د. محمد عباس ناجي

أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال كلمة أمام البرلمان الإيراني، في 2 مارس 2025، أنه كان يعتقد أن الحوار مع الولايات المتحدة قد يكون الخيار الأفضل، لكنه أكد التزام إيران بتوجيهات المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، برفض أي حوار مع واشنطن تحت الضغط، ولا يمكن قراءة الموقف الإيراني بمعزل عن التوتر المفاجئ الذي طرأ على العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا، في أعقاب اللقاء العاصف الذي جمع بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في واشنطن، في أواخر فبراير 2025، والذي انتهى دون التوقيع على اتفاقية "المعادن" بين الدولتين. وفي الواقع، فإن اهتمام إيران بهذا التطور يعود إلى أنها معنية أولاً بمتابعة اتجاهات السياسة الأمريكية، خاصة في ظل الخلافات العالقة بين واشنطن وطهران لا سيما بعد أن رفضت الأخيرة دعوة الرئيس ترامب لإجراء مفاوضات جديدة، وثانياً تقييم ما يجري على صعيد الجهود المبذولة للوصول إلى تسوية للأزمة التي فرضتها الحرب الروسية – الأوكرانية التي بدأت في فبراير 2022، والتي سوف تكون إيران نفسها محوراً رئيسياً فيها على خلفية علاقاتها القوية مع روسيا ودعمها العسكري للأخيرة، والذي أضاف سبباً جديداً للتوتر المتصاعد بينها وبين الدول الغربية.ترقُّب طهرانيطرح رد الفعل الإيراني إزاء الخلاف الذي تصاعد فجأة بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا دلالات عديدة يتمثل أبرزها فيما يلي: 1- إضفاء وجاهة خاصة على موقف المرشد الأعلى: سبق أن أعلن المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، في السابع من فبراير 2025، رفضه دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإجراء مفاوضات جديدة، حيث أكد أن هذه المفاوضات ليست مشرفة وليست ذكية، وهو موقف يمكن تفسيره في ضوء إدراك إيران أنها في موقف ضعف لا تستطيع بسببه انتزاع امتيازات جديدة أو تقديم مستوى أقل من التنازلات في حالة إجراء أية مفاوضات في المرحلة الحالية. وهنا، كان لافتاً أن وسائل الإعلام الإيرانية سارعت إلى تلقف التوتر المفاجئ بين واشنطن وكييف والذي انعكس في اللقاء المذاع على الهواء، بين ترامب وزيلينسكي، من أجل إضفاء وجاهة وزخم خاص على الموقف الذي تبناه خامنئي قبل نحو ثلاثة أسابيع، وتأكيد أن ما حدث كان من الممكن أن يتكرر مع إيران في حالة ما إذا وافقت على الطرح الذي سبق أن أعلنه الرئيس ترامب، في الرابع من فبراير 2025، بعقد لقاء مباشر مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.2- قطع إيران الطريق على دعوات الحوار مع واشنطن: جاءت تصريحات بزشكيان الرافضة للحوار مع واشنطن في أعقاب تأكيدات وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، بأن طهران لن تجري مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي تحت التهديدات والضغوط، حيث قال عراقجي: "لا إمكانية لإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة طالما يستمر فرض الضغوط القصوى"، وبالتالي فإن تماهي المسؤولين الإيرانيين مع دعوة خامنئي يكشف عن قطع الطريق أمام أيّة محاولات من جانب الإصلاحيين للدعوة إلى الحوار مع واشنطن، إذ إن نهج ترامب في التعامل مع القضايا الحالية يُعزز مخاوف طهران من جدوى أي تقارب محتمل مع الإدارة الأمريكية.3- رغبة إيرانية في عدم إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية: رغم أن التوتر المفاجئ الذي طرأ على صعيد العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوكرانيا قد يفرض تداعيات إيجابية بالنسبة لروسيا التي تحسنت علاقاتها مع الأولى بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، حيث تكررت اللقاءات بين المسؤولين الروس والأمريكيين في السعودية وتركيا، إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته، في