عرض: د. إيمان عبد الحليم

تشهد مناطق العالم المختلفة العديد من الأزمات والصراعات التي تكتسب درجة هائلة من التعقيد يصعب معها التوصُّل إلى تسويات نهائية لها. ومع وجود العديد من بؤر التوتر التي قد تتصاعد إلى نزاعات دولية أوسع في العام الجديد، نشرت مجلة "فورين بوليسي"، في 2 يناير 2024، تقريراً حمل عنوان "8 تهديدات متصاعدة لا يجب أن تتجاهلها في 2024"؛ حيث عرَض أخطر البؤر التي قد تظهر باعتبارها نقاط اشتعال رئيسية أو صراعات واسعة في عام 2024، ولتستحق اهتماماً أكبر من قِبل مراقبي الصراعات الدولية والمخاطر الجيوسياسية.

أزمات ممتدة

يستعرض التقرير عدداً من بؤر الصراعات والتوترات التي سيكون لها تأثير ملحوظ على التفاعلات العالمية في 2024، وهو الأمر الذي يمكن تناوله على النحو التالي:

1– توسُّع تهديدات فنزويلا لجويانا: يعتقد العديد من الفنزويليين أن جزءاً كبيراً من جويانا المعروف باسم إيسيكويبو، هو حق لدولتهم، ويرفضون حكماً صدر في عام 1899 مهَّد الطريق لاتفاقيات لاحقة جعلت المنطقة جزءاً من جويانا، لكن مع ذلك لم ينشط النزاع هناك حتى تم اكتشاف الثروة نفطية قبالة سواحل جويانا في عام 2015، التي حفَّزت رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو على العمل لتعزيز صورته من خلال تنظيم استفتاء في الثالث من ديسمبر حول ضم إيسيكويبو، في تحدٍّ لأمر محكمة العدل الدولية بوقف التصويت، محاولاً استعادة شرعيته المتراجعة قبيل الانتخابات الرئاسية التي تشهدها الدولة خلال العام الحالي. وقد أظهرت النتائج الرسمية أن الناخبين وافقوا على احتمال ضم إيسيكويبو بنسبة تزيد عن 95%، وسرعان ما أمر مادورو شركة النفط الحكومية الفنزويلية بالتنقيب في الإقليم.

وإزاء ذلك، أرسلت البرازيل قوات إلى حدودها مع فنزويلا، وأعلنت جويانا والولايات المتحدة عن تدريبات جوية مشتركة في السابع من ديسمبر؛ وذلك مع الإشارة إلى أن شركة النفط الأمريكية "إكسون" تدير عمليات بحرية كبرى في المنطقة المتنازع عليها، ليضع هذا الصدع فنزويلا في مواجهة الولايات المتحدة في وقت كانت فيه العلاقات بينهما قد بدأت تتحسَّن، كما أنه يضع فنزويلا على خلاف مع البرازيل وكوبا، اللتَين لديهما حساسية تجاه موقفها من جويانا.

وبالرغم من أن المحادثات التي توسطت فيها البرازيل ومجموعة أمريكا اللاتينية والكاريبي والجماعة الكاريبية في 14 ديسمبر أدت إلى تهدئة التوترات على نحو نسبي؛ حيث تعهَّد رئيسا فنزويلا وجويانا بشكل مشترك بتجنُّب استخدام القوة، وبالرغم من أن كاراكاس تبدو غير مستعدة للتنافس في أي معركة برية افتراضية مع جويانا قد تشارك فيها برازيليا أو واشنطن، فإنها مع ذلك قد تقوم بتحركات استفزازية في استعراض موجه بالأساس إلى جمهور مادورو المحلي، الذي ربما يحاول أيضاً إثارة الخلاف بين دول أمريكا اللاتينية وواشنطن من خلال التصعيد ومن ثم الادعاء بتجاوز الولايات المتحدة في المنطقة.

