د. حمدي بشير

شن مسلحو حركة الشباب هجوماً بقذائف الهاون، في 7 أبريل 2025، استهدف مطار آدم عدي الدولي في مقديشو، وأكدت بعثة الاتحاد الأفريقي للدعم وتحقيق الاستقرار في الصومال أن القذائف استهدفت معسكر هالاني المنيع، حيث تعمل جهات أممية ودبلوماسية، فيما أشار متحدث رسمي باسم البعثة إلى أن فريقاً متخصصاً يجري تقييماً للأضرار. ويبدو أن استراتيجية الحركة تتجه لتركيز عملياتها وهجماتها في العاصمة مقديشو، حيث زادت هجمات قذائف الهاون في العاصمة بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة. وهو ما يطرح تساؤلات حول دلالات هذا الهجوم الإرهابي في هذا التوقيت وانعكاساته المحتملة.دلالات عديدة ثمة جملة من الدلالات يمكن قراءتها من تركيز حركة شباب المجاهدين الصومالية عملياتها داخل العاصمة مقديشو، ومن أبرزها:1- التخطيط للسيطرة على العاصمة مقديشو: حيث يأتي هذا التصعيد بعد أسابيع قليلة من محاولة الحركة اغتيال الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، وكذلك بعد أيام من إعلان الحركة، يوم 5 أبريل الجاري، عن استهداف عناصرها القصر الرئاسي في العاصمة مقديشو وذلك أثناء تواجد الرئيس الصومالي "حسن شيخ محمود" وعدد من المسؤولين، مما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى، بالإضافة إلى تدمير بعض المنشآت داخل القصر.وتُشير التقارير إلى تخطيط حركة الشباب للسيطرة على مقديشو وفرض سلطتها الحاكمة. وتستغل هذه الخطوة الجريئة حالة عدم الاستقرار السياسي الراهنة التي تعصف بالحكومة الاتحادية. وأفادت التقارير بأن الحركة كثّفت عملياتها العسكرية وجهودها التجنيدية، سعياً منها لاستغلال تنامي السخط الشعبي وتشرذم السلطة السياسية. وتشير التقارير إلى أن الحركة حشدت ما يقارب 3000 جندي مشاة و200 وحدة نخبة عالية التدريب في مواقع استراتيجية قرب مناطق دار السلام وأفغوي والجزيرة. ويشير هذا الوجود العسكري الكبير إلى جهود منسقة جيداً لتعزيز معقلها الإقليمي. وتتمثل الاستراتيجية الشاملة للجماعة المسلحة في شن هجوم منسق يهدف إلى الاستيلاء على العاصمة مقديشو. وتعمل الحركة بنشاط على إغراء عدد من الوزراء الرئيسيين من إدارة الرئيس حسن شيخ محمود، بالإضافة إلى عدد من البرلمانيين المؤثرين، للانشقاق والانضمام إلى صفوفها لتشكيل حكومة منافسة.وعلاوة على ذلك، تثير سيطرة الحركة على منطقة بلقاد، التي تقع على بُعد 30 كم فقط من العاصمة مقديشو، المخاوف بشأن التهديد الوشيك للعاصمة نفسها. ويبدو أن استراتيجية حركة الشباب تُحاكي الصراعات التي شهدتها سوريا، حيث استُخدمت أساليب مماثلة لزعزعة استقرار الهيئات الحاكمة. ويبدو أن هدفهم هو إجبار الحكومة الصومالية الحالية على التفاوض، سعياً للحصول على حصة جريئة من السلطة تشمل تمثيلاً بنسبة 30% في المناصب الوزارية الحكومية ودوراً ذا أهمية بالغة لرئيس الوزراء.2- استعادة الحركة ترتيب صفوفها: حيث حققت حركة الشباب مكاسب كبيرة في وسط الصومال منذ أن شنت هجومها على شبيلي في فبراير 2025. ووسعت حركة الشباب موطئ قدمها بسرعة، مستغلة العقبات التي تحول دون التنفيذ الكامل لمهمة الاتحاد الأفريقي للحد من الجماعة، وحقق هجوم الحركة على شبيلي الوسطى نجاحات عملياتية رئيسية في مناطق شبيلي في الصومال منذ بدايته في فبراير. بينما صعّدت الحركة من وتيرة عملياتها، حيث زادت هجماتها الشهرية بنحو 50% في عام 2025 مقارنةً بمتوسطها في عام 2024 في منطقتي هيران وشبيلي الوسطى، وفقاً لبيانات مشروع بيانات أحداث الصراعات المسلحة ومعهد دراسة الحرب بالولايات المتحدة. وقد أدت الهجمات الأخيرة إلى الاستيلاء على بلدات استراتيجية رئيسية، بل وحتى إلى الاستيلاء مؤقتاً على قاعدة عسكرية تابعة للقوات المسلحة الصومالية، واستغلت الحركة انخراط الجيش في القتال على جبهات متعددة في الأجزاء الجنوبية والوسطى من البلاد. 3- اختراق الحركة جهازَ الأمن الصومالي: إذ حذرت مصادر استخباراتية من أن حركة الشباب تسللت إلى عناصر قوات الأمن الصومالية، حيث يزعم أن بعض عناصرها يشغلون مناصب داخل الحكومة. وقد حذر القائد السابق للجيش الوطني الصومالي، الجنرال إبراهيم شيخ محيي الدين، من تسلل حركة الشباب إلى صفوف الجيش الصومالي، عقب اغتيال المقدم نور محمد جابو، المعروف باسم نور فاري. وقال الجنرال محيي الدين في تصريح بتاريخ 7 فبراير 2025: "نمر بوقت عصيب، إذ لا يوجد تمييز واضح بين العدو والجيش. العدو يختبئ في صفوف الجيش بكل أشكاله"، واصفاً مقتل القائد بأنه "أمر مؤسف ودليل على إهمال المؤسسات".4- العلاقات المتنامية بين الحركة ومليشيا الحوثي: وسّع الحوثيون دعمهم لحركة الشباب في الصومال في الأشهر الأخيرة في إطار مقايضة عملية. وأبرز تقرير فبراير الصادر عن فريق الدعم التحليلي ومراقبة العقوبات التابع للأمم المتحدة أن حركة الشباب والحوثيين قد عززوا من تعاونهما المتبادل، حيث يزود الحوثيون حركة الشباب بالأسلحة مقابل زيادة عمليات القرصنة الحوثية قبالة سواحل الصومال. لذلك أعرب محللون أمنيون عن قلقهم إزاء العلاقات المتنامية بين حركة الشباب ومليشيا الحوثي في ​​اليمن، التي يقال إن الحركة تحصل منها على أنواع مختلفة من الأسلحة والذخائر. والتدفق المستمر للأسلحة من خلال شراكتها البراجماتية مع الحوثيين ومختلف مصادر الدخل.مخاطر عديدةبرغم تصعيد حركة الشباب عملياتها وهجماتها وتعزيزاتها العسكرية قرب العاصمة مقديشو، لكنها تواجه العديد من المخاطر المحتملة، وذلك على النحو التالي: 1- تصاعد صراع الفصائل والعشائر داخل الحركة: حيث يُهدد الصراع على السلطة بين العشائر بتفتيت قيادة حركة الشباب. ويكمن جوهر هذا التوتر في انقسام حاد بين نخب قبيلتي "دير" و"هوية". وبينما خضعت حركة الشباب لفترة طويلة لسيطرة زعماء دير (من منطقة أرض الصومال) وأبرزهم الزعيم الحالي أحمد ديري، المعروف بأبي عبيدة، خليفة الراحل أحمد غودان "أبو الزبير"، إلا أن الوجوه العامة للجماعة هيمنت عليها شخصيات بارزة من قبيلة هوية، وهذا الأمر يثير احتمالية تفاقم الصراع الداخلي بين الطرفين. 