نهلة عبد المنعم 

أطلقت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية إيلفا يوهانسون، في 10 ديسمبر الجاري، تحذيراً من خطر كبير لاحتمالات وقوع هجمات إرهابية في دول الاتحاد خلال موسم عطلات أعياد الميلاد، مُرجِعة ذلك إلى حالة الاستقطاب التي يعيشها المجتمع الأوروبي حالياً من جراء انعكاسات حرب غزة والاضطرابات المُستمرة بالشرق الأوسط. ولفتت يوهانسون أثناء اجتماع وزراء داخلية الاتحاد في بروكسل، إلى حادث الطعن الذي وقع في العاصمة الفرنسية باريس مطلع ديسمبر الجاري، باعتباره مؤشراً له دلالاته حول مستقبل الأوضاع الأمنية خلال المرحلة المُقبلة.وتأتي احتفالات أعياد الميلاد هذا العام في ظل عودة الهجمات الإرهابية مجدداً إلى أوروبا، على خلفية تحريض الجماعات المتطرفة للذئاب المنفردة على تنفيذ عمليات بالمنطقة، في سياق استغلال الجماعات حرب غزة لتحقيق أهدافها الخاصة. وارتبطت مقدمات مخاطر الموسم الحالي بحادث الطعن الذي نفذه داعشي قيل إن لديه بعض الاضطرابات العقلية. وتسبب الهجوم في مقتل سائح ألماني وإصابة اثنين آخرين بالقرب من برج إيفل بباريس؛ ما يطرح التساؤلات حول نسب تأثر أوروبا بالمخاطر المتعلقة بالإرهاب، ومدى انعكاسه على الأمن والاقتصاد في المنطقة، بجانب أبرز الأهداف التي تسعى إليها الجماعات التكفيرية من تبني الاستهدافات المُحتملة.دوافع مختلفةتُحقق احتفالات أعياد الميلاد بوجه عام فرصاً جوهرية لأهداف الجماعات التكفيرية، إلا أنها تأتي هذا العام وسط دعوات خاصة لتنفيذ استهدافات بالدول الأوروبية لدعمها تل أبيب. وإزاء هذه الحالة المُضطربة، تنشط الآلة الدعائية للجماعات، وتجد في مشاهد العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين مادة ثرية لإعادة إحياء أهدافها بالمنطقة المتمثلة في عودة التنظيمات إلى بؤر الضوء الإعلامي مجدداً، وتجديد دعوات الانضمام إلى صفوفها، ودعم شبكات التمويل الخاصة بها عبر إقناع المتعاطفين بأدوارها في الأزمات الدولية، وفقاً للتطويع الديني الذي يخدم غايتها. ويمكن رؤية متغيرات الاضطراب الأمني على النحو التالي:1- الخشية من توظيف "الإرهاب" التجمعات المُزدحمة لتنفيذ هجمات: تشهد طقوس الاحتفالات بأعياد الميلاد حدوث تجمعات في مناطق سياحية شهيرة بأوروبا، ومن ثم فإن تنفيذ هجمات ضد هذه التجمعات يحقق للجماعات الإرهابية أهدافاً مهمة تتعلق بإيقاع أكبر عدد مُمكن من الضحايا؛ ما يسهم في زيادة تسليط الضوء على أنشطتها لاستغلال ذلك في الإيهام بامتلاكها قدرات عسكرية مؤثرة على الرغم من الإجراءات الأمنية المُتبعة، بجانب إظهار إمكانياتها في إدارة شبكات اتصال بين قادتها والعناصر التابعة للتنظيم ممن تنشر لهم مقاطع مصورة حول اعترافهم بالانتماء لها عقب الهجمات. أما بالنسبة إلى الذئاب المتأثرة عقائدياً دون اتصال تنظيمي مباشر فإن هذه الهجمات تُغذي رغبات الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية لدى أصحاب الهويات المضطربة.وتتعلق أبرز الاستراتيجيات القتالية التي تستخدمها الجماعات الإرهابية ضد التجمعات المزدحمة بمتغيرات الإتاحة الفعلية للأدوات اللوجستية المستخدمة في الهجمات، والقدرات الآلية لإيقاع أعداد أكبر من القتلى والمصابين، مع صعوبة التنبؤ بها أمنياً، مثل:أ- حوادث الدهس: تظهر حوادث الدهس باعتبارها أحد أخطر الاستراتيجيات القتالية المُستخدمة في هذه الحالات، مثلما وقع في احتفالات 2016 بالعاصمة الألمانية برلين، عندما قاد أنيس العامري الذي استقطبه تنظيم داعش، شاحنة مسرعة في سوق عيد الميلاد؛ ما تسبب في مقتل 12 شخصاً وإصابة عشرات آخرين.