عرض: صباح عبد الصبور

شهد عام 2023 الكثير من التطورات التي استحوذت على اهتمام كل من المستويات الرسمية وغير الرسمية في جميع أنحاء العالم؛ إذ تواجه الفئات السكانية الضعيفة صراعات مميتة، من السودان إلى غزة وإسرائيل، بجانب ظروف الحرارة القياسية والجفاف وحرائق الغابات والفيضانات، كما هيمن الاستقطاب والاحتجاجات العنيفة وأعمال الشغب والإضرابات في عدد من الدول. ورغم محاولة الدول طرح سياسات لتخفيف حدة العواقب المزعزعة للاستقرار على مستوى العالم، مثل تلك التي شوهدت عند اندلاع الحرب الأوكرانية أو جائحة كوفيد 19، إلى حد كبير، فإن التوقعات الأطول أمداً لهذه التطورات قد تجلب المزيد من الصدمات العالمية.

وفي هذا الصدد، يلقي تقرير "المخاطر العالمية 2024 "، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، في يناير الجاري، الضوءَ على أبرز المخاطر والقضايا الرئيسية التي من المرجح أن يواجهها العالم على مدى العامين المقبلين، والتي من المتوقع أن تتفاقم خلال العقد المقبل. وقد أجرى التقرير مسحاً حول تصور المخاطر العالمية بأخذه في الاعتبار آراء ما يقرب من 1500 قائد عبر مجموعة متنوعة من القطاعات، بما في ذلك قطاع الأعمال والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني والحكومة، بالإضافة إلى أكثر من 200 قائد متخصص.

تصعيد النزاعات

أفاد التقرير بأن الصراع المسلح بين الدول أصبح وافداً جديداً على رأس تصنيفات المخاطر على مدى عامين؛ وذلك على النحو التالي:

1– تزايد احتمالية اندلاع الصراعات أو تصعيدها خلال 2024: وفقاً لـ25% من المشاركين، من المرجح أن يكون تصعيد أو اندلاع النزاعات المسلحة بين الدول من أكبر المخاطر هذا العام. ويعتقد 19% أن الهجمات على البنية التحتية الحيوية يمكن أن تمثل مشكلة أيضاً، بينما أعرب 12% عن قلقهم بشأن وقوع حدث نووي عرَضي أو متعمد. ويعتقد نحو 11% أنه قد تكون هناك زيادة في الإضرابات المدنية العنيفة وأعمال الشغب.

2– ترقُّب مآلات الأوضاع في أوكرانيا وإسرائيل وتايوان: في عام 2024، يمكن رؤية تصاعد الصراع في ثلاث بؤر ساخنة حيوية، تشمل إسرائيل وأوكرانيا وتايوان. وبحسب التقرير، إذا حدث ذلك فقد يكون له عواقب اقتصادية وجيوسياسية وأمنية بعيدة المدى؛ إذ إن البؤر الثلاث تقف عند مفترق طرق جيوسياسي؛ حيث للقوى الكبرى مصالح خاصة: طرق النفط والتجارة في الشرق الأوسط، والاستقرار وتوازن القوى في أوروبا الشرقية، وسلاسل التوريد التكنولوجية المتقدمة في شرق آسيا. ومن الممكن أن يؤدي كل منها إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي على نطاق أوسع؛ ما يؤدي بشكل مباشر إلى إشراك القوى الكبرى وتصعيد حجم الصراع.

3– التأثيرات السلبية لتحول النظام الدولي إلى التعددية القطبية: علاوة على ذلك، يمكن للمواضيع الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية والبيئية أن تؤدي إلى تجدد المناوشات؛ ما يزيد من تآكل الاستقرار الاقتصادي والسياسي لعدد من البلدان. ومن الممكن أيضاً أن يمهد عالم متعدد الأقطاب الطريق أمام مجموعة متنوعة من الفصائل والقوى الأصغر حجماً، ولكنها ذات أهمية إقليمية، لتتولى زمام الأمور. وبما أنه من المرجح أن يأتي كل من هؤلاء بأجنداتهم الخاصة، فقد يصبح حل الصراعات أكثر صعوبةً.

