د. محمود زكريا

تُعد كينيا إحدى دول إقليم شرق أفريقيا المتأثرة بالتهديدات والأنشطة الإرهابية العابرة للحدود، ولعل من مظاهر ذلك تفجير عبوة ناسفة في بلدة "إلواك" بمقاطعة "مانديرا" شمال كينيا في 29 أبريل 2024، والتي تعد إحدى أكثر المناطق عرضة لهجمات حركة الشباب المجاهدين، التي يُشتبه في تنفيذها هذا الهجوم الإرهابي، وذلك رداً على الدعم العسكري الذي تقدمه كينيا للجهود الوطنية ومتعددة الأطراف تحت مظلة بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS). وقد أسفر هذا الحادث عن سقوط ما لا يقل عن (12) شخصاً من المحليين وغير المحليين، ومن بينهم مدرسون وممرضون وضباط شرطة. ويمكن بوجه عام قراءة النشاط الإرهابي في كينيا خلال الآونة الأخيرة في ضوء جملة من الأبعاد المؤثرة والعوامل المحفزة.أبعاد رئيسةثمة جملة من الأبعاد المؤثرة المرتبطة بواقع النشاط الإرهابي في كينيا، والمتمثلة فيما يلي: 1- النشاط التاريخي لتنظيم القاعدة في كينيا: تعد كينيا من أكثر الدول المستهدفة من قِبل هذا التنظيم، حيث أكدت الخارجية الأمريكية أن خلايا "القاعدة" تعمل في كينيا منذ عام 1995، كما أشارت إلى أن التنظيم قد قام بتطوير نشاط تجاري في كينيا لاستيراد الماس. وقد تعرضت الدولة لأول هجوم من التنظيم في أغسطس 1998 من خلال تفجير سفارة الولايات المتحدة في العاصمة "نيروبي".وأعقب ذلك قيام التنظيم بتنفيذ العديد من العمليات الأخرى، ففي نوفمبر 2002 تم قصف فندق "بارادايس" المملوك لإسرائيليين في بلدة "كيكامبالا" الواقعة شمال مدينة "مومباسا"، مما أسفر عن مقتل (15) شخصاً وإصابة (35) آخرين، كما تم إطلاق صاروخين من طراز "SA-7" في هجوم منسق أطلق على طائرة ركاب إسرائيلية من مطار "موي" الدولي في مدينة "مومباسا"، وأحبطت المخابرات الأمريكية والبريطانية مؤامرة تحطيم طائرة وقيادة شاحنة مليئة بالمتفجرات داخل السفارة الأمريكية في "نيروبي" في يونيو 2003.2- تزايد التهديدات الإرهابية لحركة الشباب المجاهدين: تمثل حركة الشباب أحد الأطراف النشطة في تنفيذ العمليات الإرهابية في كينيا، وتعد بمثابة تنظيم إرهابي يعمل في إطار إقليم شرق أفريقيا، وإن كان تواجدها الرئيس في الصومال. وتتعرض كينيا للعديد من هجمات حركة الشباب المجاهدين منذ دخول قوات الدفاع الكينية إلى الصومال في عام 2011، حيث نفذت الحركة نحو (37) هجوماً عنيفاً في عام 2023، وقد استهدف نحو (11) هجوماً منها المدنيين، في حين استهدف نحو (26) هجوماً قوات الأمن.ولعل من أبرزها الهجوم الذي تم تنفيذه في غابة "بوني" بمقاطعة "لامو" في سبتمبر 2023، والذي أسفر عن مقتل وإصابة عدد غير محدد من جنود قوات الدفاع الكينية، وكذلك الهجوم على مجمع فندقي في "نيروبي" في يناير 2019 مما أسفر عن مقتل (21) شخصاً وإصابة (28) آخرين، واستُخدمت فيه عبوة ناسفة لقتل (11) ضابطاً من وحدة الخدمة العامة في مقاطعة "جاريسا" في أكتوبر 2019، فضلاً عن الهجوم على إحدى الجامعات الواقعة في شمال شرق كينيا في أبريل 2015 والذي أسفر عن مقتل (147) شخصاً.3- تصنيف كينيا ضمن دول التأثير المتوسط للمخاطر الإرهابية: تحتل كينيا الترتيب (18) عالمياً وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2023، وهو ما جعلها ضمن الدول ذات التأثير المتوسط بالنسبة للمخاطر والتهديدات الإرهابية، بيد أن ذلك لا ينفي وجود تهديدات إرهابية مرتبطة بحركة الشباب المجاهدين، والتي تسببت في إحداث وفيات بفعل أنشطتها الإرهابية تقدر بنحو (499) حالة، ومنها نحو (14%) في كينيا ونحو (86%) في الصومال، مع ملاحظة أن إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن الإرهاب المنسوبة إلى الحركة الشباب انخفض من نحو (800) حالة في عام 2022 وذلك بنسبة بلغت نحو (38%).4- انعكاسات مشاركة كينيا في العمليات الإقليمية لمكافحة الإرهاب: تعد كينيا أحد الأطراف الفاعلة لدعم عمليات مكافحة الإرهاب تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، وهو ما تبلور من خلال دعمها بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال "أميصوم" (AMISOM) التي بدأت مهامها في يناير 2007، وانتهت مهامها رسمياً وحلت محلها بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS) في أبريل 2022، وتتبلور مساهمة كينيا في إطارها من خلال المكون العسكري بالأساس، وقد تضمن التفويض الممنوح لهذه البعثة إضعاف حركة الشباب والجماعات الإرهابية الأخرى، وتوفير الأمن للمراكز السكانية وفتح طرق الإمداد الرئيسة، وتطوير قدرات قوات الأمن الصومالية لتمكينها من تولي المسؤوليات الأمنية بنهاية الفترة الانتقالية المحددة حتى نهاية ديسمبر 2024، ودعم جهود السلام والمصالحة في حكومة الصومال الفيدرالية، فضلاً عن المساعدة في تطوير قدرات مؤسسات الأمن والعدالة والسلطة المحلية التابعة للحكومة الاتحادية الصومالية والولايات الفيدرالية.5- التوظيف الإرهابي لمشكلات الاستبعاد والتهميش الإثني: يشكل أحد المحفزات لاستقطاب الجماعات الإثنية لممارسة العمل الإرهابي، حيث لا يعترف النظام الحاكم بالأقليات الإثنية مثل "النوبيين" و"الصوماليين"، وتواجه هذه الأقليات مشكلات في الحصول على وثائق الجنسية، كما تواجه الأقليات اللغوية مثل "تيريك" و"سينغوير" و"سوبا" تحدياً يتمثل في الاختفاء القريب للغاتها، وكذلك تهيمن جماعة "الكيكويو" الذين يشكلون نحو (22%) فحسب من السكان على الحياة السياسة في حقبة ما بعد الاستقلال، وذلك على نحو لم تتح معه للجماعات الإثنية الأخرى التمتع بفرص الوصول للسلطة السياسية والاستفادة من الفوائد الاقتصادية المرتبطة بها.كما تواجه مجتمعات الصيد وجمع الثمار في الدولة من قبيل شعوب "أوجيك" و"سينغوير" و"ياكو" حالة من التهميش والإقصاء منذ فترة طويلة بما في ذلك مصادرة الأراضي والإخلاء القسري، وتشمل الأقليات الضعيفة والمهمشة بشكل خاص المسلمين والرعاة الرحل مثل "الصوماليين" و"الماساي"، بالإضافة إلى العوير (داهالو) وهو مجتمع تقليدي يعتمد على الصيد وجمع الثمار ويبلغ عدده حوالي (3500) شخص ويعيشون في منطقة "لامو" في شرق كينيا؛ حيث يواجهون انعدام الأمن وتهديد المجاعة وفقدان سبل العيش نتيجة للحظر الذي فرضته الحكومة على السكان.6- استغلال تنظيم القاعدة علاقات كينيا الوثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل: يعتبر تنظيم "القاعدة" أن الدعم الأمريكي لكينيا بمثابة عقبة رئيسة أمام إنشاء نظام عالمي تحت السلطة الإسلامية وتحرير العالم الإسلامي من الهيمنة الغربية، حيث تعتبر كينيا إلى جانب الصومال من أكبر الدول المتلقية للمساعدة الأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب، كما تعد من بين البلدان العشرة الأُوَل المتلقية لمخصصات المساعدات غير الطارئة التي تديرها وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) على مستوى العالم. وبوجه عام بلغ إجمالي المساعدات الأمريكية المقدمة لكينيا في عام 2023 نحو (644.4) مليون دولار لتأتي بذلك في الترتيب السادس قارياً.وفي السياق ذاته، تحتفظ كينيا بعلاقات وثيقة مع إسرائيل على كافة الأصعدة، وهو ما قد تراه الحركات الإرهابية مبرراً لتفعيل أنشطتها الإرهابية ضد كينيا؛ حيث تعتبر إسرائيل أول دولة تضع حجر الأساس لسفارتها في كينيا في ديسمبر 1963، كما اتفقت إسرائيل وكينيا على تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب خلال زيارة الرئيس الكيني الأسبق "أوهورو كينياتا" إلى مدينة "القدس" في فبراير 2016، ويضاف إلى ذلك اتفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" والرئيس الكيني "وليام روتو" على تعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي الثنائي في 9 مايو 2023.7- ظهور النزعات الانفصالية المحفزة للاستقطاب الإرهابي: تبلور ذلك من خلال مطالبة السكان المسلمين في منطقة الساحل الكيني بالانفصال؛ حيث يزعم هؤلاء السكان أن مقاطعة الساحل السابقة لم تكن جزءاً من كينيا وكان لها الحق القانوني في وضع منفصل، وترفع هذه الجماعات المسلمة شعار "بواني سي كينيا" الذي يعني أن "الساحل ليس جزءاً من كينيا". ويؤجج من هذه النزعات التهميش الاقتصادي والسياسي؛ حيث تسجل المناطق التي يهيمن عليها المسلمون نسبة عالية من الفقر والأمية، ونتيجة لمجمل هذه الأوضاع ينجذب عدد متزايد من الشباب المسلمين العاطلين عن العمل إلى الجماعات المتطرفة وعلى رأسها حركة الشباب المجاهدين.