إن حوادث الدهس استراتيجية رخيصة الثمن نسبياً، ويمكن استخدامها لتنفيذ العملية بأكبر قدر متاح من السرية وعدم لفت أنظار الأجهزة الأمنية؛ إذ يمكن توظيف احتفالات عيد الميلاد نفسها لتسهيل عمليات تأجير الشاحنات ثم استخدامها لحصد أرواح الضحايا في الدول المستهدفة، كما يُحتمل هروب المنفذ إذا لم تتعقبه الأجهزة الأمنية سريعاً أو تحاول اغتياله.ب- هجمات إطلاق النار: إن استخدام الأسلحة النارية ضد التجمعات يحقق الأهداف ذاتها للتنظيمات الإرهابية من حصد أرواح أكثر، ولكنها استراتيجية محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى الإرهابيين؛ لسهولة تعقب عملية تداول السلاح مع احتمالات أعلى لإحباط تنفيذ العملية. ومن أشهر الحوادث التي وقعت في هذا النطاق كان الهجوم الذي نفذه شريف شيخات عبر سلاح ناري في ستراسبورج بفرنسا وراح ضحيته 3 أشخاص في ديسمبر 2018، وأعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنه.ج- عمليات الطعن: تستخدم هذه الطريقة لإيقاع بضع ضحايا في نطاق جغرافي ضيق، بينما تندرج تحت بند الهجمات الانتحارية، ولكن بشكل آخر؛ إذ يسهل السيطرة على المهاجم وتحييده، لكنها تبقى استراتيجية فعالة ضمن إطار العمليات التي يصعب التنبؤ بها أمنياً. واستُخدمت هذه الاستراتيجية في هجوم وقع ليلة رأس السنة بـ2019 في محطة قطارات مانشستر فيكتوريا؛ ما أدى إلى إصابة 3 أشخاص.د- استخدام القنابل والأحزمة الناسفة: تبقى هذه الطرق ضمن الخطط التي يُمكن إحباطها من قبل الجهات الأمنية؛ لفرض إجراءات صارمة على تداول المواد المستخدمة في عمليات التصنيع وكذلك أجهزة الكشف عن المتفجرات، فضلاً عن التكلفة، ومن ثم فإن حوادث الدهس والطعن هي الأخطر والأعلى احتمالاً للتنفيذ، ويحتاج تقويضها جهوداً عالية.2- القلق من استخدام "التكفيريين" الرمزية الدينية للترويج للقتل: تستخدم الجماعات التكفيرية أعياد الميلاد واحتفالات رأس السنة لبث خطابات عقائدية حول شرعية هذه الأعياد ومخالفتها أحكام الدين، وفقاً لرؤيتهم، ومن ثم تروج لاستهداف المحُتفلين كغاية دينية؛ ما يزيد حشد الذئاب المنفردة نحو تنفيذ الهجمات، ويرفع الاستعدادات الأمنية لمواجهة المخاطر المُحتملة.3- الخوف من توظيف "الإرهاب" الأزمات السياسية لتعزيز الحضور: تسعى التنظيمات الإرهابية لتوظيف حرب غزة وكذلك الصراعات السياسية بمنطقة الشرق الأوسط لتنفيذ هجمات في الدول الأوروبية، واستخدم تنظيم داعش دوريته الأسبوعية (النبأ) لتقديم توجيهات لعناصره بتنفيذ هجمات ضد مجتمعات اليهود بالمنطقة، وكذلك استهداف مصالحهم الاقتصادية. ويهدف داعش عبر هذه الدعوات إلى إعادة تسليط الضوء على حضوره عالمياً عقب الضربات العسكرية التي تلقاها المعقل الرئيس للتنظيم في سوريا والعراق من قوات التحالف الدولي.4- السعي للحفاظ على أرباح موسم أعياد الميلاد في ظل الأزمة الاقتصادية: تحتاج أغلب الدول الأوروبية موسم احتفالات أعياد الميلاد هذا العام لتحقيق مكاسب اقتصادية من السياحة والتسوق؛ للتعافي من الآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، بجانب ملفات أخرى أسهمت في الضغط على السياسات المالية للمنطقة، ومن ثم ستسعى دول الاتحاد لتكثيف إجراءاتها الأمنية خوفاً من تأثر أرباح الموسم بأي هجمات إرهابية محتملة؛ ولذلك سارعت السلطات المعنية إلى الاجتماع في بروكسل لبحث المسارات المتاحة لرفع الاستعدادات.5- القلق من احتدام صراع التيارات السياسية المتطرفة في أوروبا: تفرض الظروف السياسية الاستثنائية في أوروبا مزيداً من الدعم الأمني؛ فعلى سبيل المثال، وضعت الشرطة الفرنسية الكاتبة اليهودية روث الكريف، في ديسمبر الجاري، تحت حمايتها لأجل غير محدد بعد، عقب تلقيها تهديدات تخص أمنها من زعيم اليسار المتطرف جان لوك ميلينشون على خلفية اختلاف آرائهما حول حرب غزة.