2– التخريب المحتمل للكابلات البحرية قبالة سواحل أيرلندا: يوجد عدد كبير من الكابلات البحرية على السواحل الجنوبية لأيرلندا. وبالنظر إلى أن العدد الأكبر من الكابلات التي تربط أوروبا بالساحل الشرقي للولايات المتحدة يمر عبر بحر سلتيك – وهو جزء من المحيط الأطلسي يقع جنوب أيرلندا – وباعتبار أنه يوفر الطريق الأفضل لربط أوروبا ببقية مناطق المحيط الأطلسي، فإن أيرلندا لا تمتلك سوى قوة بحرية صغيرة، وذلك ما قد يُتيح لأي قوة معادية تستهدف الإضرار بالدول المرتبطة بالاقتصاد المعولم إرسال عدد قليل من السفن إلى المياه الأيرلندية لتخريب هذه الكابلات.

وقد شهد شهر مايو من عام 2023 بالفعل تحرُّك مجموعة من السفن البحرية الروسية، ومنها "الأدميرال جريجوروفيتش" – التي شاركت في الحرب ضد أوكرانيا – في المنطقة الاقتصادية الخالصة لأيرلندا وبقيت هناك.

وبالرغم من أن الحكومات لديها الحق في التدخل ضد السفن الأجنبية في منطقتها الاقتصادية الخالصة – وخاصة في مياهها الإقليمية – فإن أيرلندا ليست في وضع يسمح لها بذلك؛ حيث يضم أسطول الخدمة البحرية الأيرلندية ما مجموعه ست سفن، جميعها سفن دورية غير مُجهَّزة لردع الوجود العسكري الروسي، وهذا ما يثير التساؤل: إذا ما قررت روسيا تخريب البنية التحتية للاتصالات العالمية في بحر سلتيك، فهل يتدخل حلف الناتو حينها نيابةً عن أيرلندا، التي ليست عضواً في المنظمة؟

3– إمكانية امتداد الصراع في ميانمار إلى الصين والهند: بالنسبة إلى أغلب المراقبين، يدور الصراع في ميانمار حول الديمقراطية، لكن التحدي هناك يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك؛ حيث يهدد عدم الاستقرار في الدولة الواقعة جنوب شرق آسيا ذات الموقع الاستراتيجي بالامتداد إلى أراضي جيرانها، بما قد يشمل العملاقَين الآسيويَّين: الصين والهند.

فبعد أن استولى المجلس العسكري في ميانمار على السلطة في انقلاب عام 2021، فقد سيطرته على العديد من البلدات والمواقع الأمنية في المناطق الحدودية للبلاد في الأشهر القليلة الماضية؛ وذلك بعد تنفيذ أكبر هجوم مُنسَّق حتى الآن من قِبل الجماعات المُتمرِّدة المنضوية في إطار "تحالف الإخوان الثلاثة"، الذي أدَّى إلى تنشيط الكفاح المُسلَّح على مستوى البلاد ضد النظام العسكري، مع امتداد القتال إلى أجزاء كثيرة من الدولة. ووفقاً للأمم المتحدة، نزح أكثر من نصف مليون شخص في أجزاء مختلفة من ميانمار بسبب تصاعد القتال، مع إجمالي مليونَي نازح منذ الانقلاب. ويبحث العديد من هؤلاء عن ملجأ في المناطق المتاخمة للهند والصين.

وكانت الهند مُتردِّدةً في قبول اللاجئين؛ لأن ذلك يزيد من الوضع الهش بالفعل في الولايات الهندية مثل مانيبور، التي اجتاحتها أعمال عنف عرقية بسبب مزاعم عن الهجرة غير الشرعية من ميانمار. وتشعر الصين بالقلق أيضاً بشأن انعدام الأمن على طول حدودها بسبب هجوم المتمردين، لكن قلقها مدفوع أيضاً بالهجمات المشتركة التي شنتها مؤخراً مع المجلس العسكري في ميانمار ضد العصابات التي تُدِير مراكز الاحتيال عبر الإنترنت، والتي تتهمها الصين بخداع العديد من مواطنيها.

