د. محمد عباس ناجي

أكد رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف، في 9 مارس 2025، أن إيران لا تنتظر أي رسالة من الولايات المتحدة، وهو ما جاء عقب رفض المرشد الأعلى الإيراني "علي خامنئي"، في 8 مارس 2025، الخضوع لضغوط الولايات المتحدة على إيران للدخول في مفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، مضيفاً أن "هدف واشنطن من تلك المفاوضات هو فرض رؤاها الخاصة"، وذلك عقب يوم واحد من توجيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسالة مباشرة إلى المرشد الأعلى يدعوه فيها إلى القبول بإجراء مفاوضات حول البرنامج النووي، محذراً من أن التأخر في ذلك يمكن أن يدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام الخيار العسكري لمنع إيران من الوصول إلى مرحلة إنتاج القنبلة النووية، وكان لافتاً أن هذه الرسالة توازت مع خطوات أخرى قامت بها إدارة الرئيس ترامب، على غرار تسليم إسرائيل قنابل ثقيلة خارقة للتحصينات، فضلاً عن المشاركة في تمرين جوي مشترك مع إسرائيل، وبما يعكس عدم استبعاد التصعيد الأمريكي الإسرائيلي في مواجهة إيران.اعتبارات مختلفةيمكن تفسير حرص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على توجيه هذه الرسالة المباشرة إلى المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها فيما يلي:1- تركيز "ترامب" على مخاطبة القيادة العليا في إيران: ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن الوقت المتاح أمامها للوصول إلى تسوية مع إيران حول أزمة البرنامج النووي الإيراني ليس طويلاً، خاصة في ضوء استمرار وتصاعد الأنشطة النووية التي تقوم بها إيران، والتي ما زالت تصر على أن برنامجها النووي مخصص للأغراض السلمية، وأنه لا يمكن استهدافه عبر الهجوم العسكري المباشر. وهنا، فإن ذلك يتوافق مع إحدى الخصائص التي تتسم بها سياسات الرئيس ترامب، الذي يتعمد عدم الوقوف أمام التفاصيل والقفز على التعقيدات التي تتسم بها بعض الملفات، وفي مقدمتها الاتفاق النووي الذي أصبح محور تجاذب بين إيران والدول الغربية بسبب إمعان إيران في تخفيض مستوى التزاماتها فيه رداً على الانسحاب الأمريكي منه في مايو 2018 وإعادة فرض العقوبات الأمريكية ضد إيران.ومن هنا، ارتأى الرئيس ترامب التوجه مباشرة إلى المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، وليس إلى الرئيس مسعود بزشكيان، الذي دعاه إلى إجراء مفاوضات مباشرة معه في التصريحات التي أدلى بها في مطلع فبراير 2025 عقب إعلانه إعادة تطبيق سياسة الضغوط القصوى على إيران، حيث يدرك ترامب أن خامنئي هو صاحب الكلمة الفصل في القرار الذي سوف تتخذه إيران خلال المرحلة القادمة بشأن التفاوض مع واشنطن من عدمه.2- استباق واشنطن الوصول إلى "يوم النهاية": يسعى الرئيس ترامب إلى حسم أزمة الاتفاق النووي مع إيران قبل حلول ما يسمى بـ"يوم النهاية" في 18 أكتوبر 2025. ففي هذا اليوم سوف تنتهي وصاية مجلس الأمن الدولي على الاتفاق النووي، وستمنح إيران امتيازات تكنولوجية عديدة في الاتفاق، وسيتم تجميد العقوبات الدولية المفروضة عليها، والتي تم تعليقها فقط بمقتضى الاتفاق النووي. ورغم أن الدول الغربية قد تلجأ إلى قطع الطريق على إيران قبل الوصول إلى هذا اليوم، عبر تفعيل ما يسمى بـ"آلية الزناد"، التي تقضي بإعادة تفعيل العقوبات الدولية المفروضة على إيران من جديد؛ إلا أن الإدارة الأمريكية تعتبر أن حسم الاتفاق النووي قبل الوصول إلى 18 أكتوبر سيكون أفضل الخيارات المتاحة أمامها، خاصة أنها لا تريد أن تمنح إيران مسوغاً قانونياً للمضي قدماً في تطوير برنامجها النووي والحصول على مزيد من الامتيازات حتى مع تخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق.3- مخاطر التطور المتسارع للأنشطة النووية الإيرانية: كان لافتاً