4– إمكانية اشتعال بعض الصراعات المجمدة عالمياً: تشير الدراسة إلى أن الصراعات المجمدة أو المتوقفة مؤقتاً معرضة لخطر البدء مرة أخرى، من خلال الآثار غير المباشرة وعدوى الصراعات، بما في ذلك كشمير والبلقان وسوريا وليبيا وغيرها.

5– تصاعد أدوار الذكاء الاصطناعي في الصراعات: يعتبِر التقرير أن التدويل المتزايد للصراعات من قبل مجموعة أوسع من القوى يمكن أن يؤدي إلى حروب أكثر فتكاً وطويلة الأمد وأزمات إنسانية طاحنة. ومع انخراط دول متعددة في حروب بالوكالة – وربما تنخرط حتى في حرب مباشرة – فإن الحوافز لتكثيف وقت اتخاذ القرار من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي سوف تنمو. ويعتقد التقرير أن زحف الذكاء الاصطناعي إلى عملية صنع القرار في الصراعات – لاختيار الأهداف وتحديدها بشكل مستقل – من شأنه أن يزيد بدرجة كبيرة من خطر التصعيد العرضي أو المتعمد على مدى العقد المقبل.

مخاطر اقتصادية

يتوقع التقرير أن عدم اليقين الاقتصادي سيكون سائداً خلال العام الجاري؛ وذلك على النحو التالي:

1– ارتفاع التوقعات بزيادة مؤشرات عدم الاستقرار الاقتصادي: من المتوقع أن تتزايد الضغوط الاقتصادية على ذوي الدخل المنخفض والمتوسط – وكذلك البلدان – وتظل أزمة تكلفة المعيشة مصدر قلق كبير في التوقعات لعام 2024، كما تعد المخاطر الاقتصادية للتضخم والانكماش الاقتصادي من أعلى 10 تصنيفات للمخاطر على مدار فترة السنتين؛ إذ يعتقد نحو 42% من المشاركين أن ارتفاع تكاليف المعيشة سيظل يمثل مشكلة في عام 2024، بينما يتوقع 33% حدوث انكماش اقتصادي.

ويعتقد نحو 25% أنه من المرجح أن تتعطل سلاسل التوريد للسلع والموارد الحيوية، بينما يعتقد 18% الأمر نفسه بالنسبة إلى سلاسل الإمداد الغذائي، و14% بالنسبة إلى سلاسل إمداد الطاقة. ومن المتوقع حدوث نقص في المهارات والعمالة، وفقاً لـ13% من المشاركين، في حين يرى 14% أن ضائقة الدين العام مشكلة محتملة.

2– استمرار التضخم وتشديد السياسة النقدية خلال 2024: لا تزال حالة عدم اليقين بشأن الطلب والضغوط في جانب العرض من أهم المواضيع الاقتصادية هذا العام؛ ما قد يؤدي إلى تجدد التضخم وتأخير تخفيف السياسة النقدية.

3– تزايد أزمات الديون السيادية في الدول النامية: يشير التقرير إلى أن مخاطر التخلف عن سداد الديون السيادية آخذة في الارتفاع، ولكن تجنبت الاقتصادات الناشئة الأكبر، مثل المكسيك والبرازيل، إلى حد كبير، ضائقة الديون حتى الآن. ويعزى ذلك إلى الظروف المختلفة هيكلياً في هذه الأسواق عما كانت عليه في الماضي، بما في ذلك استقلال البنك المركزي، وتراكم احتياطيات كبيرة من النقد الأجنبي. لكن في أجزاء أخرى من العالم – كما هو الحال في مصر وإثيوبيا وغانا ولبنان وباكستان وتونس – تكون المخاطر أعلى بكثير خلال العام الجاري.

