إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

عقد حزب الشعب الجمهوري المعارِض في تركيا مؤتمره الاستثنائي الــ21 في 6 أبريل 2025؛ وذلك في إطار مساعي الحزب لتحييد الضغوط السياسية والقضائية التي يتعرض لها منذ اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، كما يأتي المؤتمر في ظل محاولات لفرض وصي حكومي لإدارة حزب الشعب الجمهوري، بالإضافة إلى استمرار اتهامات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحزب بشكل مباشر؛ حيث أشار إلى أن الحزب يعاني من الفساد والرشوة، ويسعى للوصول إلى السلطة بالأكاذيب، ناهيك عن مسؤولية الحزب عن الأضرار المالية والمادية التي لحقت بالبلاد خلال الأيام الماضية. وعلى ضوء ذلك سعى "الشعب الجمهوري" إلى توظيف المؤتمر الاستثنائي للحفاظ على القوة الدافعة للاحتجاجات التي تشهدها البلاد في التوقيت الحالي ضد السلطة الحاكمة.<h4 class="ql-align-justify ql-direction-rtl">رسائل متنوعة</h4><h4 class="ql-align-justify ql-direction-rtl">ثمة العديد من الرسائل التي حملها انعقاد المؤتمر الاستثنائي لحزب الشعب الجمهوري، الذي جاء وسط سياقات ضاغطة على الحزب وتحركاته على الساحة الداخلية، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:</h4>1– تثبيت موقع القيادة الحزبية الحالية: لا ينفصل انعقاد مؤتمر الشعب الجمهوري عن رغبة الحزب في تثبيت موقع القيادة الحالية، وتأكيد التفاف القواعد التقليدية للحزب حولها، فضلاً عن إعادة تأكيد حماية الاستقلال السياسي للحزب، لا سيما مع تواتر تقارير كشفت عن محاولات لتعيين وصي على الحزب بحجة وجود مخالفات في مؤتمره السابق الذي عُقد في نوفمبر 2023. وهنا، يمكن تفسير إعادة المؤتمر الاستثنائي للحزب انتخاب زعيمه أوزغور أوزيل رئيساً للحزب بأغلبية ساحقة بلغت 1171 صوتاً من أصل 1276 صوتاً تم الإدلاء بها. وكذلك حرص رئيس الحزب أوزيل على تحشيد المشاركة الشعبية في المؤتمر؛ وذلك في محاولة لإظهار حضور قيادة الحزب الحالية، وتأكيد أنها تحظى بدعم شعبي وحزبي واسع.2– معالجة الانقسام داخل هياكل الحزب: يأتي مؤتمر الشعب الجمهوري الاستثنائي في إطار محاولة الحزب تجاوز حالة الانقسام التي يعانيها، والتي وصلت إلى مستويات مهددة، خصوصاً بعد إعلان أوميت أويصال رئيس بلدية منطقة مراد باشا في أنطاليا، ترشحه لرئاسة الحزب، بينما دعا علي ماهر باشارير زعيم الكتلة البرلمانية للحزب، إلى إجراء انتخابات مبكرة داخل الحزب، في ظل تصاعد الأزمة السياسية. ولم تكن هذه الانقسامات هي الأولى من نوعها؛ ففي يناير 2025 قاد أنصار كليجدار أوغلو الرئيس السابق للشعب الجمهوري سلسلة من التحركات، منها إعداد بيان مشترك من نحو 30 نائباً يعترضون على سياسات أوزيل. ومن جهته أطلق أوزيل خلال الأشهر الماضية "حملة تطهير" واسعة استهدفت خصومه من أنصار كليجدار أوغلو، كان أبرزها إحالة 394 عضواً دفعة واحدة إلى لجان الانضباط الحزبي في يوليو 2024؛ وذلك بتهمة