أن هذه الرسالة التي أعلن ترامب توجيهها إلى خامنئي جاءت بعد أيام من التصريحات التي أدلى بها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل جروسي، في 20 فبراير 2025، والتي حذر فيها من تطوير الأنشطة النووية الإيرانية، والتي يمكن أن تساعد إيران في مراكمة مواد انشطارية قد تكفي لإنتاج ست قنابل نووية إذا جرى رفع مستوى التخصيب إلى 90%، خاصة بعد أن زادت كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى نحو 250 كيلوجراماً. وقد وصف جروسي لهذا السبب الاتفاق النووي بأنه أصبح مثل "القشرة الفارغة"، باعتبار أنه بات يتضمن بنوداً أصبحت من الماضي، على غرار إلزام إيران باستخدام أجهزة الطرد المركزي من الطراز الأول فقط "IR 1"، في الوقت الذي أمعنت فيه إيران في استخدام أجهزة أكثر تطوراً بمراحل على غرار جهاز "IR 6".ومن هنا، يتوقع أن تتصاعد حدة التوتر بين إيران والدول الغربية خلال الاجتماع القادم لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خاصة أن هذه الدول قد تهدد صراحة بأن استمرار تدني مستوى التعاون بين إيران والوكالة ومواصلة تطوير الأنشطة النووية على هذا النحو كفيل باتجاهها إلى تفعيل "آلية الزناد"، وهو ما دفع الرئيس ترامب بدوره إلى الانخراط في التصعيد الحالي عبر تخيير إيران بين إجراء مفاوضات أو التعرض لضربة عسكرية قوية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أو الاثنتين معاً.4- تعزيز جهود تيار المعتدلين المطالب بالتفاوض: قال الرئيس ترامب في تصريحاته الأخيرة التي كشف فيها عن الرسالة التي بعث بها إلى خامنئي، إن "إيران تريد الحصول على هذه الرسالة". وربما يقصد ترامب هنا أن هناك اتجاهات في إيران تدعو إلى إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية وعدم الوقوف كثيراً على التهديدات المستمرة التي يوجهها الرئيس ترامب، باعتبار أن البديل لذلك يتمثل في الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة أو التعرض لضربة عسكرية واسعة النطاق، سوف تكون في الغالب أكثر تأثيراً وقوة من تلك الضربة التي نفذتها إسرائيل في أكتوبر 2024، واستخدمت فيها 100 مقاتلة قامت بتنفيذ مهامها داخل إيران على أربع موجات، وأدت -حسب الروايتين الأمريكية والإسرائيلية- إلى تدمير منظومة الدفاع الجوي الإيرانية، وتقليص قدرة إيران على إنتاج مزيد من الصواريخ الباليستية.ويعني ذلك أن الرئيس ترامب يسعى عبر توجيه هذه الرسالة وتكرار هذه التهديدات إلى تعزيز هذه الدعوات ودفع التيار الذي يتبناها إلى تدشين حملة قوية للترويج لها، باعتبار أنها البديل الأكثر ملاءمةً بالنسبة لإيران في المرحلة الحالية، في ظل المعطيات الاستراتيجية الجديدة التي فرضتها الحرب التي شنتها إسرائيل في قطاع غزة ولبنان، بداية من السابع من أكتوبر 2023، والتي أسفرت عن القضاء على القسم الأكبر من القدرات العسكرية لحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، فضلاً عن أنه كان لها دور بارز في إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في ديسمبر 2024، على نحو تسبب في تراجع النفوذ الإقليمي الإيراني بدرجة كبيرة.ختاماً، يظل خطر التصعيد العسكري بين إيران من جانب وأمريكا وإسرائيل من جانب آخر قائماً ما لم يتم التوصل إلى تفاهمات سياسية ودبلوماسية تمنع الانزلاق نحو مواجهة عسكرية مباشرة، وفي ظل المعطيات الحالية، يبدو أن الولايات المتحدة وإسرائيل تتجهان نحو سياسة الضغط الأقصى لإجبار إيران على التفاوض، بينما تراهن إيران على الوقت وعلى تحركاتها الإقليمية لإعادة التوازن إلى المعادلة، ومع ذلك فإن أي خطأ في الحسابات من أي طرف قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق ستكون لها تداعيات كبيرة تتجاوز منطقة الشرق الأوسط.&nbsp;

لماذا وجَّه ترامب رسالة مباشرة إلى خامنئي؟