د. حمدي بشير

كشفت تقارير إعلامية غربية عن عقد ممثلين عن متمردي جبهة أزواد (طوارق مالي) وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الموالية لتنظيم القاعدة اجتماعاً، خلال مارس 2025، بهدف توحيد الجهود المشتركة في مواجهة الجيش المالي وتصعيد العمليات في شمال البلاد على مقربة من الحدود مع الجزائر، وكذلك الاتفاق على ترتيبات إدارية، وتشكيل هيئة مشتركة تضم عدداً من الفقهاء لتتولى مهمة حل القضايا الخلافية والاحتكام إلى الشريعة الإسلامية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مضمون هذه المفاوضات ودوافع ومستقبل التقارب بين الجانبين.تقارب متنامٍتتجه الحركات الأزوادية في مالي إلى ما يمكن اعتباره تقارباً مع تنظيم القاعدة ممثلاً في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، من خلال توقيع اتفاق عدم اعتداء بين "أزواد" و"القاعدة"؛ حيث كشف الغباس أغ ستالا رئيس المجلس الأعلى لوحدة أزواد الذي يضمّ المتمردين الانفصاليين السابقين والمنضوي تحت لواء تحالف حركات أزواد في رسالة صوتية انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في 17 مايو 2024، عن حصوله على تفويض للحصول على اتفاقية عدم اعتداء تسمح "بحرية الحركة للمقاتلين، وتبادل المعلومات حول تحركات العدو المشترك (الجيش المالي ومقاتلي فاجنر الروس).فيما التقى زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين ممثلين عن العديد من الجماعات المسلحة العاملة في شمال شرق مالي، وأفادت التقارير بأن زعيم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إياد أغ غالي أبرم اتفاق عدم اعتداء مع جماعات من بينها المجلس الأعلى لوحدة أزواد (وهي جماعة إسلامية متشددة وطوارقية عرقية لها صلات مزعومة بأنصار الدين، وهي جماعة انفصالية). ويعد هذا الاتفاق هو الإطار الاستراتيجي الدائم للسلام والأمن والتنمية.بجانب ذلك جرى التفاوض لإبرام تحالف عسكري بين الجانبين؛ حيث بدأت الحركة الأزوادية وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين مفاوضات جديدة، بهدف تعزيز التقارب بينهما. وقد تم التوصل بالفعل إلى تفاهمات حول نقطتين: الأولى هو إنشاء آلية مشتركة للتخطيط للعمليات العسكرية ضد الجيش وفاجنر في شمال مالي وتنفيذها والمسؤولية عنها. ومن ثم فإن الحركة الأزوادية والجماعات الإسلامية لن تقاتلا العدو نفسه بمفردهما، بل ستقاتلان معاً.ويحمل هذا التحالف العسكري، الذي يقتصر نشاطه على أراضي شمال مالي، اسماً جديداً لم يتم التوافق عليه بعد. والنقطة الثانية هي اتفاق الممثلبن عن الجانبين على عدة قضايا منها العمل الإداري في مناطق سيطرة أزواد وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.دوافع عديدة هناك جملة من العوامل التي تدفع الحركة الأزوادية نحو تعزيز تحالفاتها مع تنظيم القاعدة، يمكن إلقاء الضوء عليها وفقاً للنقاط التالية: &nbsp;1- التداخلات الإثنية بين عناصر "أزواد" والقاعدة": حيث تشير العديد من التقديرات الغربية إلى انخراط العديد من المقاتلين الطوارق في صفوف الحركات الأزوادية وتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين على حد السواء، ومن ثم توجد تداخلات وتقاطعات إثنية تسمح للكيانين بتعزيز التقارب بينهما، لا سيما أن جبهة أزواد هي تحالف يضم عدة حركات مسلحة أغلبها من الطوارق والعرب، كما أن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تنشط