نهلة عبد المنعم 

تشهد العلاقات الروسية الأفغانية تقارباً متزايداً خلال المرحلة الحالية؛ إذ أعلن نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيدف في 28 مايو 2024 أن بلاده تقترب من الاعتراف بشرعية سلطة طالبان، كما تُخطِّط لرفعها من قائمة الجماعات الإرهابية المحظورة، ويأتي ذلك في ضوء التقارير التي قدَّمتها وزارتا الخارجية والعدل الروسيتان للرئيس بوتين في 27 مايو 2024، حول إمكانية إزالة الحركة من قائمة الإرهاب. وتتزامن الخطوة الروسية تجاه طالبان مع اقتراب موعد اجتماع الدوحة الثالث برعاية الأمم المتحدة المقرر عقده في 30 يونيو 2024 على مدار يومين؛ بهدف تسهيل المشاركة الدولية لأفغانستان؛ فإلى أي مدى يمكن أن تستثمر الحركة تلك الاستقطابات لدعم أهدافها الدولية؟ وماذا عن توقيت موسكو للاعتراف بشرعية طالبان؟دلالات رئيسيةيُمكن رؤية الإعلان الروسي عن اقتراب الاعتراف بحركة طالبان في هذا التوقيت عبر الأبعاد التالية:1– الاقتناع الروسي بأن حركة طالبان هي سلطة الأمر الواقع: شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 28 مايو 2024، على أن طالبان أضحت تسيطر على أفغانستان، وتمثل السلطة الفعلية حالياً بالبلاد؛ ولذلك من الضروري بناء علاقات معها، ومن ثم، يُظهر هذا التصريح أن موسكو لم تَعُد تتعامل مع طالبان باعتبارها جماعة متشددة تُمثل تياراً استحوذ على الحكم لفترة، بل بصفتها سلطة فعلية ستتحوَّل بمرور الوقت من حكومة أمر واقع إلى حكومة معترف بها.ومن جانب آخر، تعتمد وجاهة هذا الطرح على تراجع القدرات الأمنية والتشغيلية للجيش الأفغاني، وكذلك باقي القوى الداخلية مقابل القدرات العسكرية لحركة طالبان؛ إذ تمثل قدرة أدوات السلطة على السيطرة على الأوضاع مدخلاً لقبول الحكومات التعاطي معها بناءً على قدراتها في الحفاظ على التزاماتها الخارجية وحماية مصالح شركائها.2– مساعي موسكو لتقويض نشاط داعش خراسان: أدى الهجوم الذي نفذه فرع داعش خراسان، في 22 مارس 2024، ضد مركز كروكوس التجاري الترفيهي بالعاصمة موسكو، والذي راح ضحيته ما لا يقل عن 140 شخصاً، إلى إعادة تسليط الضوء على خطورة استفحال نشاط التنظيم في المنطقة، بما يفرض توجهات سياسية وأمنية أكثر وضوحاً لتستطيع الدول المعنية تقويض تمدُّد نفوذ داعش.كما أن منع تحول البلاد إلى منصة تهديد لمصالح موسكو، بات يُمثل متغيراً جدياً في السياسات الروسية؛ نظراً إلى تصاعد المخاوف إزاء احتمالات توظيف داعش في حروب بالوكالة لحساب جهات مُعادية، وهو ما ظهر في اتهامات بعض المسؤولين الروس لأوكرانيا بالتورط في الهجوم الإرهابي.3– الحد من الاضطرابات وتعزيز الأمن الإقليمي: إن وجود سلطة راسخة في أفغانستان يعزز الأمن الإقليمي، ويُقلِّل من حدة الاضطرابات؛ إذ إن رفع طالبان من قائمة الإرهاب الروسية سيسمح لموسكو بتكثيف تعاونها العسكري مع كابول لتطوير أساليب أمن الحدود؛ خشية تنامي شبكات جغرافية متطرفة تستغل الأبعاد التاريخية والعقائدية المعادية لموسكو بالمنطقة، بجانب تفادي السلبيات المرتبطة بتأثر البلاد بالسنوات الطويلة التي خاضتها في الحروب والصراعات ولم تستطع تكوين مؤسسات حديثة قادرة على إدارة الملفات الداخلية الشائكة بشكل جيد.