كرم سعيد

جاءت زيارة وزير الدفاع النيجري "ساليفو مودي" إلى العاصمة التركية أنقرة للقاء نظيره التركي "يشار جولر" في 16 ديسمبر 2024، في إطار حرص النيجر على دعم التعاون الدفاعي مع تركيا، وتطوير قدراتها العسكرية بعد انسحاب القوات الأمريكية من النيجر في 17 سبتمبر 2024، وقبلها سحب فرنسا قواتها العسكرية من النيجر بنهاية ديسمبر 2023، بناءً على طلب من المجلس العسكري الحاكم الذي تولى السلطة عقب الإطاحة بالرئيس السابق "محمد بازوم".كما جاءت الزيارة لتؤكد الاهتمام الذي تُوليه أنقرة للعلاقات مع نيامي التي تعد بوابة رئيسية لتوسيع نطاق النفوذ التركي في غرب أفريقيا، بعد تقلص نفوذ الولايات المتحدة وفرنسا في المنطقة، فضلاً عن أنها تمثل أحد المصادر المهمة لتلبية احتياجات تركيا من اليورانيوم، الذي يعد عنصراً رئيسياً في تطوير الصناعة النووية التركية الناشئة.مؤشرات كاشفةشهدت العلاقات بين أنقرة ونيامي نقلة نوعية خلال الأشهر الماضية، وهو ما كشفت عنه مؤشرات عديدة، يتمثل أبرزها في:1– تعدد الزيارات الرسمية المتبادلة بين الجانبين: شهدت العلاقات بين أنقرة ونيامي تطوراً ملحوظاً على مستوى الزيارات الرسمية المتبادلة؛ إذ سبق زيارة وزير دفاع النيجر إلى تركيا في 16 ديسمبر 2024، زيارة رئيس الوزراء "علي الأمين زين" إلى أنقرة في 16 يناير 2024، التي استهدفت توسيع دائرة التحالفات الدولية للنيجر؛ لتخفيف حدة الضغوط الإقليمية والدولية التي يتعرض لها المجلس العسكري منذ الإطاحة بالرئيس "بازوم" في 26 يوليو 2023. وفي المقابل، قام وفد وزاري تركي برئاسة وزير الخارجية "هاكان فيدان" بزيارة النيجر في 17 يوليو 2024، في إطار سعي بلاده إلى رفع مستوى التنسيق السياسي والأمني مع النيجر.2– تعزيز العلاقات الاقتصادية بين النيجر وتركيا: تعتبر الأزمة الاقتصادية التي تمر بها النيجر نتيجةً لإيقاف الدول الغربية، خاصةً الولايات المتحدة، بعض برامج المساعدات الخارجية بعد الإطاحة بـ"بازوم"، عاملاً محورياً في دفع العلاقات الاقتصادية مع تركيا إلى الأمام. وتَجسَّد هذا في منح حكومة نيامي عدداً من العقود لشركات تركية، مثل عقد بقيمة 152 مليون يورو لتحديث مطار نيامي، وعقد آخَر بقيمة 50 مليون يورو لإقامة فندق فاخر، بالإضافة إلى عقد ثالث بقيمة 38 مليون يورو لبناء المقر الجديد لوزارة المالية في العاصمة. كما وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 203 ملايين دولار بنهاية عام 2023؛ ما يعكس تقدماً ملموساً في العلاقات الاقتصادية بين تركيا والنيجر.3– تقديم أنقرة دعماً للمجلس العسكري في النيجر: خلافاً للمواقف الغربية التي عارضت إجراءات المجلس العسكري في النيجر بقيادة الجنرال "عبد الرحمن تياني" التي انتهت بإقصاء "بازوم"، عملت أنقرة على تطوير علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع المجلس، بالتوازي مع رفضها تلويح منظمة "إيكواس"، في 18 أغسطس 2023، باستخدام القوة العسكرية ضد النيجر؛ حيث وصف الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" هذا التلويح بـ"غير الصائب"، كما رفضت أنقرة مساعي الدول الغربية للتدخل في الشؤون الداخلية للنيجر، وهو ما دفع النخبة الجديدة الحاكمة في النيجر إلى دعم العلاقات مع تركيا.4– توسيع نطاق الشراكة الدفاعية بين البلدين: أبدت النيجر اهتماماً لافتاً بدعم التعاون الدفاعي؛ ففي زيارته إلى النيجر، ناقش وزير دفاع النيجر إبرام عقود للتسليح والتنسيق الاستراتيجي المشترك مع تركيا، وخاصةً ما يتعلق بتزويد نيامي بالطائرات المسيرة للاستطلاع أو الهجوم، التي تمثل أولوية في مواجهة التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى تعويض برامج التسليح التي تم تجميدها من جانب الدول الغربية خلال الأشهر الماضية.5– استفادة نيامي من دبلوماسية الإغاثة التركية: تسعى النيجر، خلال الفترة الحالية، إلى الاستفادة من دبلوماسية الإغاثة التي تتبناها أنقرة تجاه بعض الدول الأفريقية التي تواجه أزمات اقتصادية. وإذا كانت تركيا قد نجحت في توظيف برامجها الإغاثية كقوة ناعمة لتعزيز حضورها في النيجر خلال الآونة الأخيرة، فقد استفادت نيامي من هذه البرامج. وبدا ذلك واضحاً في مساهمة المساعدات التركية في تحسين الأوضاع المعيشية في النيجر، كما استفاد طلاب النيجر من المنح الدراسية التي تقدمها الجامعات التركية، ووقف المعارف التركي الذي يملك نحو 13 مدرسة في النيجر.