د. محمد عباس ناجي

رغم أن الرئيس "مسعود بزشكيان" أبدى قبل الانتخابات تحفظات على القيود المفروضة على الحريات العامة، ومنها قانون العفة والحجاب؛ فإن سقوط نظام الرئيس السوري "بشار الأسد"، في 8 ديسمبر 2024، وفَّر فرصة جديدة أمام الرئيس ليتحرك من أجل تعديل القانون الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في 15 ديسمبر 2024، ويفرض عقوبات على النساء اللاتي يرتدين الحجاب بطريقة "غير مناسبة" وفقاً للسلطات أو اللاتي لا يلتزمن بارتدائه من الأساس.ففي هذا السياق، طلب الرئيس "مسعود بزشكيان"، في 15 ديسمبر 2024، تأجيل إعلان قانون "العفة والحجاب" من جانب مجلس الشورى الإسلامي، وأشارت تقارير إعلامية إيرانية إلى أنه عقد لقاءً مع المرشد الأعلى للجمهورية "علي خامنئي" للنظر في هذا الملف تحديداً؛ حيث أشار إلى إمكانية أن يفرض القانون "آثاراً سلبية اجتماعية"، على نحوٍ دفع المرشد إلى الموافقة على وضع القانون على جدول أعمال المجلس الأعلى للأمن القومي، وهو ما يمكن أن يساعد في تعزيز قدرة الرئيس على الضغط من أجل تعديل القانون الذي أقرَّه مجلس الشورى بأغلبيته الأصولية المتشددة.وقد كان لافتاً أن هذا الجدل تزامن مع الضجة التي أحدثتها المغنية الإيرانية الشابة "براستو أحمدي"، التي سجلت أغاني في إحدى الساحات التاريخية بمحافظة مازندران، في 12 ديسمبر 2024، وهي لا ترتدي الحجاب، ووضعتها على قناة "يوتيوب" الخاصة بها، على نحوٍ دفع السلطات إلى اعتقالها مع الفريق الموسيقي الذي شارك معها، قبل أن تفرج عنهم بعد ذلك بساعات، لكن مع إقامة دعوى ضدها في هذا الشأن.دوافع عديدةيمكن تفسير الخطوة التي اتخذها الرئيس "مسعود بزشكيان" بطلب تأجيل تنفيذ قانون "العفة والحجاب" في ضوء دوافع عديدة، يتمثل أبرزها في:1– إضعاف احتمال استنساخ النموذج السوري: يرى "بزشكيان" أن توقيت تنفيذ قانون "العفة والحجاب"، كان من الممكن أن يمثل "وصفة ممتازة" لاندلاع احتجاجات واسعة في إيران، ربما تتحول إلى "ثورة" ضد النظام الإيراني، على نحوٍ قد يؤدي إلى تكرار النموذج السوري في إيران. وفي رؤيته، فإن المحفزات التي يمكن أن تدفع إلى تكرار ما حدث في سوريا داخل إيران كثيرة، بدايةً من تفاقم حدة الأزمة الاقتصادية، على نحوٍ بدا جلياً في تراجع العملة الوطنية على سبيل المثال؛ حيث وصل الدولار إلى نحو 75 ألف تومان في السوق السوداء، فضلاً عن تصاعد حدة القيود التي تفرضها السلطات على الحريات الاجتماعية، بجانب استمرار التوتر في العلاقات مع القوميات الإيرانية المختلفة الموجودة على الحدود.2– الاهتمام بتهديدات ورسائل رئيس الوزراء الإسرائيلي: يبدو أن النظام في إيران يتابع بقلق التصريحات والرسائل التي يوجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" إلى الشعب الإيراني، وآخرها ما جاء على لسانه في 13 ديسمبر 2024، عندما وجَّه حديثه إلى الإيرانيين بقوله: "إن مستقبل إيران بدون نظام الجمهورية الإسلامية بات قريباً"، مضيفاً: "المرأة، الحياة، الحرية.. هذا هو مستقبل إيران، وهذا هو مستقبل السلام". وقد كانت هذه هي الرسالة الثانية التي يوجهها "نتنياهو" إلى الشعب الإيراني في أقل من شهر.