وذلك في حين أن تعزيز التعاون الإقليمي سيدفع طالبان للحفاظ على تعهداتها حيال مكافحة المخدرات، وتقويض زراعة نبات الخشخاش الذي اعتمدت عليه خلال السنوات الماضية لتمويل عملياتها ضد القوات العسكرية الأمريكية قبل انسحابها؛ ما سيؤثر على مصادر تمويل العصابات الخارجة على القانون بالمنطقة.4– الحفاظ على المصالح الاقتصادية: في ظل التحديات السياسية التي تواجهها روسيا حالياً من جراء حربها مع أوكرانيا بالتوازي مع الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها حركة طالبان نتيجة قرار واشنطن بتجميد أصول البلاد بعد سيطرة الحركة بشكل عنيف على السلطة؛ فإن التعاون الاقتصادي بين البلدين يمثل سوقاً منفتحةً لتخفيف الضغط المالي وفقاً لأهداف كل طرف؛ فمن جانبها تسعى موسكو إلى تعزيز الشراكات التجارية غير الغربية للحفاظ على اقتصادها، أما طالبان فتريد ضمان الحفاظ على إمداداتها من الطاقة والمواد النفطية الروسية تفادياً لابتزازها غربياً.وعلى صعيد متصل، أعلن مدير إدارة آسيا الثانية بوزارة الخارجية الروسية "زامير كابولوف"، في 27 مايو 2024، أنه تم توجيه دعوة رسمية لقيادات طالبان من أجل حضور المنتدى الاقتصادي الدولي الذي سيُعقَد في سان بطرسبرج خلال الفترة بين 5 و8 يونيو؛ ما يأتي في إطار تعزيز التعاون الاقتصادي بين الطرفين. وقد سبق أن وجهت موسكو دعوة لعناصر الحركة من أجل حضور منتدى (روسيا–العالم الإسلامي) الذي عُقد من 14 إلى 19 مايو 2024 في قازان بغرب البلاد، وأحدثت هذه الدعوة جدالاً داخل البلاد؛ بسبب إدراج الحركة على لائحة الإرهاب، لكن السلطات صرحت حينها بأن روسيا ملتزمة بالتعاون مع طالبان لتقويض خطر التطرف العنيف.5– تشكيل جبهة ضد القوى الغربية: إن ظروف المجتمع الدولي المتعدد الأقطاب، تفرض على القوى الكبرى تعزيز مسارات التعاون مع بعض الحكومات، وبالأخص التي تواجه تحدياً في العلاقة مع القوى المنافسة. وفي السياق ذاته، تسعى طالبان نحو تنويع علاقاتها للحفاظ على توازنها وتخفيف الضغط على مصالحها، وهو ما يُفسِّر جزءاً من أسباب اختيار التوقيت الحالي لإعلان روسيا قرب اعترافها بطالبان وتعبير الأخيرة عن ترحيبها بالقرار لاستمرار العلاقات التاريخية بين الطرفين.إذ تريد موسكو تشكيل جبهة ضد واشنطن، وتعزيز موقف طالبان خلال تفاوضها مع القوى الغربية؛ لتقليل الإملاءات التي قد تُفرَض على الحركة؛ حتى لا تستأثر الحكومة الأمريكية بطالبان وتجعلها أداة غير مشروطة لها في المنطقة، بما قد يؤثر على مصالح روسيا مستقبلاً.ومن جانبها تسعى طالبان لاستغلال التقارب مع روسيا لتعضيد موقفها الدولي بما يزيد من فرص تحقيق شروطها، وهو ما تستخدمه خلال الفترة الحالية للتمهيد لاجتماع الدوحة الثالث الذي ترعاه الأمم المتحدة؛ إذ أعلنت الحركة أن تحقيق شروطها من عدم التطرق إلى مناقشة القضايا الداخلية، بجانب التمثيل الحصري لأفغانستان من دون أي قوى أخرى، مع عقد اجتماع منفصل رفيع المستوى بين وزير خارجية الحركة والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، بجانب شروط أخرى لم تفصح عنها؛ كل ذلك سيُحدِّد مدى قبولها للدعوة من عدمه. ويُعَد عدم حضور طالبان الاجتماع الأممي المقبل بمنزلة فشل للحدث الدولي.تداعيات محتملةيُحتمَل أن يكون لتوجه روسيا الأخير نحو الاعتراف بسلطة طالبان، عدد من التداعيات المحتملة المتمثلة فيما يلي:1– فتح المجال أمام الاعتراف بالحركة من جانب حلفاء روسيا: إن إعلان روسيا قرب اعترافها الرسمي بشرعية سلطة طالبان سيفتح المجال أمام حلفاء موسكو لاتباع خطواتها في الاعتراف بحكومة الحركة؛ ما سيعزز نفوذ طالبان في المنطقة. وسيُدفع هذا التوجه نحو الرغبة في حماية الأمن وتقويض نشاط التنظيمات الإرهابية.2– إعطاء طالبان الفرصة لاستكمال