أوز كاترجي

عرض: صباح بعد الصبور وصلت الحرب الأوكرانية، مع اقترابها من عامها الثاني، إلى مرحلة أكثر تعقيداً؛ حيث بدت خريطة الصراع أكثر جموداً، في ظل النتائج غير المواتية للهجوم الأوكراني المضاد، ناهيك عن التحديات السياسية التي بات النظام الأوكراني يعاني منها، في ظل تنامي الشكوك بشأن استمرار الدعم والمُسانَدة الغربية لكييف؛ إذ بدت ثمَّة مؤشرات حول التململ والاستياء الغربي من مواصلة تقديم المساعدات لأوكرانيا، وتزايُد الضغوط الشعبية، فضلاً عن تأثيرات التوازنات السياسية الداخلية، مثلما هو الحال في الولايات المتحدة، على الحكومات الغربية من أجل كبح جماح المساعدات لكييف.وفي هذا الصدد، نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريراً بعنوان "أوكرانيا تستعد لكارثة سياسية في عام 2024" للكاتب "أوز كاترجي" الصحفي البريطاني اللبناني المستقل. ويشير التقرير إلى أنه رغم أن الفشل في اختراق الخطوط الدفاعية المُحصَّنة لروسيا على المحور الجنوبي هذا الصيف كان مخيباً للآمال بالنسبة إلى كييف، فإن الأخبار على الجبهة الدبلوماسية والسياسية أكثر إثارةً للقلق والانزعاج. وفي معرض حديثه عن التقدم الذي أحرزه الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا في أوائل ديسمبر، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لوكالة أسوشيتد برس: "أردنا نتائج أسرع. ومن هذا المنطلق، للأسف، لم نُحقِّق النتائج المرجوة. وهذه حقيقة". ورغم هذه النكسات، لا يزال مسار الصراع يتجه لصالح أوكرانيا، وفقاً للعديد من الخبراء العسكريين الغربيين؛ وذلك ما دام تحالف الدول القومية الديمقراطية الذي يحافظ على اقتصاد أوكرانيا في زمن الحرب صامداً، واستمرت عمليات نقل الأسلحة في الوصول.مستقبل مقلقفي حين حقَّقت أوكرانيا بعض النجاحات المحدودة هذا العام، فإن الافتقار إلى مكاسب إقليمية كبيرة يُشكِّل مشكلة جليَّة لكييف. ويعتقد التقرير أن التطوُّرات في فصل الشتاء ترسم صورة أسوأ بكثير؛ وذلك نظراً إلى المخاطر الهائلة التي تنتظرها، ومن مؤشرات ذلك:1– احتمالية تعطيل حلفاء بوتين في أوروبا خططَ مساعدات كييف: في أوروبا، من المحتمل أن تؤدي الانتصارات الانتخابية التي حقَّقها حلفاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مثل روبرت فيكو في سلوفاكيا، وخيرت فيلدرز في هولندا، إلى إضافة المزيد من العقبات أمام حزم المساعدات المالية والعسكرية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا؛ فإذا تمكن فيلدرز من تشكيل ائتلاف حاكم وأصبح رئيساً للوزراء، فإن هذا سيهدد عملية النقل المخطط لها للطائرات المقاتلة الهولندية من طراز إف 16 إلى أوكرانيا، وليس هذا فحسب؛ بل قد يتحوَّل أيضاً إلى تهديد كبير لحزم المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي في المستقبل. ومن جانبه، يتمتع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الآن بقدر أكبر من النفوذ في محاولاته لتعطيل سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أوكرانيا، بما في ذلك تعطيل جولة جديدة من العقوبات على روسيا، وحزمة مساعدات مقترحة لأوكرانيا بقيمة 50 مليار يورو (54.9 مليار دولار).2– إغلاق بولندا وسلوفاكيا المعابر الحدودية مع أوكرانيا: شهد الشتاء أيضاً احتجاج سائقي الشاحنات في بولندا وسلوفاكيا، اللتين أغلقتا المعابر الحدودية الأوكرانية، في نزاع حول تصاريح الاتحاد الأوروبي لشركات الشحن الأوكرانية؛ الأمر الذي أثَّر بدوره على تدفُّق المساعدات العسكرية التطوعية القادمة إلى أوكرانيا.3– قلق من نقص المساعدات الأمريكية لأوكرانيا: في حديثه إلى الصحفيين في 4 ديسمبر، أوضح مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جيك سوليفان، بعبارات شديدة اللهجة، أن الأموال التي خصَّصتها الحكومة لأوكرانيا قد أُنفِقت، محذراً من أنه إذا لم يوافق الكونجرس على المزيد من مشاريع قوانين التمويل، فسيؤثر ذلك على قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.