تخفيض الانبعاثات:

في الآونة الأخيرة، تزايد الاهتمام بأسواق الكربون في جميع أنحاء العالم، إلى درجة أنه أضحى نحو 83% من المساهمات المحددة وطنياً – وهي المساهمات التي تتمثل في التعهدات المناخية، وخطط العمل التي تطورها الدول للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية – ترمي إلى الاستفادة من آليات سوق الكربون الدولية بصورة رئيسية.

يُذكَر في هذا الصدد أن تجارة الكربون المعروفة أيضاً باسم تجارة انبعاثات الكربون، التي تُعرَّف بأنها "استخدام السوق لشراء وبيع الاعتمادات التي تسمح للشركات أو الأطراف الأخرى بإصدار كمية معينة من ثاني أكسيد الكربون"؛ يندرج تحتها عدد من المصطلحات الرئيسية؛ فبينما يُشار إلى السعر الثابت الذي يجب على الجهات المُصدِرة للانبعاثات دَفعُه مقابل انبعاثاتها الكربونية داخل سوق الكربون بمصطلح "ضريبة الكربون"، فإنه على الجانب الآخر تُعرَّف "ائتمانات الكربون" بأنها أداة قابلة للتداول، تسمح للشركات والكيانات الأخرى بالتعويض عن انبعاثاتها الكربونية من خلال تمويل المشاريع الرامية إلى تقليل أو إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. وإذا تم استخدام هذه الائتمانات لتقليل الانبعاثات أو عزلها أو تجنُّبها، فإن ذلك يصبح بمنزلة "تعويض" ولا يُعَد قابلاً للتداول.

على الجانب الآخر، تسمح الحكومات لأي كيان بإصدار كمية محدودة من الكربون عن طريق إصدار "بدلات الانبعاثات"، وهو ما يُسمَّى "رصيد الكربون" الذي يمنح حامله الحق في بعث طن واحد من ثاني أكسيد الكربون، وهي أرصدة قابلة للتداول بين الشركات الخاضعة للتنظيم.

 جدير بالذكر أن فكرة تطبيق حل مقايضة الانبعاثات الكربونية قد طُرح للمرة الأولى مع بروتوكول كيوتو، وهو معاهدة الأمم المتحدة للتخفيف من تغير المناخ التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005؛ حيث تمحورت الفكرة حول تحفيز كل دولة على خفض انبعاثاتها الكربونية، مقابل قيام الدول الأكبر والأكثر ثراءً بدعم جهود الدول الأكثر فقراً عن طريق شراء "أرصدتها"؛ أي حقها في انبعاثات الكربون.

محددات رئيسية

ثمَّة محددات يمكن الوقوف عليها لفهم ماهية تجارة الكربون، ومزاياها، وطبيعة عملها؛ وذلك من خلال ما يأتي:

1– أنظمة تجارية لبيع وشراء أرصدة الكربون: تمثل أسواق الكربون في الأساس أنظمة تجارية يتم من خلالها بيع وشراء أرصدة الكربون؛ حيث يمكن للشركات أو الأفراد استخدام أسواق الكربون للتعويض عن انبعاثات غازات الدفيئة عن طريق شراء أرصدة الكربون من الكيانات التي تقوم بإزالة أو تقليل انبعاثات هذه الغازات. يُذكَر في هذا الصدد أنه لا يوجد سعر ثابت للكربون في جميع أنحاء العالم؛ حيث تتقلب الأسعار حسب الدولة وحسب ظروف العرض والطلب في السوق.

2– تنوع أسواق الكربون وتباينها: هناك نوعان من أسواق الكربون؛ هما: أسواق الامتثال، والأسواق الطوعية؛ فبينما يتم إنشاء أسواق الامتثال استجابةً لأي سياسة أو متطلبات تنظيمية؛ وطنية أو إقليمية أو دولية، فإن أسواق الكربون الطوعية – وطنيةً ودوليةً – تعني إصدار وشراء وبيع أرصدة الكربون، على أساس طوعي؛ فمن ناحية، يأتي المعروض من أرصدة الكربون الطوعية في الغالب من كيانات خاصة تعمل على تطوير مشاريع الكربون، أو من قِبَل الحكومات التي تطور برامج معتمدة بمعايير الكربون، وتهدف بدورها إلى خفض الانبعاثات أو إزالتها.