4– استمرار تأثر الاقتصاديات العالمية بجائحة كورونا: لقد قطعت البلدان خطوات واسعة عبر معظم مؤشرات التنمية البشرية على مدى العقود الأخيرة، ولكن هشاشة هذه المكاسب الجماعية كانت واضحة للعيان. فعلى وجه الخصوص، شكلت جائحة كوفيد–19 تحدياً للتقدم العالمي، مع حدوث انتكاسات واضحة في عام 2020 عبر اقتصادات ومناطق متعددة مع تراجع التقدم فيما يتعلق بالتعليم والرعاية الصحية والفقر.

5– تزايد احتمالية انتشار البطالة بين فئة متزايدة من سكان العالم: بحسب التقرير، فمن المرجح أن تتصاعد الاضطرابات في أسواق العمل في جميع أنحاء العالم نتيجةً للتحول الاقتصادي الواسع النطاق، مدفوعاً بالعمل المناخي وتكامل الذكاء الاصطناعي. وستعمل هذه التحولات المزدوجة على إعادة تشكيل نوعية وكمية وتوزيع خلق فرص العمل بشكل كبير، فضلاً عن فقدان الوظائف؛ ما يؤدي إلى مخاطر متباينة. وفي غياب سياسات فعَّالة تشجع إعادة اكتساب المهارات بجانب العمل والحراك الاجتماعي، فإن الوصول إلى فرص الدخل سوف يضيق بالنسبة إلى شريحة متزايدة من سكان العالم؛ ما يخلق جيوباً من البطالة.

6– تراجع مستويات المعيشة في عدة دول: إذا لم تُوضَع أنظمة حماية اجتماعية كافية، فإن العمال النازحين الذين يكافحون من أجل العودة إلى سوق العمل قد يواجهون معدلات أعلى من الفقر والجوع والتشرد، لا سيما على المدى القريب، إذا ظلت التكاليف والتضخم أعلى لفترة أطول. ويمكن أن يصبح الوصول إلى الضروريات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والسكن، مقيداً. وقد يصبح النزوح الاقتصادي القسري أكثر شيوعاً.

7– تسبب الطقس المتطرف في أزمة مالية عالمية خلال 2024: يصنِّف ثلثا المشاركين في مسح المخاطر العالمية الطقسَ المتطرف باعتباره الخطر الأكبر الذي من المرجح أن يسبب أزمة مادية على نطاق عالمي في عام 2024؛ وذلك مع توقع اشتداد مرحلة الاحترار في دورة النينيو والتذبذب الجنوبي، التي ستستمر حتى مايو من هذا العام؛ إذ يمكن أن يستمر هذا في تسجيل أرقام قياسية جديدة في ظروف الحرارة، مع توقع حدوث موجات حر شديدة وجفاف وحرائق غابات وفيضانات، وهو ما سيؤثر سلباً على سلاسل التوريد العالمية.

وتشير الأبحاث الحديثة إلى احتمالية تجاوز نقطة الـ1.5 درجة مئوية من الاحتباس الحراري، التي من المتوقع حالياً الوصول إليها بحلول أوائل ثلاثينيات القرن الحالي. وبحسب التقرير، ستظل العديد من الاقتصادات غير مستعدة إلى حد كبير لمواجهة التأثيرات "غير الخطية"؛ فالإثارة المحتملة لسلسلة من المخاطر الاجتماعية والبيئية ذات الصلة يمكن أن تؤدي إلى تسريع تغير المناخ؛ وذلك من خلال إطلاق انبعاثات الكربون، وتضخيم التأثيرات ذات الصلة؛ ما يهدد السكان المستضعفين، كما يمكن أن تنهار القدرة الجماعية للمجتمعات على التكيف، بالنظر إلى الحجم الهائل للتأثيرات المحتملة ومتطلبات الاستثمار في البنية التحتية؛ ما يترك بعض المجتمعات والبلدان غير قادرة على استيعاب الآثار الحادة والمزمنة لتغير المناخ السريع.

8– المطالبة بدور أكثر تدخلاً للحكومات: قد تؤدي المطالبات العامة بحكومات أكثر تدخلاً إلى إعادة ضبط السياسات المالية؛ حيث تواجه الحكومات ضغوطاً متزايدةً لتنفيذ سياسات تعطي الأولوية لشبكات الأمان السخية واستقرار تشغيل العمالة. ومن الممكن أن ينمو دعم الضرائب التكنولوجية وإعادة توزيع الثروة، لكن مع انقسام أسواق العمل، فإن قدرة الحكومات على دعم القوى العاملة لديها من خلال هذه التحولات الجذرية، والحفاظ على التقدم التنموي ومستويات المعيشة، يمكن أن تتباين بدورها.