ومما يزيد الأمور تعقيداً، أن لدى بكين علاقات قوية مع تحالف الجماعات المتمردة في ميانمار؛ ما أدى إلى مشهد نادر لعشرات المتظاهرين القوميين الموالين للمجلس العسكري البورمي تجمعوا خارج السفارة الصينية في يانجون أكبر مدينة في ميانمار، مع ملصقات تنتقد بكين وتتهمها بـ"دعم الجماعات الإرهابية الشمالية"، في مقابل رفض المتحدث باسم المجلس العسكري انتقاد الصين. وبعد فترة وجيزة، أجرى البلدان مناورات بحرية معاً، مع دعوة بكين إلى وقف إطلاق النار، وقالت إن الأطراف المتحاربة يجب أن تحاول حل خلافاتها من خلال الحوار.

وعلى الرغم من الضغوط الغربية، ظلَّت الهند تُقدِّم المساعدات التنموية والأمنية للمجلس العسكري البورمي، في حين أبقت على خطوط اتصالاتها مع المتمردين مفتوحةً. ومثلها مثل الصين، فمن المرجح أن تتزايد مخاوف الهند بشأن ميانمار في الأمد القريب، وسوف تسعى القوتان الآسيويتان إلى حماية مصالحهما الاستراتيجية والتجارية هناك، بالرغم من العقوبات الغربية الصارمة ضد المجلس العسكري في ميانمار، في مقابل توفير روسيا الإمدادات العسكرية؛ ما يتترك المنطقة في توازن محفوف بالمخاطر، لتمثل نقطة اشتعال يمكن أن تنتهي إلى كارثة إنسانية وأمنية.

4– تبعات الأنشطة البحرية الروسية في أبخازيا: مثَّل الحفاظ على الهيمنة في البحر الأسود أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الخارجية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولكن كشفت الضربات الأوكرانية الناجحة والمتعددة على أسطول البحر الأسود الروسي، في الآونة الأخيرة، عن نقاط ضعف جديدة للأسطول الروسي المتمركز في ميناء "سيفاستوبول"، وموانئ أخرى في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا. وتشير بيانات الأقمار الصناعية الأخيرة إلى أن موسكو بدأت بالفعل تنقل سفنها من "سيفاستوبول" إلى ميناء "نوفوروسيسك". ومع ذلك، ربما يُعِد بوتين خطة طويلة المدى يستخدم خلالها أصولاً استراتيجية أخرى في منطقة أبخازيا التي تحتلها روسيا، والتي تعتبر منطقة جورجية معترفاً بها دولياً.

ويمثل قرار موسكو الأخير توسيع قاعدتها البحرية في منطقة "أوتشامشيري" في أبخازيا تهديداً خطيراً بالتصعيد؛ حيث يقع ميناء "أوتشامشيري" على بُعد ساعة واحدة فقط من الأراضي التي تسيطر عليها جورجيا؛ وذلك فيما تحتفظ روسيا بالفعل بقاعدتَين عسكريتَين تعملان بكامل طاقتهما في منطقتَي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا المحتلتَين. وإذا نجح الكرملين في توسيع ميناء "أوتشامشيري" ثم استخدامه ملجأً لأسطول البحر الأسود، فإن هذا من شأنه أن يُعرِّض جورجيا لتهديدات أمنية جديدة، ويزيد من خطر انجرارها إلى الحرب الروسية–الأوكرانية، كما أن من شأن ميناء "أوتشامشيري" المليء بالسفن الحربية الروسية أن يصبح هدفاً للجيش الأوكراني، ومن ثم يخلق نقطة ضعف غير مسبوقة لتبليسي، التي حصلت مؤخراً على وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي.