العمل ضد مصالح الحزب خلال الانتخابات المحلية التي أُجرِيت في مارس 2024.3– تحييد ضغوط السلطة الحاكمة على الحزب: جاء انعقاد المؤتمر الاستثنائي للشعب الجمهوري في إطار المحاولات لتحييد الضغوط الحكومية على الحزب، خصوصاً في ظل استمرار انتقادات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للحزب؛ حيث أشار إلى أن الحزب يدير مؤتمراته بالرشاوى والأكاذيب، كما أنه يسعى إلى الإضرار بالاقتصاد الوطني، لا سيما بعد دعوة الشعب الجمهوري في 2 أبريل 2025 إلى مقاطعة السلع والخدمات من الشركات التي يُعتقد أنها مرتبطة بالحكومة، وكذلك وقف كل عمليات التسوق ليوم واحد، وهو ما أثار غضب السلطة، خصوصاً بعد قيام بعض المتاجر بالإغلاق تضامناً مع الدعوة، كما روج الرئيس أردوغان في اتهامه لخصومه المحليين، بأن الموارد التي يتم تحويلها إلى البلديات من خلال الضرائب التي يدفعها الشعب، استُخدِمت لتحقيق طموحات شخصية لبعض الناس، وبدأ الأمر بشهادة غير قانونية، واستمر بمخطط رشوة؛ وذلك في إشارة إلى رئيس بلدية إسطنبول.كما روجت وسائل الإعلام المقربة من العدالة والتنمية لوجود تصدع داخل "الشعب الجمهوري" عبر الادعاء بأن من قدَّموا وثائق ومعلومات وشكاوى بحق الفساد الذي يتم التحقيق فيه مع رئيس بلدية إسطنبول، كانوا أعضاء في الشعب الجمهوري. وعلى ضوء ذلك، فإن الشعب الجمهوري يسعى إلى تحييد الضغوط الحكومية.4– تحشيد المواقف الخارجية لدعم الحزب: يرتبط انعقاد المؤتمر الاستثنائي للشعب الجمهوري، في جانب منه بالسعي إلى استقطاب الدعم الغربي للحزب، خاصةً الدول الأوروبية التي أبدت مواقف مناهضة لعملية اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، وأشارت في بيانات لها إلى المخاطر التي تهدد العملية الديمقراطية في تركيا. وعلى ضوء ذلك، فإن المؤتمر يحمل في طياته رسالة إلى الغرب، مفادها أن السلطة الحاكمة تنحرف عن المعايير الديمقراطية، وهو ما يفرض على القوى الأوروبية ممارسة مزيد من الضغوط على أنقرة لإلجام الممارسات السلطوية.5– ترويج المؤتمر لخيار الانتخابات الرئاسية المبكرة: ترفض المعارضة محاولات أردوغان لتغيير الدستور قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2028؛ نظراً إلى أن الدستور الحالي يتضمن مواد تمنع أردوغان من الترشح لولاية ثالثة؛ حيث تؤكد المادة (101) أنه لا يجوز ترشح الشخص للرئاسة أكثر من فترتين. وعلى ضوء ذلك، فإن الشعب الجمهوري يسعى من خلال مؤتمره الاستثنائي إلى قطع الطريق على السلطة لتعديل الدستور مقابل تحفيز دعوات إجراء انتخابات مبكرة. وهنا، يمكن تفسير دعوة المؤتمر الاستثنائي للحزب لسحب الثقة من أردوغان، والمطالبة بإجراء انتخابات مبكرة. وفي رؤية الشعب الجمهوري، فإن إجراء انتخابات رئاسية مبكرة قد يُعرِّض الحزب الحاكم للهزيمة في ظل تراجع شعبيته. وفي المقابل، تؤيد المعارضة إجراء انتخابات مبكرة، واستغلال تحركات أردوغان غير الديمقراطية ضد رئيس بلدية إسطنبول وبعض أحزب المعارضة