د. حمدي بشير

أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية الصومالي علي بلقاد، في 25 مايو 2025، أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، يخطط لعقد اجتماع مع المعارضة خلال الشهر المقبل، وسط خلافات سياسية متصاعدة بشأن الانتخابات المباشرة التي تُجرى في 2026، ويأتي هذا في الوقت الذي تصاعدت فيه الاتهامات المتبادلة بين الفريق الرئاسي الحاكم ورموز المعارضة الصومالية، حيث وجّه الفريق الحاكم اتهامات للمعارضة بالعمل وفق أجندة سياسية ممولة من الخارج، بينما اتهمت قوى المعارضة الحكومة الصومالية بتقصيرها في ضمان الأمن في العاصمة مقديشو، وندد وزير الدولة للدفاع، عمر عبدي علي، بالادعاءات التي طُرحت خلال اجتماع للمعارضة، في 23 مايو، لا سيما تصريحات المعارض عبد الرحمن عبد الشكور، متهماً إياه بنشر معلومات كاذبة عن الوضع الأمني في العاصمة، وأكد الوزير الصومالي أنه برغم الحق الدستوري للمعارضة في التجمع في مقديشو، لكن هذا لا يعني السماح لها بإدخال أسلحة ثقيلة إلى العاصمة، وحذر من أن أي محاولة لزعزعة الأمن أو إثارة الشغب ستؤدي إلى عواقب قانونية. دلالات عديدةثمة دلالات عديدة لتصاعد الحراك السياسي للمعارضة الصومالية في هذا التوقيت، وذلك كالتالي:1- تعطيل خطة الرئيس للترشح لانتخابات عام 2026: حيث يأتي تصاعد هذا الحراك السياسي للمعارضة الصومالية في الوقت الذي يصر فيه الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، على المضي قدماً في تنفيذ خطته للترشح لانتخابات 2026، لا سيما فرض التعديلات السياسية وتغيير النظام الانتخابي برغم معارضة العديد من القوى والأحزاب السياسية، ويصر قادة الحكومة الفيدرالية الصومالية على تطبيق نظام الانتخابات "الشخص الواحد، الصوت الواحد"، وذلك بعد عقود من انتخاب القادة من خلال نظام معقد قائم على العشائر. وهو ما تعارضه القوى السياسية المعارضة، حيث يجادل المنتقدون، بمن فيهم زعماء جوبالاند وبونتلاند، بأن الاقتراع العام غير ممكن حالياً نظراً لاستمرار انعدام الأمن، ومحدودية سيطرة الحكومة خارج العاصمة، وقصر المدة المتبقية من الولاية السياسية الحالية. ويرى هؤلاء أن هذه المبادرة محاولة مكشوفة لتمديد ولاية الرئيس.2- مواجهة خطط "شيطنة المعارضة" في الصومال: تُبرز الاتهامات التي وجهها الفريق الحاكم للمعارضة بشأن تلقيها تمويلاً من جهات خارجية، بُعداً إقليمياً أو دولياً للأزمة السياسية في الصومال، إذ تعكس هذه التصريحات قلق الحكومة من احتمال وجود أطراف أجنبية تسعى للتأثير على القرار الوطني عبر دعم قوى معارضة لأهداف لا تنسجم بالضرورة مع المصلحة السيادية للبلاد، كما تُوظّف هذه الاتهامات غالباً كوسيلة لنزع الشرعية عن المعارضة، وخلق حالة من التعبئة السياسية في الداخل ضدها، وهو ما يعمّق أزمة الثقة بين الأطراف ويزيد من هشاشة المشهد السياسي، وبالتالي تتحرك المعارضة من أجل مواجهة خطط شيطتنها أمام الرأي العام المحلي.3- مساعي المعارضة لتدشين جبهة سياسية موحدة: حيث تسعى المعارضة الصومالية إلى تعزيز موقعها وتأسيس جبهة سياسية موحدة لتحدي الخطط الانتخابية للرئيس، لذلك يأتي هذه التصعيد من جانب المعارضة ضد الرئيس الصومالي في الوقت الذي تعاني فيه هذه المعارضة من الانقسامات والصراعات السياسية بفعل اختلاف توجهاتها السياسية، لكن يبدو أن السياق السياسي يوفر أرضية مناسبة لهذه