كرم سعيد

أجرى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني زيارة غير معلنة، في 1 نوفمبر 2024 إلى تركيا، التقى خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وتضمنت الزيارة التي استمرت بضع ساعات مناقشة عدد من القضايا المشتركة بين أنقرة وبغداد، من أهمها تعزيز فرص التقارب الثنائي، بالإضافة إلى الارتدادات السلبية التي فرضتها الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وانعكست على البلدين. وتُعَد هذه الزيارة هي الثانية التي يقوم بها السوداني إلى تركيا منذ توليه منصبه، كما أنها تأتي بعد أقل من أسبوعين على هجوم حزب العمال الكردستاني على مقر شركة الصناعات الدفاعية التركية "توساش".دوافع رئيسيةثمة العديد من الدوافع التي تقف وراء الزيارة غير المعلنة لرئيس الوزراء العراقي لتركيا في هذا التوقيت، يتمثل أبرزها فيما يلي: 1- توسيع نطاق التعاون الأمني بين بغداد وأنقرة: ترتبط الزيارة، في قسم معتبر منها، بالرغبة في توسيع نطاق التعاون الأمني، ولا سيما فيما يتعلق بإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، خاصة بعد تورطه في الهجوم على مقر الصناعات الدفاعية التركية "توساش" في 23 أكتوبر 2024، وهو ما ترتب عليه توجه تركيا نحو تكثيف عملياتها العسكرية في شمال العراق.وفي ضوء ذلك، تصدر ملف ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا إرهابياً المباحثات بين أردوغان والسوداني، خاصة في ظل مساعي الأخير نحو ضبط التدخلات العسكرية التركية الحالية، والتي تأتي رداً على هجوم "توساش"، بتأكيد تركيز الضربات التركية على جيوب الكردستاني، ومنع تمدد المواجهات في الداخل العراقي. وتجدر الإشارة إلى أن العراق في التوقيت الحالي يمارس دوراً مهماً في دعم التحركات الأمنية التركية ضد الكردستاني، خاصة بعد تصنيف بغداد في يوليو 2024 حزب العمال الكردستاني "منظمة محظورة في العراق".2- تنسيق المواقف إزاء التصعيد الإقليمي: أشار رئيس الوزراء العراقي بعد انتهاء زيارته لتركيا، إلى توحيد موقف أنقرة وبغداد حيال الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وأكد أن الممارسات الإسرائيلية ستزيد من حدة التوتر في الإقليم، بالإضافة إلى تهديدها السلم والاستقرار. وتراقب تركيا والعراق الحرب التي تشنها إسرائيل في دول المنطقة، ويحاول البلدان تجنب تداعياتها، فبينما تخشى أنقرة انعكاسات العمليات الإسرائيلية على مصالحها ونفوذها، فإن العراق بدوره يعمل على تجنب استدراجه إلى الصراع الإقليمي المتصاعد، في ظل تنفيذ فصائل مسلحة مدعومة من إيران هجمات على إسرائيل انطلاقاً من أراضيه. وهنا، يمكن تفسير حرص السوداني وأردوغان على توحيد المواقف إزاء هذه التطورات الخطيرة، وما تمثله من تحديات.3- تأكيد الشراكة التجارية بين البلدين: يهدف البلدان في هذا التوقيت إلى توثيق العلاقات الاقتصادية، وتعزيز الشراكة التجارية، ولا سيما فيما يتعلق بممر التنمية. إذ استضافت بغداد في أواخر أكتوبر 2024، وقبل زيارة السوداني لتركيا، الاجتماع الثاني للمجلس الوزاري الرباعي بشأن طريق التنمية الممتد بطول 12000 كم من مدينة البصرة العراقية إلى الحدود التركية، بميزانية استثمارية تقدّر بنحو 17 مليار دولار، ويهدف بالدرجة الأولى إلى نقل البضائع بين أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي. وفي ضوء ذلك، كان ملف الاقتصاد بين البلدين هو أحد أهم الملفات التي تمت مناقشتها بين أردوغان والسوداني. ويعد العراقُ الشريك التجاري الثالث لتركيا بعد كل من إيطاليا والولايات المتحدة، وقد وصل حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا إلى نحو 20 مليار دولار بنهاية النصف الأول من عام 2024.4- احتواء تأثير القضايا الخلافية الثنائية: تسعى بغداد إلى احتواء تأثير القضايا الخلافية مع أنقرة، وفي الصدارة منها ملفّا النفط والمياه، حيث تشير إحصاءات رسمية إلى توقف صادرات نفط إقليم كردستان منذ مارس 2023 عبر ميناء جيهان التركي، والتي تقدر عوائدها بأكثر من 15 مليار دولار.