جيمس بالمر

عرض: د. إيمان عبد الحليميبدو العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كأنه العقد الضائع بالنسبة إلى الصين؛ فالاقتصاد يتباطأ، ويشعر الشباب بخيبة الأمل مع زيادة نسب العاطلين عن العمل، وتعاني الأسر من تراجع كبير في قيم ممتلكاتها، ولا يشعر الرئيس "شي جين بينج" خلال ذلك بالأمان، حتى إن كان لا يزال مهيمناً على الأوضاع السياسية والأمنية داخل الدولة؛ وذلك فيما تستمر التحديات قائمة في تايوان، بالتوازي مع العلاقات المعقدة مع واشنطن التي تحاول تحجيم الصعود الصيني وتقييد طموحات بكين للمشاركة في قيادة النظام الدولي عبر إضعاف النفوذ الأمريكي.وعلى ضوء ذلك، نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريراً لـ"جيمس بالمر" أحد كتاب الأعمدة ونائب رئيس تحرير المجلة، حمل عنوان "5 توقعات للصين في 2024"، تناول فيه المشكلات المتوقعة للصين في العام الجديد؛ وذلك استناداً إلى التحديات التي واجهتها بكين خلال عام 2023.أزمات متعددةمن أزمة صغيرة مع تايوان إلى خيبة الأمل المتزايدة بين الشباب، يمكن تحديد المشكلات المتوقعة في الصين خلال العام المقبل، بحسب المقال، في النقاط الآتية:1– إمكانية نشوب أزمة مع تايوان عقب الانتخابات: من الممكن أن يبدأ العام بأزمة صغيرة في مضيق تايوان، مع الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في 13 يناير 2024، وتقدم "لاي تشينج تي" مرشح "الحزب الديمقراطي التقدمي" ونائب الرئيسة الحالية "تساي إنج ون"، بفارق ضئيل في استطلاعات الرأي؛ حيث إن انتخابه من شأنه أن يثير حفيظة بكين؛ لدفاعه عن تايوان أكثر استقلاليةً، ومعارضته بشدة للحزب الشيوعي الصيني. وبالرغم من تأكيده أنه لن يدعو إلى استقلال تايوان رسمياً أو إسقاط اسم جمهورية الصين – وهو خط أحمر بالنسبة إلى بكين – فإنه قال أيضاً إن سيادة تايوان هي "حقيقة"، وذكَّر زملاءه المرشحين بأنهم وفقاً لمعايير بكين، كلهم مؤيدون للاستقلال.ولذلك من المرجح أن يؤدي انتصار "تشينج تي" إلى تحركات عدائية من جانب بكين، تشمل المناورات البحرية واختراق المجال الجوي، وإن كان الغزو لا يزال مستبعداً إلى حد كبير؛ لصعوبات الأمر والتبعات الخطرة المترتبة عليه، خاصة أن الصين تعاني العديد من الأزمات الأخرى. وحتى في حال انتصار حزب "الكومينتانج" المعارض في تايوان، الذي لا يتخذ مواقف شديدة الحدة تجاه البر الرئيسي كما الحال بالنسبة إلى "الحزب الديمقراطي التقدمي"، فإن ذلك لا يعني انتهاء المشكلات بالنسبة إلى افالحزب في التحليل الأخير لن يسلم مفاتيح الجزيرة إلى بكين.2– انعكاسات الإطاحة بوزيرَي الخارجية والدفاع: شهد عام 2023 سقوط اثنين من القادة الصينيين الرفيعي المستوى، وهما وزير الخارجية "تشين جانج"، ووزير الدفاع "لي شانج فو"، لتستقبل الصين العام الجديد فيما لا تزال القصة الكاملة لكلتا الإقالتين غامضة، ولتبدو سياسات القيادة العليا للحزب الشيوعي الصيني متقلبةً مع دخول العام الجديد، حتى مع استمرار سيطرة الرئيس "بينج" وهيمنته والموالين له على المناصب العليا في الدولة. وهذا ليس بالأمر المستغرَب؛ فالرئيس يتمتع بالكفاءة في التعامل مع السياسات الحزبية، وإن كان حكمه يعتبر سيئاً بالنسبة إلى الصين، وخاصةً في الأعوام الثلاث الماضية، وذلك ما يمنحه شعوراً بعدم الأمان، مع إدراكه أن الكثير من المواطنين يلقون عليه اللوم والمسؤولية عن الحالة التي تمر بها البلاد.3– احتمالية تزايد التوتر في أوساط النخبة السياسية: يؤثر تراجع الشعور بالأمان أيضاً على بقية القيادة السياسية في الدولة، التي تعتمد حياتها وثرواتها وحريتها على أهواء الرئيس. ومن المرجح أن يؤدي كل هذا التوتر إلى إنتاج سياسات دراماتيكية في العام الجديد؛ فبالرغم من كل الحديث عن الفصائل والحلفاء، فإن سياسات الحزب الشيوعي الصيني تشبه، في بعض النواحي، ديناميكيات الجريمة المنظمة، بحسب المقال، وخاصةً عندما تتراجع الصداقات، كما كان الحال بالنسبة إلى وزيري الخارجية والدفاع في العام الماضي؛ حيث يمكن القول من ناحية أخرى، إنه إذا كان هناك تحرك كبير محتمل ضد الرئيس، فقد يأتي ذلك من الأشخاص الذين يروج لهم ويرعاهم.4– الارتدادات الاقتصادية لأزمة قطاع العقارات: لقد تأرجحت أسعار السكن في الصين على نحو خطير لسنوات، وقد يكون عام 2024 هو العام الذي تتجاوز فيه أسعار السكن الحد المحتمل؛ وذلك بعد أن تفاقمت الأزمة بين شركات تطوير العقارات هذا العام ووصلت حتى إلى الشركات التي كانت تعتبر آمنة نسبياً، مثل شركة "كانتري جاردن" Country Garden، ومع وجود العديد من المشاريع العقارية الفاشلة. ولكن الشيء الذي تخشاه الحكومة الصينية حقاً هو انخفاض أسعار المساكن؛ ذلك أن 70% من أصول الأسر الصينية تُستثمَر في العقارات.