إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

عقد "إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية"، في 10 يوليو 2024، حلقة نقاشية بعنوان "توازنات بغداد: تحولات السياسة الداخلية والخارجية في العراق"، استضاف فيها الأستاذ الدكتور مثنى العبيدي أستاذ العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة تكريت ورئيس الجمعية العراقية للعلوم السياسية والعميد السابق لكلية العلوم السياسية بجامعة تكريت العراق؛ وذلك لاستعراض وتحليل حالة السياسة العراقية على الصعيدين الداخلي والخارجي، في ظل تفاعلات الداخل المعقدة، وتأثيرات الخارج الإقليمي والدولي الذي يشهد العديد من الأزمات والتحديات التي تلقي بظلالها على المشهد العراقي الراهن.تحولات سياسيةوفقاً للحلقة النقاشية، تمثلت أهم التحولات الداخلية المؤثرة على السياسة العراقية، في عدد من النقاط يمكن استعراضها على النحو التالي:1– انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية: وهو أمر تكرر في السابق عدة مرات، لكن الجديد هذه المرة، بحسب الحلقة، هو المدى الزمني المستمر لذلك الانسحاب، واعتزام زعيم التيار مقتدى الصدر أن يكون هذا الانسحاب دائماً.2– تشكيل ائتلاف إدارة الدولة وإعلان الحكومة: حيث استغرق تشكيل ذلك الائتلاف، ومن ثم تسمية رئيس الحكومة الحالية محمد شياع السوداني، أكثر من عام بعد الانتخابات، في ظل اختلافات حادة بين مكونات العملية السياسية العراقية.3– إزاحة محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان: وهو الحدث الفارق الذي شهدته العراق في نوفمبر 2023، وما تبع ذلك من فراغ بالمنصب حتى الآن، في ظل اختلاف المكون السني على تسمية بديل توافقي للحبلوسي لرئاسة البرلمان.4– استمرار وتجذر الخلافات بين القوى السياسية السنية: بحسب الحلقة، فإن هناك خلافات عميقة داخل المكونات البينية للقوى السياسية السنية، إلى حد أدى على غياب" المشروع السياسي" الموحد للقوى السنية العراقية، إضافة إلى تمحور القوى السياسية السنية حول أشخاص لا حول برامج، بما زاد من حدة التنافس على المناصب والزعامات وقلص من حضورها السياسي في المشهد العام بالدولة.5– تصاعد الخلافات العميقة بين القوى السياسية الشيعية: وفقاً للحلقة فإن ما يفرق القوى الشيعية العراقية أكثر مما يجمعها، الخلافات البينية حول مرجعية إيران الدينية للشيعة، وصولاً إلى الخلاف حول حدود الدور والتبعية السياسية لطهران في السياسة العراقية. وترى الحلقة أن قوة المكون السياسي الشيعي العراقي يعود في الأساس إلى ضعف وتشرذم القوى السياسية السنية.6– تواصل حالة الشقاق بين القوى السياسية الكردية بإقليم كردستان: أشارت الحلقة إلى الخلافات التاريخية بين الحزبين الكرديين الرئيسيين منذ عام 1975، حين انشق الاتحاد الوطني الكردستاني ذو التوجهات الماركسية عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ذي التوجهات المحافظة. ومع الترتيبات الجديدة في العراق، تخطى الصراع بين الحزبين البعد الأيديولوجي إلى خلافات حول المصالح والمناصب والمكتسبات.7– جدلية العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان: حيث تنحو حكومة الإقليم باتجاه التعامل كدولة لا كحكومة إقليمية تحت كيان مركزي. وفي هذا الإطار، يتجدد النقاش حول تفسيرات المادة 140 من الدستور العراقي لعام 2005، حول المناطق السكانية المختلطة المتنازع عليها، وكذلك الحق في الاستحواذ على موارد الإقليم النفطية وإيرادات الضرائب وغيرها من المدخلات المالية.