وفي ضوء ذلك، يستهدف السوداني توظيف علاقات تركيا بإقليم كردستان العراق للوصول إلى تفاهمات مشتركة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية تسمح بعودة تصدير نفط الإقليم عبر تركيا. وبالتوازي مع ذلك، كان ملف المياه حاضراً في زيارة السوداني لتركيا، من خلال حث الأخيرة على تفعيل مبدأ تقاسم الحصص المائية، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين في مجال المياه واستصلاح الأراضي الزراعية، والتي تضمنت حصول العراق على كامل حصته المائية لمواجهة الجفاف والتغيرات المناخية.دلالات رئيسيةفي إطار المعطيات السابقة، تعكس زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى تركيا جملة من الدلالات المهمة، التي يمكن بيانها على النحو التالي:1- توسيع نطاق التعاون الاستراتيجي: ثمة تحركات عراقية مكثفة خلال الفترة الأخيرة من أجل دعم تركيا في مواجهة حزب العمال الكردستاني، وتأتي زيارة رئيس الوزراء العراقي غير المعلنة إلى تركيا في إطار هذه التحركات، والتي تشير إلى الرفض العراقي لأية هجمات إرهابية على الداخل التركي، وهو الأمر الذي ظهر في إدانة بغداد هجوم "توساش" الذي شنه حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى غض الطرف عن العمليات العسكرية التركية الأخيرة على مواقع الكردستاني في شمال العراق. كما كشفت زيارة السوداني عن وجود توافقات مع تركيا لحل القضايا الأمنية، سواء الوجود العسكري التركي في شمال العراق، أو تبرير عمليات الجيش التركي ضد منظمة حزب العمال الكردستاني.2- استقرار العلاقات السياسية بين البلدين: تُشير زيارة السوداني الثانية لتركيا إلى أن العلاقات بين البلدين باتت أكثر استقراراً، وأن التفاهم أصبح عنواناً بارزاً في ضوء سعيهما لوضع شروط وضوابط جدية جديدة تضمن الحفاظ على علاقات مستقرة ومستمرة بين الدولتين، وظهر ذلك في تعزيز البلدين فرص التعاون في المشاريع المشتركة، ومنها ممر التنمية، ومكافحة التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى التفاهم التدريجي لتفكيك القضايا الخلافية.3- تحييد الضغوط الداخلية المتصاعدة: تعكس زيارة رئيس الوزراء العراقي لتركيا وجود تخوفات عراقية من تداعيات الهجمات الإسرائيلية المتقطعة على مواقع المليشيات العراقية الموالية لإيران في الداخل العراقي، والتي تأتي في ظل إصرار هذه المليشيات على مهاجمة أهداف إسرائيلية. وتتصاعد مخاوف السوداني من تورط بلاده في الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة ولبنان. ولعل هذا ما قد يفسر زيارة رئيس الوزراء العراقي المفاجئة لتركيا في هذا التوقيت، وذلك في إطار مساعي السوداني لتعزيز تحالفات حكومته لمواجهة ضغوط مليشيات الداخل العراقي الموالية لإيران، والتي تتسبب مواجهتها مع إسرائيل في إحراج حكومة السوداني في الداخل، وكذلك توظيف التحالف مع تركيا لتأمين الحضور السياسي للسوداني في الشارع العراقي من خلال تأمين دعم الكتل السنية القريبة من تركيا لمصلحة حكومة السوداني.ختاماً، يمكن القول إن زيارة السوداني لتركيا تأتي في توقيت لافت وضاغط، إذ تتزامن مع تصاعد التهديدات الإقليمية، وخاصة الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وانعكاساتها على استقرار العراق. ولذلك من المتوقع أن يشهد العراق انعطافة كبيرة باتجاه تركيا، الجار الجغرافي الأقرب، والأكثر قدرة على توفير دعم سياسي وأمني للعراق حال تفاقم التهديدات، بالإضافة إلى أولوية تركيا في دعم وتعزيز الاقتصاد العراقي.

أبعاد زيارة رئيس الوزراء العراقي غير المعلنة إلى تركيا