ومن الناحية الأخرى، يتأتَّى الطلب غالباً من جانب الأفراد الذين يريدون التعويض عن آثارهم الكربونية، والشركات التي تسعى إلى تحقيق أهداف الاستدامة، والجهات الفاعلة الأخرى التي تهدف إلى تداول "ائتمانات الكربون" بسعر أعلى لتحقيق الربح. وعليه، يمكن بيع حقوق انبعاثات الكربون في أسواق مختلفة؛ بعضها دولي، وبعضها على مستوى الدولة، وبعضها على المستوى المحلي.

3– الاعتماد على لوائح الحد الأقصى: تعتمد تجارة الكربون على لوائح "الحد الأقصى والتجارة" The cap and trade system، التي سبق أن نجحت في تقليل تلوث الكبريت خلال التسعينيات من القرن الماضي؛ حيث وضعت بدورها حوافز قائمة على السوق للحد من التلوث؛ فبدلاً من فرض تدابير محددة، فإن هذه السياسة تكافئ الشركات التي تخفض انبعاثاتها، وتفرض تكاليف مالية على الشركات التي لا تتمكن من فعل ذلك.

4– تحفيز اعتماد التكنولوجيات المبتكرة: ينظر أنصار تجارة الكربون إليها باعتبارها حلاً جزئياً فعالاً من حيث التكلفة لمشكلة تغير المناخ؛ حيث تُحفِّز على اعتماد التكنولوجيات المبتكرة. ومع مزامنتها للتطور التكنولوجي واستفادتها السريعة منه، فإن تجارة الكربون أضحت مفهوماً أساسياً في العديد من المقترحات الرامية إلى التخفيف أو الحد من تغير المناخ والاحتباس الحراري.

5– خلق حوافز مالية للبلدان والمشاركين: يروج مؤيدو تجارة الكربون أن تلك السوق تخلق حوافز مالية تسهم في تشجيع الدول والشركات على إنشاء تكنولوجيا ومبادرات لخفض الانبعاثات، كأنظمة احتجاز الكربون الميكانيكية وزراعة الغابات، التي تساعد بدورها في تقليل مستويات الكربون في الغلاف الجوي.

اتجاهات رئيسية

خلال السنوات الأخيرة، برزت اتجاهات عالمية داعمة لتجارة الكربون، يمكن استعراض أبرزها فيما يأتي:

1– تنوع وتطور أسواق الكربون عالمياً: ثمَّة مؤشرات تدفع إلى القول بأن أسواق الكربون آخذة في التنوع والتطور؛ يتضح ذلك من خلال تنوع الخدمات والمنصات والأسواق التكنولوجية المتقدمة والمنتجات المحسنة، ودخول مستثمرين جدد في ذلك القطاع، وهو ما يعني بالنسبة إلى تسعير الكربون مزيداً من التوحيد القياسي؛ أي (متوسطاً مرجحاً للأرقام النسبية للأسعار)، ومزيداً من إضفاء اللوائح التنظيمية على السوق. ووفقاً لتقرير حديث صادر عن البنك الدولي عن تسعير الكربون لعام 2023، يوجد حالياً نحو 73 أداة لتسعير الكربون، تغطي نحو 23% من انبعاثات غازات الدفيئة العالمية.

2– عوائد مالية للحكومات في حال التعاون في تجارة الكربون: تظهر توقعات الصناعة أن الطلب على أرصدة الكربون لأغراض التعويض سينمو نمواً كبيراً خلال السنوات المقبلة؛ وذلك في ضوء ما أشار إليه تقرير البنك الدولي عن تسعير الكربون لعام 2023؛ حيث قفزت الإيرادات المتأتية من ضرائب الكربون وخدمات مقايضة الانبعاثات بنسبة تزيد عن 10% في عام 2022؛ حيث وصلت إلى ما يقرب من 95 مليار دولار على مستوى العالم.

