عقد "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية" حلقة نقاشية بعنوان "توازنات أكرا: الاتجاهات المتوقعة في الانتخابات الرئاسية في غانا"، وهي الحلقة التي استضاف فيها المركز د. كينجسلي س. أجومور الأستاذ بقسم العلاقات الدولية، كلية الخدمة العامة والحوكمة، معهد غانا للإدارة، أكرا، غانا. وتناولت حلقة النقاش أبرز الاتجاهات حول الانتخابات الرئاسية الغانية المقرر انعقادها في 07/12/2024م.

خريطة المرشحين

استعرض المتحدث الرئيسي خريطة المرشحين للانتخابات الرئاسية في غانا؛ وذلك على النحو التالي:

1– خوض 12 مرشحاً انتخابات الرئاسة الغانية: أوضح المتحدث الرئيسي أن هناك 12 مرشحاً يتنافسون على منصب رئيس جمهورية غانا، في الانتخابات المقرر إقامتها في 07/12/2024م، لافتاً إلى أن بعض هؤلاء المرشحين لا يتمتعون بفرص حقيقية، ولا يمتلكون خبرة قوية تمكنهم من المنافسة على المقعد الرئاسي، فيما أوضح أن هناك 4 مرشحين رئيسيين هم الأبرز في المنافسات الانتخابية الجارية.

2– تطلُّع نائب الرئيس "محمدو بوميا" إلى الفوز بالانتخابات: لفت المتحدث الرئيسي إلى وجود فرص قوية لدى نائب الرئيس الغاني محمدو بوميا، الذي سيمثِّل فوزُه سابقة تاريخية كأول رئيس مسلم. واكتسب "بوميا" شعبيته من إنجازاته في التحول الرقمي لغانا؛ حيث قاد مبادرات مثل توصيل الأدوية باستخدام الطائرات بدون طيار. وعلى الرغم من مؤهلاته كخبير اقتصادي، وتلقيه تعليمه في أكسفورد، فإنه يواجه انتقادات بسبب التحديات الاقتصادية التي تواجهها غانا، ومنها التضخم القياسي، وانخفاض سعر صرف العملة، وارتفاع تكاليف المعيشة.

وقد يمثل ترشيح "بوميا" أو فوزه فرصة لتجاوز الانقسامات الداخلية، باعتبار أنه قادم من شمال غانا، وهي معقل حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي المعارض (NDC)، إلا أن قدرته على التغلب على الانتقادات الاقتصادية ستظل حاسمة في تأمين فوزه.

3– محاولة الرئيس السابق "جون ماهاما" العودة إلى الحكم: يسعى جون دراماني ماهاما الرئيس الغاني السابق (2012–2017م)، إلى العودة إلى الساحة السياسية، مستفيداً من خبرته السياسية الواسعة، ووعوده بـ"إنقاذ الأمة من صراعاتها الاقتصادية الحالية في عهد الرئيس أكوفو أدو"، وترتكز حملته على تسليط الضوء على فترته الرئاسية التي يقارنها بإخفاقات الإدارة الحالية.

وحينما كان رئيساً، ركز "ماهاما" على تطوير البنية التحتية، لكنه واجه انتقادات بسبب الصراعات الاقتصادية وانقطاع التيار الكهربائي وفضائح الفساد، رغم عدم ثبوت تورطه فيها شخصياً. ومع ذلك، تفاقم مؤشر الفساد في غانا في عهد أكوفو أدو؛ ما أعطى "ماهاما" فرصة للدفاع عن فرص عودته. وفي حين يظل بعض الناخبين متشككين بسبب أوجه القصور السابقة، فإنه يهدف إلى إقناع الغانيين بأنه "الزعيم الذي سيقود البلاد عبر تحدياتها".

4– أجندة اقتصادية لرجل الأعمال "نانا كوامي بيدياكو": يخوض رجل الأعمال البارز "نانا كوامي بيدياكو" الانتخابات مرشحاً رئاسياً مستقلاً، لكنه مدعوم من حزب القوة الجديدة الذي أسسه لتحدي هيمنة نظام الحزبين في غانا، ويُعرف برؤيته المختلفة عن الدوائر السياسية التقليدية، وشعبيته بين الشباب، ويروِّج لنفسه كرجل أعمال "عصامي" و"ناجح"، مع دعمه المبادرات التي تعالج التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية.

