فاز بشكل حاسم في ولاية أيوا، بتأييد ديسانتيس.وهو بالفعل ما أظهره استطلاع جديد للرأي أجرته شبكة "سي إن إن" وجامعة نيو هامبشاير (UNH)، في الفترة ما بين 16 و19 يناير على 2348 مشاركاً، أي قبل ساعات فقط من إعلان "ديسانتيس" انسحابه من الانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2024؛ حيث أكد أنصار "ديسانتيس" دعمهم الرئيس السابق "ترامب" باعتباره مرشحهم الثاني في نيو هامبشاير مقارنة بسفيرة الأمم المتحدة السابقة "نيكي هيلي".وقد أظهر الاستطلاع أن 62% من الناخبين المحتملين للحزب الجمهوري في نيو هامبشاير الذين اختاروا "ديسانتيس" بصفته مرشحهم الأول، اختاروا "ترامب" باعتباره مرشحهم الثاني، بينما اختار 30% "هيلي" مرشحاً بديلاً. ويأتي الاستطلاع قبل أيام قليلة من إدلاء الناخبين في ولاية "نيو هامبشاير" بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. وتشير نتائج هذا الاستطلاع إلى أن أنصار ديسانتيس في نيو هامبشاير قد يساعدون في تعزيز فرص ترامب في الولاية.2– إمكانية استفادة ترامب من الكتلة الداعمة لديسانتيس: قد يؤثر تأييد "ديسانتيس" على كيفية إدراك الناخبين لترشيح "ترامب". ومن الممكن أن يعزز ذلك مصداقية "ترامب" ويعزز خطاب الحزب الجمهوري الموحد الذي يتجه نحو الانتخابات العامة. كذلك قد يؤدي تأييد "ديسانتيس" إلى تخفيف بعض الانتقادات والهجمات التي وجهها "ترامب" إليه خلال الحملة.3– تصاعد حدة التنافس بين ترامب وهيلي: إن خروج "ديسانتيس" – الذي كان يعتبر ذات يوم بديلاً محتملاً لترامب – يترك خيارات أقل للجمهوريين الذين لا يتحالفون مع قيادة "ترامب". تظل "نيكي هيلي" واحدة من المرشحين القلائل في هذه الفئة.ومع ذلك، تتصاعد حدة التنافس بين "ترامب" وحاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة "نيكي هيلي" قبيل الانتخابات التمهيدية في "نيو هامبشاير"؛ فترامب المعروف بخطاباته الاستفزازية، يسخر من اسم هيلي، بينما تشكك هيلي في عمر ترامب ولياقته العقلية، كما تظهر استطلاعات الرأي أن "هيلي" لديها أفضل فرصة للتغلب على ترامب. وقد يؤدي انسحاب "ديسانتيس" من المشهد إلى إعادة تنظيم حملات دعم هيلي، وجهود جمع التبرعات، واهتمام الناخبين بين أولئك الذين يبحثون عن بديل لترامب. كذلك قد يقوم المرشحون بتعديل استراتيجياتهم استجابةً لهذا التحول، مع الاعتراف بالتحدي الهائل المتمثل في التنافس ضد الدعم الواسع النطاق الذي يحظى به "ترامب".4– ترقب نتائج الانتخابات في نيو هامبشاير: ومع خروج "ديسانتيس"، ستقتصر الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير على ترامب وهيلي؛ حيث يهدف ترامب إلى تحقيق سلسلة انتصارات مبكرة، بينما تعطي استطلاعات الرأي الأخيرة حافزاً كبيراً لـ"هيلي" بتصاعد فرصها في المنافسة؛ حيث تأتي في المرتبة الثانية نسبياً في "نيو هامبشاير".5– الانعكاسات المحتملة على وحدة الحزب الجمهوري: وقد يساهم انسحاب "ديسانتيس" وتأييده لترامب في تصدير بعض الإشكاليات إلى داخل الحزب الجمهوري؛ فربما يشعر التيار المعارض لترامب بالضعف مقارنة بالجمهوريين المتحالفين مع "ترامب". ومن ثم، يحتمل أن تتزايد حدة الصدامات داخل الحزب الجمهوري، وخاصةً أن التيار المعارض لترامب قد لا يجد في "هيلي" بديلاً مناسباً يمكن المراهنة عليه لهزيمته.6– تحرك "ديسانتيس" لتأمين منصب مهم في إدارة ترامب المحتملة: قد يسعى "ديسانتيس"، بعد قراره بالانسحاب وتأييد "ترامب"، إلى تأمين منصب مهم في إدارة ترامب القادمة إذا فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ فمن خلال التحالف مع "ترامب"، يمكنه الحفاظ على الدعم داخل الجناح الترامبي للحزب، ووضع نفسه في أدوار أو ترشيحات محتملة في المستقبل، وربما يحصل على دعم ترامب للترشح نائباً للرئيس.وإجمالاً لما سبق، على الرغم من قضاء "ديسانتيس" أشهراً في التخطيط لحملة رئاسية عقب فوزه عام 2022، وكان لديه كل الزخم وكل الأموال مع بدء الدورة الانتخابية لعام 2024 بشكل جدي؛ لم تُؤتِ أيٌّ من هذه الخطط الأفضل ثمارها. ومن ثم، فإن ديناميكيات الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري تتوقف الآن على هيمنة "ترامب" ومحاولة "هيلي" إيجادَ مسار محافظ بديل.

ماذا بعد خروج حاكم فلوريدا من سباق الرئاسة الأمريكية؟