ميرال حسين

في خطوة تُعَد جزءاً من حملة أجراها رئيس المالديف "محمد مويزو" منذ توليه منصبه في نوفمبر 2023 لتطوير علاقات أوثق مع الصين، عقب حملته الانتخابية "India Out" التي وعدت بسحب القوات الهندية من الأراضي المالديفية وإعادة تأكيد السيادة الوطنية "المفقودة"؛ وقعت جزر المالديف اتفاقاً عسكرياً مع الصين في تحول إضافي بعيداً عن الهند.إذ وقع وزير الدفاع في جزر المالديف "محمد غسان مأمون" واللواء "تشانج باو تشون" نائب مدير مكتب الصين للتعاون العسكري الدولي، اتفاقية بشأن "تقديم الصين مساعدة عسكرية مجانية لجمهورية المالديف، وتعزيز العلاقات الثنائية القوية".دلالات متعددةيعكس تحالف جزر المالديف مع الصين اتجاهاً أوسع للنفوذ الصيني المتزايد في منطقة المحيط الهندي. ومن ثم، يمكن تسليط الضوء على أبرز الأبعاد المتعلقة بالاتفاق الدفاعي بين الصين والمالديف؛ وذلك على النحو التالي:1– تأكيد دور الاتفاق في تطوير القدرات العسكرية للمالديف: بالرغم من أنه لم يتم الكشف بالكامل عن تفاصيل الاتفاق بين جزر المالديف والصين بشأن المساعدة العسكرية، والتصريح فقط بأن الصفقة "مجانية"، فإن رئيس المالديف محمد مويزو صرَّح بأن "الحصول على أشكال التدريب المختلفة التي تتطلبها المؤسسة العسكرية في جزر المالديف، والحصول على مختلف المعدات العسكرية غير الفتاكة مجاناً، هو ما يدور حوله هذا الاتفاق". واعتبر "مويزو" أن الاتفاق "سيزيد القدرة الفنية لقوات الدفاع بالمالديف".وقد أشارت تقارير إلى أن الاتفاق قد يغطي مجالات مثل تدريب الشرطة، ودعم إدارة الاضطرابات الداخلية، والمساعدة في المراقبة والوصول إلى الموانئ العسكرية.2– استكمال مسار التعاون الاقتصادي بين الصين وجزر المالديف: بالإضافة إلى المساعدة العسكرية، سيضمن الاتفاق تعاوناً أوسع بين البلدين، بما في ذلك تطوير البنية التحتية والتجارة واستكمال مسار التعاون الاقتصادي. وتضمَّنت الاتفاقيات السابقة التي تم توقيعها خلال زيارة الرئيس "مويزو" إلى بكين، في يناير الماضي، التعاون في مختلف المشروعات التنموية والمساعدات المالية لتطوير البنية التحتية في جزر المالديف، كما تعمل جزر المالديف على مضاعفة أعداد السياح الصينيين القادمين إليها، وخاصةً أنه كان هناك انخفاض في عدد السياح الهنود عقب التوترات بين البلدين؛ ما دفع جزر المالديف إلى البحث عن أسواق سياحية بديلة.3– تزايد النفوذ الصيني في جزر المالديف: إذ قامت الصين على نحو متزايد بتوسيع وجودها في جزر المالديف، وبشكل أكثر وضوحاً من خلال مشاريع البنية التحتية الواسعة النطاق، مثل جسر الصداقة بين الصين وجزر المالديف الذي تبلغ تكلفته 200 مليون دولار.وفي يناير، سافر "مويزو" إلى بكين في زيارة دولة، ووقَّع البلَدان 20 اتفاقية شملت التعاون في البنية التحتية والتجارة والاقتصاد والتنمية الخضراء والمنح ومشاريع التنمية الأخرى. ويشمل ذلك نحو 127 مليون دولار من المساعدات لتطوير الطرق في العاصمة ماليه، وبناء 30 ألف وحدة إسكان اجتماعي، وفقاً لبيان صحفي صادر عن مكتب الرئيس. وخلال الرحلة، أشاد مويزو بالصين باعتبارها "واحدة من أقرب الحلفاء وشركاء التنمية لجزر المالديف".