وإذا ما قرر بوتين المضي قدماً في خططه في أبخازيا، فلن يكون بوسع جورجيا أن تفعل الكثير لمنع ذلك، ما دامت موسكو تمارس سيطرة فعلية على الأراضي المحتلة، بل تتمتع روسيا بميزة عملياتية كاملة في أراضيها الجورجية المحتلة؛ حيث لا تسمح لأي بعثات مراقبة دولية بالعمل، غير أن التصعيد في أبخازيا لن يؤثر على جورجيا وأوكرانيا فحسب، بل سيؤثر أيضاً على منطقة البحر الأسود بأكملها، التي تُستخدم طريقاً تجارياً ونقطة اتصال رئيسي بين آسيا وأوروبا.

5– تنامي تهديدات طالبان لباكستان: بعد دعمها حركة طالبان طوال عشرين عاماً ضد الحكومة الأفغانية التي تدعمها الولايات المتحدة، ونظرها إلى الجماعة باعتبارها أداةً لسياسة "العمق الاستراتيجي" التي تتبنَّاها لاحتواء الهند؛ أدركت باكستان أخيراً مدى الخطر الذي تُمثِّله الجماعة للدولة التي تعاني بالفعل من عدم الاستقرار السياسي، والإنهاك الاقتصادي والعسكري؛ حيث أضحت إسلام أباد الآن في حالة حرب متصاعدة مع فرع حركة طالبان في باكستان، التي سعت ذات يوم إلى السيطرة عليها لتحقيق طموحاتها، وقد قصفت بالفعل مواقع حركة طالبان الباكستانية داخل أفغانستان.

ولكن ما يُضاعِف من خطر طالبان في باكستان، اكتساب الحركة المزيد من الثقة بعد قدرتها على التغلب على الوجود الأمريكي في أفغانستان. ورغم نفي طالبان إيواءها أو مساعدتها حركةَ طالبان الباكستانية، فإن الأدلة لا تدعم ذلك، وخاصةً أنه تم العثور في باكستان على معدات عسكرية أمريكية الصنع تم تسليمها إلى قوات الدفاع الأفغانية خلال حرب أفغانستان مع طالبان.

وخلال ذلك، استبعد رئيس الوزراء الباكستاني المؤقت أنوار الحق كاكر، إجراء محادثات مع حركة طالبان الباكستانية قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في فبراير، رافضاً عروض الوساطة من وزير الداخلية الفعلي لطالبان سراج الدين حقاني (الذي يقود "شبكة حقاني" المُدرَجة في القائمة السوداء للإرهاب التي تنشط في أفغانستان)، فيما نظم آلاف الأشخاص في مقاطعة "خيبر بختونخوا" شمال غرب باكستان مسيرة ضد عودة التطرف الإسلامي ودعت الحكومة إلى القضاء على حركة طالبان الباكستانية، لكن ضعف الدولة لا يبعث على الأمل بأن تتخذ إجراءات مشابهة لما اتخذته في عام 2014؛ عندما دفعت بحركة طالبان باكستان عبر الحدود إلى أفغانستان. وبينما يتقاتل الساسة والضباط العسكريون في باكستان ويتآمرون من أجل السلطة والثروة، قد تستعد حركة طالبان الباكستانية للتقدم في عام 2024.

6– المواجهة بين الناتو وروسيا في القطب الشمالي: مع ذوبان القمم الجليدية، تشتد المنافسة الجيوسياسية في أقصى الشمال؛ إذ تتوق بلدان القطب الشمالي إلى الاستفادة من الموارد الطبيعية المفتوحة وطرق التجارة الجديدة. وتعمل روسيا على تكثيف وجودها العسكري في المنطقة، وحتى الصين تتطلع إلى المشاركة، معلنةً بشكل مثير أنها "دولة جارة للقطب الشمالي". وفي ظل هذا الوضع، من الممكن أن يتصاعد بسهولة أي صراع كبير يبدأ في أوكرانيا أو دول البلطيق بين حلف الناتو وروسيا، ليشمل أقصى الشمال.

