إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

سعت تركيا مؤخراً إلى تعزيز وجودها الاستراتيجي في قطاع الطاقة الصومالي، وهو ما انعكس في توقيع مؤسسة النفط التركية "تباو" (TPAO) وهيئة النفط الصومالية في 10 أبريل 2025، اتفاقية تحت عنوان "اتفاقية استكشاف وإنتاج الهيدروكربونات". وتضمنت الاتفاقية بدء التنقيب عن النفط والغاز في 3 حقول برية صومالية خلال مايو 2025، خلال زيارة وزير النفط والمعادن الصومالي طاهر شري محمد إلى العاصمة التركية أنقرة. ويبدو أن تركيا تحاول من خلال ذلك تحقيق أهداف استراتيجية واقتصادية، تتمثل في تعزيز حضورها بمنطقة القرن الإفريقي، وتحديداً الصومال، من خلال استراتيجية شاملة تشمل التعاون السياسي والعسكري والاقتصادي، وكذلك تأسيس نقطة انطلاق مهمة نحو التمدد الاستثماري في القارة الأفريقية، كما تأتي الاتفاقية في إطار رؤية تركية أوسع، تهدف إلى توسيع نفوذ أنقرة في مناطق استراتيجية تُطِل على ممرات مائية حيوية، وتشهد تنافساً متزايداً من قوى إقليمية ودولية.تحركات مكثفةتتجه تركيا، فيما يبدو، عبر خطوات متتالية، نحو تعزيز حضورها في الصومال، على مستويات مختلفة، ومنها قطاع التنقيب عن مكامن الطاقة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي: 1– تعزيز الشراكة في قطاع الطاقة: وقَّعت مؤسسة البترول التركية "تباو" شراكة مباشرة مع هيئة البترول الصومالية في 10 أبريل 2025، وهي الشراكة التي تتضمن عمليات مسح زلزالي ثنائية وثلاثية الأبعاد (2D و3D) للتنقيب عن مكامن الطاقة على مساحة تُقدَّر بنحو 16 ألف كيلومتر، تشمل عدداً من الحقول البرية الصومالية خلال المرحلة المقبلة. ولم يكن هذا الاتفاق هو الأول من نوعه؛ فقد سبق ذلك توقيع البلدين في مارس 2024 مذكرة تفاهم، وإرسال أنقرة في أكتوبر 2024 سفينة الأبحاث "الريس عروج" لاستكشاف موارد الطاقة قبالة السواحل الصومالية لاستكشاف وتطوير النفط في البر والبحر؛ ما يشير إلى توجه أنقرة نحو تعميق حضورها في قطاع الطاقة الصومالي.2– القيام بدور الوسيط لتسوية النزاع بين مقديشو وأديس أبابا: لعبت تركيا، خلال الآونة الأخيرة، دور الوسيط في تسوية النزاع بين مقديشو وأديس أبابا بعد تصاعد التوترات، التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، على خلفية توقيع إثيوبيا اتفاقية مع حكومة أرض الصومال لبناء ميناء في المنطقة؛ ما أثار اعتراض الحكومة الصومالية. ونجحت أنقرة في ضبط التوتر بين البلدين، من خلال استضافة محادثات مباشِرة بين إثيوبيا والصومال، كان آخرها في 11 ديسمبر 2024؛ ما يعكس رغبة تركيا في أن تكون لاعباً إقليمياً محورياً داعماً للصومال. ويشار إلى أن أنقرة كانت قد أصدرت بياناً في يناير 2024 يؤكد رفضها واستنكارها الشديدَين لمذكرة التفاهم التي وقَّعتها إثيوبيا مع حكومة أرض الصومال، باعتبارها اعتداء على حقوق ومصالح الشعب الصومالي، كما تتعارض مع القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار.3– نمو حجم التجارة والاستثمار بين الصومال وتركيا: تتوازى مع الخطوات السابقة نمو العلاقات التجارية والاستثمارية بين تركيا والصومال. وقد حاولت الأولى استغلال ذلك في تحقيق أهداف استراتيجية أخرى؛ حيث تواصل وكالة التعاون والتنسيق التركية تقديم الإعانات للصومال، كما يتطلع الطرفان إلى توسيع نطاق التعاون في مجالات استثمار مختلفة؛ حيث ترغب أنقرة في ضخ رؤوس أموال بقطاعَي الزراعة والتكنولوجيا الصوماليَّين، وهو ما انعكس في إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في 22 نوفمبر 2024، عن مشروع إنشاء قاعدة فضائية في الصومال، بتكلفة استثمارية تُقدَّر تكلفتها بنحو 6 مليارات دولار.4– كثافة الزيارات الرسمية بين تركيا والصومال: شهدت الآونة الأخيرة كثافةٌ في الزيارات الرسمية بين البلدين؛ كان آخرها زيارة وفد تركي في 11 فبراير 2025 إلى الصومال، برئاسة نائب وزير الخارجية برهان الدين دوران، بالإضافة إلى استقبال مقديشو في 24 أكتوبر 2024 وفداً تركياً من وزارتَي الدفاع والبترول، كما سبق هذه الزيارة، زيارة رئيس المجلس التنفيذي للشركة التركية المصنعة للطائرات بدون طيار "بيرقدار" إلى العاصمة الصومالية مقديشو في مطلع أكتوبر 2024. وعلى الجانب الآخر، زار الرئيس الصومالي أنقرة أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، كان آخرها في 28 مارس 2025.