هنا، فإن دوائر صنع القرار في إيران ربما باتت ترى أن إسرائيل بدأت بالفعل مخططاً لتقويض دعائم النظام الإيراني من الداخل، عبر تأجيج الاحتجاجات الاجتماعية، وربما تقدِّم الدعم للجماعات المسلحة التي تنتمي إلى القوميات الإيرانية، وتعاني من سياسات التهميش والإقصاء التي يتبناها النظام؛ ولذا فإن "بزشكيان" ربما اعتبر أن إجراء تعديلات على قانون "العفة والحجاب" يمكن أن يساعد السلطات على احتواء احتمالات اندلاع موجات جديدة من الاحتجاجات التي يمكن أن تفشل السلطات الإيرانية في السيطرة عليها.3– تصاعد ضغوط تيار المعتدلين على الرئيس: يبدو أن تيار المعتدلين – الذي يضم أقطاباً من تيار الإصلاحيين والمحافظين التقليديين – مارسوا ضغوطاً قوية على الرئيس من أجل عرقلة الإجراءات التي يتخذها تيار المحافظين الأصوليين من داخل مجلس الشورى الإسلامي الذي يسيطرون على أغلبيته. وقد بدأ بعض أقطاب المعتدلين خلال الفترة الماضية يوجهون انتقادات لاذعة للرئيس، باعتبار أنه لم يستطع تحويل الوعود الانتخابية التي أعلن التزامه بها إلى خطوات إجرائية على الأرض، وأنه يتجنَّب الدخول في صدام مع المحافظين الأصوليين، بل إن بعض الإصلاحيين لم يتوانوا عن المشاركة في الحملة التي تم شنها ضد الرئيس بعد مرور مائة يوم على تشكيل حكومته، تحت عنوان فشل الحكومة في مواجهة الأزمات التي تتصاعد حدتها تدريجياً في إيران.وقد بدأ بعض الإصلاحيين يشيرون إلى أن الموقف الذي سوف يتخذه الرئيس من قانون "العفة والحجاب" سوف يؤثر على مستقبله السياسي ومستقبل التيار الذي ينتمي إليه بشكل عام؛ ففي هذا السياق، قال الأكاديمي الإيراني "صادق زيباكالام" إن "قانون الحجاب هو انتقام الأقلية ضد الشعب، وإذا استسلم السيد بزشكيان لضغوط الأصوليين فإن مصداقيته سوف تتضاءل، وسوف يضيع اليسار (الإصلاحيين)".ومن هنا، ربما سعى "بزشكيان" عبر إبداء تحفظاته على قانون "العفة والحجاب"، وطلب عرضه مجدداً على المجلس الأعلى للأمن القومي من أجل تعزيز قدرته على المطالبة بإجراء تعديلات فيه، إلى احتواء الضغوط التي تتفاقم من جانب تيار المعتدلين عليه؛ من أجل منع تيار المحافظين الأصوليين من استصدار قوانين جديدة تُقيِّد الحريات العامة وتُقلِّص قدرة المعتدلين على الوصول إلى مناصب عليا في الدولة.4– الرد على محاولات إقصاء "جواد ظريف": لا يمكن فصل هذه الخطوة التي أقدم عليها "بزشكيان" عن الضغوط القوية التي يتعرَّض لها مساعد الرئيس للشؤون الاستراتيجية "محمد جواد ظريف" من جانب تيار المحافظين الأصوليين، الذين سبق أن دفعوه إلى إعلان استقالته من منصبه، في 12 أغسطس 2024، قبل أن يعود إليه مجدداً بعد نحو أسبوعين؛ إذ يشن تيار المحافظين الأصوليين حملة قوية ضد "ظريف"، ليس فقط باعتباره أحد المسؤولين عن الوصول إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، وإنما أيضاً بسبب الانتقادات التي يوجهها في بعض الأحيان إلى التيار المتشدد، خاصةً بعض النواب النافذين في مجلس الشورى.وهنا، فإن الأغلبية التي تنتمي إلى هذا التيار سعت في الفترة الماضية إلى تعديل قانون الجنسية – تحت عنوان "التعيين في الوظائف الحساسة" – بحيث يمكن من خلاله الإطاحة بـ"ظريف" من منصبه، الذي قال رئيس مجلس الشورى "محمد باقر قاليباف" إن وجوده فيه غير قانوني، مستندين إلى تقارير عديدة تشير إلى أن نجلَي ظريف – وهما "مهدي" و"مهسا" – حصلا على الجنسية الأمريكية خلال فترة وجوده في الولايات المتحدة الأمريكية عندما كان يتولى منصب المندوب الإيراني الدائم في الأمم المتحدة.تحركات مضادةمع ذلك، لا يبدو أن تيار المحافظين الأصوليين سوف يتراجع بسهولة عن موقفه المتشدد في هذا الملف تحديداً، الذي يحظى بدعم واضح من جانب مؤسسات عليا في النظام، على غرار الحرس الثوري، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تصاعد حدة التجاذبات السياسية بين حكومة الرئيس "مسعود بزشكيان" وتيار المحافظين الأصوليين خلال المرحلة القادمة، إلا أن الموقف النهائي الذي سوف يتخذه المرشد "علي خامنئي" هو الذي سيحدد المسار الذي يمكن أن ينتهي إليه هذا الخلاف بين المعتدلين والمحافظين في ظل الظروف الصعبة الحالية التي تمر بها إيران على المستويين الداخلي والخارجي.

لماذا طلب "بزشكيان" تعديل قانون "العفة والحجاب"؟