من أجل السير في مسار إجراء انتخابات جديدة. ودعا زعيم الشعب الجمهوري إلى إجراء انتخابات مبكرة في موعد لا يتجاوز نوفمبر 2025؛ حيث قال أوزغور أوزيل خلال المؤتمر الاستثنائي لحزبه: "في موعد لا يتجاوز نوفمبر، ستواجهون مرشحنا ... ندعوكم للاحتكام مجدداً إلى إرادة الشعب ... نحن نتحدَّاكم. نريد مرشحنا إلى جانبنا وصناديق الاقتراع أمامنا"، وتابع: "إذا تحليتم بالشجاعة فستأتون. إذا رغبتم، ففي الأسبوع الأول من يونيو، بأقصر جدول زمني ممكن. إذا قلتم: لا، فلتكن في منتصف ولايتكم، في نوفمبر 2025".6– محاولة توحيد قوى المعارضة التركية: يهدف المؤتمر الاستثنائي للشعب الجمهوري إلى محاولة توظيف رفض قطاع واسع من المعارضة التركية لعملية اعتقال رئيس بلدية إسطنبول؛ حيث شاركت في الاحتجاجات التي نظَّمها "الشعب الجمهوري" ضد اعتقال إمام أوغلو. وعلى ضوء ذلك، سعى المؤتمر إلى تعزيز اصطفاف المعارضة، من خلال إعادة الطاولة السداسية؛ وذلك في إطار بناء دعم واسع لمصلحة ترشيح أوغلو في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ويراهن "الشعب الجمهوري" على وجود أرضية مشتركة تجمعه وطيف المعارَضة، خاصةً فيما يتعلق بدعم العودة إلى نظام برلماني، وعدم تعديل الدستور. وعلى ضوء ذلك، أبدى المؤتمر الـ21 حرصاً لافتاً على محاولة استعادة النفوذ وتطوير الصورة الذهنية لتحالف المعارضة؛ وذلك من خلال جذب الشركاء المناهضين للسلطة، في خطوةٍ تعكس توجه الحزب نحو استقطاب شخصيات جديدة لتعزيز صفوفه وإعادة تشكيل المشهد الداخلي لمصلحة المعارضة السياسية.7– تشويه الصورة الذهنية لحزب العدالة والتنمية: سلَّط المؤتمر الاستثنائي لحزب الشعب الجمهوري والإعلام الموالي له، الضوء على التآكل الحادث في شعبية أردوغان وحزب العدالة والتنمية؛ وذلك بفعل الممارسات السلطوية، والإصرار على تفصيل المشهد السياسي على مقاس طموحات الرئيس أردوغان، كما سعى المؤتمر إلى توظيف التدهور الحاصل في الأوضاع المعيشية، واستمرار تراجع مؤشرات الاقتصاد، وانهيار سعر صرف الليرة التي خسرت أكثر من 12% من قيمتها منذ اعتقال رئيس بلدية إسطنبول لتشويه الصورة النمطية للسلطة الحاكمة في الوعي الجمعي التركي.<h4 class="ql-align-justify ql-direction-rtl">رسالة تصعيد</h4>ختاماً، يمكن القول إن المؤتمر الاستثنائي للشعب الجمهوري هو رسالة تصعيد ضد إجراءات الرئيس التركي غير الديمقراطية، التي يهدف من خلالها إلى إضعاف المعارضة، بالاعتماد على عدة أدوات؛ أبرزها تقييد عملية ترشح رئيس بلدية إسطنبول في الرئاسيات المقبلة، بجانب تشويه المعارضة السياسية. ومن جانب آخر هدف المؤتمر إلى تعزيز اصطفاف المعارضة، وتوفير بيئة خصبة لتوحيد صفوفها؛ الأمر الذي يشير إلى مساعي "الشعب الجمهوري" إلى توظيف التطورات الراهنة للقضم من شعبية أردوغان، فضلاً عن توفير أجواء ضاغطة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.

رسائل انعقاد المؤتمر الاستثنائي لحزب الشعب الجمهوري في تركيا