ووفق المتحدث الرئيسي، تعتمد أجندة "بيدياكو" الرئاسية على ثلاث ركائز أساسية: التنمية الإقليمية العادلة، والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، وتعزيز الاستقلال الاقتصادي، ويدعو إلى اللامركزية في الفرص الاقتصادية من خلال تمكين المناطق من خلق الثروة والوظائف محلياً، والحد من الاعتماد المفرط على المراكز الحضرية مثل أكرا.

كما يهدف "بيدياكو" إلى تسخير المسطحات المائية في غانا للنقل والري والزراعة، واقتراح حلول مبتكرة مثل مصانع معالجة البطاطا لتعزيز الصادرات وخلق فرص العمل. ومن الركائز الأساسية الأخرى لبرنامجه، توسيع نطاق الوصول إلى الطاقة بأسعار معقولة لجذب المستثمرين، ودعم الصناعات، مع ضمان إدارة أفضل للموارد الطبيعية، مثل الذهب، لصالح الغانيين لا لصالح الكيانات الأجنبية.

5– وضع وزير التجارة السابق خطة لتمويل البنية التحتية: بعد الانفصال عن الحزب الوطني الجديد الحاكم لتشكيل حركة التغيير، أعلن وزير التجارة والصناعة السابق "ألان كيريماتن" عن تحالف جديد مع قوى سياسية أخرى لتحدي هيمنة الحزب الوطني الجديد والمؤتمر الوطني الديمقراطي التي استمرت لعقود من الزمن.

ويتمتع "كيريماتن" بخبرة واسعة في التجارة الدولية، والسياسة العامة، وتنمية المشاريع، والدبلوماسية، خاصةً حينما كان وزيراً للتجارة والصناعة في الفترة (2003–2007م)، التي قاد خلالها برامج مبتكرة لتعزيز الاقتصاد، ولعب دوراً في تشكيل سياسة التجارة في أفريقيا خلال المفاوضات مع منظمة التجارة العالمية والاتحاد الأوروبي، كما لعب دوراً في فعاليات دولية كبرى، مثل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية الثاني عشر، وقمة الولايات المتحدة وأفريقيا.

وتؤكد خطة التحول الكبرى التي وضعها "ألان كيريماتن"، تمويل البنية التحتية المبتكرة من خلال تقليل الاعتماد على الاقتراض، وإعطاء الأولوية لمشاركة القطاع الخاص. ويشمل ذلك تمويلاً متوسطاً إلى طويل الأجل للمقاولين المحليين، وسندات البنية الأساسية للتنمية المستدامة. ويهدف المرشح الرئاسي أيضاً إلى سد الفجوة الرقمية في غانا من خلال تركيب 100 ألف نقطة اتصال إنترنت مجانية، وضمان الوصول الرقمي العادل للمجتمعات الأقل حظاً.

قضايا مؤثرة

حدد المتحدث الرئيسي عدداً من القضايا المؤثرة على توجهات الناخبين في غانا؛ وذلك على النحو التالي:

1– ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة: لفت المتحدث الرئيسي إلى تأثُّر اقتصاد غانا بالتضخم المرتفع، الذي وصل إلى 40.3% في عام 2023م، ارتفاعاً من 31.5% في عام 2022م. وكان هذا الارتفاع الكبير مدفوعاً في المقام الأول بزيادات أسعار المواد الغذائية، والانخفاض السريع في قيمة عملة "السيدي الغاني".

وفيما تباطأ انخفاض قيمة العملة من 60% في عام 2022م إلى 17% في عام 2023م، بسبب السياسات المالية والنقدية الأكثر صرامةً، فإن الضرر الذي لحق بالقوة الشرائية والاستقرار الاقتصادي كان كبيراً. وقد تفاقمت هذه القضايا بسبب الضغوط المالية العالمية، وانقطاعات سلسلة التوريد الناجمة عن الصراعات الدولية مثل حرب أوكرانيا.