ومن ثم، تخشى الحكومات من تحول الحرب الدائرة في المنطقة العربية إلى أداة للاستغلال السياسي من اليمين أو اليسار المتطرف لتوظيف الزخم الخاص بها في أوروبا، سواء في أوساط اليهود أو المسلمين أو حتى المهتمين بقضايا حقوق الإنسان أو المجتمع الدولي لتأجيج صراعات داخلية تخدم المصالح السياسية للأطراف المتنافسة على الساحة حالياً؛ ما يزيد بدوره من كلفة التأمين الحالية بالمنطقة.مخاوف التسللإن الاجتماعات المنعقدة دورياً في الاتحاد الأوروبي لبحث الإجراءات الممكن اتخاذها خلال الوقت الراهن، تشير إلى إدراك سياسي بماهية المخاطر الأمنية المتعلقة بالمنطقة، في ظل فرص للتوظيف العقائدي للأزمات من أجل إثارة فوضى، بجانب التخوف من استغلال النزوح المرتبط بتداعيات حرب روسيا وأوكرانيا لتمرير عناصر إرهابية قد تندس لأهداف خاصة.إذ علقت إيطاليا في أكتوبر الفائت تنفيذ اتفاقية شنجن مع سلوفينيا مؤقتاً؛ وذلك لرغبة الحكومة في اتخاذ إجراءات أكثر صرامةً على الحدود بينهما تخوفاً من هجمات إرهابية محتملة على خلفية تداعيات حرب غزة، كما أشارت الحكومة إلى أن هذا الإجراء لا يعني أن البلاد تواجه خطراً إرهابياً كبيراً، لكنها تتحسب لاستغلال الجماعات المتطرفة للثغرات الأمنية للطرق المارة عبر دول البلقان حتى دول الاتحاد الأوروبي، التي تُستخدم في الهجرة غير الشرعية. وفي السياق ذاته، رفعت الحكومات الأوروبية درجة الاستعدادات الأمنية لمواجهة التهديدات المختلفة.استباق المخاطروختاماً، يمكن القول إن اتجاه الدول الأوروبية لتشديد إجراءاتها الأمنية يعكس استباق المخاطر المحتمل نشأتها داخل المجتمعات من جراء الاستقطاب العقائدي من الجماعات التكفيرية، أو الاستقطاب السياسي من التيارات المتطرفة يميناً أو يساراً التي تسعى لتوظيف الهالة الإعلامية لأزمة غزة لتحقيق مكاسب سياسية؛ منها إعادة تقديم نفسها للأنظمة الدولية كحليف أوروبي يمكن التوافق معه، وبالأخص داخل الأنظمة التي شهدت توتراً دبلوماسياً مع إسرائيل خلال الأحداث الأخيرة، إضافة إلى نفاذ شعبي أوسع لدى الجاليات المسلمة أو اليهودية، وفقاً للمسارات السياسية المختلفة لكل تيار وكل بلد.ومن ثم يعكس ذلك تنامي التحديات الأمنية في أوروبا التي لا ترتبط فقط بالذئاب المنفردة، وإن كانت دعوات داعش تمثل مخاطر ذات جدية أعلى وفقاً لبيانات الاتحاد الأوروبي الأخيرة، في حين أن احتياج دول المنطقة لإبقاء احتفالات أعياد الميلاد موسماً سياحياً رائجاً يدفعها نحو مزيد من تشديد الإجراءات، وبالأخص الإجراءات المتعلقة بحرية التنقل الحدودية وفقاً لقواعد شنجن.ومن جهة أخرى، هناك مخاوف تتعلق بمدى استمرار الحكومات الأوروبية في الحفاظ على مسارات الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وقيم التعددية المتعلقة بالداخل فقط، وكذلك الارتباطات القانونية للاتحاد الأوروبي في ظل تحديات أمنية قد تُوظف لصالح أهداف سياسية للتيارات المختلفة؛ منها التيارات الحاكمة.

لماذا يخشى الاتحاد الأوروبي من وقوع هجمات إرهابية خلال الأعياد؟