في منطقة الساحل وتتبع تنظيم القاعدة ويقودها إياد أغ غالي الذي ينحدر من الطوارق.2- عداوة "أزواد" و"القاعدة" للجيش المالي: فليست هذه المرة الأولى التي يجتمع فيها ممثلون عن الجماعتين، لكن التوقيت يشير إلى الاستعدادات لموجة عنف جديدة في شمال مالي في مواجهة قوات المجلس العسكري في مالي. ورغم اختلاف أجندة كل منهما، فإنهما تلتقيان في مواجهة عدو مشترك هو القوات المالية من جهة ومسلحو الفرع الأفريقي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي دخل في منافسة على النفوذ والمصالح مع تنظيم القاعدة في منطقة الساحل الأفريقي؛ ما يشير عملياً إلى أن تحالفهما لا يعدو كونه تحالف مصالح يمهد لترتيب تقاسم السلطة والنفوذ.3- مجابهة "فاجنر" الروسية كتهديد مشترك: حيث سبق أن دعا تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين إلى الجهاد ضد الوجود الروسي في منطقة الساحل الأفريقي، بينما تنخرط الحركات الأزوادية المسلحة في عمليات قتالية ضد فاجنر والجيش المالي، وهو ما يدفع الحركة الأزوادية إلى تعزيز تحالفه العسكري مع تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين.4- توظيف "القاعدة" حركة أزواد لتعزيز النفوذ: فمن العوامل الرئيسية التي تُشجع المتمردين الطوارق على الانخراط في المحادثات مع نصرة الإسلام والمسلمين تحوّل نهج جماعة نصرة الإسلام والمسلمين نفسها؛ فعلى مر السنين، تطورت الجماعة في تكتيكاتها ورسائلها واستراتيجيتها الإدارية، وحسنت الجماعة سياساتها؛ ما جعلها حركة تمرد أكثر برجماتية. ووفقاً لمصادر مقربة من المتمردين الطوارق، بدأت قيادة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تعيد تقييم موقفها عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وقد شكلت قدرة طالبان على ترسيخ سلطتها مع الحفاظ على وحدة أراضي أفغانستان نموذجاً يُحتذى به. إضافةً إلى ذلك، أثرت التطورات الجهادية الأخيرة في سوريا على نهج الجماعة؛ ما دفعها إلى إعادة النظر في أهدافها الطويلة المدى في مالي. وتشير تصريحات شخصيات بارزة في جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ومنهم أمادو كوفا زعيم كتيبة ماسينا، وجعفر ديكو قائد عمليات الجماعة في بوركينا فاسو، إلى استعداد متزايد لتقديم تنازلات. وقد ركزت تصريحاتهم الأخيرة على القضايا السياسية بدلاً من التركيز على الغزو العسكري. وصدر بيان عن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وصف المجالس العسكرية في المنطقة بأنها عقباتٌ أمام الاستقرار الإقليمي. ودعا البيان إلى تدخل دولي ضد هذه الحكومات، مُشيراً إلى أن الجماعة ترى في ذلك فرصةً لإعادة تموضعها كجهةٍ فاعلةٍ شرعيةٍ بدلاً من كونها قوةً متمردةً. وقد مهد هذا التقارب في المصالح بين المتمردين الطوارق وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الطريق للمفاوضات؛ حيث أبدى الجانبان استعدادهما لتليين مواقفهما من أجل تحقيق المنفعة المتبادلة.