أهداف منشودةيرتبط اهتمام أنقرة ونيامي في التوقيت الحالي بتوسيع نطاق العلاقات الاستراتيجية، بالرغبة في تحقيق جملة من الأهداف المشتركة التي يمكن تناولها على النحو التالي:1– تقليص حدة الضغوط الغربية على النيجر: في رؤية نيامي، فإن دعم العلاقات الدفاعية والاستراتيجية مع أنقرة يمكن أن يساعد في توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمامها في مواجهة الدول الغربية التي تفرض عقوبات على نيامي، خاصةً بعد إقدام المجلس العسكري على تفكيك برامج التعاون الأمني مع واشنطن وطرد القوات الفرنسية من البلاد. وترى السلطة الجديدة في النيجر أن توثيق العلاقات مع تركيا – التي لديها حضور واسع في حلف الناتو وأفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط – يمكن أن يدفع الدول الغربية إلى إعادة النظر في علاقاتها المستقبلية مع نيامي.2– رغبة نيامي في كسب دعم تركي للاقتصاد النيجري: لا ينفصل حرص النيجر على تكثيف وتطوير علاقاتها مع تركيا عن رغبتها في الاستفادة من نشاط الشركات التركية العاملة في القارة الأفريقية. ومع استمرار تراجع مؤشرات الاقتصاد النيجري، وضعف المخصصات المالية للمشاريع الكبرى، فإن نيامي ترى في رغبة أنقرة في توسيع نطاق حضورها الاقتصادي في النيجر، فرصةً لتلبية احتياجاتها في قطاعات حيوية مثل البنية التحتية.3– تطلع النيجر إلى التنسيق مع تركيا في مواجهة الإرهاب: تعي النيجر أن تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع تركيا في التوقيت الحالي يمكن أن يساعدها في مواجهة أنشطة التنظيمات الإرهابية التي اتجهت خلال الآونة الأخيرة إلى توظيف حالة السيولة الأمنية في غرب أفريقيا لإعادة تنظيم صفوفها وتنفيذ مزيد من العمليات، كما يوفر التنسيق الأمني مع تركيا مساحة أكبر لمواجهة الجريمة المنظمة، وخاصةً عمليات الهجرة غير الشرعية للأفارقة.4– سعي أنقرة إلى الاستحواذ على مشاريع الطاقة بالنيجر: يمثل متغير الطاقة أحد الأبعاد الرئيسية وراء اهتمام تركيا بتعزيز العلاقات مع النيجر في التوقيت الحالي؛ ففي الوقت الذي تفتقر فيه تركيا إلى مصادر الطاقة، بالإضافة إلى تأثير العقوبات الغربية التي تستهدف موسكو وطهران على وارداتها النفطية، فإن النيجر تمتلك احتياطيات نفطية هائلة. وعلى ضوء ذلك، وقَّعت تركيا والنيجر خلال زيارة الوفد الوزاري التركي في 17 يوليو 2024 على إعلان نوايا بشأن التعاون في مجال النفط والغاز الطبيعي، ينص على دعم استثمارات الشركات التركية، سواء في مجال التنقيب أو تطوير حقول النفط والغاز في النيجر.5– تلبية احتياجات قطاع الصناعات النووية التركي: ترتبط التحركات التركية تجاه النيجر، في قسم منها، بالرغبة في تلبية احتياجات قطاع الصناعات النووية الناشئة؛ حيث تمتلك النيجر خامات اليورانيوم الأعلى جودةً في أفريقيا، وهي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم. وتجدر الإشارة إلى أن تركيا كانت تعتمد على تأمين وارداتها من اليورانيوم على شركات كندية وفرنسية، لكن مع سحب حكومة المجلس العسكري في النيجر حقوق التعدين من هذه الشركات، اتجهت تركيا إلى توظيف هذه التوترات للحصول على اليورانيوم مباشرةً من نيامي.6– موازنة تحركات روسيا لدعم تأمين المصالح التركية بليبيا: ترى أنقرة أن هناك علاقة محورية بين مصالحها في ليبيا وتعزيز حضورها في النيجر. وفي هذا السياق، فإن ثمة قناعة تركية بأن تأمين العلاقات مع المجلس العسكري الحاكم في النيجر يمثل أولوية، بالنظر إلى عودة الانخراط الروسي المكثف في المشهد الليبي، لا سيما بعد سقوط حكم "الأسد" في سوريا، ومساعي موسكو – حسب تقارير عديدة – لنقل قواعدها العسكرية من "طرطوس" و"اللاذقية" إلى العمق الليبي، على نحو يثير شكوكاً لدى تركيا التي يبدو أنها سوف تسعى إلى موازنة هذه التحركات الروسية.تحول استراتيجي وختاماً، يمكن تأكيد أن النيجر تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع تركيا؛ حيث دفعها ذلك إلى توسيع التعاون الدفاعي مع أنقرة عقب التوترات مع الدول الغربية، التي تبنت سياسة مناهِضة للمجلس العسكري بعد الإطاحة بالرئيس "بازوم". ويبدو هذا التوجه مرشحاً للاستمرار في المرحلة المقبلة، خاصةً في ظل التداعيات التي فرضتها التطورات الإقليمية والدولية الأخيرة؛ ما يعكس تحولاً استراتيجياً في سياسة النيجر تجاه شركائها الدوليين.

ما أهداف زيارة وزير دفاع النيجر إلى تركيا؟