ووفقاً لنتائج تحليل أجرته الرابطة الدولية لتجارة الانبعاثات وجامعة ميريلاند، فإن تنفيذ المساهمات المحددة وطنياً، أو خطط العمل الوطنية للمناخ، بأسلوب تعاوني من خلال تجارة الكربون الدولية، وليس بطريقة فردية، من شأنه أن يوفر للحكومات أكثر من 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030. أضف إلى ذلك إشارة بعض التقديرات إلى أن الاعتماد على أسواق الكربون له القدرة على خفض التكلفة الإجمالية لتنفيذ المساهمات المحددة وطنياً بأكثر من النصف، بما يعادل نحو 250 مليار دولار سنوياً في عام 2030، أو بدلاً من ذلك تسهيل إزالة المزيد من الانبعاثات بنسبة 50% بحلول عام 2030 بدون أي تكلفة إضافية.

3– إطلاق الصين برنامجاً وطنياً لتبادل الانبعاثات: في يوليو من عام 2021، أطلقت الصين برنامجاً وطنياً حول تداول الانبعاثات، صُمِّم بوجه خاص لمساعدة الدولة على تحقيق هدفها المتمثل في تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وهو ما أسفر عن إنشاء واحد من أكبر أسواق تجارة انبعاثات الكربون في العالم؛ حيث أصبح بإمكان نحو 2225 شركة في قطاع الطاقة، بما يمثل 40% من الشركات العاملة في إنتاج الكربون في الصين، تداول حقوق الانبعاثات الخاصة بها. هذا وقد وصلت تلك السوق في الصين إلى حجم تداول تراكمي يزيد عن 200 مليون طن بحلول نهاية عام 2022، في مؤشر إيجابي على نمو تجارة الكربون في الصين.

4– تدشين الاتحاد الأوروبي أول نظام دولي لتداول الانبعاثات: أطلق الاتحاد الأوروبي أول نظام دولي لمقايضة الانبعاثات في العالم في عام 2005. وخلال السنوات الماضية، مكَّن ذلك النظامُ الاتحادَ الأوروبي من أن يصبح أحد أكبر أسواق تجارة الكربون في العالم، حتى باتت تلك السوق تمثل المعيار المرجعي لتجارة الكربون. وعطفاً على ذلك، فإنه في 14 يوليو 2021، اعتمدت المفوضية الأوروبية سلسلة من المقترحات التشريعية ترمي إلى تحقيق الحياد المناخي في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2050، بما في ذلك الهدف المتوسط المتمثل في خفض صافي انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030، ومنها مراجعة النظام الدولي لتداول الانبعاثات الأوروبي.

بيد أنه بعد نمو حاد منذ عام 2020، بدأت أسعار ائتمان الكربون في نظام تداول انبعاثات الاتحاد الأوروبي ETS) ) تتباطأ في عام 2022، غير أنه على الرغم من ذلك، أظهر النظام مرونة وسط التحديات المختلفة التي حدثت على مستوى الاقتصاد الكلي للاتحاد الأوروبي؛ فرغم ارتفاع أسعار الكربون خلال أزمة الطاقة الأوروبية في عام 2022، فإنه في واقع الأمر ارتفعت نصف أدوات التسعير المختلفة للكربون، بينما حافظ نحو ثلثها على مستويات أسعار ثابتة.

5– توقيع اتفاقية تجارة الكربون خلال كوب 26: بعد كثير من النقاشات، تم وضع قواعد لسوق الكربون العالمية في مؤتمر تغير المناخ COP26 في جلاسكو في نوفمبر 2021؛ ما أسفر عن سن ميثاق عالمي للأمم المتحدة. وقد اشتملت القواعد على إنشاء نظام مركزي مخصص للقطاعين العام والخاص، ونظام ثنائي مصمم للدول لتبادل أرصدة تعويض الكربون، ومساعدتها على تحقيق أهدافها الخاصة بالانبعاثات. وبموجب الاتفاقية الجديدة، فإن أولئك الذين يُنشِئون أرصدة الكربون يُودِعون نحو 5% من العائدات المتولدة في صندوق لمساعدة البلدان النامية على معالجة تحديات تغير المناخ.

6– تزايد حضور شركة سوق الكربون الطوعي في السعودية: في أكتوبر 2022، أسس صندوق الاستثمارات العامة السعودي بملكية 80%، وشركة مجموعة تداول السعودية القابضة بنسبة ملكية 20%؛ شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية، بغية لعب دور رئيسي في توسيع نطاق سوق الكربون التطوعي، وتشجيع ممارسات الأعمال المستدامة والمناخ، والتحرك على المستويين الإقليمي والدولي من أجل دعم الشركات المختلفة في المنطقة على اختلاف قطاعاتها، وتمكينها من الوصول إلى الحياد الصفري، بالإضافة إلى ضمان شراء أرصدة الكربون لتخفيض الانبعاثات الكربونية لديها في سلاسل القيمة.