2- اختراق تنظيم داعش للحركة واستقطاب قادتها: ففي ظل هذا الصراع المتنامي بين فصيلي "الهوية" و"الدير" فإن تحدي وخطر اختراق تنظيم داعش للحركة يبقى قائماً، حيث سبق أن نجح تنظيم داعش في استثمار الصراع داخل بوكوحرام واستقطب أحد الفصيلين الذي بايع بالولاء والطاعة لداعش ( وهو الفصيل الذي أطلق على نفسه فيما بعد داعش غرب أفريقيا)، وفي الوقت الذي تواجه فيه حركة الشباب تصاعد الصراعات الداخلية يبرز تنظيم داعش ونفوذه المتنامي في الصومال؛ حيث استغل التنظيم ضعف هياكل الحكم والتضاريس الوعرة والجبلية لمنطقة باري ليبرز كمركز عملياتي ولوجستي ومالي حاسم لتنظيم داعش الأم، ويسعى داعش في الصومال الآن، وذلك بالرغم من الضربات الأمنية المكثفة التي تعرض لها، العمل كحلقة وصل لوجستية رئيسية في شبكته العالمية؛ إذ يُسهم في إدارة المديرية العامة للمحافظات، التي تُعدّ ركيزة أساسية تُسهّل حركة الأموال والمقاتلين الأجانب والمعرفة المؤسسية من خلال مدربين ومستشارين عسكريين ذوي خبرة. 3- توسيع إدارة ترامب الضربات العسكرية للحركة: فبرغم إعراب إدارة ترامب عن رغبتها في الانسحاب من مناطق الصراع وغيرها من النقاط الساخنة العالمية، لكن الأسابيع القليلة الأولى من الولاية الثانية للرئيس ترامب شهدت تكثيف واضح في الضربات العسكرية الأمريكية في الصومال. وفي واقع الأمر، تعد الصومال المكان الذي تستخدم فيه الولايات المتحدة أكبر قدر من القوة بموجب تفويض الحرب الذي أقره الكونجرس بعد أيام من هجمات الحادي عشر من سبتمبر (2001). لذلك من المتوقع أن يعزز التحالف المتنامي بين الحوثي وحركة الشباب من توجهات ترامب لتكثيف الضربات العسكرية للجماعتين بشكل يحد من الدعم اللوجيستي المتبادل بينهما.سيناريوهات مفتوحةوإجمالاً، يمكن القول إن تصعيد حركة الشباب عملياتها وهجماتها بالقرب من العاصمة مقديشو يعكس اهتمام الحركة باستلهام تجربة حركة طالبان في أفغانستان، أو حركة تحرير الشام في سوريا؛ حيث بدأت قيادة حركة الشباب، في استكشاف مسارها الخاص والتحول من الإرهاب إلى الحكم. ومع ذلك، تواجه الحركة صراعات داخلية متنامية، ولم تُفضِ طموحاتها السياسية إلا إلى تفاقم التناقضات الداخلية وكشف الشروخ العميقة في صفوفها. وفي ظل استمرار محاولات الوساطة بين الحركة والحكومة الصومالية، تبرز مسألة مَن سيمثل الحركة. ويبدو أن فصيل "الهوية"، بظهوره العلني، هو الأنسب لقيادة مثل هذه المحادثات، بينما تواجه قيادة "دير" العرقية الأكثر سرية خطر التهميش. ومن ثم يواجه زعيم حركة الشباب خطر تقوض سلطته أو الإزاحة من قبيل الفصيل الآخر. وهو ما يقود إلى استنتاج هامٍ هو أن الحركة قد تواجه سيناريو مماثلاً لذلك الذي واجهته حركة بوكوحرام عندما انقسمت إلى فصيلين، انضم أحدهما إلى داعش، وأبقى الثاني على ولائه لتنظيم القاعدة. أو أن الحركة قد تتجه إلى التفاوض مع الحكومة الصومالية مقابل العفو عن قادتها والمشاركة في السلطة، وهو سيناريو لا يزال مستبعداً في ظل الخلافات الأيديولوجية والتوجهات السياسية للحركة مع توجهات الحكومة الصومالية.

لماذا تركز حركة شباب المجاهدين عملياتها داخل مقديشو؟