محددات أمنيةأكدت الحلقة النقاشية عدداً من المحددات الأمنية المؤثرة على السياسة العراقية الراهنة، وهي المحددات التي تمثلت في مجموعة من العناوين الجامعة التي يمكن تناولها فيما يلي:1– الخلاف حول الوجود العسكري الأمريكي بالعراق: منذ إعادة تموضع القوات الأمريكية في العراق عام 2014 في إطار التحالف الدولي ضد داعش، والجدل مستمر – وفقاً للحلقة – حول مواقف القوى السياسية من الوجود العسكري الأمريكي في البلاد. وتزايد هذا الجدل بشكل أكبر منذ 2017 مع انحسار تنظيم داعش وتحقيق التحالف الدولي بقيادة واشنطن أهدافها العسكرية بشكل كبير.2– استمرار جيوب داعش بمناطق استراتيجية مهمة: رغم انحسار تنظيم داعش والقضاء على دولته المزعومة في العراق والشام، لا يزال للتنظيم وجود وتموضع مهم ببعض المناطق الاستراتيجية في العراق، كما أنه لا يزال يحتفظ بقدرات عسكرية تُمكِّنه من شن الهجمات بين الحين والآخر.3– بقاء معضلة "السلاح المنفلت" على نطاق واسع: وفقاً للحلقة، فإن فوضى السلاح باتت معضلة أمنية أساسية تُلقِي بظلالها على المشهد السياسي في العراق؛ فالتمركزات التسليحية، بما فيها الأسلحة الثقيلة، ليست في يد التنظيمات والميليشيات التي باتت دولة داخل الدولة، بل أيضاً صارت بحوزة العشائر والقبائل الكبرى في البلاد، وسرعان ما تظهر في الخلافات القبلية والنزاعات العشائرية بشكل حاسم.4– التصعيد الأمني الداخلي بفعل الأزمات الإقليمية: اعتبرت الحلقة أن العراق تحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الدولية والإقليمية، وخاصةً بين الولايات المتحدة وإيران؛ الأمر الذي زادت حدته منذ مقتل سليماني والمهندس، وتصاعدت بشكل غير مسبوق على وقع أزمة الحرب الإسرائيلية على غزة.تأثيرات الخارجخلصت الحلقة إلى جملة من التحولات الخارجية التي ألقت بظلال كثيفة من التأثير على المشهد السياسي العراقي ككل. ويمكن بيان تلك التحولات على النحو التالي:1– تزايد التدخلات الإيرانية والتركية في الداخل العراقي: مع تصاعد التدخلات العسكرية الإيرانية، بدعوى محاربة التنظيمات الإيرانية المعارضة المتمركزة بالعراق، والتدخلات التركية بزعم محاربة حزب العمال الكردستاني المتموضع بإقليم كردستان؛ باتت الساحة العراقية ميداناً عملياتياً مفتوحاً للأنشطة الإيرانية والتركية بما يمس سيادة العراق على أرضه.2– تصاعد مؤشرات التقارب العراقي الخليجي: خلال السنوات القليلة الماضية، أكدت الحلقة حالة التقارب الراهنة بين العراق ودول الخليج، في إطار عودة العراق إلى حاضنته العربية، ودعم دولة الإمارات والسعودية لتلك العودة بشكل فاعل، وصولاً إلى مؤتمرات القمم العراقية الثلاث التي عُقِدت خلال السنوات القليلة الماضية مع كلٍّ من مصر والأردن، مع وجود دور فرنسي وأمريكي مُرحِّب بذلك التوجه لدعم سيادة العراق ضد الانتهاكات الإيرانية والتركية.3– استمرار الجدل حول العلاقات العراقية الأمريكية: وفقاً للحلقة، فإن الولايات المتحدة هي الفاعل الدولي الأول في العراق، ولا يزال ملف القوات الأمريكية في العراق ملفاً جدلياً بين القوى السياسية العراقية على اختلاف مكوناتها، وتوجهاتها العرقية، والمذهبية، والسياسية. وأشارت الحلقة إلى تأخر دعوة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لزيارة واشنطن في حين أن الولايات المتحدة كانت عادةً الوجهة الأولى خارجياً لأي رئيس وزراء عراقي سابق، كما أشارت إلى دور واشنطن في "ملف الدولار" مع تضييقها على المصارف العراقية في إطار هاجس اختراق إيران العقوبات عبر البوابة العراقية.4– تداعيات حرب السابع من أكتوبر بين إسرائيل وحماس: بحسب الحلقة، فقد عقَّدت أزمة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ أكتوبر 2023، المشهد الأمني في العراق بشكل غير مسبوق. ورصدت الحلقة نحو 100 عملية للميليشيات العراقية المسلحة ضد القوات والمصالح الأمريكية بالعراق خلال شهر يونيو 2024؛ الأمر الذي يشير إلى تأثر العراق بالأزمات الإقليمية، وتحوله إلى ساعة لتصفية الحسابات بين القوى النافذة بالإقليم، مع إشارة الحلقة إلى النفوذ الكبير الذي يتمتع به حزب الله العراقي في تلك المعادلة.وختاماً، شددت الحلقة النقاشية على أن الحالة العراقية تتطلب المزيد من المتابعة الحثيثة من قبل الجوار العربي والخليجي؛ لتقوية الاتجاهات التوافقية وتدعيم التقارب الراهن بين بغداد والدول العربية، بالنظر إلى تعقيدات المشهد الداخلي العراقي وتعدد الارتباطات الخارجية لبغداد، وتغلغل العديد من القوى الدولية والإقليمية في السياسة العراقية، وتأثر العراق بالسياقات الخارجية الضاغطة التي ألقت بظلالها على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني والعسكري في البلاد.

تحولات السياسة الداخلية والخارجية في العراق (حلقة نقاشية)