مخاطر تكنولوجية

بحسب التقرير، تزداد مخاطر الذكاء الاصطناعي المتقدم خلال العام الحالي وتمتد للعقد المقبل، ومن مؤشرات ذلك:

1– الآثار العكسية للتوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة: وفقاً للتقرير، تتمثل المخاطر الجديدة للذكاء الاصطناعي في المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة، وفقدان الوظائف والاستخدام الإجرامي والهجمات الإلكترونية، والتحيز والتمييز، واستخدامها في اتخاذ القرارات الحاسمة من قبل كل من المنظمات والدول، ودمج الذكاء الاصطناعي في الأسلحة والحرب.

2– تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات التضليل: وفقاً لـ53% من المشاركين، تعتبر المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة الناتجة عن الذكاء الاصطناعي واحدة من أعلى المخاطر خلال العامين المقبلين. ويشمل ذلك قضايا الرقابة والمراقبة والسلامة فيما يتعلق بالتقنيات الرائدة، بالإضافة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويشمل أيضاً انعدام الأمن السيبراني، وتركيز القوة التكنولوجية.

لقد أصبحت المعلومات المضللة مصدراً متصاعداً للقلق في جميع أنحاء العالم، مع تزايد توافر وسائل التواصل الاجتماعي والوصول إليها ومصادر الأخبار والمعلومات الأخرى المشكوك فيها. ويستشهد التقرير بأنه خلال الحرب الأوكرانية والحرب الحالية في غزة، تم استخدام الذكاء الاصطناعي، من بين أدوات تكنولوجية أخرى، بحرية من قبل كلا الجانبين لتوليد صور كاذبة ومضللة، ولحشد الدعم، ورفع معنويات القوات.

3– التوظيف السلبي للتكنولوجيا في العمليات الانتخابية: من المتوقع أن يتوجه ما يقرب من ثلاثة مليارات شخص إلى صناديق الاقتراع في العديد من الاقتصادات – بما في ذلك بنجلاديش والهند وإندونيسيا والمكسيك وباكستان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة – على مدى العامين المقبلين، وسيؤدي الاستخدام الواسع النطاق للمعلومات الخاطئة والمضللة والأدوات اللازمة لنشرها، إلى تقويض شرعية الحكومات المنتخبة حديثاً، وتصعيد الاحتجاجات العنيفة وجرائم الكراهية.

4– التأثيرات السلبية على التجارة وسلاسل التوريد: يخلق الذكاء الاصطناعي مخاطر كبيرة في سلسلة التوريد قد تتكشف خلال العقد المقبل؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لضوابط التصدير في المراحل المبكرة من سلسلة التوريد (بما في ذلك المعادن)، أن ترفع التكاليف الإجمالية وتؤدي إلى ضغوط تضخمية مستمرة. ومن الممكن أن يؤدي تقييد الوصول إلى مدخلات أكثر تعقيداً (مثل أشباه الموصلات) إلى تغيير مسار نشر التكنولوجيا المتقدمة داخل أي بلد بشكل جذري.

5– تزايد الفجوة التكنولوجية بين الدول: قد يؤدي التكامل الواسع النطاق لتقنيات الذكاء الاصطناعي إلى خلق مجموعة جديدة من الفائزين والخاسرين في الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء. ومن المرجح أن تؤدي الفجوة الرقمية بين البلدان ذات الدخل المرتفع والمنخفض إلى تفاوتات صارخة في هذا المجال. ومن الممكن أن تتخلف البلدان والمجتمعات الأكثر ضعفاً في الاقتصادات المتقدمة والنامية عن الركب، وتصبح معزولة رقمياً عن اختراقات الذكاء الاصطناعي في الإنتاجية الاقتصادية والتمويل والمناخ والتعليم والرعاية الصحية.