ويضيف المقال أن الحكومة الصينية قد عبثت بالبيانات الخاصة بقيمة العقارات وسط تهديدات للمعلقين، في محاولة – فيما يبدو – لمنعهم من التأثير على المواطنين بالحديث عن مدى سوء الإدارة الاقتصادية، حتى أضحى هناك الآن تناقض كبير بين المؤشرات الرسمية لأسعار المساكن والأسعار الفعلية للعقارات في السوق؛ إذ تنخفض الأسعار بنسبة لا تقل عن 15% في العديد من المدن، وبنسبة تصل إلى 30% في بكين. ومع انتشار هذه الاتجاهات، ربما تضطر حتى الأرقام الرسمية إلى الاعتراف بالواقع بشكل أفضل، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة ثقة أوسع نطاقاً.5– تنامي الإحباط في صفوف الشباب الصيني: لقد تغير المزاج العام في الصين في الأعوام الثلاثة الماضية على نحو واضح، وخاصةً بين فئات الشباب؛ فبعد أن غذَّى التعليم القومي لديهم مشاعر الفخر بعد تجاوز أزمة فيروس "كورونا" في صيف عام 2020، عندما عادت الصين نسبياً إلى الحياة الطبيعية في حين استمرت معاناة الكثير من الدول، وامتزج هذا الشعور بالمزيد من العداء تجاه الغرب، وخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية، مع انتشار نظريات المؤامرة الوبائية التي ألقت باللوم على واشنطن؛ تنامى من جديد الإحباط إزاء سياسة الصين في القضاء على مرض "كوفيد–19" المختلط بالأزمة الاقتصادية؛ وذلك خلال عامي 2021 و2022 بين عامة المواطنين، وخاصةً الشباب.إحدى علامات هذا الإحباط تمثل في التحول الحاد في توجهات الرأي العام الصيني الإيجابية تجاه الولايات المتحدة، الذي ارتفع بشكل حاد، في تأكيد ضمني لمدى الاستياء تجاه المسار الذي تسلكه بكين. وفي عام 2024، من المرجح أن يزداد التشاؤم بشأن المستقبل، وهو ما أصبح واضحاً بالفعل في بداية العقد؛ حيث يبدو أن انكماش القومية الشعبية والتوقعات الاقتصادية الصعبة بالنسبة إلى الخريجين، تسهم في ارتفاع معدلات الاكتئاب بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً في الصين.6– تصاعد رغبة الأجيال الشابة في الهجرة من الصين: استكمالاً لحالة الإحباط في صفوف الشباب الصيني، يفترض المقال أن عام 2024 قد يشهد استمرار الاستياء الشبابي والرغبة في الفرار إلى دول أخرى، ليكون رد الحكومة المتوقع على ذلك هو الإصرار على المزيد من إظهار الوطنية الإجبارية، وفرض رقابة أكبر على المساحات المتاحة على الإنترنت؛ لينتهي عام 2023 بمجموعة أخرى من القيود المفروضة إلكترونياً، مع تضاؤل القدرة على منح الشباب الصيني نوع المستقبل الذي يريدونه.7– تراجع فرص التقدم في العلاقات مع واشنطن: تبدو القمة الناجحة بين الرئيسَين "بينج" و"بايدن" في سان فرانسيسكو في نوفمبر 2023، التي بدا أن الجانبين اعتبراها انتصاراً، كانت بمنزلة فترة تهدئة مؤقتة لعلاقة كانت تتجه نحو الانحدار لسنوات، فيما يظل الخطاب المناهض للولايات المتحدة خافتاً نسبياً في وسائل الإعلام الحكومية الصينية، حتى إن لم يتوارَ على نحو تام. ولكن لا يتوقع أن يستمر مثل هذا التوجه؛ إذ إن التوترات الهيكلية بين القوتين شديدة بما يكفي لدرجة أن بعض الأزمات الجديدة ستؤدي حتماً، وبحسب المتابعين، إلى عودة الصين إلى ما يسمى نمط "المحارب الذئب"، وإن كان من غير المرجح أن يصل هذا الوضع إلى ذروة عام 2020.إذ تواجه الصين ما يكفي من المشكلات الأخرى التي تدفعها نحو تجنب المجازفة بالكثير من المتاعب لفترة من الوقت. وعلى الجهة الأخرى، هناك مخاوف من أن الخطاب المناهض للصين في واشنطن قد يؤدي إلى تعكير صفو العلاقات خلال عام الانتخابات، رغم حقيقة أن الناخبين الأمريكيين لا يبدو أنهم يهتمون بالصين في صناديق الاقتراع، ولكن قد يتمثل الخطر الحقيقي في المحاولات الصينية للتدخل في الانتخابات، التي من المرجح أن تكون موجهة نحو سياسيين محددين في المناطق التي بها أعداد كبيرة من الناخبين ذوي الجذور الصينية، والتي ربما تتبع خطاً مؤيداً لـ"دونالد ترامب".إزاء ما سبق، يمكن القول في الختام إن مشكلات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بالنسبة إلى الصين لا تزال مستمرة؛ وهذا في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة إلى بذل جهود كبيرة لإعادة بناء الثقة، على الصعيدين الداخلي والخارجي على السواء.المصدر:James Palmer, "5 Predictions for China in 2024", Foreign Policy, December 2023.

ما أهم المشكلات المتوقعة أمام بكين في 2024؟