كذلك يأتي الاتفاق العسكري أيضاً بعد أن سمحت جزر المالديف لسفينة الأبحاث الصينية Xiang Yang Hong 03 بالرسو في ميناء ماليه في 22 فبراير. وكانت الهند قد أثارت اعتراضات مع حكومتَي سريلانكا وجزر المالديف بشأن رسو هذه السفينة في موانئهما في ديسمبر 2023.4– محاولة الطرفين تأكيد عدم استهداف الهند: قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينج، أن بكين ملتزمة بالعمل مع جزر المالديف لبناء شراكة تعاونية استراتيجية شاملة، كما أوضح أن التعاون الطبيعي بين الصين وجزر المالديف لا يستهدف أي طرف ثالث، ولن يتم تعطيله من قِبَل أي طرف ثالث، وهو ما استبطن توجيه رسالة غير مباشرة إلى الهند.5– تزامن الاتفاق مع تفاقم التوترات بين ماليه ونيودلهي: تدهورت العلاقات بين جزر المالديف والهند، خاصةً منذ انتخاب الرئيس "محمد مويزو" الذي كان إقصاء الهند هو المبدأ الأساسي لحملته الانتخابية، وتصاعد هذا التوتر بشكل أكبر مع إصدار الأمر للقوات الهندية بمغادرة الأرخبيل.وفي هذا السياق، يأتي الاتفاق بعد أن أمرت جزر المالديف بسحب القوات الهندية (89 جندياً هندياً) التي كانت متمركزة سابقاً في البلاد. وكانت الهند قد قدَّمت أفراداً عسكريين لتشغيل طائرات الاستطلاع التي أهدتها لجزر المالديف، وتم نشر هذه القوات لتشغيل طائرات الاستطلاع التي قدَّمتها الهند لمراقبة الحدود البحرية لجزر المالديف، لكن من المتوقع الآن أن يتم استبدال موظفين مدنيين مكانَهم. ومن المتوقع أن تكتمل عملية الانسحاب بحلول 10 مايو.تداعيات متوقعةيحمل الاتفاق بين الصين وجزر المالديف لتقديم المساعدة العسكرية، في ظل السياق الأوسع للعلاقات المتوترة بين جزر المالديف والهند، عدة تداعيات مهمة، سواء على الجغرافيا السياسية الإقليمية والديناميكيات الأمنية، أبرزها ما يلي:1– تأكيد التحول الاستراتيجي في سياسة جزر المالديف: يمثل الاتفاق الجديد مع الصين تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية لجزر المالديف مقارنةً بسلف "مويزو" المؤيد للهند "إبراهيم محمد صليح". وفي يناير، حدد "مويزو" موعداً نهائياً هو 15 مارس للانسحاب الكامل لأفراد الجيش الهندي المتمركزين في الدولة الأرخبيلية، وفقاً لمكتب الرئيس. وجاء في تحديث من مكتبه الشهر الماضي أن المفاوضات اتفقت على رحيل القوات على مراحل، على أن تنسحب الدفعة الأولى قبل العاشر من مارس والباقي قبل العاشر من مايو.2– احتمالية تزايد التوترات الدبلوماسية بين جزر المالديف والهند: قد يؤدي الاتفاق إلى زيادة توتر العلاقات الدبلوماسية بين جزر المالديف والهند. وقد تنظر الهند إلى محور جزر المالديف تجاه الصين باعتباره خيانةً لشراكتها الطويلة الأمد، ويمكن أن ترد من خلال إعادة تقييم ارتباطها الدبلوماسي والاقتصادي مع جزر المالديف.إذ يهدف الاتفاق إلى تعزيز العلاقات الثنائية القوية بين جزر المالديف والصين. ويُشِير هذا إلى أن المساعدة المُقدَّمة ليست مجرد معاملات، بل تهدف إلى تعميق العلاقة بين البلدين. وبالفعل صرَّحت وزارة الدفاع المالديفية بأن الاتفاق سيعزز "علاقات ثنائية أقوى".3– تصاعد المخاوف الأمنية للهند نتيجة تزايد نفوذ بكين: يثير الاتفاق مخاوف أمنية بالنسبة إلى الهند؛ نظراً إلى قُربها من جزر المالديف وأهميتها الاستراتيجية في المحيط الهندي. وربما تنظر الهند إلى الوجود العسكري الصيني المتزايد في جزر المالديف باعتباره تهديداً محتملاً لمصالحها الأمنية؛ ما يدفعها إلى إعادة تقييم موقفها الدفاعي في المنطقة.4– توسيع نيودلهي تحركاتها العسكرية في المحيط الهندي: يُرجَّح أن تعمل الهند على توسيع تحركاتها العسكرية في المحيط الهندي عقب الاتفاق الدفاعي بين الصين وجزر المالديف. وقد ظهرت مؤشرات ذلك الأمر مع الإعلان عن تشغيل الهند قاعدة بحرية جديدة تسمى آي إن إس جاتايو، في مينيكوي، وهي الجزيرة الواقعة في أقصى جنوب أرخبيل لاكشادويب الهندي، لتكون بذلك القاعدة البحرية الثانية للهند في الأرخبيل، وهي أقرب إلى جزر المالديف. وبحسب تصريحات قائد البحرية الهندية الأدميرال هاري كومار، يوم 6 مارس 2024، فإن هذه القاعدة تأتي في ضوء "الحاجة الملحة إلى تشديد المراقبة وسط التطورات الجيوسياسية السائدة".5– تعقيد الجغرافيا السياسية الإقليمية: تضيف الاتفاقية تعقيداً إلى المشهد الجيوسياسي الإقليمي، خاصةً في المحيط الهندي. ومن الممكن أن يساهم ذلك في توسيع نفوذ الصين في المنطقة؛ مما يثير المخاوف بين دول المنطقة بشأن الوجود المتزايد لبكين في المحيط الهندي. ومن ثم قد تعمل بعض دول على توسيع دوائر تحالفاتها الخارجية، وربما تعمل على التعاون مع بعض الأطراف مثل الهند والولايات المتحدة من أجل موازنة النفوذ الصيني.6– التأثير السلبي على العلاقات الاقتصادية بين ماليه ونيودلهي: من المرجح أيضاً أن يكون للاتفاقية آثار اقتصادية على جزر المالديف؛ لأنها قد تؤثر على حصولها على المساعدات والاستثمارات الهندية؛ إذ كانت الهند شريكاً اقتصادياً مهماً لجزر المالديف، وأي تدهور في العلاقات الثنائية يمكن أن يؤثر على اقتصاد جزر المالديف.7– مراقبة واشنطن مسار التقارب بين جزر المالديف والصين: من المؤكد أن التطور الحادث في العلاقات بين جزر المالديف والصين يسترعي انتباه واشنطن، التي ستراقب تطور هذه العلاقات، وخاصةً أن واشنطن وقَّعت مع جزر المالديف اتفاقية دفاعية في سبتمبر 2020، وهو الاتفاق الذي أُشِير حينها إلى أن هدفه مواجهة "القرصنة والإرهاب وإرساء السلام بالمنطقة"، كما أنشأت واشنطن سفارة لها في ماليه عام 2023. وعليه، ستعمل واشنطن على التواصل مع مسؤولي جزر المالديف في اللحظة الراهنة للتأكد من أن التقارب بين بكين وماليه لن يؤثر على حضور الولايات المتحدة في الجزيرة.وإجمالاً لما سبق، فإن من المتوقع أن تتسم العلاقات المعقدة بين جزر المالديف والهند والصين بالمنافسة الاستراتيجية المستمرة، والمناورات الدبلوماسية، والمشاركة الاقتصادية؛ حيث إن من المرجح أن يتعمق اصطفاف جزر المالديف مع الصين؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى توتر العلاقات مع الهند التي قد تستجيب بالسعي إلى الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية من خلال التواصل الدبلوماسي وتعزيز التدابير الأمنية. وفي الوقت نفسه، ستواصل الصين توسيع نفوذها في جزر المالديف ومنطقة المحيط الهندي الأوسع من خلال الاستثمارات في البنية التحتية، والمساعدات الاقتصادية، والتعاون العسكري باعتبار ذلك جزءاً من طموحاتها الاستراتيجية الأوسع. وسوف يشكل التفاعل بين هذه البلدان الثلاثة المشهد الجيوسياسي في منطقة الهندوباسيفيك، مع ما يترتب على ذلك من عواقب على الاستقرار والأمن الإقليميَّين.

التداعيات المحتملة للاتفاق الدفاعي بين الصين والمالديف