سياساتها الداخلية: إن احتفاظ طالبان بحق اختيار المنهج الداخلي للمجتمع يُعَد أحد شروطها الهامة في التعاطي مع القوى الدولية خلال الوقت الحالي، وبالأخص بعد محاولتها غير المجدية لاستمالة المجتمع الدولي عقب توليها السلطة مباشرةً وإعلانها على لسان المتحدث الرسمي لها ذبيح الله مجاهد احترام حقوق المرأة والحريات السياسية، وهو ما لم تحصد نتائجه؛ إذ شعرت بالعزلة وعدم اقتناع الغرب بخطابها فعادت إلى جمودها العقائدي المعهود حفاظاً على تماسك صفوفها الداخلية إزاء المنافسة المتطرفة التي تواجهها مع الجماعات الإرهابية المنتشرة بالمنطقة.ومن ثم فإن الاعترافات المتوقع أن تنالها الحركة خلال الفترة المقبلة من بعض دول المنطقة على أسس المصالح المشتركة بغض النظر عن طبيعة الحكم الأفغاني؛ ستُبقي على سلبيات الملف الحقوقي التي نتجت عن القرارات المتشددة للحركة، وبالأخص فيما يتعلق بتعليم الفتيات.3– التصعيد السياسي بين روسيا والولايات المتحدة: تشهد الفترة الحالية تصعيداً في الخطاب بين الطرفين، ومن المرجح تأجيجه خلال المرحلة المقبلة نتيجة التوجهات الروسية نحو الاعتراف بطالبان؛ إذ أعلنت الإدارة الأمريكية اعتراضها على إعلان موسكو في هذا الشأن، وصرَّح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، في 28 مايو 2024، بأن اعتراف موسكو بطالبان هو أمر مروع، واصفاً إياه بالمسار غير الحكيم؛ لأن الحركة لم تفِ بتعهداتها الدولية منذ استلامها السلطة؛ لا على مستوى الملف الحقوقي والنسائي، أو حتى الاقتصادي، ومن ثم فإن واشنطن ستكثف اتهاماتها ضد روسيا خلال المرحلة المقبلة حيال دعمها سلطات لا تحترم حقوق الإنسان وستوظف ذلك وفقاً لمصالحها.وعلى خلفية الاضطرابات الأمنية الإقليمية الناتجة عن تدهور الأوضاع في أفغانستان وما أنتجته من تطور قدرات تنظيم داعش؛ ستتزايد الاتهامات الموجهة من الإدارة الروسية ضد واشنطن برعاية الإرهاب؛ فخلال البيان الذي أصدره ميدفيديف حول قرب اعتراف بلاده بطالبان، صرَّح بأن الحكومة الأمريكية شريكة في التطرف؛ إذ تغير المشهد منذ قدومها عسكرياً للحرب على الإرهاب في المنطقة، إلى تمويلها عمليات متطرفة ضد المدنيين المسالمين.4– إحياء طموح الجماعات المتطرفة من أجل تكرار التجربة: إن هذا السيناريو سيكون مرجحاً بصورة أكبر لدى الجماعات التي تحظى بتاريخ من الانتشار في المناطق التي توجد بها، وترتبط قبلياً وعرقياً مع مواطنيها، سواء في آسيا أو في مناطق متفرقة حول العالم. ومن جانبها تخشى السلطات الباكستانية من تأثير تجربة طالبان الأفغانية على طموح جماعة تحريك طالبان، بما يؤثر على استقرارها وتماسكها الداخلي، فضلاً عن تنامي المخاوف إزاء الجماعات المتطرفة في آسيا الوسطى التي يحمل بعضها عداء لروسيا.استثمار الفرصةوختاماً، يبدو أن الظروف الجيوسياسية قد أتاحت فرصة هامة لطالبان لتحقيق طموحها الدولي بوتيرة أسرع، ومن ثم ستجتهد الحركة لاستثمار تلك الفرصة من أجل ترسيخ دعائم حكمها وفقاً لأجندتها الخاصة مع تقليل نسبة الإملاءات الغربية المرتبطة بهذا الملف. ومن جانبها ستُكثف روسيا جهودها خلال المرحلة المقبلة لمنع تحول التنظيمات الإرهابية في أفغانستان إلى أداة اضطراب أمني بالمنطقة، كما أن رفع الحركة من القوائم الروسية للإرهاب سيمنح مزيداً من الاتساق بين القانون الداخلي وما تقتضيه ظروف الواقع، وسيُعضد التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين الطرفين.

لماذا تسعى روسيا إلى الاعتراف بحركة طالبان؟