2– زيادة مستويات الدين العام في غانا: بلغ الدين العام في غانا ذروته عند مستوى غير مستدام بلغ 92.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2022م، وفي حين انخفض إلى 84.9% في عام 2023م، بعد ضبط الأوضاع المالية وبرنامج تبادل الديون المحلية، تظل مستويات الدين تشكل قيداً شديداً على الصحة المالية للبلاد. وقد حدَّ عبء الدين من قدرة الحكومة على الاستثمار في القطاعات الأساسية، مثل القطاع الصحي والتعليم والمرافق والبنية التحتية والزراعة.

3– تنامي معدلات البطالة بين فئة الشباب: أكد المتحدث الرئيسي أن البطالة، وخاصةً بطالة الشباب، تُعد من أهم شواغل الناخبين في غانا؛ حيث وصلت نسبتها إلى 65% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً في 2023م. ويعكس ذلك قضية أوسع نطاقاً تتمثل في نقص العمالة، وخلق فرص عمل منخفضة الجودة.

4– هيمنة القطاع غير الرسمي على سوق العمل: لفت المتحدث الرئيسي إلى إشكالية يعاني منها سوق العمل في غانا؛ حيث أوضح أن نحو 75% من القوى العاملة في غانا يعملون في القطاع غير الرسمي، الذي لا يوفر سوى القليل من الأمن الوظيفي أو المزايا أو الترقي الاجتماعي. وتُشكِّل هيمنة العمل غير الرسمي عائقاً رئيسياً أمام النمو الاقتصادي والحد من الفقر.

5– تفاقم التفاوتات الاجتماعية بسبب الفساد وسوء الإدارة: لا يزال الفساد يشكل تحدياً كبيراً في غانا، مع انتشار تصورات عدم الكفاءة وسوء الإدارة في المؤسسات العامة. وقد أدت هذه القضايا إلى تآكل ثقة الجمهور، وساهمت في عدم الرضا عن الحُكم، كما أعاق الفساد التنمية الاقتصادية، وأثر سلباً على فرص الاستثمار، فضلاً عن تحويل الموارد من القطاعات الحيوية، مثل التعليم والرعاية الصحية؛ ما أدى إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية.

6– التوترات العرقية والاجتماعية المتصاعدة: لقد شهدت غانا توترات عرقية واجتماعية متصاعدة، تغذيتها النزاعات حول الأراضي والسلطة في مناطق معينة. وتزداد حدة هذه التوترات بشكل خاص في الأجزاء الشمالية والغربية من البلاد؛ حيث أدت المنافسة على الموارد تاريخياً إلى اشتباكات عنيفة. وقد أدت النزاعات حول الزعامات، مثل تلك الموجودة في منطقة داجبون، إلى تقويض التماسك الاجتماعي وتأخير مشاريع التنمية المحلية، على نحو ما أفاد به المتحدث الرئيسي، الذي اعتبر أيضاً أن الانقسامات العرقية في غانا وتتفاقم بسبب تسييس الانتماءات القبلية، مع اتهام الأحزاب السياسية باستغلال هذه الهويات للحصول على ميزة انتخابية.

تحديات انتخابية

استعرض المتحدث الرئيسي عدداً من التحديات التي تواجه المشهد الانتخابي قبيل انعقاد الانتخابات الرئاسية في غانا؛ وذلك على النحو التالي:

1– اتهامات بفرض تعتيم إعلامي على تغطية الانتخابات: واجهت لجنة الانتخابات في غانا ردود فعل حادة بسبب قرارها تقييد وصول وسائل الإعلام إلى مراكز جمع الأصوات خلال انتخابات 2024م؛ حيث وضعت مذكرة لجنة الانتخابات قيوداً تسمح بثمانية منافذ إعلامية فقط في مراكز جمع الأصوات في الدوائر الانتخابية، و12 في المراكز الإقليمية، وهو القرار الذي يرى المنتقدون أنه يقوض الشفافية وحرية الإعلام.