6– تعزيز قدرات الحرب السيبرانية: سيعمل الذكاء الاصطناعي على تعزيز قدرات الحرب السيبرانية؛ ما يمكِّن الأنظمة الهجومية والدفاعية بأكملها من العمل بشكل مستقل، مع تأثيرات غير متوقعة على الشبكات والبنية التحتية المتصلة. ويمكن للأسلحة البرية والجوية والبحرية أن تقوم بالفعل بالمراقبة دون تدخل بشري. فيما يكمن الخطر الأعظم في تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية.

موجات الجريمة

بحسب التقرير، ستؤدي هشاشة الدولة، التي يغذيها تغير المناخ والصراعات والصعوبات الاقتصادية، إلى خلق أو توسيع فجوة الحكم التي يمكن أن تزدهر فيها الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية. ومن مؤشرات انتشار الجريمة:

1– انتشار النشاط الاقتصادي غير المشروع: تعد الدوافع المؤدية إلى النشاط الاقتصادي غير المشروع من أشد المخاطر المتصورة على المديين القصير والطويل، مدفوعة بالانكماش الاقتصادي، ونقص الفرص الاقتصادية، وانعدام الأمن السيبراني، والهجرة غير الطوعية، بجانب البطالة، والعنف داخل الدول.

وبحسب التقرير، هناك ثلاثة اتجاهات متزامنة من شأنها أن تغذي عصابات الجريمة والأسواق غير المشروعة ذات الصلة؛ فقد تؤدي الهشاشة المجتمعية الناشئة عن نقاط الضعف الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، إلى توسع الأسواق غير المشروعة، كما أن التقدم التكنولوجي سوف يكسر الحواجز ويسمح للشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية بالانتشار. وأخيراً، قد يؤدي تآكل الحكم الشرعي إلى حدوث فراغ السلطة وازدهار المنظمات الإجرامية، أو التنافس مع الأنظمة الهشة للسيطرة على الأراضي.

2– التكلفة الهائلة لتوسع الأسواق الموازية: من المرجح أن تنتشر الاقتصادات الموازية أو الأسواق السوداء؛ ما يخلق تدفقات إيرادات مربحة ومجموعات تجنيد لشبكات الجريمة المنظمة، مع انتشار تكاليف الجريمة على نطاق أوسع بين المواطنين. وسوف يتفاعل ضغط الموارد والصراعات والصعوبات الاقتصادية لدفع الطلب الأكثر انتشاراً للتهريب، بالإضافة إلى التعرض للأنشطة الإجرامية.

وسيزداد الطلب على التهريب غير القانوني للمخدرات والأسلحة والموارد والنقود والأدوية والأشخاص بالتزامن مع التطورات الجيوسياسية والاقتصادية والبيئية. وبحسب التقرير، سيكون التعدين غير القانوني للموارد الحيوية مصدراً رئيسياً لعدم الاستقرار في مناطق متعددة، من جنوب شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية؛ ما يؤدي إلى العنف والفساد ونزوح السكان الأصليين وتدمير البيئة. ويُنظر إلى البطالة على أنها أقوى محرك للنشاط الاقتصادي غير المشروع؛ لذا فقد تصبح الجريمة المصدر السائد للدخل والطريقة الوحيدة للوصول إلى الضروريات لبعض المجتمعات.

3– توسع نقاط الضعف السيبرانية: يؤدي التكامل السريع للتكنولوجيات المتقدمة إلى تعريض مجموعة فرعية أوسع من سكان العالم لإمكانات رقمية وتكنولوجية؛ ما يسمح بالاستغلال الجسدي. وبحسب التقرير، ستعتمد شبكات الجريمة المنظمة بدرجة متزايدة نماذج أعمال مختلطة تستخدم تقنيات جديدة لتنويع التمويل غير المشروع وتجزئة الوجود المادي للجريمة المنظمة، كما ستفتح الأدوات والقدرات الجديدة أسواقاً جديدة للشبكات الإجرامية؛ حيث توفر الجرائم السيبرانية مصدراً متزايداً لإيرادات منخفضة المخاطر ومنخفضة التكلفة للجريمة المنظمة. وسوف تستمر الجرائم السيبرانية المنتشرة بالفعل في أمريكا اللاتينية، في الانتشار بأجزاء من آسيا وغرب وجنوب أفريقيا، مع تزايد الثراء وسهولة التواصل بالإنترنت.