وبحسب التقرير، يحاول البيت الأبيض تمرير حزمة مساعدات بقيمة 61.4 مليار دولار لأوكرانيا، مرتبطة بحزمة مساعدات لإسرائيل وتايوان، وهي الحزمة التي يعرقلها الجمهوريون في الكونجرس؛ فعلى الرغم من أن غالبية الجمهوريين يدعمون زيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا، فإن مشاريع القوانين التي تحاول تأمين المزيد من التمويل تعثرت في كل من مجلسَي الشيوخ والنواب منذ أن أطاح تجمُّع الجمهوريين المتشددين المؤيدين لترامب بكيفن مكارثي من منصب رئيس مجلس النواب، واستُبدِلَ به مايك جونسون الذي يعارض المساعدات العسكرية لأوكرانيا.ويشير التقرير إلى أنه بعد انتخاب جونسون رئيساً، بدا كأنَّه يتراجع عن معارضته لتمويل أوكرانيا، في محاولة واضحة لكسب تأييد بعض المتشككين من أنصار ريجان في الحزب الجمهوري. ومع ذلك، اختار محاولة الاستفادة من إلحاح حزمة أوكرانيا التي قدمتها إدارة بايدن لتعزيز برنامج الجمهوريين المناهض للهجرة. ولم يَعُد هذا الأمر معزولاً عن مجلس النواب؛ حيث انضم حتى أعضاء مجلس الشيوخ المؤيدون لأوكرانيا، مثل ليندسي جراهام، إلى زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل في عرقلة الحزمة الأمنية للبيت الأبيض.ومع انحياز الجمهوريين في مجلس الشيوخ إلى الأجندة التشريعية للجناح الجمهوري اليميني المتشدد "تجمع الحرية" في مجلس النواب، يتوقَّع التقرير أن تدخل أوكرانيا فترة عيد الميلاد تحت قصف جوي روسي متواصل بمخزونات ذخيرة الدفاع الجوي المستنفدة؛ وذلك في مقابل عجز الولايات المتحدة عن تجديد تلك المخزونات بسبب المشاحنات السياسية الداخلية لمجموعة صغيرة من المشرعين الجمهوريين المتشددين والمناهضين للهجرة.4– فشل واشنطن وأوروبا في إنتاج احتياجات كييف من الذخيرة: علاوةً على ما سبق، فشلت كلٌّ من الولايات المتحدة وأوروبا في إنتاج ما يكفي من ذخيرة المدفعية لتلبية احتياجات أوكرانيا. وأدى هذا النقص إلى أن تصبح كوريا الجنوبية مورداً أكبر لذخائر المدفعية في عام 2023 مقارنةً بجميع الدول الأوروبية مجتمعةً، لكن الإمدادات الكورية ليست – بحسب التقرير – بلا حدود، ولا يزال الإنتاج الأمريكي والأوروبي أدنى من المستويات المطلوبة لدعم أوكرانيا في المضي قدماً. وإذا لم تتم معالجة هذا النقص، فقد تكون العواقب كارثية.5– التوقعات بطول أمد الحرب في أوكرانيا: يرى التقرير أن كل المسارات الآن تشير إلى حرب طويلة في أوكرانيا، وهو ما يجب أن يأخذه في الاعتبار صُنَّاع السياسات ومسؤولو الدفاع الغربيون. وفي هذا السياق، أجرى قائد الجيش الأوكراني الأعلى الجنرال فاليري زالوجني، مقابلة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة مع مجلة إيكونوميست في نوفمبر؛ حيث قال: "تماماً كما حدث في الحرب العالمية الأولى، وصلنا إلى مستوى التكنولوجيا الذي يضعنا في طريق مسدود".6– القلق من احتمالية عودة ترامب إلى الحكم: الحرب الطويلة تزيد أيضاً من حدة أحد أكبر التهديدات؛ إذ يعتقد التقرير أنه حتى لو تمكنت إدارة بايدن من تجاوز حزمة المساعدات الجديدة، وتأمين التمويل العسكري لأوكرانيا بشكل فعال لعام 2024، فإن شبح رئاسة أخرى لدونالد ترامب لا يزال يلوح في الأفق، ويجب أن تؤخذ احتمالات فوزه على محمل الجد.ويعتقد التقرير أن رئاسة ترامب الثانية ستعرِّض الديمقراطية الأمريكية للخطر، بل النظام العالمي برمته، وقد تكون العواقب مدمرة بالنسبة إلى أوكرانيا؛ إذ إن رفض ترامب الالتزام بمواصلة دعم أوكرانيا ينبغي أن يدق أجراس الإنذار؛ ليس في كييف فقط، بل في مختلف أنحاء أوروبا أيضاً؛ حيث ستشعر بالتأثيرات الأعظم الناجمة عن هذا التغيير في السياسات.