دوافع جوهريةثمة العديد من الدوافع المحفزة لتكثيف التحركات التركية تجاه قطاع النفط الصومالي، ويتمثل أبرزها فيما يلي: 1– السيطرة على مكامن الطاقة الصومالية: تشير اتفاقية "تباو" التركية مع الصومال إلى رغبة أنقرة في مواصلة العمل على فرض سيطرتها على موارد النفط والغاز الصومالية، على نحوٍ يبدو جلياً في حرصها على إعداد مشروعات لمد بنية تحتية تتعلق بمشروعات الطاقة. وفي رؤية تركيا، فإن السيطرة على مكامن الطاقة الصومالية، يمكن أن يسمح لها بالتمدد في مشاريع الطاقة في باقي دول القارة الأفريقية. وفي رؤية تركيا كذلك فإنه مع استمرار الطلب العالمي على النفط، تزداد أهمية الصومال خلال المرحلة المقبلة في تأمين استقرار إمدادات الطاقة؛ فبجانب كونها مصدراً رئيسياً للاكتشافات الجديدة، فإن موقعها الجغرافي المطل على طرق التجارة العالمية يمنحها دوراً محورياً في إعادة تشكيل مشهد الطاقة العالمي.2– تلبية احتياجات أنقرة من الطاقة: لا يمكن فصل مساعي تركيا إلى تعزيز حضورها في مشاريع الطاقة الصومالية عن رغبتها في توفير احتياجاتها من الطاقة، خصوصاً أنها تمتلك موارد محدودة للغاية من النفط والغاز الطبيعي، وتعتمد على الواردات لتلبية أكثر من 80% من إجمالي الطلب على الطاقة.3– تعزيز دور تركيا كناقل للطاقة: ترى تركيا أن إيجاد موطئ قدم في قطاع الطاقة الصومالي قد يُسمَح لها بإنشاء مشاريعها الخاصة بتسويق ونقل غاز الصومال إلى الأسواق المحلية والقارة الأوروبية، وكذلك موازنة المشاريع الإقليمية والدولية التي طُرحت في الفترة الماضية في قطاع الطاقة الأفريقي، وبما يعزز دورها فاعلاً وشريكاً موثوقاً به في مشاريع الطاقة في أفريقيا. ويشار إلى أن القارة الأفريقية تشهد تحولاً ملحوظاً في قطاع النفط؛ إذ ارتفعت حصتها من الاكتشافات النفطية العالمية إلى 35% في عام 2024 مقارنةً بـ7% فقط في عام 2023، وفقاً لتقرير "إس آند بي جلوبال هاي إمباكت" لعام 2025.4– موازنة تحركات المنافسين: تبذل تركيا جهوداً حثيثة من أجل تعزيز قدرتها على منافسة بعض القوى الإقليمية التي تُبدي اهتماماً خاصاً بتطوير علاقاتها مع الصومال من خلال اتفاقيات عسكرية وتعاون أمني. وعلى ضوء ذلك، تأتي هذه الاتفاقية المتعلقة بالتنقيب عن النفط في الصومال في سياق التنافس الجيوسياسي في القرن الإفريقي؛ حيث يُشكِّل الصومال نقطة ارتكاز هامة؛ نظراً إلى موقعه الاستراتيجي المطل على باب المندب وخطوط الملاحة العالمية. وفي رؤية أنقرة، فإن توسيع الحضور في قطاع النفط الصومالي، يمنحها فرصةً أكبر لمنافسة أو موازنة شركات الطاقة العالمية التي تسعى إلى توسيع مشاريعها الطاقوية في دول القارة الأفريقية التي شهدت اكتشافات نفطية هائلة في الآونة الأخيرة، بالإضافة إلى أن تعزيز التعاون مع الصومال يسمح لها بتعزيز موقعها كفاعل دولي مؤثر في مناطق التَّماس الجغرافي والسياسي في أفريقيا.تعزيز النفوذختاماً: يمكن القول إن توجُّه تركيا نحو تعزيز حضورها في مشاريع التنقيب عن الطاقة داخل الصومال، يشير إلى تحرُّكها التدريجي والمستمر نحو تعزيز نفوذها في منطقة البحر الأحمر، وهو ما تطمح إلى الحصول من خلاله على مكاسب استراتيجية واقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، إلا أن ذلك لا ينفي أنها ستُواجِه تحديات معقدة للإمساك بقطاع النفط الصومالي، منها كثافة اللاعبين الخارجين، بالإضافة إلى التوترات التي تشهدها الصومال، وهشاشة حالة الاستقرار الداخلي.

دوافع تزايد الاهتمام التركي بقطاع الطاقة في الصومال