وقد استضافت شركة "سوق الكربون الطوعي الإقليمية" أول مزاد لها في النسخة السادسة من "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض في أكتوبر 2022، وقد نجحت خلاله في بيع أكثر من 1.4 مليون طن من أرصدة الكربون؛ حيث اشترت شركة العليان للتمويل وأرامكو وشركة التعدين العربية السعودية (معادن) الحصة الكبرى من هذه الاعتمادات. وفي يونيو 2023، نظَّمت الشركة ثاني مزاد طوعي لائتمان الكربون، وخلاله تم بيع ما يزيد عن مليونَي طن من أرصدة الكربون إلى 15 مشترياً، معظمهم من السعودية وكيانات دولية أخرى.

7– دور تحالف الكربون الإماراتي بشراء جزء من أرصدة الكربون الأفريقية: في أبريل 2023، تعهَّد تحالف الكربون الإماراتي، الذي يضمُّ تحالفاً من الشركات التي شُكِّلت بوجه خاص بهدف تطوير وتنمية سوق الكربون في الإمارات؛ بشراء ما قيمته 450 مليون دولار من أرصدة الكربون الأفريقية بحلول عام 2030. ويُنظَر إلى الاتفاقية على أنها خطوة إيجابية لإطلاق العنان حول إمكانات توليد أرصدة الكربون في أفريقيا، بالإضافة إلى دعم العمل المناخي في القارة، مع مساعدة الإمارات على الوفاء بتعهداتها المناخية.

في شهر فبراير 2023، عقدت شركة (Blue Carbon) – ومقرها دبي – شراكتين مع زامبيا وتنزانيا للحفاظ على 8 ملايين هكتار من الغابات في كل دولة من الدولتين الأفريقيتين. وتهدف كلتا الاتفاقيتين إلى توليد أرصدة الكربون التي يمكن من خلالها أن تبيعها الشركة في أسواق الكربون العالمية، ثم وقعت الشركة مؤخراً في مطلع أكتوبر 2023 مع زيمبابوي اتفاقاً لإنشاء أرصدة الكربون من مشاريع التعويض في الدولة الأفريقية، بقيمة 1.5 مليار دولار؛ وذلك لتمويل مشاريع حماية وإعادة تأهيل الغابات. يذكر في هذا الصدد، أن شركة بلو كاربون قد حصلت بموجب تلك الصفقات على الحق في تطوير مشاريع تعويض الكربون عبر 2405 ملايين هكتار من الأراضي في أفريقيا.

8– اهتمام صاعد للدول الغنية بالغابات بتجارة الكربون: تتمتع كمبوديا الواقعة في جنوب شرق آسيا بخبرة واسعة في سوق الكربون التطوعي في قطاع الغابات، تماشياً مع مساهمتها المحددة وطنياً المحدثة، والاستراتيجية الطموحة الطويلة الأجل لتحييد الكربون، بينما تبحث البلدان الغنية بالغابات، مثل كوستاريكا، كيفية المشاركة بأسلوب استراتيجي في أسواق الكربون في سياق تقديم مساهماتها المحددة وطنياً في هذا المجال. وفي الوقت ذاته، أضحت دول مثل غانا رائدةً بالفعل في تنفيذ أدوات سوق الكربون التي تم تطويرها من خلال التعاون الطوعي بين البلدان بموجب المادة 6.2 من اتفاق باريس.