القوى المعارضة من أجل توحيد مواقفها وتعزيز تحالفاتها من أجل إسقاط المشروع السياسي للرئيس الصومالي الذي يسعى إلى الترشح لولاية رئاسية ثالثة.4- موازنة تحركات الرئيس لإعادة ترتيب المشهد السياسي: حيث جاء اجتماع المعارضة الصومالية، في 23 مايو 2025، بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الصومالي عن تأسيس حزب سياسي جديد، تحت اسم "حزب العدالة والتضامن"، وهي الخطوة التي أثارت انتقادات واسعة من جانب المعارضة الصومالية، حيث اتهم الرئيس الصومالي السابق، محمد عبد الله فرماجو، الرئيس حسن شيخ محمود وحلفاءه بإساءة استخدام المؤسسات العامة لبناء حزب سياسي، واستخدام الجيش الوطني ووسائل الإعلام الحكومية وموظفي الخدمة المدنية لدعم الحزب الجديد. وأشار إلى انتهاكات لأحكام دستورية رئيسية تحظر على شاغلي المناصب العامة التحالف مع الأحزاب السياسية أثناء خدمتهم العامة. كما أدان قادة من بونتلاند وجوبالاند تأسيس الحزب الجديد، متهمين الفريق الرئاسي بتجاوز الحدود الدستورية. ووصفت حكومة جوبالاند الخطوة في بيان رسمي بأنها: "انحراف خطير عن النظام الدستوري. فبدلاً من توحيد البلاد لمعالجة الأزمة الأمنية المتفاقمة، يبدو أن الرئيس يُرسّخ سلطته السياسية في ظل نظام مركزي". تداعيات محتملة من المتوقع أن يفرز تصاعد الحراك السياسي للمعارضة الصومالية العديد من التحولات في المشهد السياسي والأمني في مقديشو، وذلك على النحو التالي:1- زيادة احتمالية ظهور حراك معارض مسلح: وهي المخاوف التي حذر منها وزير الدفاع في الحكومة الصومالية الفيدرالية، الذي أشار إلى أنه لن يسمح للمعارضة بإدخال أسلحة ثقيلة إلى العاصمة. وحذر من أن أي محاولة لزعزعة الأمن أو إثارة الشغب ستؤدي إلى عواقب قانونية. وأعلن أن القوات الحكومية التي رافقت قادة المعارضة خلال فعالية يوم 23 مايو ستُحاسب، مشدداً على أن الجنود الذين يتصرفون خارج الأوامر الرسمية سيواجهون إجراءات تأديبية. وهذا السيناريو المحتمل ليس بجديد او مستبعد في هذا السياق السياسي الحالي، وقد سبق أن حدث هذا المسار في نهاية فترة ولاية الرئيس السابق، محمد عبد الله فرماجو، في عام 2022، وذلك عندما انتشرت في العاصمة مقديشو قوات مسلحة تم تنظيمها على أساس قبلي هددت بالهجوم على القصر الرئاسي ما لم يتم إجراء الانتخابات وفق نظام المحاصصة القبلية، ولذلك لا يتردد البعض من إبداء مخاوفهم إزاء تكرار هذا السيناريو أو سيناريوهات أكثر خطورة على مستقبل البلاد ووحدته وتماسك شعبه ما لم يحتكم الجميع إلى صوت العقل والحكمة.2- تكثيف محاولات الرئيس للحوار السياسي: حيث يتوقع أن يضطر الرئيس حسن شيخ محمود أمام ضغوط المعارضة إلى تكثيف اتصالاته من أجل احتواء الخلافات السياسية معها من خلال الدعوة إلى حوار وطني، لكن هذا السيناريو على الرغم من أنه يعد خياراً مرجحاً لكن لا يزال يواجه تحديات، حيث يواجه الرئيس الصومالي بالفعل تحديات كبيرة للتراجع عن خطته السياسية، لأن هذا التراجع يهدد مستقبله السياسي وخسارته شعبية وقوة التحالف السياسي الذي يعتمد عليه لتعزيز موقعه السياسي والانتخابي قبيل الانتخابات المقرر عقدها في 2026. لكن يمكن القول إن ثمة تحديات أخرى أيضاً تعوق مسار المضي قدماً في تنفيذ خطة الرئيس محمود، وخاصة في ظل الضغوط الدولية على الرئيس الصومالي لدفعه للتراجع عن تنفيذ خطته السياسية ودفعه للحوار السياسي