د. محمد عباس ناجي

تكتسب زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى باكستان في 2 و3 أغسطس 2025 أهمية خاصة كونها أول زيارة رسمية له بعد الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتأتي بعد موقف باكستان المؤيد لإيران في تلك الحرب، ودعمها لامتلاك طهران برنامجاً نووياً سلمياً. كما تندرج الزيارة في سياق سعي إيران لتعزيز علاقاتها الإقليمية لمواجهة الضغوط الدولية المتزايدة بشأن ملفها النووي، خاصة في ظل تهديد الدول الأوروبية بتفعيل آلية "الزناد". وتأتي أيضاً وسط تصاعد التوتر الإقليمي، سواء بسبب الاشتباكات الأخيرة بين الهند وباكستان، أو الخلافات المتزايدة بين طهران وإسلام آباد وحركة طالبان حول قضايا اللاجئين والحدود والمياه.أسباب عديدةيمكن القول إن ثمة أسباباً عديدة دفعت الرئيس بزشكيان إلى القيام بهذه الزيارة إلى باكستان في هذا التوقيت، يتمثل أبرزها في:1- &nbsp;تعزيز التعاون الاقتصادي مع إسلام أباد: كان لافتاً أن الزيارة تزامنت مع بداية العام الثاني من حكم الرئيس بزشكيان، الذي يمنح منذ وصوله إلى منصب الرئيس قبل ذلك بعام الأولوية للتعاون الاقتصادي مع دول الجوار. وفي رؤيته، فإن ثمة طاقات كثيرة مهدرة بسبب اتجاه إيران خلال المرحلة الماضية نحو توسيع نطاق التعاون مع دول عديدة بعيدة عن حدودها مثل بعض الدول اللاتينية، رغم أن إمكانيات التعاون كبيرة مع دول الجوار.وفي الواقع، فإن هذه السياسة التي يطلق عليها في طهران "التوجه شرقاً" بدأت في عهد الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، الذي قتل في حادث تحطم مروحية في 19 مايو 2024؛ إلا أنها اكتسبت زخماً خاصاً خلال عهد الرئيس بزشكيان الذي يعول عليه النظام في تطوير العلاقات مع دول الجوار، خاصة في ظل تطلعه إلى تقليص حدة التوتر بسبب الخلافات القائمة حول بعض الملفات.وتتطلع إيران إلى رفع مستوى التبادل التجاري مع باكستان من نحو 2 مليار إلى 10 مليارات دولار خلال المرحلة القادمة. ومن أجل ذلك، وقعت الدولتان، خلال زيارة بزشكيان، على 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم لتعزيز التعاون المشترك، تشمل مجالات: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتجارة، والنقل، والسياحة، والصادرات، والتبادل الثقافي والفني والإعلامي، والاستخدام المشتركة لمعبر "مرجاوه – تفتان". كما توصلت الدولتان إلى اتفاق مبدئي على إنشاء منطقة تجارة حرة عند منطقة الحدود بين ريمدان الإيرانية وكبد الباكستانية، حيث سيقوم وفد باكستاني بزيارة منطقة ريمدان لتقييم الوضع على الأرض، ودراسة المزايا التي يمكن أن توفرها المنطقة.2- &nbsp;تعزيز التعاون بشأن أمن الحدود: تمثل الحدود المشتركة بين إيران وباكستان ملفاً شائكاً، خاصة أن بعض الجماعات المسلحة من الجانبين تعمد إلى استغلالها من أجل شن هجمات داخل كل منهما، ولا سيما جماعة جيش العدل الإيرانية، وجبهة تحرير بلوشستان وجيش تحرير بلوشستان الباكستانيتين، حيث تستهدفان قوات الأمن والجيش في الدولتين. وقد أدى ذلك إلى تصاعد حدة التوتر في العلاقات بين طهران وإسلام أباد، خاصة بعد أن قامت الأولى بشن ضربات صاروخية داخل أراضي الثانية، في 16 يناير 2024، سرعان ما ردت عليها الأخيرة بضربات عسكرية مضادة بعد ذلك بيومين، على نحو يشير إلى أن الخلافات الحدودية ما زالت تمثل متغيراً مهماً سوف يكون له دور في تحديد اتجاهات العلاقات بينهما، خاصة على الصعيد الاقتصادي.وقد ضم الوفد الذي رافق الرئيس بزشكيان وزير الدفاع عزيز نصير زاده الذي اجتمع مع نظيره الباكستاني خواجه محمد آصف، وأشار إلى أن "أموراً جيدة سوف تتحقق على صعيد إرساء الأمن على الحدود والعلاقات الدفاعية مع باكستان". فيما أعرب آصف عن تطلع بلاده لتعزيز التعاون العسكري مع إيران، بالإضافة إلى رفع مستوى التبادل التجاري.3- &nbsp;التنسيق المشترك حول الملفات الإقليمية: تمثل الزيارة فرصة من أجل إجراء مشاورات بين طهران وإسلام أباد حول الملفات الإقليمية المختلفة التي تحظى باهتمام مشترك. ومن دون شك، فإن الأولى تعول على إمكانية استثمار الموقف الإيجابي من جانب الثانية خلال فترة الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية لتوسيع نطاق التنسيق حول تلك الملفات.وبالطبع، فإن الملف الأفغاني يأتي على رأس تلك الملفات. إذ تبدي الدولتان قلقاً خاصاً إزاء التداعيات التي يمكن أن يفرضها استمرار هيمنة "طالبان" على السلطة في باكستان، خاصة على مستوى العلاقات الثنائية معهما، في ظل الخلافات القائمة، والتي لم تنجح القنوات السياسية والأمنية التي تم تأسيسها في الوصول إلى تسويات بشأنها.