تداعيات محتملةثمة بعض التداعيات المحتملة لتنامي النشاط الإرهابي في كينيا خلال الآونة المقبلة، والمتمثلة فيما يلي:1- تأثر قطاع السياحة بشكل سلبي: من المرجّح أن يكون هناك تأثير للعمليات والأنشطة الإرهابية على واقع قطاع السياحة في كينيا، والذي يساهم بنحو (9.3%) من الناتج المحلي الإجمالي وفقاً لبيانات وزارة السياحة الكينية لعام 2021، ويستحوذ على نحو (8.7%) من إجمالي العمالة في الدولة وهو ما يمثل نحو (1.08) مليون شخص، ويعد بوجه خاص ثالث أكبر مصدر للعملة الأجنبية في الدولة بعد التحويلات المالية والصادرات الزراعية؛ حيث بلغت أرباحه نحو (2.7) مليار دولار في عام 2023 وذلك بنسبة نمو بلغت (32%) مقارنة بالعام السابق له الذي بلغت خلاله الأرباح نحو (1.8) مليار دولار. وقد تزايد عدد السائحين إلى كينيا بنسبة (32%( ليصل إلى (1.95) مليون في عام 2023، وتعتبر كل من الولايات المتحدة وأوغندا وتنزانيا والمملكة المتحدة والهند من أكبر الدول تصديراً للسياحة إلى كينيا.2- التنامي المضطرد في المخصصات المالية لقطاع الأمن الداخلي: يعزز من ذلك قيام الحكومة الكينية برفع المخصصات لهذا القطاع بشكل ملحوظ من نحو (177.8) مليار شلن كيني في موازنة عام (2023/2022) إلى نحو (338.2) مليار شلن كيني في موازنة عام (2024/2023)، ويأتي ذلك في إطار محاولة رفع قدرة وزارة الدفاع على مواصلة تجنيد جنود إضافيين وجمع المعلومات الاستخبارية ومواصلة برامج التدريب الأمني بغية تقليل خطر زيادة الهجمات الإرهابية في البلاد. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنّ الإنفاق العسكري لكينيا قد ارتفع بوجه عام من نحو (165.58) مليون دولار في عام 2000 إلى نحو (999.54) مليون دولار عام 2023 بنسبة زيادة بلغت نحو (503.6%).3- زيادة احتمالات تأثر كينيا باضطرابات دول الجوار: قد تؤدي الجهود الوطنية لمكافحة الإرهاب في كينيا إلى التأثير على قدراتها العسكرية بشكل كبير وذلك على نحو قد يضعف معه من قدرتها على تحقيق السيطرة التامة على حدودها مع دول الجوار الإقليمي، ويعزز من ذلك عدم استقرار الأوضاع الداخلية في هذه الدول. فعلى سبيل المثال، تعاني أوغندا من العمليات الإرهابية التي تنفذها "القوات الديمقراطية المتحالفة" (ADF) وذلك إلى جانب الأنشطة الإرهابية لجماعة "جيش الرب للمقاومة"، فضلاً عن الاضطرابات السياسية في إثيوبيا بفعل توتر علاقة نظام "آبي أحمد" مع بعض الجماعات الإثنية وعلى رأسها "تيجراي" و"أورومو" و"أمهرة"، بالإضافة إلى عدم استقرار الأوضاع الداخلية في جنوب السودان بفعل الصراع الدائر على السلطة السياسة بين الرئيس "سلفا كير" ونائبه "رياك مشار".وختاماً، يمكن القول إن كينيا تعتبر ضمن الدول الرئيسة المتأثرة بالأنشطة الإرهابية في إطار إقليم شرق أفريقيا، ويرتبط ذلك بالأساس بتنامي المخاطر والتهديدات الإرهابية المصاحبة لحركة الشباب المجاهدين المرتبطة بتنظيم القاعدة، وهو ما فرض معه وضع مسألة مكافحة الإرهاب على رأس أولويات خطط العمل الوطنية لدى صانع القرار انطلاقاً من تأثيرها المباشر على واقع الاستقرار والتنمية في الدولة، وكذلك حرص كينيا على الانخراط في مختلف المبادرات الإقليمية متعددة الأطراف لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الاتحاد الأفريقي.

ما دلالات استمرار النشاط الإرهابي في كينيا؟