سيناريوهات محتملةثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل العلاقة بين تنظيم القاعدة والحركة الأزوادية، وتتمثل فيما يلي:1- اندماج "أزواد" والقاعدة" في كيان واحد: ويفترض هذا السيناريو أن الحركة الأزوادية سوف تندمج في تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، وأن التنظيم سوف يتمكن من خلال نشر الدعاية المتطرفة من استقطاب المزيد من المقاتلين في الحركة الأزوادية، واستغلال انتهاكات الجيش في صفوف السكان الطوارق في شمال مالي؛ ما يدفع المزيد من العناصر الأزوادية إلى الاندماج في تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين. وقد تجد القيادات في التنظيمين أنه من المفيد توحيد الجهود والكفاح المسلح ضد الجيش المالي عن طريق الاندماج في كيان واحد وهو تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين. ولا تزال المفاوضات مستمرة، وينبغي انتظار نتائجها، ولكن في هذه المرحلة تقتصر نقاط الاتفاق على إنشاء هيكل عسكري مشترك وآلية عدالة إسلامية في شمال مالي، وهي الخطوة التي ستكون ضخمة وغير مسبوقة بالفعل. يعتقد بعض أفراد الجماعة أن الانفصال عن تنظيم القاعدة قد يفتح الباب أمام مفاوضات مباشرة مع الحكومات الغربية، بينما يرى آخرون أن مثل هذه الخطوة تتطلب مبرراً دينياً، ربما يرتبط بتطور سياسي كبير، مثل الاستقلال الرسمي لأزواد أو انهيار الحكومة المالية في باماكو.2- فشل التقارب وسيادة التوتر العملياتي: ويفترض هذا السيناريو أن اختلاف الأجندة السياسية لدى الكيانين سوف تدفع إلى تصاعد الصراع بينهما؛ حيث يسعى تنظيم القاعدة إلى إقامة دولة دينية وتطبيق الشريعة الإسلامية في شمال مالي، ولديه فكر توسعي لضم المزيد من الأراضي وتوسيع رقعة هذه الدولة الدينية. أما الحركة الأزوادية فتسعى إلى إقامة دولة للطوارق تمتد من شمال مالي لتشمل مناطق من النيجر وجنوب الجزائر وليبيا، وهو الأمر الذي يدفع الى تصاعد الصراع بينهما، وهذا ما يقود إلى نقاط الخلاف الرئيسية التي لا تزال قائمة بين الحركة الأزوادية وتنظيم القاعدة. ومن جانبها، ترفض جماعة نصرة الإسلام والمسلمين اعتناق "المشروع الأزوادي": حيث يقاتل الجهاديون من أجل فرض الشريعة الإسلامية؛ ليس فقط في مختلف أنحاء مالي، بل أيضاً في النيجر وبوركينا فاسو، وبشكل متزايد في البلدان الساحلية. ومن المنطقي أن يرفض نصرة الإسلام والمسلمين الانفصال عن القاعدة. 3- ترسيخ التحالف دون الاندماج الكامل: ويفترض هذا السيناريو أن التنظيمين سوف يغضان الطرف عن اختلافاتهما الأيديولوجية، وسوف تحافظان على البقاء ككيانين مستقلين؛ حيث يستمر تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين في العمل ضمن التنظيمات الجهادية والمتطرفة في المنطقة، بينما تعمل الحركة الأزوادية كحركة انفصالية للدفاع عن مصالح الطوارق في شمال مالي، لكن استمرار التصعيد من جانب الجيش المالي المتحالف مع مجموعة فاجنر الروسية سوف يدفع الحركة الأزوادية إلى الاستمرار في تنسيق عملياتها مع تنظيم القاعدة في المنطقة. &nbsp;وإجمالاً، يمكن القول إن السيناريو المرجح لمستقبل العلاقات بين تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين والحركة الأزوادية هو استمرار التحالف بين المجموعتين، لا سيما في ظل التداخلات الإثنية والتفاهمات السياسية والمصالح المشتركة والدعم اللوجستي والتمويلي بين الكيانين، علاوة على حاجة الحركة الأزوادية إلى تنسيق عملياتها القتالية مع تنظيم القاعدة مع استمرار الجيش في تصعيد عملياته العسكرية في شمال مالي. ومن المستبعد أن يحدث اندماج بين الحركة الأزوادية وتنظيم القاعدة؛ فهذا الأخير مستعد لدعم مقاتلي الطوارق في السيطرة على مناطق رئيسية، ولكن بشرط أن تُحكم هذه المناطق في إطار إسلامي بدلاً من دولة مستقلة للطوارق.&nbsp;

ما مستقبل التقارب بين تنظيم القاعدة والحركات الأزوادية شمال مالي؟