وتمثل أزمة اللاجئين الأفغان في كل من إيران وباكستان محور خلاف مشتركاً مع "طالبان"، خاصة بعد أن تبنت الأخيرتان سياسة ترحيل اللاجئين من أراضيهما، سواء بسبب تصاعد حدة الضغوط الاقتصادية أو تفاقم التهديدات الأمنية، بعد أن وجهت طهران اتهامات إلى بعضهم بالتجسس لصالح إسرائيل. وقد وصل عدد اللاجئين المرحلين من كل من إيران وباكستان إلى 1.5 مليون و1.2 مليون أفغاني على التوالي منذ أن بدأت الدولتان في اتخاذ إجراءات الترحيل في عام 2023. وبحسب بعض التقديرات، فإن عدد اللاجئين الذين وصلوا إلى أفغانستان منذ يناير 2025 وحتى الآن بلغ ما يقرب 2 مليون لاجئ، وهو ما قوبل برد فعل متشدد من جانب "طالبان"، التي اعتبرت أن ذلك سوف يفرض تداعيات سلبية على الوضع الاقتصادي داخل أفغانستان التي تواجه أزمة اقتصادية حادة منذ وصول الحركة إلى الحكم مجدداً في أغسطس 2021.4- &nbsp;التدخل لدى الخصوم الإقليميين والدوليين: ربما تسعى الدولتان إلى التدخل لدى خصوم كلتيهما خلال المرحلة القادمة، من أجل تهدئة حدة التوتر القائمة والتي قد تهدد باندلاع مواجهات عسكرية جديدة. إذ لا يمكن استبعاد أن تحاول باكستان استثمار علاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التوسط لتقليص حدة الخلافات العالقة مع إيران حول برنامجها النووي، وهي الخلافات التي قد تدفع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى العودة لاستخدام القوة من جديد، سواء بشكل مباشر أو عن طريق الإيعاز لإسرائيل بتوجيه مزيد من الضربات العسكرية ضد إيران. وفي المقابل، قد تحاول إيران بدورها التدخل لدى الهند من أجل تقليص مستوى الخلافات مع باكستان، والتي أدت إلى اندلاع المواجهات المسلحة خلال الفترة من 7 إلى 10 مايو الماضي، والتي قد تتجدد مرة أخرى، خاصة أن الخلافات العالقة ليست هامشية ولا يمكن تسويتها بسهولة، حتى بعد إعلان الرئيس ترامب عن الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الدولتين في 10 مايو الماضي.حدود قائمةتعول الدولتان على إمكانية رفع مستوى التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات القادمة. ومع ذلك، فإن هذا الطموح المشترك قد يواجه عقبات عديدة. إذ يمكن القول إن الخلافات الحدودية القائمة والتي أدت إلى اندلاع مواجهة مسلحة مباشرة بين الطرفين، في يناير 2024، تركت رواسب سلبية في العلاقات الثنائية لم تستطع جهود الحكومتين تحييد تأثيراتها.فضلاً عن ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ترصد، على ما يبدو، اتجاهات التعاون الثنائي بين إسلام أباد وطهران، وسبق أن حذرت، في 23 مارس 2024، الأولى من عواقب إقدامها على تنفيذ مشروع أنابيب الغاز مع إيران والهند والذي يسمى بمشروع "أنابيب السلام"، على نحو كان له دور في تعمد إسلام أباد تأخير تنفيذ المشروع بالفعل عدة مرات.كما يواجه التعاون العسكري بدوره تحديات لا تبدو هينة، أهمها حرص باكستان على الاحتفاظ بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كان لافتاً تأكيدها في اليوم الثاني لزيارة بزشكيان إلى باكستان أنها سوف تعمل على منع إيران من إعادة بناء وتطوير قدراتها النووية والعسكرية مجدداً.ورغم أن وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده عقد اجتماعاً مع وزير الإنتاج الدفاعي الباكستاني محمد رضا حيات خلال زيارة بزشكيان إلى إسلام أباد، إلا أن ذلك قد لا يؤشر بالضرورة إلى اتجاه الدولتين نحو توسيع نطاق التعاون العسكري، خاصة أن إسلام أباد ورغم حرصها على إدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، فإنها في الوقت نفسه أكدت خلال فترة اندلاع الحرب، وتحديداً في 18 يونيو الماضي، عدم وجود تنسيق عسكري مع إيران، في إشارة من جانبها إلى أنها في النهاية تبدو حريصة على تبني سياسة محايدة إزاء الصراع بين طهران وتل أبيب.عقبات عديدةختاماً، يمكن القول إنه برغم أهمية زيارة بزشكيان إلى إسلام أباد، إلا أن قدرة الدولتين على تنفيذ الأهداف المبتغاة منها يبقى محل شك، في ظل العقبات العديدة التي يمكن أن تحول دون ذلك، سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أو على صعيد مواقف القوى الإقليمية والدولية المعنية بما يجري في المنطقة من تطورات وأزمات متتالية.

دوافع زيارة الرئيس بزشكيان إلى باكستان