وينوه التقرير أن أول إجراءات عزل ترامب كانت بسبب محاولته ابتزاز أوكرانيا للبحث عن مواد للمساومة يمكن أن يستخدمها ضد بايدن في انتخابات عام 2020، ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن ترامب قد تجاوز هذا المسار. ويشير التقرير إلى أن هناك أيضاً دلائل على أن الروس يدركون ذلك تماماً، وأن استراتيجيتهم على المدى القصير إلى المتوسط هي ببساطة الصمود في أوكرانيا لفترة كافية حتى تتمكن رئاسة ترامب من وقف المساعدات العسكرية الحيوية التي تُقوِّي الجانب الأوكراني في القتال.وقد أشار بوتين مؤخراً إلى أن الروس يتوقَّعون أن تستمر الحرب إلى ما بعد عام 2025. وفي خطابٍ له، قال بوتين إن أوكرانيا سيكون أمامها "أسبوع للعيش" إذا توقَّفت إمدادات الأسلحة الغربية. ومن ثم يشدد التقرير على أنه لا يمكن لأوكرانيا أن تُخطِّط لحرب قد تمتد إلى ما بعد عام 2025 دون الاستعداد لرئاسة محتملة لترامب وكل ما يترتب على ذلك. ومن ثم، يتعين على الحكومة الأوكرانية أن تستعد لكل الاحتمالات، بما في ذلك البيت الأبيض الذي يُعادِي كييف بشدة. ومما يُحسَب له أن زيلينسكي قد اعترف بهذا الاحتمال، وذهب إلى حد دعوة ترامب إلى زيارة كييف.فرص ممكنةومع ذلك، هناك إشارات أكثر تفاؤلاً تشير إلى أن هذه المشاكل مفهومة جيداً، وأن تحالف الدول الداعمة لأوكرانيا يظل ملتزماً بالقضية على المدى الطويل؛ وذلك على النحو التالي:1– تأكيد الأمين العام للناتو ضرورة مساندة أوكرانيا: فقد قال "ينس ستولتنبرج" الأمين العام لحلف الناتو، في مقابلةٍ أُجرِيت معه مؤخراً مع هيئة الإذاعة العامة الألمانية ARD في أوائل ديسمبر: "إن الحروب تتطوَّر على مراحل". وقال: "علينا أن ندعم أوكرانيا في الأوقات الجيدة والسيئة".2– سعي إدارة بايدن للوصول إلى حل وسط بشأن المساعدات لأوكرانيا: أعربت إدارة بايدن عن استعدادها للتوصل إلى حل وسط مع الجمهوريين المعارضين للمساعدات؛ وذلك من أجل محاولة كسر الجمود، ولكن ليس هناك يقين بشأن ما يمكن أن تتجه إليه هذه المفاوضات.3– تمسُّك الاتحاد الأوروبي بمواصلة دعم كييف: من جانب آخر، يظل الدعم لأوكرانيا مرتفعاً في بروكسل. صحيح أن رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، يُشكِّل عامل ضغط على توجهات أوروبا إزاء أوكرانيا، بيد أنه قد يتنازل عن بعض تحفُّظاته مقابل الحصول على بعض المكاسب الإضافية من الاتحاد الأوروبي. وعلى المستوى الفردي، تُواصِل الدول الأعضاء، مثل ألمانيا ودول البلطيق أيضاً، إرسال مساعدات عسكرية كبيرة إلى كييف خارج هياكل الاتحاد الأوروبي.وختاماً، يشير التقرير إلى أنه بالتطلُّع إلى عام 2024، لا يوجد طريق للسلام في أوكرانيا دون هزيمة روسيا. وبالنظر إلى ما بعد عام 2025، فإن مستقبل أوكرانيا بصفتها دولة قومية حرة وديمقراطية، وربما أمن أوروبا برمته، أصبح على المحك؛ ولهذا السبب، لا تستطيع أوروبا، على وجه الخصوص، الشعور بالرضا عن الذات في مواجهة التهديد المتزايد المتمثل في رئاسة ترامب. ويعتقد التقرير أن فتح محادثات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي يُشكِّل بدايةً جيدةً، ولكن إلى أن يتمكَّن الاتحاد من مجاراة المستويات الحالية لإنتاج الذخيرة في روسيا أو التفوُّق عليها، فسوف يبدأ المد في التحول ضد أوكرانيا إذا استمرَّت القيادة الأمريكية في هذه الحرب في التعثُّر. ويرى التقرير أنه لا يمكن ضمان قيادة الولايات المتحدة في هذا الشأن، وفي أي قضية دولية ملحة أخرى. ومن ثم فإنه لكي تحظى أوكرانيا بفرصة تحقيق النصر، يتعيَّن على حلفائها أن يبدؤوا الاستعداد لكارثة الآن.&nbsp;المصدر:Oz Katerji, Ukraine Braces for Political Disaster in 2024, The Economist, December 21, 2023, accessible at: <a href="https://foreignpolicy.com/2023/12/19/ukraine-2024-united-states-congress-aid-russia-war/" rel="noopener noreferrer" target="_blank">https://foreignpolicy.com/2023/12/19/ukraine–2024–united–states–congress–aid–russia–war/</a>

كيف تتزايد الضغوط على أوكرانيا في عام 2024؟