تحديات عالقة

رغم المزايا والاهتمام الواسع الذي تحظى به تجارة الكربون في الوقت الراهن، فإن هناك العديد من التحديات التي تُحدِق بذلك القطاع الصاعد، ويمكن تناول أبرزها فيما يأتي:

1– تحدي عدم مصداقية أرصدة الكربون: تتعرَّض أسواق الكربون الطوعية لتحديات جمة تتعلق بالمصداقية؛ نظراً إلى انتشار أرصدة الكربون ذات الجودة الرديئة؛ ما يُثير الشكوك حول تأثيرها ومدى قدرتها على خفض الانبعاثات، ومن ثم مدى قدرتها على دفع أجندة تخفيف آثار تغيُّر المناخ في المنطقة إلى الأمام. أضف إلى ذلك وجود قدر كبير من عدم الشفافية في أسواق الكربون؛ الأمر الذي يرجع على عدة عوامل؛ منها عدم اتساق وندرة المعلومات ذات الصلة بجودة الائتمان وتاريخ المعاملات في جميع أنحاء سلسلة التوريد، ومع انخفاض شفافية السوق، يصبح من الصعب على الشركات معرفة إذا ما كانت تعمل حقاً على خفض انبعاثاتها أم لا.

2– إشكالية تجزئة الأسواق: تُعَد تجزئة الأسواق وعدم اتساقها من التحديات العالقة في سوق تجارة الكربون؛ فبعض الدول تعتبر أرصدة الكربون بمنزلة نفقات، والبعض الآخر يفكر فيها باعتبارها أصلاً، وهناك فريق ثالث يفكر فيها كسلعة. واعتماداً على الهيكل القانوني حول تلك الأصول، يكون لذلك تأثير غير مباشر فيما يتعلق بكيفية التعامل معها من منظور ضريبي ومنظور محاسبي.

3– نقص المعروض من ائتمانات الكربون: نظراً إلى كون المفهوم الكامل لأسواق الكربون يتلخَّص في توجيه رأس المال إلى المشاريع التي تستهدف خفض الانبعاثات الكربونية – سواء كانت مشاريع تشجير الغابات، أو الطاقة الشمسية، أو احتجاز الكربون بشكل مباشر في الهواء من خلال آليات السوق – فإن الاستثمارات الموجهة إلى تلك المشاريع هي التي تخلق بدورها ائتمانات الكربون في المقام الأول. ومن ثم، فإن من أكبر المشكلات في سوق تجارة الكربون نقص السيولة الناجمة عن نقص العرض في تلك الائتمانات، وهو التحدي الذي يُوجِب ضرورة معالجة نقص المعروض من ائتمانات الكربون، والعمل في الوقت ذاته على تحقيق شفافية الأسعار.

4– قلة عدد الوسطاء في السوق: ثمَّة فجوة أخرى في تجارة الكربون تتمثل في قلة عدد الوسطاء في السوق؛ حيث إنه كثيراً ما يرغب بعض العملاء لدى البنوك في شراء ائتمانات الكربون، لكنهم يُفضِّلون أن يكون التعامل من خلال شركائهم المصرفيين والوسطاء كالبنوك، كأن تتبنى عمليات تحديد مصادر أرصدة الكربون والشراء نيابةً عنهم؛ لذا فإن من شأن مشاركة المزيد من الوسطاء على وجه الخصوص في تجارة الكربون، أن يولد المزيد من النشاط في السوق الثانوية لتجارة الكربون، مع إضفاء المزيد من الطابع المؤسسي على تلك الأسواق.

إجمالاً، فإنه مع استمرار درجات الحرارة العالمية في الارتفاع، تتكثف الضرورة الملحة لتعزيز سياسات المناخ؛ ما يدفع تسعير الكربون إلى دائرة الضوء في المناقشات المناخية. ومع تطور الاتجاهات الراهنة وتزايد الطلب الطوعي على تجارة الكربون، والدعوات إلى اعتمادها على نطاق أوسع، أصبح من الواضح على نحو متزايد أن تجارة الكربون تُعَد بمنزلة متطلب ضروري لدفع الجهود العالمية نحو مستقبل مستدام وخالٍ من الكربون. إذا تم الالتزام بمعايير عالية من النزاهة والشفافية في تجارة الكربون، فإن من الممكن لأسواق الكربون أن تساعد في التعجيل بالتحول المطلوب وبلوغ الهدف العالمي الرامي إلى صافي صفر انبعاثات كربونية؛ وذلك من خلال تحديد سعر فعَّال للكربون، وخلق حافز اقتصادي للحد من الانبعاثات، فضلاً عن المساعدة في توليد بعض المبالغ الضخمة اللازمة لبناء القدرة على الصمود أمام تداعيات التغير المناخي الشاملة.