رؤية طهران، أن هذا التوتر قد يساعد في تأجيل إبرام صفقة لإنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية، على نحو ترى طهران أنه يتوافق مع حساباتها ومصالحها في الفترة الحالية. إذ إن ذلك معناه استمرار الحرب بين الطرفين، وبالتالي استمرار حاجة روسيا إلى الدعم العسكري الذي تقدمه إيران، ممثلاً في طائرات من دون طيار وصواريخ باليستية قصيرة المدى. كما أنه يعني أيضاً أن أي صفقة محتملة بين موسكو وواشنطن قد يتم تأجيلها، وهي صفقة تبدي طهران قلقاً واضحاً تجاهها، باعتبار أنه قد يكون من ضمن محاورها تقليص الدعم الروسي لإيران خلال الفترة القادمة.ومن دون شك، فإن ذلك، في حالة حدوثه، يمثل ضربة قوية ضد إيران، التي ما زالت تعول على روسيا لدعمها في مسارين: الأول، بناء مزيد من محطات الطاقة النووية خلال المرحلة القادمة. والثاني، إبرام صفقة لشراء مقاتلات "سوخوى 35"، أو منظومات دفاع جديدة من طراز "إس 400" تعوض المنظومة التي تعرضت للتدمير بفعل العمليات العسكرية التي شنتها إسرائيل داخل إيران بواسطة 100 مقاتلة في 26 أكتوبر 2024.4- اتهام المعارضة الإيرانية بالعمالة للولايات المتحدة: استدعت بعض الاتجاهات في إيران التصريحات التي سبق أن أدلى بها المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، في أول مارس 2022، وانتقد فيها السياسة التي تتبناها أوكرانيا، والتي أدت، وفقاً لرؤيته، إلى اندلاع الحرب مع روسيا، حيث اعتبر أن السبب في ذلك يكمن في الدعم الغربي لها، والذي فرض فيما بعد عواقب وخيمة عليها، بدليل ما آلت إليه العلاقات بين أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية بعد لقاء ترامب وزيلينسكي. لكن اللافت هنا، أن إيران لا تهدف عبر إعادة الترويج لتصريحات خامنئي، بعد لقاء ترامب وزيلينسكي، إلى انتقاد السياستين الغربية والأوكرانية، بل إلى شن حملة جديدة ضد قوى المعارضة الإيرانية في الخارج، التي بدأت تسعى إلى استغلال حالة الضعف التي تبدو عليها إيران في المرحلة الحالية بعد الضربات القوية التي تعرض لها نفوذها في الشرق الأوسط على خلفية الحرب التي شنتها إسرائيل في كل من قطاع غزة ولبنان، بداية من السابع من أكتوبر 2023.وقد بدأ بعض أقطاب قوى المعارضة في الخارج، التي تسعى إلى الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية، على غرار ولي العهد السابق رضا بهلوي وزعيمة منظمة مجاهدي خلق مريم رجوي، في تكثيف اتصالاتهم بالعواصم الغربية، والترويج لقدرتهم على الحلول محل النظام الحالي في حالة سقوطه، بل والإيحاء بأنهم يمتلكون قاعدة شعبية واسعة داخل إيران يستطيعون أن يستندوا إليها في صياغة الترتيبات السياسية الإيرانية في مرحلة ما بعد انهيار النظام الحالي.من هنا، فإن إيران تحاول استغلال ما طرأ من توتر مذاع على الهواء بين واشنطن وكييف من أجل تأكيد أن استناد قوى المعارضة في الخارج للدعم الغربي لن يمكنها من تحقيق هدفها الخاص بإسقاط النظام والحلول محله خلال المرحلة القادمة، حتى بعد الهزائم التي تعرض لها ما يسمى بـ"محور المقاومة" الذي تقوده إيران في المنطقة.ختاماً، يشير اهتمام إيران بمتابعة اتجاهات السياسة الأمريكية إزاء الأزمات المختلفة إلى أنها تدرك أن مرحلة جديدة من التوتر والتصعيد سوف تبدأ مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل رفضها دعوة ترامب لإجراء مفاوضات، ثم طرحها شروطاً مسبقة قبل الاستجابة لذلك. ورغم أنها أبدت ارتياحاً لما طرأ من توتر في العلاقات بين واشنطن وكييف، على أساس أن ذلك يمكن أن يؤجل إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية، فإنها تدرك تماماً أن واشنطن لن توفر فرصة من أجل إنهاء هذه الملفات تمهيداً لفتح الملف الأكثر أهمية وهو الخلافات العالقة مع إيران حول البرنامجين النووي والصاروخي والنفوذ الإقليمي.

ما أبعاد تعامل إيران مع التوترات الأمريكية الأوكرانية؟