إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

قدَّم الصومال طلباً إلى الاتحاد الأفريقي لإبطاء خروج القوة الأفريقية "أتميس"، في 20 يونيو 2024؛ وذلك في الوقت الذي يستعد فيه الاتحاد لتنفيذ المرحلة الثالثة من سحب هذه القوات – التي تقدر بنحو 4000 جندي – بنهاية ديسمبر 2024. وقد جاء ذلك بعد أن تزايدت تحذيرات العديد من الخبراء من حدوث فراغ أمني نتيجة التسرع في سحب هذه القوات، في الوقت الذي لا يزال فيه الجيش الصومالي يواجه حركة "شباب المجاهدين" التي ما زالت تمتلك القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، بالتوازي مع تصاعد هجمات تنظيم "داعش" داخل الصومال خلال الفترة الماضية.أسباب عديدةيمكن القول إن ثمة جملة من العوامل دفعت الصومال إلى طلب إبطاء خروج قوات الاتحاد الأفريقي من أراضيه، يتمثل أبرزها في:1– ضعف قدرات الجيش أمام حركة "الشباب": لم يثبت الجيش الصومالي بعد أنه يمتلك القدرة على مواجهة حركة "الشباب"، خاصة أن الحركة لا تزال قادرة على تعويض خسائرها باستمرار من خلال التجنيد القسري واستقطاب أنصار جدد. ورغم أن الجيش ينتشر في العديد من القواعد ويحاول السيطرة على الأراضي وطرق الإمداد، لكن من شأن انسحاب قوات "أتميس" أن يقلص من حدة الضغوط التي تتعرض لها حركة "الشباب"، على نحو قد يمكنها من تركيز المزيد من الهجمات ضد الجيش خلال المرحلة القادمة.ووفقاً لتقارير عديدة، فإن عمليات الفساد التي تورط فيها بعض المسؤولين العسكريين الذين استغلوا الحصص الغذائية التي تبرعت بها الولايات المتحدة الأمريكية لقوات النخبة في الداناب وتحويل عائدها لصالحهم، كانت لها آثار خطيرة على مسارات المواجهة بين الجيش وحركة "الشباب"؛ ففي أبريل 2024، أوقفت الحكومة واحتجزت عدداً من أعضاء قوات الداناب بناءً على هذه الاتهامات، وتم اتخاذ هذا الإجراء بعد أيام من إعلان الولايات المتحدة الأمريكية تعليق الحصص الغذائية لتلك القوات، وقد كان للتداعيات التي فرضتها هذه الواقعة دور في انسحاب قوات الأمن من عدة قرى استراتيجية، واستعادة حركة "الشباب" السيطرة عليها لاحقاً. ومن القرى التي استولى عليها المسلحون كاد، وشابيلو، وكامارا، وشينلابي، وبادوين في الجزء الجنوبي من مدج، وماساجاواي في جلجدود.2– تراجع دعم المليشيات العشائرية للجيش: اعتمد الجيش بشكل كبير على دعم هذه المليشيات في الفترة الماضية، ولكن منذ يونيو 2023، أدى تصاعد حدة الاقتتال الداخلي بين العشائر وتفاقم العداء تجاه الحكومة الفيدرالية إلى إضعاف التحالف الداعم لمكافحة الإرهاب؛ إذ أسفرت الخلافات بين عشيرتي هاوادل وأبغال حول ترتيبات تقاسم السلطة والحصول على الأراضي في ولاية هيرشابيل عن تقويض فاعلية العمليات العسكرية التي كان الجيش يشنها ضد الحركة. وقد اتسع نطاق الاشتباكات المسلحة بين المليشيات التابعة للقبيلتين في هيران وشبيلي الوسطى، على نحو لم يوفر خيارات متعددة للجيش في إدارة عملياته العسكرية ضد الحركة.3– تزايد المخاوف من حدوث فراغ أمني: تُبدِي اتجاهات عديدة في الصومال مخاوف من أن يؤدي خروج "أتميس" إلى خلق فراغ أمني قد تستغله حركة "الشباب" لتوسيع نطاق نفوذها وتنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية مجدداً. وفي هذا السياق، حذر خبراء، في تقييم مشترك أُجرِي بتكليف من مجلس الأمن الدولي، من أن السحب المتسرع لقوات "أتميس"، سيساهم في حدوث هذا الفراغ الأمني؛ وذلك لأن القوات الصومالية ليست قادرة بعدُ على الانخراط في مواجهة عسكرية طويلة الأمد ضد حركة "الشباب" رغم التدريبات المكثفة التي خضعت لها في الفترة الماضية.4– تجنب تكرار السيناريو الأفغاني: حذر الرئيس الكيني ويليام روتو، من أن انسحاباً