إذ يتمركز الأسطول الشمالي الروسي بالقرب من مدينة "مورمانسك" الروسية، التي تبعد 120 ميلاً فقط عن "كيركينيس" في النرويج؛ حيث تبدأ حدود الناتو. وبسبب ذوبان الجليد، تتمتع السفن الحربية الروسية الآن بقدرة أكبر على المناورة لتجنُّب اكتشافها من جانب الناتو. وفيما قد يمكن للقوات الروسية إغلاق بحر البلطيق في حالة الحرب، فإن ذلك يجعل من الساحل الغربي الطويل المحمي للنرويج نقطة إنزال بديلة لعمليات الانتشار للقوات الأمريكية وقوات الناتو وقوافل إعادة الإمداد؛ ما قد يُمهِّد الطريق لمعركة جديدة في المحيط الأطلسي.

ومع ذلك، فإن الجغرافيا الجديدة لتوسع الناتو تخلق أيضاً نقاط ضعف بالنسبة إلى روسيا. ومع انضمام فنلندا والسويد – على الأرجح في المستقبل القريب – إلى الناتو، قد يصبح للحلف فجأةً عمق استراتيجي بالقرب من شبه جزيرة كولا المهمة استراتيجياً. وفي حالة نشوب صراع، يمكن للحلف مهاجمة خطوط الإمداد الروسية وقطع وعزل الأسطول الشمالي الروسي. ويمكن أن تصبح نقطة الضعف هذه أيضاً نقطة ضغط مهمة ضد روسيا في وقت السلم، ولكن فقط مع المخاطرة بخلق نقطة اشتعال محتملة أخرى.

7– انهيار بيلاروسيا في حال تحدي موسكو: يمكن القول إن روسيا نفَّذت بنجاح خلال العامَين الماضيَين "الضم الناعم" لجارتها الأصغر؛ حيث يمتد النفوذ الروسي الآن ليشمل الاقتصاد والحكومة والجيش في بيلاروسيا. ومع ذلك، وعلى الرغم من المخاوف المستمرة بشأن فتح جبهة جديدة في حرب روسيا على أوكرانيا، فإن القوات البيلاروسية لم تدخل المعركة بعد، ولكن من المتصور أن الكرملين الذي يواجه تحديات تتعلق بالقوة البشرية، قد يطالب الحكومة البيلاروسية في مينسك بالمزيد، وإذا حدث ذلك وقاوم رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو مرة أخرى، فقد تسعى موسكو إلى طرده وتنصيب زعيم أكثر مرونةً وولاءً لها.

وبالنظر إلى المؤشرات على الانقسامات العميقة داخل النخبة البيلاروسية، وبين المواطنين العاديين، وحتى داخل الجيش، فمن المحتمل أن تتسبب محاولات تنصيب رئيس جديد في حرب أهلية في الدولة؛ حيث تحمل فصائل مختلفة السلاح؛ إما لإفساح المجال لزعيم الكرملين المعين وإما للحفاظ على شبكة لوكاشينكو ونظام المحسوبية الذي يديره. وبطبيعة الحال، فإن البديل الثالث هو أن زعيمة المعارضة البيلاروسية سفيتلانا تيخانوفسكايا المنفية في ليتوانيا المجاورة، قد تسعى إلى العودة وحشد القوى المناهضة لروسيا والمناهضة للوكاشينكو.

وفي ظل مثل هذه الأوضاع، من المحتمل أن يتبع ذلك تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين البيلاروسيين إلى بولندا وليتوانيا ولاتفيا. وقياساً على الوضع في أوكرانيا – حيث فرَّ نحو 14% من سكان الدولة –يمكن للغرب أن يتوقع نحو 1.3 مليون لاجئ بيلاروسي. وأيضاً، كما هو الحال في أوكرانيا، ستواجه الولايات المتحدة وحلفاؤها المعضلة بشأن كيفية الرد؛ فهل يتم تسليح ودعم أتباع تيخانوفسكايا أو أي فصيل آخر علناً؟ أم هل تنفذ عمليات سرية تهدف إلى إبقاء الصراع مشتعلاً لإخلال توازن بوتين؟ أم تبقى خارجاً تماماً في ظل وجود القوات العسكرية الروسية؟ ليكون من شأن انهيار بيلاروسيا أن يشكل فوضى محتملة أخرى على طول خط الصدع بين الشرق والغرب.