وأدانت المنظمات الإعلامية وجماعات المجتمع المدني القيود المفروضة، مشددةً على أنها تستبعد منصات الإنترنت والصحف والعديد من الإعلاميين؛ ما أثار مخاوف بشأن التحيُّز في عملية الاختيار، واعتبروا أن هذه التدابير تخلق بيئة معلومات خاضعة للرقابة؛ ما يؤدي إلى تآكل ثقة الجمهور بالعملية الانتخابية. علاوة على ذلك، واجهت المؤسسات في غانا ضغوطاً متزايدة بسبب تضييق المساحة المتاحة لمنظمات المجتمع المدني، على نحو ما كشف عنه المتحدث الرئيسي.

2– احتجاجات على مُخالفات مزعومة بقوائم الناخبين: نظَّم حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي أكبر أحزاب المعارضة في غانا، احتجاجات واسعة في جميع أنحاء البلاد للتعبير عن رفضه ما وصفها بـ"مخالفات" في قوائم الناخبين، مطالباً بإجراء تدقيق جنائي مستقل للتأكد من نزاهة السجل الانتخابي؛ حيث اتَّهم الحزب اللجنة الانتخابية بنقل الناخبين بشكل غير قانوني إلى مراكز اقتراع مختلفة دون علمهم؛ ما يهدد نزاهة الانتخابات. وشارك آلاف المتظاهرين مُرتدين ملابس حمراء وسوداء في مسيرات بالعاصمة أكرا، داعين الهيئات الدولية ومنظمات المجتمع المدني إلى التدخُّل.

3– مخاوف من محاولات شراء أصوات الناخبين: أعرب ائتلاف مراقبي الانتخابات المحليين عن مخاوفه بشأن حوادث شراء الأصوات، ووصف هذه الأفعال بأنها تمثل تهديداً لنزاهة الانتخابات. وحث ائتلاف مراقبي الانتخابات المحليين على إجراء تحقيقات سريعة واتخاذ تدابير صارمة لمنع الانتهاكات المحتملة.

وأوضحت اللجنة الانتخابية في غانا أن معالجة مزاعم شراء الأصوات تقع خارج نطاق اختصاصها، مؤكدة أن مثل هذه القضايا تقع ضمن مسؤولية وكالات إنفاذ القانون، مثل الشرطة ومكتب المدعي العام الخاص؛ وذلك عقب مزاعم تفيد بأن أحد المرشحين وزع وجبات الطعام ومشروبات على الناخبين، خاصةً في ظل انخفاض مستويات الوعي السياسي لدى الناخبين، وتردِّي الأوضاع الاقتصادية.

4– تصاعُد أهمية المناطق المتأرجحة في التصويت: تشير التقارير إلى أن الديناميكيات الانتخابية في غانا قد تغيرت بشكل كبير؛ حيث تم تصنيف ما يقرب من 30% من الناخبين الآن على أنهم ناخبون متأرجحون، مقارنةً بـ13% فقط في عام 2000م. ويُعد الناخبون المتأرجحون في الغالب من الرجال الحضريين المتعلمين وكبار السن، مع إظهار بعض المجموعات العرقية، مثل "إيوي"، انقسامات حول التصويت. ويعزز هذا الاتجاه المساءلة السياسية، ويدفع الحملات نحو التركيز على القضايا الهامة والحوافز الإيجابية.

فوز المُعارضة

وختاماً، تتوقع استطلاعات الرأي فوز زعيم المعارضة بالانتخابات الرئاسية؛ حيث يتقدم الرئيس الغاني السابق "جون دراماني ماهاما" بنسبة 52% من الأصوات، متقدماً على منافسه الرئيسي نائب الرئيس "محمدو بوميا" الذي حصل على 41.3%. ويركز كلا المرشحين على التعافي الاقتصادي والخدمات العامة في حملتيهما. وعلى الرغم من هذا التقارب في نتائج استطلاعات الرأي، فإن هناك توقعات بإمكانية فوز مرشح المعارضة "ماهاما" من الجولة الأولى، دون الحاجة إلى إجراء جولة إعادة.

الاتجاهات المتوقعة في الانتخابات الرئاسية في غانا (حلقة نقاش)