4– تزايد العمليات الإجرامية المدعومة من الدولة: سوف تؤدي هشاشة الدول المتزايدة إلى تعزيز سهولة وجاذبية هذه الاقتصادات الموازية لمجموعة أوسع من الجهات الفاعلة؛ إما بسبب انخفاض قدرة الدولة على الاستجابة، أو في بعض الحالات، بسبب عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين المجرمين والدولة.

وفي الواقع، يمكن للدولة نفسها أن تدعم الجريمة المنظمة أو تصبح عرضة لها خلال العقد المقبل، ويمكن للفساد الأكثر انتشاراً، الذي تغذيه الهشاشة، أن يخلق حلقة مفرغة؛ حيث تصبح الدول غير قادرة على إعادة بناء القدرة على الصمود لمواجهة الجريمة المنظمة بشكل فعال، ويمكن بدلاً من ذلك أن تقع في أيدي الشبكات الإجرامية؛ فعلى سبيل المثال، فإن مجموعة فاجنر شركة عسكرية خاصة لديها شبكة من الكيانات الاقتصادية، بما في ذلك شركات التعدين، لا سيما في جميع أنحاء أفريقيا. ويعتقد التقرير أن وجود هذه المجموعات يمكن أن يزيد من تأجيج الدورة بين الصراعات والهشاشة والفساد والجريمة، لا سيما عندما لا تملك الدولة القدرة على إنفاذ الحقوق القانونية.

الاستجابة للمخاطر

يتطرق التقرير إلى الطرق التي يمكن من خلالها معالجة المخاطر العالمية، في ضوء الجوانب المعقدة لكيفية تطورها؛ وذلك على خلفية بيئة جيوسياسية مجزأة؛ حيث قد يكون التعاون بها أقل. ومن أهم طرق الاستجابة للمخاطر ما يلي:

1– بناء الاستجابات المحلية لمواجهة تغير المناخ: في ظل الحاجة الملحة التي تلوح في الأفق للتكيف لتجنُّب أسوأ التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، تمثل التدابير المحلية استجابة سريعة نسبياً للمخاطر؛ فهي غير مثقلة بعمليات مطولة مشتركة بين الاتفاقيات العالمية. وتتراوح التدابير بين سن قوانين بناء أكثر مرونةً والاستثمار في إدارة حرائق الغابات، والدفاعات ضد الفيضانات، وتخفيف موجات الحر.

2– الاستثمار في البنية التحتية لمواجهة الأوبئة العالمية: إذ يمكن للاستثمار في البنية التحتية أن يعزز استعداد أي بلد للتصدي للأوبئة؛ فعندما تفشى فيروس كورونا، كانت قدرة الأنظمة الصحية الوطنية – أي توافر أسرة المستشفيات ووحدات العناية المركزة والعاملين الطبيين – هي التي أدت إلى حد كبير إلى الحد من تأثيره المحلي.

3– دعم التوعية والتعليم لمواجهة أخطار الذكاء الاصطناعي: يمكن لمبادرات التوعية والتعليم العامة أن تكون فعالة في الحد من تأثير المعلومات الخاطئة المدعومة بالذكاء الاصطناعي على بيئات الإعلام المحلية. ويمكن للبلدان نشر محو الأمية في مجال الذكاء الاصطناعي في أنظمة التعليم العام، وإعطاء الأولوية لقضايا فهم قدرات الذكاء الاصطناعي وتحديد مصادر المعلومات الجديرة بالثقة.