لطمأنة الشركاء الدوليين الذين يتخوفون على مصالحهم السياسية والاقتصادية في الصومال في حال انزلاق البلاد إلى حالة الفوضى والصراع المسلح. علاوة على وجود معارضة داخل الدائرة الضيقة للرئيس حسن شيخ محمود، حيث أدان عبد الكريم حسين جوليد، مستشار الرئيس في مفاوضات أرض الصومال وحليفه القديم، علناً المساعي الأحادية لإصلاح النظام الانتخابي. وحثّ جوليد على العودة إلى النهج الصومالي التقليدي القائم على اتخاذ القرارات الشاملة والتوافقية. ويُعتبر تصريحه هذا بمثابة شرخ سياسي كبير، وقد يُشير إلى بداية خلاف أوسع نطاقاً داخل الدائرة المقربة من الرئيس.3- تغذية التوجهات الانفصالية في الأقاليم الصومالية: حيث إن إصرار الرئيس الصومالي على التمسك بخطته السياسية في هذا التوقيت الذي تمر به البلاد بصراعات مختلفة ومتوازية، لا سيما الصراع مع الأقاليم الانفصالية، والصراع مع التنظيمات الإرهابية، يعطي الذريعة للأقاليم الانفصالية مثل إقليم "أرض الصومال" وإقليم "بونتلاند" للتمسك بمطالبهم الانفصالية عن مقديشو وإعلان الاستقلال، وخاصة أن ثمة إشارات دولية وتحركات أمريكية مكثفة تجري على قدم وساق من أجل إبرام صفقات سياسية وعسكرية محتملة مع أرض الصومال أو بونتلاند لإقامة قاعدة عسكرية مقابل اعتراف أمريكي باستقلال هذه الأقاليم، ومن ثم قد تجد قوى دولية مثل الولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب الحالية فرصاً ملائمة لدعم هذه التوجهات الانفصالية في سياق السياسة الخارجية للرئيس حسن شيخ محمود التي تميل إلى تعزيز تحالفاتها السياسية مع الصين.4- استثمار حركة الشباب للتوترات السياسية الداخلية: حيث تعتبر حركة الشباب الصومالية هي المستفيد الأول والأكبر من حالة عدم الاستقرار السياسي في الصومال، وهي تراقب عن كثب تطورات الأوضاع السياسية الداخلية، ويمكن أن يؤدي انزلاق الأوضاع إلى الصراع المسلح إلى استثمار حركة الشباب هذه الأوضاع في تصعيد عملياتها الإرهابية وتحركاتها للسيطرة على العاصمة. وفي هذا السياق، يمكن توقع سيناريوهات عديدة، لا سيما في حال نجحت حركة الشباب في إبرام صفقات جديدة مع العشائر المعارضة لإسقاط خطة حسن شيخ محمود، أو في حال اتجهت المعارضة إلى تسهيل استيلاء حركة الشباب على السلطة من خلال اتفاقات وتفاهمات ضمنية.وإجمالاً، يمكن القول إن الصومال يواجه تحديات كبيرة للحفاظ على استقراره السياسي ووحدة وسلامة أراضيه مع تصاعد الصراع السياسي بين الرئيس حسن شيخ محمود والمعارضة الصومالية حول خطة الرئيس الصومالي التي يسعى لتنفيذها في إطار سعيه للترشح لولاية رئاسية ثالثة، وهو ما يضع الرئيس الصومالي أمام خيارات عدة؛ الخيار الأول هو التراجع عن خطته السياسية، والثاني هو المضي قدماً في تنفيذ خطته السياسية، والثالث هو إجراء مفاوضات مع المعارضة الصومالية من خلال الحوار السياسي للتوصل إلى حل سياسي، والسيناريو المرجح هو الثالث، أي اتجاه الرئيس الصومالي إلى التفاوض والحوار السياسي مع المعارضة السياسية، وسوف يعتمد نجاح المعارضة في هذه المفاوضات على مدى تمسكها وتوافقها لفرض رؤية موحدة على الفريق الحاكم، لذلك قد يكون خيار سيناريو تأجيل الانتخابات محتملاً لمنح الأطراف الصومالية وقتاً كافياً لتحقيق توافق وإجماع وطني على أي إصلاحات سياسية وانتخابية قبيل عقد الانتخابات القادمة.

ما أبعاد تصاعد الحراك السياسي للمعارضة الصومالية؟