للقوات الأفريقية لا يأخذ في الحسبان الأوضاع القائمة على الأرض، سيعني أن الإرهابيين قد يسيطرون مجدداً على الصومال، على غرار ما حدث في أفغانستان بعد انسحاب القوات الأمريكية في سبتمبر 2021، الذي هيَّأ المجال أمام وصول حركة "طالبان" إلى الحكم مجدداً، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من تداعيات سلبية خطيرة؛ ليس فقط على أمن الصومال، بل أيضاً على استقرار دول الجوار.5–تصاعد نشاط تنظيم "داعش": رغم تراجع هجمات تنظيم "داعش الصحراء" أمام حركة "الشباب"، فإنه بدأ يستعيد نشاطه من جديد، لا سيما في جبال جوليس داخل منطقة باري في الصومال. ومن دون شك، فإن انسحاب قوات "أتميس" من شأنه أن يوفر فرصة جديدة لـ"داعش" من أجل تنفيذ مخططه القائم على تعزيز نفوذه واستقطاب مزيد من العناصر للانضمام إليه من الصومال ودول الجوار.وقد تزايد نفوذ تنظيم "داعش" في المنطقة الشمالية من البلاد، وأبدى التنظيم اهتماماً خاصاً بتوسيع نطاق عملياته داخل منطقة بونتلاند، وتنامت قدرته على مواجهة حركة "الشباب"؛ حيث نجح في انتزاع العديد من المناطق التي كانت الأخيرة تسيطر عليها.انعكاسات محتملةمن المتوقع أن يكون لمستقبل المشهد الأمني في الصومال عدد من السمات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:1– استمرار انسحاب قوات "أتميس": رغم تحذير الخبراء من الخروج المتسرع لهذه القوات، لكن ثمة جدلاً يتصاعد حول صعوبة التمديد وتغيير الجدول الزمني؛ حيث إن ذلك من شأنه أن يسبب مشاكل في الموازنة، فضلاً عن أن قرار تغيير الجدول الزمني لن يقتصر على مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، بل ستشارك في تحديده أطراف أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً أنهما أكبر ممولي قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال.2– إحتمالية تشكيل قوة أفريقية جديدة: يبدو أن قوات "أتميس" سوف تلتزم بإكمال الانسحاب من الصومال بحلول 31 ديسمبر 2024، وهو توقيت من المتوقع أن تحل فيه قوة جديدة أصغر محلها. ويرى مراقبون أن الدعوة إلى تشكيل قوة أصغر تعكس – على الأرجح – آراء من يعارضون الوجود الأجنبي الكبير في الصومال. لكن هذا الخيار يمكن أن يواجه إشكاليات عديدة، لا سيما بعد أن ثبت أن المفاوضات التي تُجرَى بشأن قوة جديدة معقدة في ظل تقاطع مصالح وحسابات القوى الإقليمية والدولية المعنية بما يجري داخل الصومال.3– تصاعد حدة العمليات الإرهابية: ربما تستغل حركة "الشباب" وتنظيم "داعش" الصومال خروج "أتميس" لتنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية النوعية التي تستهدف قوات الجيش والشرطة الصوماليَّين. ومن هنا، يتعين على الجيش الصومالي أن يستعد لمواجهة مزيد من الهجمات الإرهابية وتحييدها، وهي المهمة التي كانت تقوم بها في السابق قوات الاتحاد الأفريقي. وقد بدأ مقاتلو حركة "الشباب" بالفعل يعيدون تنظيم صفوفهم ويُفعِّلون أنشطة التعبئة في القرى الحدودية النائية بين منطقتَي جالجادود وشبيلي الوسطى؛ وذلك استعداداً – على ما يبدو – لرفع مستوى التصعيد العسكري ضد الجيش خلال المرحلة القادمة.تحديات ضاغطةإجمالاً، يفرض خروج قوات "أتميس" من الصومال تحديات لا تبدو هينة أمام الصومال الذي يمكن أن يتحول مجدداً إلى ما يمكن تسميته بـ"بؤرة انطلاق" للتنظيمات الإرهابية، على نحو ربما يدفع دول الجوار، فضلاً عن القوى الإقليمية والدولية المعنية بما يجري داخل الصومال، إلى إطلاق دعوات، وممارسة ضغوط من أجل إبطاء خروج القوة أو تشكيل قوة بديلة هدفها الأساسي هو منع تلك التنظيمات من ملء الفراغ الناتج عن انسحاب "أتميس".

لماذا طلب الصومال من الاتحاد الأفريقي إبطاء خروج قوات "أتميس"؟