4– استخدام الأدوات المالية للحد من الكوارث الطبيعية والجيواقتصادية: وفقاً للتقرير، يمكن للأدوات المالية – بما في ذلك التأمين أو سندات الكوارث أو مجمعات المخاطر العامة – أن تخفف من آثار الكوارث الطبيعية والجيواقتصادية والصدمات المتوسطة الأجل، في حين تمثل شبكات الأمان الاجتماعي ومعاشات التقاعد أدوات مهمة في إدارة المخاطر الأطول أمداً المرتبطة بالاتجاهات الديموغرافية والاستقطاب المجتمعي.

5– دعم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الاستجابة للمخاطر: بحسب التقرير، يمكن للقطاعين العام والخاص، بمفردهما وبالشراكة، أن يلعبا دوراً في توسيع نطاق الاستجابات المحلية، وخفض التكاليف وتوسيع قدرات الحد من المخاطر للجميع.

6– تعظيم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتقليل مخاطره: رغم مخاطر الذكاء الاصطناعي، فإنه قد يكون أيضاً المفتاح لحل العديد من مشاكل العالم؛ إذ تشير الأبحاث الحديثة، على سبيل المثال، إلى أنه يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحدث ثورة في علم المواد؛ ما يسمح بتحقيق تقدم في مجال البطاريات، والألواح الشمسية، ورقائق الكمبيوتر، وغيرها من التكنولوجيات الحيوية التي ستكون مطلوبة في الجهود المبذولة لمعالجة العديد من المخاطر.

7– العمل على تعبئة الجماهير لتحقيق الصالح العام: لقد غيرت تكنولوجيات المعلومات والاتصالات، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، سرعة وطريقة تبادل المعلومات. وعلى الرغم من وجود مخاطر مرتبطة بذلك، فإن هناك أيضاً فوائد من حيث التعبئة الجماهيرية من أجل الصالح العام؛ إذ تعمل حملات التوعية والتثقيف العام على تضخيم المبادرات (الشعبية) التي لم تصل بعدُ إلى الكتلة الحرجة من أجل إحداث تأثير. وفي بعض الحالات، أنشأت الحكومات وحدات محددة لإحداث التغيير من خلال تشجيع السلوكيات الجماعية، مثل تلك التي تمنع انتشار المرض.

8– أهمية التنسيق العابر للحدود للتعامل مع التهديدات: يتخذ التنسيق عبر الحدود للحد من المخاطر أشكالاً عديدة، وعادةً ما يتمحور حول تخفيف احتمالية حدوث ذلك. ومن أهم مؤشرات جهود التنسيق عبر الحدود، تقييد استخدام أسلحة الدمار الشامل أو تقييد دمج الذكاء الاصطناعي في الأسلحة الفتاكة لتجنب خطر تصعيد الصراع غير المقصود.

هذا بالإضافة إلى تنسيق المعاهدات والاتفاقيات لمواجهة المخاطر العالمية، وكذلك دعم جهود العمل الجماعي لمواجهة أخطار المناخ؛ حيث تم إحراز تقدم من خلال التعاون الدولي في التصدي لتغير المناخ، ولكن العمل يحتاج إلى تعميق وتوسيع نطاقه. والأهم من ذلك الإسراع به. وبحسب التقرير فإن" نوادي المناخ"، أو تحالفات الراغبين تمثل مساراً عملياً للتقدم في ظل التحديات التعددية التقليدية. وتلتزم هذه التحالفات من البلدان بأهداف مناخية طموحة، وتعتمد تدابير لفرض الامتثال، في حين تقدم حوافز للعضوية.

وختاماً، يشير التقرير إلى أنه حتى في عالم يتسم بالتشرذم والاستقطاب على نحو متزايد، يظل التعاون المشترك أمراً بالغ الأهمية في مواجهة المخاطر الحاسمة بالنسبة إلى الأمن البشري والرخاء العالمي. وفي حين سيشهد العقد القادم فترة من التغيير الكبير ومخاطر معقدة، فإنه يمكن تشكيل مسار أكثر إيجابيةً من خلال إجراءاتنا لمعالجة المخاطر العالمية اليوم.

المصدر:

World Economic Forum, Global Risks Report 2024, 10 January 2024.

أبعاد المخاطر المتصاعدة التي تواجهها الدول في 2024