8– انقلاب غير مستبعد في الكاميرون: يدخل الصراع المسلح في الكاميرون الناجم عن أزمة الإقليمَين الناطقَين باللغة الإنجليزية، عامه السادس؛ وذلك بعد أن تسبب هذا الصراع الذي بدأ في عام 2017 في النزوح الداخلي لنحو مليون شخص، مع مقتل ما لا يقل عن 6000 مدني في المنطقتين على يد القوات الحكومية والانفصاليين المسلحين. ويتفاقم الوضع على الأرض الآن بسبب الأزمة الإنسانية التي تلوح في الأفق؛ حيث يحتاج ما لا يقل عن مليونَي شخص حالياً مساعدات إنسانية في كلٍّ من المنطقتَين الشمالية الغربية والجنوبية الغربية من الكاميرون.

ورغم أن الأزمة لم تَحْظَ بالتغطية الدولية المستحقة، فمن المتوقع مع ذلك أن تتصاعد وتصبح أكثر تعقيداً في عام 2024؛ بسبب التهديد المستمر الذي يُشكِّله تنظيم الدولة الإسلامية في غرب أفريقيا (ISWAP)، وهو الفصيل المنشق عن جماعة "بوكو حرام" المسلحة، التي قتلت أكثر من 3000 كاميروني في إقليم أقصى الشمال؛ ما أدى إلى تفاقم حالة انعدام الأمن.

ومما يزيد الوضع تعقيداً على أرض الواقع، عودة ظهور الانقلابات في المناطق المجاورة، بما في ذلك جمهورية النيجر، مع وضعنا في الاعتبار أن القرار الذي اتخذته نيامي بعد الانقلاب بالحد من مشاركتها في قوة المهام المشتركة المتعددة الجنسيات – وهو تحالف أمني إقليمي يضم دول حوض بحيرة تشاد، والتي تنتمي الكاميرون إلى عضويته – يُعرِّض الجناح الشمالي للكاميرون لاحتمال وقوع المزيد من الهجمات الإرهابية.

ومع تزايد عدم ثقة الكاميرونيين بحكومتهم (بقيادة الرئيس بول بيا البالغ من العمر 90 عاماً ويقضي معظم العام في الخارج في سويسرا)، من المُرجَّح أن يؤدي تفاقم انعدام الأمن في عام 2024 إلى تفاقم أزمة الإقليمَين الناطقَين باللغة الإنجليزية؛ ما قد يُمهِّد الطريق لاستيلاء عسكري جديد على السلطة. ولا شك أيضاً أن خروج بيا الحتمي من المشهد السياسي، من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التوترات داخل الحزب الحاكم، فضلاً عن تفاقم الصراع داخل المؤسسة الأمنية المنقسمة بشدة في الكاميرون. وكان هذا هو الحال في السودان المتورط حالياً في حرب أهلية أثارت تهديدات إقليمية أوسع نطاقاً.

وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول في الختام، إن التهديدات الدولية لا تقتصر على ما يشهده العالم بالفعل من نزاعات؛ إذ لا يُستبعَد تضاعف هذه التهديدات خلال عام 2024؛ وذلك بفعل بؤر التوتر المتعددة التي تشهدها أقاليم العالم المختلفة.

المصدر:

"8 Simmering Threats You Shouldn’t Ignore in 2024", Foreign Policy, January 2, 2024, accessible at: https://foreignpolicy.com/2024/01/02/threats–wars–risk–2024–guyana–belarus–myanmar–abkhazia–ochamchire–cameroon–biya–arctic–nato–pakistan–ttp–ireland/

ما التهديدات المحتملة للأمن العالمي في 2024؟